برّي والسعداوي ورملنا المتحرّك
حازم صاغيّة الحياة 2005/01/8

برّي والسعداوي ورملنا المتحرّك

ما القاسم المشترك بين رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه برّي والكاتبة والنسوية المصرية نوال السعداوي؟

لا بأس بشيء من الاستعراض والخلفية:

فالأول قال في بيان مكتوب وزّعه: "لا يعقل أن يراقب إبن أمس في الديموقراطية ابن آلاف السنين في ممارستها". والمقصود بكلامه السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان بعد مطالبته بمشاركة بلاده وشريكاتها الغربيات في الانتخابات النيابية المقبلة, ومهاترته مع رئيس الحكومة اللبنانية عمر كرامي حول تدخل المسؤول الأمني السوري في عنجر, العميد رستم غزالة.

أما السعداوي, وهي مرشّحة لرئاسة الجمهورية في مصر, فاعتبرت "الفرصة مؤاتية كي تنال" المنصب الرئاسي, فيما "القضية الوحيدة ربما تكون اعتراض الولايات المتحدة على شخصها". وبكلام حرفي صدر عنها أضافت: "لن تسمح أميركا بأن أحكم مصر لأنها تعلم أنني لن أحقق مصالحها".

سياسي ومثقفة عربيّان يعلنان, من موقعين ومهنتين وبلدين, أن المنطقة تغرق أكثر فأكثر في الهذيان. وهذا ما لا علاقة له بحسن السياسة الأميركية أو سوئها وهي, على العموم, أقرب إلى السوء كثيراً منها إلى الحسن.

إلا أن الهذيان يتبدّى في طريقة فهمها, وطريقة الردّ عليها, وكمية الأخطاء التي تحملها عبارات قليلة أدلى بها سياسي ومثقفة لها صيت يملأ الأفق (بعضه ناجم عن أنها هجّاءة مواظبة لأميركا).

فالأميركي, أولاً, ليس "ابن أمس" في الديموقراطية. نعم, قد تمرّ ديموقراطية الولايات المتحدة في مراحل من التردّي, بل من الانحطاط, إلا أن من المفترض ببرّي (وهو أصلاً محامٍ) أن يكون قد سمع بـ"الأوراق الفيديرالية" وبجيفرسون, وصولاً إلى وترغيت التي أطاحت أحد أقوى الرؤساء الذين حلّوا في البيت الأبيض.

واللبناني, ثانياً, ليس "ابن آلاف السنين" في ممارسة الديموقراطية. تكفي, لتبديد هذا الفولكلور, نظرة سريعة إلى الأمس القريب حين كانت الحرب الأهليّة تفتك بالشعب اللبناني, وكان رئيس المجلس الحالي رئيس إحدى الميليشيات الناشطة في تلك الحرب.

والديموقراطية, ثالثاً, لم تنقض عليها آلاف السنين, بل لم تنقض عليها مئات السنين, اللهمّ إلا إذا كان المتحدث يقصد شرائع حمورابي!

والدكتورة السعداوي, رابعاً, لا تزال تنقصها مليون فرصة مؤاتية كيما تنال المنصب الرئاسي في مصر.

والولايات المتحدة, خامساً, ليست العقبة الوحيدة في طريق السعداوي إلى الرئاسة, هي التي كانت قد تعايشت مع رئاسة جمال عبدالناصر الذي "لم يحقق مصالحها", بل دعمته في 1956 ضد البريطانيين والفرنسيين والإسرائيليين مجتمعين.

إنه, والحق يقال, هذيان عُظامي, يحمل واحداً على أن ينسب إلى نفسه آلاف السنين في ممارسة الديموقراطية, ويدفع الثانية لأن تفترض أن أميركا ما أن تفرك عينيها صباحاً حتى تباشر التفكير فيها والتربصّ بها.

وهذه مجرد عيّنات, إلا أنها عيّنات باهرة. فحين يقول السياسيون العرب كلاماً كهذا, ويقول المثقفون كلاماً كذاك, لا يعود مستغرباً في "الجماهير" أن تفسّر الكارثة الطبيعية التي ألمّت بجنوب آسيا بتجارب نووية أميركية - إسرائيلية - هندية!

إننا نغرق في رمل متحرّك أيها الأخوة الأعزاء.