انتخابات العراق رهان مصيري لبوش.. العراقيون جعلوه رابحا باقتدار

بيتر بيكر وروبن وايت *
بالنسبة للرئيس الاميركي جورج بوش كانت الانتخابات العراقية واحدة من أكبر رهانات رئاسته. وقال المتشككون إنه من الجنون اجراء انتخابات في منطقة حرب. وعبر المرتابون عن خشيتهم من حدوث موجة عارمة من العنف. أما بوش فتجاهلهم، وأصر على المضي قدما. وقال مساعدوه ان المكافأة ربما كانت واحدة من أفضل أيام ادارته.
ومهما يكن ما يحدث لاحقا فإن صورة الناخبين العراقيين وهم يتوجهون بطوابير الى مراكز الاقتراع، ويرفعون أصابعهم المصبوغة بالحبر ليظهروا أنهم ألقوا أوراقهم في صناديق الاقتراع ستبقى واحدة من صور مشروع بوش الطموح لتحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط.
قال المؤرخ والتر رسل ميد كبير الباحثين في مجلس العلاقات الأجنبية، «كانت لحظة تألق كبرى في، ومن الواضح ان ذلك يعود الى أن لها الكثير من النتائج الدراماتيكية والتي ستنكشف خلال سنوات كثيرة. ومن المؤكد ان على المرء ان يقول ان نقاد ادارة بوش ارتكبوا الكثير من الأخطاء، كما فعلت ادارة بوش في تقييمها للعراق».
وسواء كانت تلك نقطة انعطاف بالنسبة للمشروع الشاق في العراق أو مجرد لحظة أمل عابرة في تجربة صعبة أخرى، فإن ذلك يعتمد على أحداث الأسابيع والأشهر المقبلة. وبينما احتفلوا بالنجاح الجلي لانتخابات يوم الأحد في العراق فإن بوش ومساعديه كانوا مهتمين بالاعتراف بأنه ما يزال هناك عمل شاق، وان العنف لن ينتهي بين عشية وضحاها. ولكنهم رأوا، على الأرجح، شرعية المسار الخطر الذي اختاروه وفرصة للاستفادة من ذلك داخل البلاد وخارجها. لقد استيقظ بوش صباح أمس الأول، واتصل بزعماء فرنسا وألمانيا والأمم المتحدة الذين رفضوا جهوده في العراق، بينما تحدث مستشاروه عن فرصة جديدة للحصول على مساعدة من الحلفاء البعيدين. ويتوجه بوش اليوم الى خطابه عن حالة الاتحاد بزخم سياسي وافق أن الانتخابات العراقية تمنحه فرصة لالتقاط النفاس بعد اشهر من تحمل الجزء الأساسي في تقديم الدعم للحرب. وقال مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي في مقابلة مع عدد من الصحافيين انه «لا بد أن ما يريح الأميركيين ان الجهد الذي بذلناه لمساعدة الشعب العراقي للوصول الى هذا اليوم، كان جهدا يستحق البذل، حيث ان الشعب العراقي برر ثقتنا به».
وأضاف ان ما هو مبهج حقا هو اداء قوات الأمن العراقية التي ما تزال بحاجة الى اثبات فاعليتها قبل ان تتمكن القوات الأميركية من الانسحاب. وقال هادلي انه «على العموم أدوا مهماتهم بصورة جيدة».
ويوضح طريق الانتخابات العراقية كيف يتعامل بوش في الغالب مع اللحظات الحاسمة في رئاسته. وكما كان الحال مع انشاء وزارة الأمن الداخلي وتعيين لجنة للتحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإن ادارة بوش رفضت في البداية اجراء انتخابات مبكرة في العراق. ولكن بعد أن أرغم آية الله العظمى علي السيستاني، الزعيم الروحي للمسلمين الشيعة، الادارة الأميركية على اتخاذ موقف آخر غير بوش وجهته، واتخذ قراره ورفض التردد بوجه الانتقاد.
وقد ذهل بعض مساعديه من أن ذلك الموقف بدا فاعلا في الوقت الحالي على الأقل. وقال مسؤول كبير طلب عدم الكشف عن هويته «انه واحد من تلك الأشياء، حيث يقول المرء شيئا ما كثيرا ويعتقد به، ولكن يظل جيدا أن يراه المرء يحدث في الواقع».
ومن المفترض أن تعطي الانتخابات دفعة حيوية لرئيس لم يتمتع بشهر عسل حقيقي في ولايته الثانية في الاستفتاءات التي أعقبت انتخابه في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي. ووسط العنف المشتد في العراق، حيث تجاوز عدد الضحايا من الجيش الأميركي 1400 شخص، فإن دعم الحرب من جانب الرأي العام الأميركي استمر على الهبوط. فقد قال 48% فقط ممن جرى استطلاع آرائهم مؤخرا من قبل مركز بيو للأبحاث ان الحرب تسير على ما يرام.
وقال أندرو كوهوت المدير التنفيذي للمركز ان «الجمهور لم يسمع شيئا سوى الأنباء غير السارة من العراق لفترة طويلة». وأضاف ان الانتخابات العراقية التي يعقبها خطاب حالة الاتحاد، يمكن ان الأفكار على المدى القصير، مشيرا الى أنه «من الجيد أن يتحقق نجاح معين. ولكن في نهاية المطاف فإن حالات موت أقل في صفوف الأميركيين ومزيدا من الاستقرار ومزيدا من وقوف العراق على قدميه، هذه هي الأمور التي ستؤثر على وضع بوش».
واظهر الديمقراطيون في الكونغرس أول من أمس، انهم مستعدون لاعطاء بوش درجة متواضعة من المصداقية في اطار الانتخابات العراقية. وبينما اثنوا على الانتخابات باعتبارها معلما من معالم الديمقراطية، فإن عددا من الديمقراطيين البارزين قالوا انه ما يزال يتعين على بوش ان يحدد سياسة أكثر واقعية في أن ينهي بنجاح تورط البلاد في العراق.
وقال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الديمقراطي هاري ريد ان «انتخابات أمس الأول كانت معلما. ولكن في ليلة الأربعاء يتعين على الرئيس ان يتحدث عن خطة واقعية ومفهومة بخصوص العمل الذي لم تتحدد نهاية له بعد: الحاق الهزيمة بالتمرد المتزايد، واعادة اعمار العراق، وتوسيع المشاركة السياسية من جانب جميع الأطراف، خصوصا معتدلي العراق وزيادة المشاركة الدولية. وأكثر من أي شيء آخر نحتاج الى استراتيجية خروج لكي نعرف ما يعنيه النصر وكيف يمكننا تحقيق ذلك».
ان الاحساس بالارتياح في الادارة عززه الاعتراف بالمخاطر القائمة. وقال جيفري كمب، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد ادارة ريغان ان «هناك الكثير من الألغام في طريقنا». ومن بينها: ما هو حجم التمثيل الذي ستحصل عليه الأقلية السنية في الحكومة الجديدة؟ ما هو حجم النفوذ الذي ستتمتع به الحكومة الايرانية التي يقودها الشيعة في الحكومة الجديدة ببغداد؟ وما هو حجم عزم المتمردين على تقويض النجاح الجلي للانتخابات؟
وقال كمب انه «بعد اسبوع او نحو ذلك من الآن سنكون في وضع نحدد فيه ما اذا كانت هذه نقطة انعطاف. لقد علمتنا التجربة اننا يمكن ان نواجه خيبة أمل الى حد كبير».
*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»