[align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم
غالب حسن الشابندر
GMT 17:30:00 2005 الأربعاء 2 فبراير
(1)[/align]
لا نقصد بالعراق هنا قطعة أرض مسماة الحدود، أو مجرد ثروات طبيعية من بترول وفسفور وكبريت، أو مصفوفة أعراق وديانات ومذاهب، بل العراق بصيرورته الحضارية الخالدة، بروحه المفعمة بالنشاط العقلي، والجمال الروحي، والثراء الفني. هذا هو العراق الذي نتحدث عنه، ليس عراق هذه الطائفة أو تلك، ولا عراق هذه القومية أو تلك، ولا عراق هذه الشخصية أو تلك.العراق الذي دشن أول نظام أمبراطوري سياسي، عراق الكوفة وبغداد والبصرة.
كان العربي يلتقي أخاه العربي ليسأله من أين، فإذا كان من أهل العراق يقول له: "يا لله، من أهل الرأي!"
وهل ازدهرت مدرسة الرأي إلا العراق؟ وهل قال الأمام علي عن غير العراق بأنه وطن المال والرجال؟ وهل كانت حسرة الحجاج بن يوسف الثقفي من غير عناد أهل العراق؟ وهل وصف الصدر غير العراقيين بالذكاء في كتابه (الأسس المنطقية )؟
دع عنك ما يروون على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تلك أكذوبة معروفة، سطرها الأمويون، وبعضها هي خطب الحجاج بن يوسف الثقفي، وبعد الحرب العراقية الإيرانية حاول الإيرانيون وحملة فكرة ولاية الفقيه من العراقيين (وهم قلة معروفة بالجهل أو الملق) تسويق هذه الأكذوبة.
نتحدث عن العراق بهذه السعة، بهذه الأبعاد الضخمة، ولسنا بذلك مغالين أو مبالغين، وإلا لماذا هذا الاهتمام العالمي في العراق، الاهتمام الذي فاق إهتمامه بالبلقان، والسودان، وافغانستان، وفلسطين، هل من دلالة لهذه المفارقة؟
لان العراق كان بوابة الفتح الإسلامي من جهة الشرق، ولأنه كان قلب حلف بغداد، ولأنه كان وراء كل الانقلابات العسكرية في سوريا طيلة خمسين عاما، ولان العراق كان المنافس القوي لمصر، ولأنه كان البلد العربي الأول الذي كسر احتكار تصدير السلاح من الغرب، وكان البلد الأول الذي دشين فلسفة الانقلاب العسكري، وهو المسؤول عن تصدير الفكر الديني الشيعي إلى العالم العربي وغير العربي،ولأن العراق كل سنة يتحول إلى ظاهرة بشرية طقسية وثقافية لمدة شهرين، رمضان ومحرم الحرام.
هذا هو العراق الذي ينبغي أن نتعامل معه، عراق الصادق وأبي حنيفة، عراق المتنبي والكندي، عراق المسلمين والمسيحيين واليهود والصابئة واليزيدين والشبك، عراق السنة والشيعة، عراق العرب والأكراد والتركمان، عراق الإسلاميين والشيوعيين والقوميين والوطنيين، عراق السهل والجبل والساحل.
أن أولئك الذين يريدون اختصار العراق بصبغة واحدة، بدين واحد، بحزب واحد، بطائفة واحدة، بفلسفة واحدة، بمرجع واحد، بجغرافية واحدة... هؤلاء يقتلون الله !
هذا التنوع العظيم من آيات الله، البلد المتجانس لونا، وقومية، ودينا، ولغة، ومذهبا، وقيادة، جغرافية، ومناخا، وسياسة... هذا البلد ميت، الله غائب في مثل هذه البلدان، ألم نقرا في كتاب الله أن أعظم الآيات على وجوده وتوحيده هو اختلاف الألسن والألوان والطعوم والروائح، فما أعظم العراق إذن !
هذا هو العراق الذي نتحدث عنه، ليس عراق دعوات الانفصال، ولا عراق ولاية الفقيه، ولا عراق السيارات المفخخة، ولا عراق الثقافة ذات البعد الواحد، ولا عراق الحجاب القهري، ولا عراق الكتاب الممنوع، ولا عراق اللوحة المثلومة بمشاريط الإرهاب والجهل، ولا عراق الشعر المراقب، ولا عراق العمامة المتسلطة، ولا عراق المثقف المهادن، ولا عراق الولاء لإيران أو سوريا، ولا عراق الفداء من أجل الغير، ولا عراق الأقلية السائدة والأكثرية المظلومة، ولا عراق المسرح النائح، ولا عراق المنبر البدائي، ولا عراق العادات البالية والتقاليد الميتة، ولا عراق العقل الملجوم،ولا عراق العاطفة الميتة، ولا عراق المحسوبية والمنسوبية.
أنه عراق الإسلام النير، عراق الماركسية الحية، عراق القومية المتسامحة، عراق الوطن الحر، عراق الحقوق والواجبات المتعادلة، عراق الفقيه الوطني، عراق الحزبي الشفاف، عراق العشيرة الأبية، عراق الأسرة المسؤولة، عراق المرجعية الأبوية...
أن نظرة بسيطة على العراق، بهذه السعة من التنوع الحي، بهذه السعة من الاختلاف، على صعيد اللغة، على صعيد الدين،على صعيد القومية، على صعيد العادات والتقاليد، على صعيد الانتساب الاديولجي والسياسي...أن جولة بسيطة على هذه الساحة المتحركة، المتنوعة... نظرة بسيطة تقودنا إلى رفض كل قرار شمولي تجاه العراق، لا مجال للشمولية في العراق، سواء كانت شمولية دينية، أو شمولية قومية، أو شمولية سياسية...
هذا التنوع الهائل يعني حتمية الديمقراطية، يعني حتمية الشراكة السياسية، يعني حتمية الحرية، يعني حتمية الحوار، يعني حتمية فصل الدين عن السياسة هنا، نعم، بكل جرأة أقول ذلك.
الديمقراطية الليبرالية الحرة، المنفتحة، غير المقيدة، الطليقة هي الحل، هي القدر، ذلك بالنسبة للعراق، وهل يجمع كل هذا التنوع المذهل غير الإقرار بالديمقراطية الليبرالية؟
كيف يلتقي المسلم مع المسيحي مع اليهودي مع المندائي مع الايزيدي؟
، كيف يلتقي الإسلامي بالماركسي بالليبرالي؟
كيف يلتقي العربي بالكردي بالتركماني؟
كيف؟
كيف؟
هناك حقيقتان فقط،هناك مقتربان فقط، هما الوطن والديمقراطية، فقط، أليس كذلك؟
كاتب هذه السطور مسلم، يؤمن بهذا الدين العظيم، يدين الله تعالى بالإسلام، ولكنه يرى أن تحكيم الإسلام كنظام حكم وفلسفة تشريع في العراق نذير شؤم بالإسلام ومستقبل المسلمين في هذا البلد، وهكذا مع كل منحى شمولي مهما كانت هويته العقدية.
هذه الدعوات الشمولية الساذجة فضلا عن عدم إتعاضها بالتجارب المرة، كالشيوعية في روسيا، والإسلام في إيران ( وهي اليوم نظام علماني مغلف بالدين ) بل هؤلاء يعبرون عن هوس فكري، عن بلادة وعي، أو هناك مطامع شخصية لا أكثر ولا أقل، وإلا إي إسلام يريد هؤلاء تحكيمه في العراق؟ وأي ماركسية تصلح بعد ذلك الإخفاق الذريع الذي لحق بها في عقر دارها؟ وأي قومية مطلقة يريدها القوميون العرب في العراق وهاهي القومية العربية تصدع ذاتها، تنتهك شرفها؟
هذا العراق الجميل، العراق العظيم بين مصيرين، أما الحياة وأما الموت.
كيف؟
نتحدث في حلقات مقبلة أن شاء الله تعالى..