الزرقاوي أصدقهم
Feb 5, 2005
بقلم: عبد الرحمن الراشد
اسمعوا عجبا: «نحن ضد الانتخابات لكن لا نمانع من المشاركة في الحكومة». «نحن لا نعترف بالانتخابات، ولا نقر نتائجها، ونطالب الامم المتحدة الا تمنحها الشرعية ايضا، لكن في الوقت نفسه على استعداد للتعاون مع الحكومة الجديدة». الفئة الثالثة قالت: «لا نقر النتائج ونطالب بأن يشرف عليها رجال الدين».
هذه تصريحات الخاسرين الذين كانوا يسخرون من الانتخابات، مؤكدين ان العراقيين سيمضون نهار الأحد الماضي في المقاهي لا في طوابير الاقتراع. هم لوحدهم امضوا النهار في المقاهي، وجاءت النتيجة المدهشة، وهم الآن يحاولون الاستدارة والاستدراك بلغة سياسية، تحفظ لهم ماء الوجه والمشاركة في المشروع السياسي الذي حاربوه.
اكثر الرافضين للعراق الجديد صدقا وانسجاما مع طروحاته هو ابو مصعب الزرقاوي، الذي اذاعها صريحة بأن الانتخابات كفر وسيحاربها اليوم وغدا. مندوب تنظيم «القاعدة» في العراق يرى ان المشروع برمته وتفاصيله مرفوض، ويعتبر الاميركيين، والحكومة الانتقالية، والاقتراع، والدستور، والتعايش بين الطوائف والاديان، وحقوق الأفراد، شركاً وان واجبه يملي عليه محاربتها. ووفقا لرؤيته يجهز الموتى من رجاله كل يوم في رحلات مفخخة متوعدا بهدم العراق الجديد. اما البقية فلا تعني ما تقول. تقول ضد الانتخابات ومع المشاركة في الحكم، مع انسحاب القوات الاميركية ومع الاستقرار المفروض، مع السلم الطائفي وضد الطوائف الاخرى.
ليسوا فقط قادة الفرق المعارضة، بل ايضا يسير على منطقهم الكثير من مؤيديهم في العراق وخارجه، الذين يحاولون تزيين هجمات الزرقاوي على انها اعمال وطنية، في حين أن صاحب المهمة نفسه يعتبر الوطنية كفراً. الاطراف المعارضة تحتفل بأعمال «القاعدة»، على انها دليل على معارضة العراقيين للوضع السياسي القائم، ثم تتنصل منها عندما تضرب سيارات «القاعدة» مراكز مدنية ومساجد وكنائس أيضا. فكيف تستقيم هذه الانتقائية؟ معظم العمليات الانتحارية هي من انجازات شبكة الزرقاوي، على اعتبار انه يملك الرجال الجاهزين للموت بعكس البعثيين، وينفذ وفق دليل «القاعدة» ما تنفذه في دول اخرى، من تفخيخ وتفجير وخطف واستهداف مماثل للاماكن والافراد.
على المعارضة العراقية ان تكون صادقة مع الآخرين، اما ان تكون مثل الزرقاوي، فترفض وتحارب وتتحمل النتائج، او ان تنسحب من ساحة المعارك وتنبذ تأييد العنف وتقبل بالعمل السياسي. بالنسبة للزرقاوي واتباعه قائمة الممنوعات عديدة، ولن يشق عليه ان يجد هدفا في كل حي ومدينة. فهو يعتبر الطوائف الاسلامية الأخرى كافرة. ويرى المرأة التي تخرج من بيتها كافرة. ومن يسمع الموسيقى ويأكل بالشوكة يحل دمه، ويضعهم في نفس القائمة التي تضم حكومة علاوي والقوات الاميركية. حرب الزرقاوي لن تتوقف حتى لو رفع بوش الراية البيضاء، وانسحبت القوات الاميركية، وانتخب الشيخ حارث الضاري رئيسا للدولة. وهذا ما لا يفهمه الذين يخلطون بين الطروحات الدينية والوطنية. لكن الزرقاوي على الأقل يعرف ماذا يريد، ولا يحاول اخفاءه، فهو اكثر صدقا من بقية المعارضين.
alrashed@asharqalawsat.com
الشرق الأوسط