مزارع شبعا العراقية
سلامة نعمات الحياة 2005/02/13

نجاح الانتخابات العراقية، بعد الانتخابات الفلسطينية والافغانية، وجه ضربة مؤثرة للقوى التي سعت الى احباطها، واعطى زخماً متزايداً لفكرة نشر الديموقراطية في المنطقة، من المغرب الى باكستان. إلا ان حكومات عربية، لم تخف استيائها، او فلنقل ازدراءها، لأهمية ما جرى خلال الشهر الماضي.

الاعلام العربي الرسمي وشبه الرسمي، بإستثناءات قليلة، تعامل مع الانتخابات - الحدث، على انها شيء عابر في احسن الاحوال، او كارثة حلّت بالشعب العراقي في اسوأها. واستمات الاعلام، الناطق بلسان الانظمة الحاكمة، لنزع الشرعية عن العملية الديموقراطية، خوفاً من ان تنتقل عدواها الى دول الجوار.

في اليوم التالي للإقتراع التاريخي، نشرت احدى الصحف الاردنية الخبر في الصفحة 19، فيما جاء عنوان صحيفة اردنية اخرى محتفلاً بأن «الانتخابات العراقية حصدت 55 قتيلاً». ولم يكن اعلام الدول المجاورة الاخرى اقل حماسة لتتفيه الحدث وتشويهه، على رغم ان هناك استثناءات تثبت القاعدة.

ليس سراً ان دولاً عربية عدة ألقت بثقلها من اجل تأجيل الانتخابات في العراق، وتلقت، بسبب ذلك، اتهامات بأن مواقفها تناغمت مع الجماعات الارهابية العراقية وغير العراقية، التي هددت بقتل المقترعين. وينسجم مواقف الدول التي عملت من اجل احباط الانتخابات العراقية مع موقفها عشية الحرب التي اطاحت بالنظام البعثي. إذ فيما سعت، عبثاً، عشية الحرب، لإنقاذ النظام، بحجة حرصها على الشعب العراقي، سعت عشية الانتخابات، عبثا، لإنقاذ العراقيين من الديموقراطية.

الواقع هو ان المعارضين للإنتخابات العراقية، تحت غطاء مشكلة تمثيل السنة، كانوا يسعون الى انقاذ انفسهم من هذه الجرثومة التي بدأت تنخر النظام الاقليمي العربي، إثر الزلزال الذي احدثه سقوط صاحب القبور الجماعية. وليس الاعلام الرسمي، وشبه الرسمي، وطريقة تعامله مع الانتخابات الاخيرة، سوى مؤشر الى مدى الرعب الذي اجتاح المنطقة بدرجات متفاوتة.

صحيح ان معضلة تمثيل الاقلية السنية في العراق بحاجة الى معالجة جذرية، اقله لتحقيق هدف الوحدة الوطنية. إلا ان من الضروري اعادة التذكير بأن القوى التي دعت الى المقاطعة، او عملت من اجلها، وبخاصة الجماعات الارهابية، هي المسؤولة عن خلق هذه المشكلة، وليس الفرقاء العراقيين الذين عملوا من اجل مشاركة كل مكونات الشعب العراقي.

يبدو التعامل العربي مع الازمة العراقية، منذ الحرب العراقية - الايرانية حتى اليوم، اشبه بمسلسل من الفشل: فشل عربي في منع صدام من اجتياح ايران، ثم فشل في انهاء الحرب التي تركت مستعرة لمدة ثمان سنوات لتحصد مئات الآلاف من الضحايا. فشل في منع صدام حسين من احتلال الكويت، ثم فشل في اقناعه بالانسحاب تفادياً للحرب المدمرة التي قادتها اميركا لتحرير الكويت. فشل عربي في اقناع صدام بالإستجابة لقرارات مجلس الامن، ثم فشل في منع وقوع الحرب الثانية. فشل في منع اجراء الانتخابات الاخيرة، وفشل في التعامل مع نتائجها.

هل يعقل ان مسؤولاً عربياً واحداص لم يزر بغداد حتى اليوم؟ هل يعقل ان زعيماً عربياً واحداً لم يهنىء الشعب العراقي على نجاح انتخاباته؟

يعيد الموقف العربي من العراق اليوم الى الاذهان موقف سورية من الانسحاب الاسرائيلي احادي الجانب من جنوب لبنان: ممانعة، ثم قبول للإنسحاب، على مضض، ثم... مزارع شبعا!