بعد ان اعلنت المفوضية العليا المستقلة عن استقبالها لقرابة المائة قائمة انتخابية لخوض انتخابات الجمعية الوطنية كانت بينها تسعة قوائم ائتلافية وستة وستين كيانا موزعا بين احزاب سياسية ومنظمات وتجمعات، اضافة الى خمسة وعشرين كيانا كأفراد، فقد بات من الواجب الاطلاع على تلك القوائم وشخوصها وبرنامج كل منها فضلا عن الطريقة والرؤية التي حدت ببعضها للخروج الى العلن منفردة بينما فضّل البعض الاخر الائتلاف ضمن قائمة يعتبرها البعض "غير متجانسة".
بعض القوائم التابعة للاحزاب قد حددت عدد مرشحيها بالسقف المحدد لمقاعد الجمعية الوطنية وهو 275 مقعدا وابرز تلك الاحزاب التي ستدخل الانتخابات على تلك الشاكلة هي الحزب الاسلامي السني والحزب الشيوعي العراقي "قائمة اتحاد الشعب". وبنظرة سريعة نجد ان تلك القوائم لاتعبر الا عن لون واحد وايدلوجية واحدة وشريحة واحدة من المجتمع العراقي! ترى ما السبب الذي جعلها "تنتحر" سياسيا وميدانيا على حد تعبير البعض وتدخل الانتخابات المرتقبة بهذا الثقل العددي غير النوعي والمتنوع؟

القوائم الاخرى والتابعة لاحزاب وتجمعات اكثر تنوعا وهم اصحاب الثقل الميداني والسياسي فقد اقتصرت على عدد يقل بكثير عن السقف المحدد لمقاعد الجمعية الوطنية. ابرز هذه القوائم هي قائمة "الائتلاف العراقي الموحّد" وبلغ عدد مرشحيها 228 مرشحا، قائمة الاحزاب الكوردية والتي سميت "بالتحالف الكوردستاني" فقد بلغ عدد افرادها 165 مرشحا. اما "القائمة العراقية" وهي الحلقة الاضعف في هذا الصنف من القوائم فقد اقتصرت على 233 مرشحا اغلبهم من حركة الوفاق التي يتزعمها رئيس الوزراء الدكتور اياد علاوي.

وبمقارنة بسيطة بين هذين النموذجين من القوائم تتضح لنا جملة من الامور اهمها:

الاحزاب التي دخلت الانتخابات بمرشحين على عدد مقاعد الجمعية الوطنية يبدو انها لم تفكّر جديا بمنطق الخسارة ولم تترك حيزا للمشاركة الجماهيرية مع الاخر. وهي بذلك لم تترك هامشا من الحرية لدى الناخب لان يختار مع قائمتهم من يخالفهم في الاطروحة والرأي وكأنهم يخيرونه بين قائمتهم وغيرها، فبدى الامر اما اسود او ابيض فلابرزخ بينهما ولاهم يحزنون! اما اصحاب القوائم ذات الثقل الميداني والسياسي والقومي والغير مؤدلجين بايدلوجية محددة وصارمة فقد تركوا الباب مفتوحا للناخب لان يختار مع قائمتهم قوائم صغيرة اخرى او افراد. هذا حقيقة اسلوب حديث في الانتخابات يُمارَس فيه التكنينك الميداني والسياسي والاعلامي على حد سواء فضلا عن الذكاء وقراءة الواقع قراءة واقعية ميدانية اكثر منها دعائية. فترك هامش من الحرية والاختيار مطلوب في مثل تلك الحالات خصوصا لو علمنا ان اغلب شرائح المجتمع العراقي انما تتحكم فيها نزعات موزّعة بين الدينية والعشائرية والقومية والمناطقية. اما الحزبية فتأتي في اخر الحلقات والتي لاتكاد تُشكل نسبة تُذكر بالقياس لما تقدم من ارتباطات خصوصا لو علمنا ان اغلب شرائح المجتمع العراقي غير مؤدلجة وتمقت الحزبية اشد المقت وتعتبر كل ماحل بالعراق من مآسي ودمار انما هو بسبب النظرية الواحدة والحزب الواحد والشخصية الواحدة.

ضمن هذا التصنيف تكون حظوظ القوائم الصغيرة والافراد اكثر بكثير من حظوظ قوائم الايدلوجيا الواحدة واللون الواحد. بمعنى ان الافراد قد دخلوا كل الائتلافات وكل القوائم وهم حقيقة لم يدخلوا ايا منها وكذلك قوائم الاحزاب الصغيرة كقائمة "الامة العراقية" مثلا والتي حوت على 25 مرشحا، وجبهة تركمان العراق 63 مرشحا. بدقة اكثر ان من ينتخب قائمة "الائتلاف الوطني الموحّد" سيكون بمقدوره ان يرشّح قائمة "الامة العراقية" مثلا، ومن ينتخب قائمة "التحالف الكوردستاني" سيكون بمقدوره ان ينتخب قائمة "جبهة تركمان العراق"، وقوائم صغيرة اخرى فضلا عن افراد اخرين، والناخب بذلك حر في هامش تركته له تلك القوائم ذات الثقلين الميداني والسياسي عن قصد وتدبير مسبق كما اعده. اما الذين ينتخبون قائمة "اتحاد الشعب" او قائمة الحزب الاسلامي فلن يكون بمقدورهم انتخاب ايا من الافراد او القوائم الصغيرة الاخرى وبذلك فسيكون الناخب امام تجاذبات تؤدي فيه بالنهاية الى اختيار القوائم الاصغر لارضاء مجمل التجاذبات التي تتصارع داخله والنداءات التي تجذب اهتماماته وتطلعاته فضلا عن التنوع الذي تحويه القوائم الصغيرة وهو امر غاية في الاهمية لكسب المزيد من الاصوات والتأييد والدعم، الان ومستقبلا.

الصنف الاخر من القوائم هي على شاكلة قائمة "عراقيون" التي يتصدرها رئيس الجمهورية الحالي السيد غازي الياور ووزير دفاعه السيد حازم الشعلان اللذان أُشيع عنهما انهما في قائمة السيد رئيس الوزراء اياد علاوي في وقت سابق. رفض الاخير لاحتواء وزير الدفاع ورئيس الجمهورية في قائمته يُعد نصرا لقائمته "العراقية" والتي ستصعد حظوظ دخولها الى المجلس الوطني بشكل كبير نظرا لاداء رئيس الوزراء الحالي خصوصا في مجال الامن القومي ومحاربة الارهاب. وما ذلك الا بسبب التصريحات المتشنجة والاداء الضعيف لكل من رئيس الجمهورية ووزير الدفاع التي بدت وكأنها تصريحات لامسؤولة ولاتنم عن خبرة سياسية واعية فضلا عن انها لم تتسم بالدبلوماسية المطلوبة وعدم مطابقتها للواقع. اما تعويل قائمة "عراقيون" على العشائرية فهو رأي لن يؤدي مبتغاه خصوصا لو علمنا ان هذين الشخصين غير مرغوب بهما حتى في الوسط العشائري لما ابدياه من تزمت في قضايا حساسة وجوهرية من وجهة نظر العشائر العراقية وخصوصا مسألة التعرض لرجالات الحوزة العلمية في النجف الاشرف وتحديدا اية الله العظمى السيد علي السيستاني وبعض الشخصيات الوطنية المستقلة امثال الشخصية الوطنية النزيهة العالم النووي الدكتور حسين الشهرستاني الذي وصمه وزير الدفاع حازم الشعلان قبل ايام بالعمالة لايران هو والقائمة التي ضمته فيما هي قائمة "الائتلاف الوطني الموحّد".

حظوظ الفوز والانتحار:

في اخر تعداد للناخبين المؤهلين لانتخاب الجمعية الوطنية والتي يجب الا يتجاوز عدد اعضائها 275 عضوا كان 13.9 مليون ناخب. وكحد ادنى للمشاركة في تلك الفعالية نفترض ان عدد الناخبين الذي سيصلون الى صناديق الاقتراع عشرة ملايين ناخب نظرا للوضع الامني المتدهور في بعض المناطق التي تتعرض لعمليات ارهابية من جماعات عنفية بغيضة. وبحسبة بسيطة يتبين ان المقعد البرلماني الواحد في تلك الحال يساوي قرابة 36300 صوت تقريبا. هذا العدد من المؤيدين ليس سهلا الحصول عليه في حالة القوائم الحزبية التي طرحت قوائمها بـ 275 مرشحا. ولو تدخلت القدرة الالهية في عملية فوزها فلن تحصل الا على مقعد يتيم واحد او مقعدين كأعلى نسبة. اما حظوظ القوائم الصغيرة فهي اكثر بكثير من غيرها، فالناخب لايضره اذا ما انتخب قائمة رئيس الوزراء وقائمة صغيرة اخرى ينتخبها اخر مع قائمة الائتلاف الوطني الموحّد لكن الخاسر في تلك العملية هو احد الفريقين اللذين حوت قائمته على رقم كبير من المرشحين. وفي الوقت الذي تحصل فيه القوائم الكبيرة على صوت واحد من ناخبين اثنين مثلا تكون القوائم ذات العدد المحدود قد حصلت على الصوتين كلاهما. حينها فقط يتبين حجم الربح والخسارة في هكذا حسابات منطقية واقعية وشفافة. اي ان حصول القائمة التي دخلت بـ 25 مرشحا على مقعد واحد في الجمعية الوطنية مثلا ليس كالقائمة التي دخلت بـ 275 مرشح!

ترى هل فعلا قد انتحرت تلك الاحزاب ام هي الثقة المفرطة بقاعدتها الجماهيرية؟! وهل فعلا يتواجد اليوم حزبا جماهيريا على ارض العراق؟! هل كانت تلك الاحزاب على دراية باساليب اللعبة السياسية وخفايا الانتخابات وقراءة الواقع كما هو وليس بعيون متفائلة اكثر من المفروض؟ وهل من خطة بديلة لذلك وبرنامج لتدارك الخلل؟ الوقت وحده كفيل باثبات صدق الرؤية ووضوح الهدف من عدمه! وحتى ذلك الحين نحن على موعد لن نخلفه جميعا فيما هو الثلاثين من يناير 2005. الف مبروك للجميع!