النتائج 1 إلى 9 من 9
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    Lightbulb مستقبل العراق بين الوجود والعدم....................................غالب حسن الشابندر

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم

    غالب حسن الشابندر

    GMT 17:30:00 2005 الأربعاء 2 فبراير

    (1)[/align]



    لا نقصد بالعراق هنا قطعة أرض مسماة الحدود، أو مجرد ثروات طبيعية من بترول وفسفور وكبريت، أو مصفوفة أعراق وديانات ومذاهب، بل العراق بصيرورته الحضارية الخالدة، بروحه المفعمة بالنشاط العقلي، والجمال الروحي، والثراء الفني. هذا هو العراق الذي نتحدث عنه، ليس عراق هذه الطائفة أو تلك، ولا عراق هذه القومية أو تلك، ولا عراق هذه الشخصية أو تلك.العراق الذي دشن أول نظام أمبراطوري سياسي، عراق الكوفة وبغداد والبصرة.

    كان العربي يلتقي أخاه العربي ليسأله من أين، فإذا كان من أهل العراق يقول له: "يا لله، من أهل الرأي!"
    وهل ازدهرت مدرسة الرأي إلا العراق؟ وهل قال الأمام علي عن غير العراق بأنه وطن المال والرجال؟ وهل كانت حسرة الحجاج بن يوسف الثقفي من غير عناد أهل العراق؟ وهل وصف الصدر غير العراقيين بالذكاء في كتابه (الأسس المنطقية )؟

    دع عنك ما يروون على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تلك أكذوبة معروفة، سطرها الأمويون، وبعضها هي خطب الحجاج بن يوسف الثقفي، وبعد الحرب العراقية الإيرانية حاول الإيرانيون وحملة فكرة ولاية الفقيه من العراقيين (وهم قلة معروفة بالجهل أو الملق) تسويق هذه الأكذوبة.

    نتحدث عن العراق بهذه السعة، بهذه الأبعاد الضخمة، ولسنا بذلك مغالين أو مبالغين، وإلا لماذا هذا الاهتمام العالمي في العراق، الاهتمام الذي فاق إهتمامه بالبلقان، والسودان، وافغانستان، وفلسطين، هل من دلالة لهذه المفارقة؟
    لان العراق كان بوابة الفتح الإسلامي من جهة الشرق، ولأنه كان قلب حلف بغداد، ولأنه كان وراء كل الانقلابات العسكرية في سوريا طيلة خمسين عاما، ولان العراق كان المنافس القوي لمصر، ولأنه كان البلد العربي الأول الذي كسر احتكار تصدير السلاح من الغرب، وكان البلد الأول الذي دشين فلسفة الانقلاب العسكري، وهو المسؤول عن تصدير الفكر الديني الشيعي إلى العالم العربي وغير العربي،ولأن العراق كل سنة يتحول إلى ظاهرة بشرية طقسية وثقافية لمدة شهرين، رمضان ومحرم الحرام.

    هذا هو العراق الذي ينبغي أن نتعامل معه، عراق الصادق وأبي حنيفة، عراق المتنبي والكندي، عراق المسلمين والمسيحيين واليهود والصابئة واليزيدين والشبك، عراق السنة والشيعة، عراق العرب والأكراد والتركمان، عراق الإسلاميين والشيوعيين والقوميين والوطنيين، عراق السهل والجبل والساحل.

    أن أولئك الذين يريدون اختصار العراق بصبغة واحدة، بدين واحد، بحزب واحد، بطائفة واحدة، بفلسفة واحدة، بمرجع واحد، بجغرافية واحدة... هؤلاء يقتلون الله !

    هذا التنوع العظيم من آيات الله، البلد المتجانس لونا، وقومية، ودينا، ولغة، ومذهبا، وقيادة، جغرافية، ومناخا، وسياسة... هذا البلد ميت، الله غائب في مثل هذه البلدان، ألم نقرا في كتاب الله أن أعظم الآيات على وجوده وتوحيده هو اختلاف الألسن والألوان والطعوم والروائح، فما أعظم العراق إذن !

    هذا هو العراق الذي نتحدث عنه، ليس عراق دعوات الانفصال، ولا عراق ولاية الفقيه، ولا عراق السيارات المفخخة، ولا عراق الثقافة ذات البعد الواحد، ولا عراق الحجاب القهري، ولا عراق الكتاب الممنوع، ولا عراق اللوحة المثلومة بمشاريط الإرهاب والجهل، ولا عراق الشعر المراقب، ولا عراق العمامة المتسلطة، ولا عراق المثقف المهادن، ولا عراق الولاء لإيران أو سوريا، ولا عراق الفداء من أجل الغير، ولا عراق الأقلية السائدة والأكثرية المظلومة، ولا عراق المسرح النائح، ولا عراق المنبر البدائي، ولا عراق العادات البالية والتقاليد الميتة، ولا عراق العقل الملجوم،ولا عراق العاطفة الميتة، ولا عراق المحسوبية والمنسوبية.

    أنه عراق الإسلام النير، عراق الماركسية الحية، عراق القومية المتسامحة، عراق الوطن الحر، عراق الحقوق والواجبات المتعادلة، عراق الفقيه الوطني، عراق الحزبي الشفاف، عراق العشيرة الأبية، عراق الأسرة المسؤولة، عراق المرجعية الأبوية...

    أن نظرة بسيطة على العراق، بهذه السعة من التنوع الحي، بهذه السعة من الاختلاف، على صعيد اللغة، على صعيد الدين،على صعيد القومية، على صعيد العادات والتقاليد، على صعيد الانتساب الاديولجي والسياسي...أن جولة بسيطة على هذه الساحة المتحركة، المتنوعة... نظرة بسيطة تقودنا إلى رفض كل قرار شمولي تجاه العراق، لا مجال للشمولية في العراق، سواء كانت شمولية دينية، أو شمولية قومية، أو شمولية سياسية...

    هذا التنوع الهائل يعني حتمية الديمقراطية، يعني حتمية الشراكة السياسية، يعني حتمية الحرية، يعني حتمية الحوار، يعني حتمية فصل الدين عن السياسة هنا، نعم، بكل جرأة أقول ذلك.

    الديمقراطية الليبرالية الحرة، المنفتحة، غير المقيدة، الطليقة هي الحل، هي القدر، ذلك بالنسبة للعراق، وهل يجمع كل هذا التنوع المذهل غير الإقرار بالديمقراطية الليبرالية؟

    كيف يلتقي المسلم مع المسيحي مع اليهودي مع المندائي مع الايزيدي؟

    ، كيف يلتقي الإسلامي بالماركسي بالليبرالي؟

    كيف يلتقي العربي بالكردي بالتركماني؟

    كيف؟

    كيف؟

    هناك حقيقتان فقط،هناك مقتربان فقط، هما الوطن والديمقراطية، فقط، أليس كذلك؟

    كاتب هذه السطور مسلم، يؤمن بهذا الدين العظيم، يدين الله تعالى بالإسلام، ولكنه يرى أن تحكيم الإسلام كنظام حكم وفلسفة تشريع في العراق نذير شؤم بالإسلام ومستقبل المسلمين في هذا البلد، وهكذا مع كل منحى شمولي مهما كانت هويته العقدية.

    هذه الدعوات الشمولية الساذجة فضلا عن عدم إتعاضها بالتجارب المرة، كالشيوعية في روسيا، والإسلام في إيران ( وهي اليوم نظام علماني مغلف بالدين ) بل هؤلاء يعبرون عن هوس فكري، عن بلادة وعي، أو هناك مطامع شخصية لا أكثر ولا أقل، وإلا إي إسلام يريد هؤلاء تحكيمه في العراق؟ وأي ماركسية تصلح بعد ذلك الإخفاق الذريع الذي لحق بها في عقر دارها؟ وأي قومية مطلقة يريدها القوميون العرب في العراق وهاهي القومية العربية تصدع ذاتها، تنتهك شرفها؟

    هذا العراق الجميل، العراق العظيم بين مصيرين، أما الحياة وأما الموت.

    كيف؟

    نتحدث في حلقات مقبلة أن شاء الله تعالى..






  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    افتراضي

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم

    غالب حسن الشابندر

    GMT 2200 2005 الجمعة 4 فبراير

    (2)[/align]




    العراق بلد التنوع، التنوع الخلاق، لغة، ودينا، ومذهبا، وجغرافية، وسياسة، وتراثا، وقومية... هذه حقيقة ملموسة، لا غبار عليها، وليس من شك، وكما يقول علماء الاجتماع والاناسة والتاريخ، إن التنوع مصدر غنى، وقوة، ونشاط، وحيوية، فأنه فرصة رائعة لتبادل الخبرات الروحية والمعنوية بين مختلف الانتماءات والهويات والثقافات الدينية والقومية واللغوية. ولكن هذا التنوع لا يعطي مثل هذه الثمار الطيبة في ظل حكم ديكتاوري شمولي، لا يعطي مثل هذه النتائج الحية في ظل حكم ولاية الفقيه، تلك النظرية البالية المتكلسة، لا يعطي مثل هذه الانجازات في ظل حكم العسكر، في ظل حكم رجال الدين، في ظل حكم الأقلية، في ظل حكم الأكثرية الظالمة، في ظل حكم التكنوقراط المتعالين، في ظل حكم القومية الشوفونية، في ظل حكم الفاشست، في ظل حكم ديكتاتورية الطبقة العاملة، تلك النظرية الطوبائية.والسبب بسيط للغاية، لأن مثل هذه الأنماط تقوم على فلسفة حذف الآخر، مهما أبدت من مرونة ظاهرة، ومهما أبدت من محاولات التقرب من فلسفة حكم الشعب، ومن فلسفة المشاركة السياسية، وتداول السلطة، واحترام رأي الشعب، فإن الخلفية الثقافية لهذه الأنماط تحتم الحذف، تحتم القطع، والبتر، والإقصاء، تلك طبيعة متأصلة في هذه الأنماط من الحكم.

    النظام السياسي الليبرالي الديمقراطي وحده الذي يصلح لقيادة مجتمع بهذه السعة من التنوع الثقافي، واللغوي،والقومي، والديني، والمذهبي. فأن هذا النظام بهويته السياسة يحترم الجميع، ولا يحتكم لدين بعينه، ولا لقومية بعينها، ولا للغة بعينها، يحترم الجميع، ويقر بحقوق الجميع، على مسافة واحدة من كل الطوائف والقوميات والملل، الأمر الذي يحفظ للتنوع مشروعيته وقيمته وفلسفته،وبالتالي سوف يوفر فرصة خلق أروع ظاهرة حضارية في التاريخ.

    ألا يحق لنا أن نعتبر من التاريخ ؟ إذن لنتفحص تجربة الشيوعية في أوربا الشرقية، بل في الشعوب الروسية، ولنتفحص تجربة ولاية الفقيه البدائية في إيران، فقد قضت على الدين نفسه، أنهت الإسلام، ويحق لنا نحن الإسلاميين أن نصرخ اليوم : وا إسلاماه، روحي فداك أين أنت ؟ولنا حديث طويل هنا في الحلقات المقبلة إن شاء الله تعالى. ولكن هذا التنوع كما هو نعمة كبيرة، نعمة ربانية حانية لطيفة، هي مصدر خطر في الوقت ذاته، وذلك عندما يكون مصدر دعوات انفصال، وذلك بحجة تقرير المصير، أو بحجة الجغرافية غير المتجانسة، أو بحجة تخليص المنطقة من الحروب العرقية والدينية والمذهبية.

    أقول ذلك لأننا نسمع من هنا وهناك دعوات تنز عن نية انفصالية على أساس قومي أو ديني أو مذهبي، لا أتحدث هنا عن مشروع الفيدرالية الجغرافية والإدارية، فأني أرى فيه خير صيغة لعراق تعددي تواصلي إذا صح التعبير، مشروع الفدرالية الجغرافية والإدارية كثرة في وحدة، ووحدة في كثرة، تماماً كالوجود العام بلغة الفلسفة المدرسية، بل أتحدث عن دعوات تقطيعية، دعوات تجزيئية على أساس قومي أو ديني أو طائفي بحت، فإن مثل هذه الدعوات تنهي العراق كعراق، ومن نعم الله تعالى على العراق أن يعلن كل العراقيين بأنهم مع عراق واحد، العرب منهم والأكراد والتركمان، المسلمون منهم والمسيحيون والصابئة واليهود واليزيديون، السنة منهم والشيعة، كل العراقيين. على أن مما يحز بالنفس أن يعلل بعضهم حرصه على العراق الواحد بعدم واقعية الانفصال، أي لوجود موانع خارجية، لأن دول الجوار لا تسمح بذلك!

    هذا التبرير مبطن بنية انفصالية، تبرير لا يكشف عن إيمان جدي بوحدة العراق، لا يكشف عن إيمان بالعراق كوطن أصيل، كحقيقة، بل يؤمن بالعراق كحالة عرضية، كحالة مؤقنة، كأمر واقع، وكمستقبل مرهون بأسباب خارجية، فيما ينبغي أن يكون الإيمان بوحدة العراق مستندا إلى أسباب وطنية بحتة، مستندة إلى حب العراق بحد ذاته، تعلق بالتراب العراقي، تعلق بالماء العراقي، تعلق بالتاريخ العراقي، تعلق بالعاطفة العراقية، فأنا عراقي كردي، عراقي مسلم،عراقي شيعي، وليس العكس، كي تتقدم قيمة الوطن على إي انتماء، كي يكون العراق في تصوري ومشاعري وفكري وطنا أزليا.

    وبصراحة كان الشيعة عراقيين بامتياز، هل ننسى مواقفهم العراقية من الغزو البريطاني ؟ وهل ننسى فتوى السيد الحكيم فيما يخص الحرب القذرة على الأخوة الأكراد ( لا قتال ولا انفصال، القاتل والمقتول في النار )، وهل ننسى دعواتهم الحالية إلى عراق واحد، عراق برلماني حر تعددي ؟

    وها هم يدعون الأخوة السنة إلى المشاركة بسن الدستور حتى لو كانت لهم الأغلبية البرلمانية، فيما يصفهم (الآخر ) بالكفر والعمالة والتبعية ؟ حقا أن شيعة العراق كتلة فكر نير، وعاطفة جياشة، لا أقول ذلك لأني مسلم شيعي متشبع بحب أهل البيت، ولكن أقول هذا لان حقائق التاريخ تنطق بذلك كما تنطق الطبيعة بجمال الخالق، علما أني من أشد المحاربين لفكرة الحكومة الدينية، ومن أشد المحاربين لتولي رجال الدين أي مسؤولية سياسية، بما في ذلك عضوية البرلمان، وسوف أجند كل ما املك من طاقة فكرية وروحية للوقوف بوجه هذه المشاريع الخطرة، وهذا لا يتنافى بطبيعة الحال مع عملي من أجل أن يتمتع شيعة العراق بحقوقهم، فهم الطائفة التي عانت الضيم والظلم والحرمان والجوع والتشريد والقتل والحذف طيلة قرون، ومن حقهم أن يتعاضدوا ويتعاونوا ويتكتلوا في وحدة متجانسة متفاهمة في نطاق وحدة الأمة العراقية، والتراب العراقي، حالهم في ذلك حال الأخوة الأكراد، والأخوة السنة، أم أن القدر كتب على شيعة العراق مرسوم الضحية الدائمة ؟

    ليس للانفصال والدعوة إليه صورة جغرافية وحسب، بل هناك صورة فكرية وذهنية وروحية للانفصال حتى في نطاق وطني واحد، فإن الذي يتصور بأن قوميته أفضل من القوميات الأخرى هو انفصالي، والذي يدعو إلى تفضيل المسلم على المسيحي في نطاق الوطن الواحد هو انفصالي، والذي يشرف لغة على أخرى هو انفصالي، والذي يعزل نفسه في بوتقة قومية لغوية دينية ولا يفكر بالتواصل مع الآخر هو انفصالي، بل هذا اللون من الانفصال أخطر من الانفصال الجغرافي، جوهر الحقد، ولحتمه الاستلاب، وهدفه الحذف.

    وكل ذلك لا يتنافي مع حق كل قومية، وكل مذهب، وكل طائفة في أن تنظم نفسها في كتلة حية، نيرة، تسعى لخدمة حاملها البشري، ولكن في إطار الوطن المتكافئة طوائفه، المتساوية قومياته، فإن ذلك هو الوطن الخلاق.



    والى اللقاء في حلقة ثالثة أن شاء الله تعالى





  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    Lightbulb

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم

    غالب حسن الشابندر

    GMT 15:30:00 2005 الإثنين 7 فبراير

    (3)[/align]


    قلنا في حلقتين سابقتين أن العراق بلد ثري بثقافته، ولغته، وأديانه، وتراثه،وأعراقه، وقلنا أن هذا التنوع مصدر غنى وقوة، فيما أذا احتكمنا إلى نظام ليبرالي ديمقراطي تعددي برلماني... وقلنا أن ذلك مصدر خطر فيما إذا احتكمنا إلى نظام شمولي ديني، شيوعي، قومي، وفي هذه الحلقة نريد الإشارة إلى خطر أخر يمكن يتأتي من هذا التنوع القومي، الثقافي، التراثي،الديني، ترى ما هو؟
    هو بإيجاز التفكيك بين الولاء الروحي والمادي للعراق، التجزئة بين الروح والجسم، الفصل بين الزمني والعقدي، لابد أن يكون ولاء العراقي السني للعراق كليا، وولاء العراقي المسيحي للعراق كليا، وولاء الشيعي للعراق كليا، وولاء العراقي الشيوعي للعراق كليا، وولاء العراقي الرأسمالي للعراق كليا، وولاء العراقي القومي للعراق كليا.

    هل نفصح أكثر؟

    لقد إرتكبت الأحزاب الشيوعية العالمية خطا فادحا، بل خطأ مميتا، لما جعلت من ( موسكو ) قبلتها الروحية، تتجه نحوها بالصلاة، تستمد منها نفحة المقدس ونهل الروح، هناك الحقيقة، هناك كلمة الفصل، ولكن بمرور الزمن، وتتابع التجارب، ثبت أن مثل هذا الممارسة العمياء تتضارب حقا من مصالح الوطن، بل تكرس خيانة الوطن، وقد ترتبت على مثل هذه الممارسة الفجة نتائج خطيرة، كان من أخطرها عزلة هذه الأحزاب وفقرها الشعبي، حتى في فرنسا وايطاليا والعراق، فيما كانت أحزابا جماهيرية طاغية في هذه البلدان، نعم، لقد كانت الجريمة الكبرى للحزب الشيوعي العراقي هذه التبعية الروحية لـ ( موسكو )، وأنا على الضد ممن يقولون أن الخطأ المميت مصدره بعض مواقفه الصبيانية على صعيد عقيدة الناس، بل خطأه المميت تبعيته الروحية لخارج الوطن، وليس للوطن.وعلى نفس السليقة، فقد يممت الأحزاب القومية العربية قلبها صوب القاهرة، قاهرة عبد الناصر، فهناك منبع التشوف المعنوي والروحي والعقلي، فكان الهتاف بخلود القاهرة أقوى من الهتاف بمجد بغداد، وكان التحليل السياسي في الأهرام هو البوصلة الناجية في رسم المواقف، مفصل الطرق النتيجة النهائية، وهل ينكر قومي عراقي هذه التبعية التي جرت على الحركة القومية العراقية العزلة الشعبية والنبذ الجماهيري؟وعلى نفس الوقع الحزين كانت مواقف الأحزاب الإسلامية السنية، حيث كانت السعودية ملهمة التجربة، لم تكن موئل النجاة الجسدي بل كذلك موئل الإلهام الديني، هناك يخط جبرائيل حروفه المطلقة، لا اعتراض ولا نقاش ولا حوار . والمحنة ذاتها على صعيد الأحزاب الإسلامية الشيعية، حيث كانت طهران أم القرى الجديدة، مكة الإسلام في صدر تاريخه الشفاف الر ائع، لا رأي فوق رأي الإمام الخميني، ما يحلله سياسيا هو الذي سيقع، وما تقوله الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو الذي خطه القدر الأزلي، وقد عانى كاتب هذه السطور من هذه التبعية الويل والعذاب والجوع والحرمان، لقد رفعت صوتي بكل جرأة في السنة الأولى من عمر هذه الجمهورية، وقلت بملي فمي، هذا خواء روحي، وسماجة سياسية، وقلت أن إيران قومية التوجه،حتى إذا صدقت بإسلامها في داخل إيران، فهي قومية الاتجاه خارج إيران، فما كان من بعض القيادات، منهم دعاة، ومنهم بل كثير منهم قيادات في المجلس الأعلى الحالي إلا التشهير بكاتب هذه السطور، بل حتى التهديد، وسوف أصدر كتابا بقوة الله يفصل بهذه المرحلة بالأسماء والمسميات.

    أن الولاء الروحي لخارج الوطن يستتبع ولاء سياسي، ولاء اقتصادي، ولاء نفسي، تبعية مطلقة، لأن الروح غالبة على الجسد، ولأن العشق الروحي يذيب الجسد في المعشوق، ولا يبقي له أي لحظة للمراجعة والتفكير. كم أتمنى أن تكون هناك ماركسية عراقية، وإسلام عراقي، وقومية عراقية، ومسيحية عراقية، نعم، ذلك ممكن، بل هو منطق الأشياء، فهل نحن بدعة في سلم الخلق البشري فندعي المجرد؟ وندعي الصفاء العقلي المطلق؟ وهل ننكر أن فتوى العالم العربي تختلف وتتباين ولو جزئيا عن فتوى الفارسي؟ ذلك هو كلام مطهري رغم توجهاته الشعوبية الواضحة.
    إن الأحزاب الإسلامية الشيعية العراقية مدعوة إلى قراءة هذه الحقيقة، فإن السيد أية الله السيستاني قد لا يقف مثل هذا الموقف العراقي النبيل لو كان يسكن إيران.

    أليس كذلك؟

    إن هذه الأحزاب يجب أن لا تكرر أخطاء الحزب الشيوعي العراقي، ولا أخطاء الأحزاب القومية العراقية، عليها أن لا تكرر تجربتها المرة في إيران، عليها أن يكون ولاءها الروحي للعراق، وليس من شك أن تقليد مرجع ديني سياسي خارج العراق يصب لصالح ذلك البلد الذي ينتمي إليه المرجع المذكور.

    أليس كذلك؟

    كيف يفكر السيد على خاميئي كمرجع ديني سياسي؟

    يفكر كما كان يفكر ( ستالين ) مع الفارق بين اتجاهي الرجلين، طهران أولا، تلك طبيعة الأشياء، ليس سيد علي خاميئ الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فهذا هو يوصي الشباب الإيراني أن يحتفظ كل منهم بديوان سعدي شيرازي في مكتبته.

    كيف يفكر السيد أية الله فضل الله؟

    لا شك إنه يفكر بلبنان أولا، ألم يعمر لبنان بالمبرات والمدارس والمآتم والمدارس الخاصة؟ شي طبيعي، وأعتقد أن آية الله فضل الله يقر بأثر الجغرافية والوطن والشعب على توجهات مرجع الدين، نعم، يقر بذ لك، بل ينظر لهذه الفكرة بعمق، الرجل يفهم حركة التاريخ أحسن من غيره من علماء دين قرانا لهم، وطالما يؤكد على الخصوصية،هل ننكر أن حزب الله اللبناني بسبب إرتباطه روحيا بالسيد على خامنئي كان موقفه من ( المقاومة العراقية ! ) هو ذات الموقف الذي أعلنه خامنئي؟ بل حتى رسم الحرف على منبر الجمعة، بل حتى طريقة شدو دعاء كميل ليلة الجمعة، شي طبيعي ومعقول، وهل ننكر أن سياسة وبرامج وروح قناة المنار اللبنانية هي ترجمة للسياسة الإيرانية الخارجية، وهل ننسى نظرية وكيل وزير خارجية إيران جواد لارجاني التي يقول بها يجب على العالم الإسلامي التضحية بكل مصالحه الاقتصادية من أجل صالح أم القرى الجديدة، أي طهران؟

    أن الواجب على العراقي المسيحي أن يعلن ولاءه الروحي للكنسية العراقية وليس للفاتيكان، كي يتمحض ولاءه السياسي والاقتصادي والفكري للعراق، يجب على كل عراقي أن لا يفرق بين ولاءه العقلي، المعنوي، الشعوري وبين ولاءه الجسدي والمادي والفعلي للعراق، لا يمكن الفصل بين الولائين، أن من المخاطر التي تهدد العراق الجميل أن نتطلع روحيا إلى موسكو أو إلى لندن أو إلى واشنطن أو إلى القاهرة، أو إلى طهران، بل نتطلع روحيا إلى بغداد، إلى النجف، إلى الموصل، فالوطنية روح ومادة في آن واحد.

    وإلى حلقة مقبلة بإذن الله





  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    Arrow

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم

    غالب حسن الشابندر

    GMT 1400 2005 الأربعاء 9 فبراير

    (4)[/align]


    قيادة العراق ليست بالأمر السهل، بل لا نغالي إذا قلنا أن العراق أصعب قيادة وسياسة من كل أقطار وبلدان وشعوب العالم، ليس ذلك لأنه شعبه عنيد، وليس لأن العراقي كما يقولون مزدوج الشخصية كما يشيع بعض الأعداء، وبعض هزيلي الثقافة والمعرفة، بل لأن العراق بلد مترامي الأطراف، ولان العراق متعدد الثقافات والأعراق والأديان والمذاهب، ولأن العراقي يتمتع بحاسة سياسية نشطة، تشكلت مواقفه تجاه السياسة عبر تجارب معقدة متشعبة، ولأن التطورات المدنية بالعراق كانت سريعة، ولأنه وارث ثقافات عديدة ومتنوعة وثرية. كل هذه المقتربات جعلت من العراقي شديد الحساسية السياسية، نافذ الرؤية، طموح، نشط، يلاحق الأخبار، يحلل المواقف بدقة. ثم قيادة العراق مسألة صعبة ليس بسبب هذا المقترب وحسب، بل لأسباب أخرى في غاية الأهمية، ذلك أن العراق محاط بدول جوار منافسة، تريد التهامه، تريد العبث فيه، تريد أن يكون لها موطن قدم، وموقع انطلاق، هذه الدول، لها خططها للعب دور نافذ في العراق، ولصالحها بطبيعة الحال، ولها عملاء متمرسون لهذا الغرض ، وليس ذلك سرا، بل هو أمر معروف، وفيه كلام صريح، بل هو محل نقاش وحوار.

    إن العراق ساحة صراع، ساحة مطامع، هناك من يطمع ببتروله، وهناك من يطمع بنجفه الأشرف، وهناك من يطمع بحدوده، وهذه حالة طبيعية جدا ، لان العراق ضعيف بكل صراحة في هذه الأيام.

    إن هذا المقترب يضيف سببا أخر إلى صعوبة قيادة العراق، أي إلى كون هذه المهمة عسيرة مكلفة ، تحتاج إلى جهود جبارة، وإلى عقل جبار، وإلى ثقافة ضخمة. لم ننته بعد، فهناك مقترب أخر يصب في هذا الموضوع، ذلك أن العراق بلد مدمر اليوم، دمره صدام، ودمرته الحرب، ودمره الإرهابيون، ودمرته الجموع الوافدة من خارج الحدود، البنى التحتية تكاد تكون منتهية، الخدمات الحيوية تكاد تكون منعدمة، هناك ديون وتعويضات، هناك مستوى دراسي وتعليمي هابط، هناك جيش من الجواسيس من هذا البلد أو ذاك متغلغل في أجهزة الدولة، هناك شوارع مستهلكة، هناك بطالة مستشرية، هناك أمراض فاتكة... وبالتالي فالمهمة صعبة شاقة مضنية، والمعادل الموضوعي لهذه الحقيقة هو صعوبة قيادة هذا البلد اليوم، ليس الأمر بهذه السهولة كما يتصور البعض.

    ولم ينته الأمر بعد، هناك مقترب آخر مهم، لا يقل عما سبقه أهمية، أن العراق تحول إلى ساحة صراع سياسي ضخم، صراع أمريكي أوربي، وهذا الصراع ليس بين حزبين، ليس بين مرجعين، ليس بين شخصين، صراع معقد في مضمونه، متقدم في آلياته، وهو صراع ليس ليوم أو يومين، ولا لسنة أو سنتين، بل سيطول، وسيتغلغل في شرايين المجتمع والاقتصاد والحوزات والعشائر، صراع بين قوى عالمية مسؤولة عن صياغة العالم بكل تفاصيله، رغبة أو عنوة،ومن الطبيعي أن هذه المعادلات المعقدة من الصراع تصعِّب مهمة قيادة العراق ، تصعِّب مهمة إدارته، تحتاج إلى مهارة سياسية متمرسة، وذكاء سياسي خارق، وخبرة في العمل الدولي.

    هذا هو العراق اليوم، ساحة تنافس وصراع دوليين على مستوى مصيري ضخم، مشاكل داخلية كبيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية، ساحة مكشوفة للتغلغل والنفوذ الخارجي. وبالتالي نستنتج بسهولة أن قيادة العراق مهمة صعبة وعسيرة وشاقة.

    ومن هذه النقطة بالذات تتجلى بعض معالم الخطر التي تهدد العراق الجميل، ذلك فيما إذا صعد إلى سلم القيادة شخصيات لا تتمتع بالكفاءة السياسية المطلوبة ، قيادات جدبة فكريا وسياسيا وأداريا، وتلك من سلبيات الديمقراطية شئنا أم أبينا، فإن من الخطر بمكان على العراق أن يتولى القيادة فيه آشخاص لا يعرفون الفرق بين هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، قيادات لا تفرق بين الفيدرالية والكونفدرالية، قيادات لا تفرق بين الديمقراطية الموجهة والديمقراطية غير الموجهة، قيادات لم تجد شرح مصطلح سياسي أو مصطلح إداري أو مصطلح اقتصادي، قيادات أنفقت عمرها السياسي عبر عقد صفقات تجارية وعقارية مع مخابرات هذه الدولة أو تلك.

    لقد قُلد كان عدي بن صدام حسين لا يعرف الفرق بين المستأجر والمؤجر، ولكن رغم ذلك أعطي ارفع درجة حقوقية ! واليوم يريد بعض الناس قيادة العراق وهم لا يعرفون الفرق بين السيادة والاستقلال !

    إن بعض هؤلاء معذورون، وذلك بسبب جهلهم السياسي، وبسبب جهلهم بثقل المهمة، ولكن هل يمكن الاعتذار نيابة عن الأحزاب التي ترشح مثل هذه المستويات الساذجة لمثل هذه المهمات الكبيرة ؟

    إن مبدأ المحاصصة في بعض مفارقاته خطير، وقد يجلب مثل هذه المفارقات المنذرة بالخوف، وعلى الأحزاب العراقية أن تنتهج مبدأ الكفاءة على حساب مبدأ المحاصصة الغبي الأناني، فهل يقبل الحزب الشيوعي العراقي ــمثلا ــالتخلي عن نصيبه بالسلطة، ويرشح شخصية كفوءة من حزب الدعوة لإنها أكفأ ؟ هنا تتبدى معالم الوطنية بوضوح، وهنا يتلخص ميزان الفصل بين الوعي واللاوعي، وهنا نكتشف مدى الصدق مع الذات والحق.

    إن القوى السياسية العراقية تمر بامتحان عسير، ليس لثقل المهمة التي تتعلق بصعوبة المرحلة، بل لكون الظروف التي يمر بها العراق تتطلب تحكيم الموضوعية في مجال اختيار القيادات التي سوف تضطلع بمهمة السير بالعراق وشعب العراق. وهل سوف تلتزم الأحزاب الاسلامية بموقف رسول الله من أبي ذر لما طلب ولاية، حيث قال له رسول الله أنها أمانة يا أبا ذر ؟ هل سوف تتحكم التقوى هنا ؟ أم سوف تتحكم المعايير الحزبية والعائلية والعرقية ؟

    كم هو جميل ذلك المبدأ الفقهي الذي يولي مسألة قيادة الجيش الإسلامي للأكفا أدارة، وللأشجع في المعارك، وليس للأكفا فقهاً وعلما ؟ كم هو جميل ورائع هذا الدين الذي ظلمناه وحطمناه تحت مشارط الذات والعائلة والعرق ؟.وفي الحقيقة عندما أُركز على الإسلاميين هنا لأني إسلامي الفكر والروح والنزعة والحمد لله، ولأنهم أولى من غيرهم بمثل هذا النداء بلحاظ مسؤولية الأيمان بالغيب، وهل ننسى قوله تعالى ( يا أبتي استأجره فإن خير من أستأجرت القوي الأمين ).

    إن التاريخ لا يرحم، والعراق ساحة حساسة جدا، وبسرعة البرق سوف تتجلى التناقضات والمفارقات، والعيون العراقية ترقب،والأذان العراقية تسترق السمع، والانوف العراقية تشم من يعيد، والقيادة التي تسقط في أول إمتحان في عراق اليوم سوف تسقط للابد في العراق، ومن ثم تجلب الويل والثبور للعقيدة التي تحملها، وتنسي حتى حسنات التاريخ السابق، فهل نرحم العراق والفكر ؟ وتحكيم مبدأ الكفاءة هنا وليس مقاييس الحزبية والعائلية في المقدمة على هذا الطريق الكريم، ووفق الله العاملين للخير،

    والى اللقاء في حلقة مقبلة أن شاء الله.





  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    Lightbulb

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم

    غالب حسن الشابندر

    GMT 2100 2005 الخميس 10 فبراير

    (5)[/align]


    لست أنكر بأن الصراع جوهر التاريخ والحياة والكون، لا أشك بذلك أبدا، وأختلف مع الذين يتوجون (نظرية ) القرآن الكريم في الاجتماع الإنساني بدعوته إلى الوئام والوفاق والتجانس والتوافق الكلي الشمولي، الصراع هو الجوهر، هو الأساس، هو محرك التاريخ، والقرآن الكريم أرسى ذلك بقوة وصراحة، ويدعو إلى تفعيل الصراع ولكن ضمن اشتراطات نزيهة إنسانية جهد الإمكان ،وهذا ما أودعته في كتابي (الصراع الاجتماعي في القرآن الكريم).

    الصراع حقيقة، ومحاولة حذفه أشبه بالاستحالة، إن لم تكن هي الاستحالة بعينها، وبطبيعة الحال أن الصراع الاجتماعي يشتد وتقوى فيما إذا كان المجتمع متنوعا، متعدد الأعراق والأحزاب والأديان والمذاهب والاديولجيات، وهذا يجد مثاله الحي في العراق، نعم، في عراقنا الجميل تتوفر عوامل كثيرة وفاعلة من شأنها تفعيل وتنشيط الصراع، من أجل القوة، من أجل الحقوق، من أجل المصالح، من أجل الكسب، من أجل القيادة.

    أقول ذلك وأنا أعلم أن هناك من يمتعض من هذا الكلام، وقد يعترض بعضهم بأن ذلك أقرارا بوجود صراع طائفي قومي ديني مذهبي داخل العراق.، ولكن أليس ذلك حقيقة واقعة ؟ أليس ذلك مشهداً صارخاً لا غبار عليه ؟ لماذا نغفل الحقائق بهذه الطريقة السمجة المفضوحة ؟ لماذا نتحايل على أنفسنا وعلى الحقيقة والعلم ؟ نعم، هناك صراع، وهو صراع علني و ليس خفيا، صراع واضح ساطع لا يحتاج إلى تحليل وتفكيك ،والموقف الصحيح هنا ليس نفي هذا الصراع من حيث المبدأ، بل الاعتراف به، ومن ثم التعاطي معه بموضوعية وعلمية، بحيث يقود ذلك إلى التخفيف من حدَّـه، وإلى ترشيده، وإلى تهذيبه، هذا هو الموقف

    إن الخطوة الأولى على هذا الطريق الجميل هو أن يسعى النظام السياسي إلى تأمين حقوق الجميع، تلك النقطة الجوهرية، تلك النقطة المفصلية، وهل ننسى أن من أسباب هذه المشكلة المزعجة سياسة صدام الظالمة بحق هذه الطائفة دون غيرها ؟
    وسياسته بظلم هذه القومية دون غيرها ؟

    لماذا لا نعترف بهذه الحقيقة ؟ وهل مشاكل السودان لهذه الفترة القاسية من الزمن سوى هذه السياسية العرجاء العمياء ؟

    إن النظام السياسي هنا يتحمل مسؤولية كبيرة، لعله أكثر مسؤولية من غيره، وذلك بطبيعة الحال عبر دستور مكتوب يكون محل توافق كل العراقيين أن شاء الله تعالى.

    وليس من شك أن للأحزاب والنخب والجمعيات والمؤسسات دورها هي الأخرى في هذا المضمار، وذلك بتبني القيم الديمقراطية، واحترام الرأي الآخر، ونشر ثقافة التسامح، وتكريس مبدأ الحرية كمطلب ضروري لا شرط عليه،وهنا تبرز خطورة الثقافة الشمولية الاديلوجية، فإن مثل هذه الثقافة تمتاز بطابع النفي والحذف، هذه الثقافة مخيفة، تبعث على الرعب والهلع، يتحمل الأصوليون سواء كانوا محسوبين على الدين أو على الماركسية أو على القومية نتائج تثقيفهم الأحادي الضيق.

    أن الظلم الطائفي و/ أو الظلم القومي و/ أو الظلم الديني يعمق الشروخ الاجتماعية، يخلخل بنية المجتمع، يهيئ فرصة الصراع الدامي، الصراع المخيف، الصراع القائم على النفي والإقصاء، كذلك الثقافة المحصورة بين نعم ولا، المستخفة بثقافة الآخر، المستهينة بالتراث البشري، المنغلقة على نفسها، هي الأخرى نذير شوم، نذير شر مستطير، تصدع المجتمع وتبعث في أوصاله الموت الزؤام.

    إن الدعوات التي تطلق هنا وهناك التي و تركز على السلام الاجتماعي، والتفاهم، والتلاقي، والتآخي... كل ذلك جميل ومطلوب وجيد، ولكن لا قيمة لكل ذلك لو لم يضمن الدستور حقوق الجميع، حقوق المسلمين والمسيحيين واليهود والصابئة واليزيدين، حقوق العرب والأكراد والترك والكلدان، حقوق الشيعة والسنة والكاثوليك والسريان، حقوق حملة الفكر الإسلامي وحملة الفكر الماركسي وحملة الفكر القومي... هذه هي البداية لتفادي الصراع الدموي، الصراع القائم على مفاهيم النفي والحذف. وفي تصوري أن المطلوب من علماء الدين اليوم ليس الدعوة إلى الدين الذي يدينون به، بل الدعوة إلى الحرية، الدعوة إلى العدالة الاجتماعية، الدعوة إلى إتقان العمل، إلى الإخلاص في الواجب، إلى تعمير البلاد والعباد، ليس مهمة عالم الدين اليوم تحويل الآخر إلى دينه، بل مهمته تكريس قيم العدل والحرية والحق ، وليس تحويل المسيحي إلى مسلم، كذلك الماركسي العراقي، مدعو اليوم إلى تمتين الثقافة الحرة، وليس الانغماس في تفسير المادية الجدلية والتاريخية، وكذلك القومي العراقي فإنه مدعو إلى إشاعة ثقافة التسامح، ثقافة الوطن الحاضن لكل القوميات وليس الوطن الأحادي الضيق.

    أن الصراع الذي ينتج عن الظلم خطر، يهدد الوطن برمته، يهدد الأمة بكل تضاعيفها، يهدد التراث، والتاريخ، والحياة، وصدام حسين كرس مثل هذا الظلم، فشحن الأمة العراقية بالبغض والشحناء، فيجب على النظام السياسي الجديد التعاطي مع هذه الحقيقة بوضوح وقوة ونشاط،وليس بتغافل وإهمال، وينبغي على القوى والفاعليات السياسية أن تراجع هذه الحقيقة بالدرس والتشريح بغية اتخاذ الموقف العلمي المناسب منها. لا يمكن تفادي الصراع المؤدي إلى خطر تفتيت العراق إذا لم نقر جميعا بان شيعة العراق تعرضوا لظلم فادح، وإن الشيوعيين العراقيين تعرضوا لظلم فادح، وإن الصابئة على نفس الطريق، كذلك التركمان، والاكراد، وبعض الطوائف المسيحية نالهم الكثير من ظلم صدام وطغيانه وجبروته، ليس ذلك لتسجيل وقائع في قائمة التاريخ، بل لمعالجة القضية من الأساس، لوضع حد لهذه المأساة، وبالتالي لتجنب العراق خطر التشتت والتشظي والضياع.

    إن وجود العراق إنما يتحقق بكل أناسه، بكل طوائفه وأديانه وقومياته، بل وبكل أحزابه الوطنية، من إسلامية وقومية وشيوعية وليبرالية، وليس هناك فرصة وطن واحد إذا لم يكن هناك موقف واحد تجاه الجميع على صعيد الحقوق والواجبات. الخطر على العراق ليس من التنوع العرقي والديني والمذهبي والثقافي والحزبي، بل الخطر على العراق من تباين وتناقض النظام السياسي والدستور تجاه هذا التنوع، تفضيل طائفة على أخرى، تمكين حزب على أخر، تقديم دين على غيره... هنا يكمن الخطر بعينه، وقد مارس صدام هذه السياسة العدوانية الضيقة فخلف لنا الويلات، والمشاكل، فهل نعيد الكرة؟

    ألم يحن وقت الإعتراف بالكل، وتمكين الكل من الحرية، الحرية الفكرية، والسياسية، والشخصية، والدينية؟

    ليس خطر هذه السياسة بأقل من خطر الاستعمار، خطر بقاء قوات الاحتلال، خطر التخلف الاقتصادي والعلمي والاجتماعي. التعدد القومي والديني والمذهبي والسياسي علامة غنى، مصدر قوة، ولكن بشرط، أن تتكافا هذه المقتربات على أساس من ضمان حقوق الجميع، خاصة على صعيد الحرية، والعدل،

    والى اللقاء بحلقة قادمة ان شاء الله





  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    Lightbulb

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم

    غالب حسن الشابندر

    GMT 8:30:00 2005 السبت 12 فبراير

    (6)[/align]

    الحزبية ظاهرة عراقية قديمة، ليس الحزب حالة طارئة في تاريخ العراق، القديم منه والمعاصر، بل ظاهرة عراقية أصيلة، وهل ننسى روايات الطبري التي تتحدث عن الحزب العلوي، والحزب العباسي والحزب العلوي.لقد كان ذلك في العراق بداية، وليس في الشام أو مصر أو اليمن.

    الحزبية ظاهرة عراقية متجذرة في تاريخه. وقد شهد تاريخ العراق الحديث نشاطا حزبيا عريضا،عميقا، نشطا كما هو واضح لكل دارس لهذا التاريخ. كان العراق وما يزال موطن الفكر الحزبي، والنشاط الحزبي، والعمل الحزبي، ليس في ذلك شك.والظاهرة لها دلالات بطبيعة الحال، لعل من أهمها، أن العراقي معجون بالعمل السياسي، يتعاطى مع العمل الحزبي كغريزة،كحياة، كمصير، كهوية.واليوم،

    ، حيث يشهد العراق تحولا هائلا على صعيد الحرية السياسية والفكرية ــ أو هكذا يبدوــ تتجسد هذه الحقيقة بكل وضوح، فنحن نقرأ أسماء وعناوين عشرات الأحزاب السياسية في العراق، منها القديم ومنها الجديد، منها الإسلامي ومنها العلماني، منها الوطني ومنها القومي...ولكل حزب جريدته، وبيانه، وبرنامجه، ودخلت هذه الأحزاب ميدان المعركة الانتخابية سواء على صعيد البرلمان أو المجالس المحلية.

    هل ذلك علامة عافية؟

    وما هي استحقاقات الظاهرة على مستقبل العراق؟

    أن التعددية الحزبية ظاهرة جميلة رائعة، فهي تعكس حيوية فكرية، وهي توسع وتعمق العقلية النقدية، وهي تحول الشعب إلى عيون راصدة، وهي تشيع ثقافة سياسية واعية، ولكن ليس ذلك دائما، وليس على إطلاقه بلغة طلاب العلم الديني في الحوزات الدينية.

    أن الأحزاب هياكل تنظيمية تهدف إلى تنضيد وتجميع جهود المنتمين على طريق التغيير الاجتماعي نحو الأحسن، ومن أجل تحقيق طموحات الناس، ولغرض إنجاز المجتمع المتكامل، فهي إذن بين يدي مسؤولية ضخمة، أقل ما يقال عنها أنها مسؤولية أخلاقية.

    ولكن كيف؟

    سؤال ضخم ينبغي أن يعيه العراقيون، وفي المقدمة منهم الحزبيون الكرام، مهما كانت هويتهم، أسلامية أم علمانية، وطنية أم قومية.

    أليس ذلك صحيحا؟

    أن هذه الأحزاب على كثرتها لا يمكنها تـأدية هذه الرسالة، أو إنجاز هذه المهمات السامية إذا لم تتحكم القواعد الديمقراطية في بنيتها الداخلية، وإلاَّ هل يمكن لحزب يسوس قواعده الخاصة و / أوالشعبية حسب قانون (نفذ ثم ناقش)... هل يمكن لهذا الحزب أن يحقق للشعب مطامحه؟ أن يكون في خدمة المصالح العامة؟ أن يكون قريبا من ذات الأهداف التي يحملها ويبشر بها؟ أن الديكتاتورية داخل الحزب تؤدي إلى ديكتاتورية خارج الحزب.

    هذه الأحزاب على كثرتها سوف تفشل فشلا مفجعاً إذا لم تقم علاقاتها مع بعضها وفق قواعد الديمقرطية، نعم، الصراع حقيقة، لا يمكن إلغاء الصراع، ولكن ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية، إن غياب الديمقراطية في علاقات هذه الأحزاب مع بعضها يجعلها كيانات غريبة على الشعب العراقي، سوف يرفضها، عاجلا أم آجلا، من هنا شعرت بالاشمئزاز من تصريحات بعضهم المشحونة بكلمات السحق والفصل والرفض، حقا كانت تصريحات تبشر بديكتاتورية غبية، ديكتاتورية عفنة، تعكس غباء صاحبها بشكل سافر.

    هذه الأحزاب ستكون رحمة للعراق إذا مارست الديمقراطية في نشاطها وممارستها الداخلية والخارجية، ستكون مصدر تثقيف وقوة وحيوية ونشاط.

    ثم ماذا؟

    أن ينشطر الحزب على نفسه عملية عادية فيما إذا كانت هناك موجبات عقدية واضحة صريحة، فيما إذا كانت هناك مبررات سياسية تتصل بمصير الشعب، والبلد، والأهداف الكبرى، ولكن ماذا نقول عن تلك الانشطارات التي لا تحمل أي مبرر عقلاني وجيه؟ لا تتمتع بأي مبرر عقدي واضح؟ لا تقدم أي مسوغ سياسي مصيري جوهري؟

    أن هذه الأحزاب التي تنشطر وتتقسم بلا سبب مقنع سوف تتحول إلى مناشير في جسم الشعب، سوف تتحول إلى مسامير في نعش العراق، تخلق فيه الفوضى، وتلهيه عن مهماته الكبرى، الاستقلال والتنمية والتقدم والتطور.
    أن مما يدعو للنظر حقا، أن الأحزاب الكبيرة في أوربا بل في أمريكا (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي) تضم في تنظيماتها أطيافاً وتوجهات سياسية عميقة الخلاف،ولكن رغم ذلك لم نسمع عن انشطارات في داخلها، وعلى الجانب الأخر نقول، أليس مما يدعو إلى الرثاء، أن نقرا عن انقسامات مستمرة داخل أحزابنا الإسلامية والعلمانية حيث لا نجد ما تختلف عليه؟ نفس الشعارات، نفس المبادئ، نفس الثقافات، نفس التقاليد، نفس القيادات، نفس الممارسات، قبل الإنشقاق وبعده ! ومن سخريات القدر أن يُسمَّى كل حزب جديد بعد الانشقاق الخرافي الوهمي باسم شخص، فهذا حزب / شق فلان،وذاك حزب / شق فلان،

    إلى أي مأساة سوف تقود عراقنا الحبيب مثل هذه الأحزاب الهشة؟
    هل نتعظ ونتعلم من الحزبين الأمريكين (الرأسماليين)و(الكافرين) الديمقراطي والجمهوري؟

    أم أن أحزابنا أنضج تجربة وفكرا وممارسة من هذين الحزبين الكبيرين اللذين يقودان العالم كله؟

    أنا أعرف أن بعض هذه الأحزاب لا تتمتع بثقافة سياسية ناضجة، وأعرف أن بعض هذه الأحزاب شققتها دولارات دولة جارة، وأنا أعرف أن بعض هذه الأحزاب تقودها شخصيات ذات علاقات بمخابرات دولة جارة، مما يعني استهتارها بعلاقاتها مع شعبها العراقي ووطنها العراق، ولكن رغم كل هذا وذاك يجب على الأحرار والمثقفين أن يقولوا كلمتهم في هذا المضمار.

    أن مما يعرض العراق للخطر أحزابه، فيما أذا تخلت عن الديمقراطية داخل بنائها، وإذا ما لجأت إلى أسلوب التسقيط والدعاية في تنظيم العلاقة فيما بينها، وعندما تعاني من انشقاقات مستمرة من دون أي مبرر عقدي معقول أو مبرر سياسي واضح بين.

    أن هذه الأحزاب ستكون مصدر قوة ونشاط وحيوية وتثقيف فيما إذا انصرفت إلى العمل السياسي العلمي، المحكوم بقواعد الديمقراطية داخلها وخارجها، فيما إذا وضعت مصلحة الشعب في المقدمة، فيما إذا استندت إلى لغة الفكر والعلم والمنطق.

    سوف تتساءل جماهير الشعب العراقي عن مبرر تصدع هذا الحزب الإسلامي أو ذاك الحزب العلماني، سوف تتفحص هذه الجماهير فترى لا خلاف يستحق مثل هذه التصدع.

    إذن لماذا؟

    هل من جواب؟

    لماذا تساهم الأحزاب اليسارية في تفتيت قوتها بالانقسامات الوهمية؟ ألا ينعكس ذلك على مصير العراق؟ لماذا تساهم الأحزاب الإسلامية الشيعية في تقسيم الشيعة وتشتيتهم وتصديعهم وبعثرة صفوفهم؟ هل حقا هناك ما يدعو إلى هذا الإنقسام وما يجره من تبعات مخيفة؟ أين هي مواطن الخلاف؟ أم هي مطامع شخصية لا أقل ولا أكثر؟
    أين إيماننا بالله والشعب؟

    إن مستقبل شيعة العراق مرهون إلى حد كبير بمواقف وسياسة الأحزاب الإسلامية الشيعية،و مستقبل سنة العراق مرهون إلى حد بعيد بمواقف وسياسة الأحزاب الإسلامية السنية،و مستقبل القومين واليساريين العراقيين مرهون إلى حد كبير بمواقف وسياسة الأحزاب التي تمثلهم أو تدعي تمثيلهم، وعلى نفس المنوال، مستقبل الأكراد والتركمان والكلدان. وبالتالي أن مصير العراق مرهون إلى حد كبير بمواقف وسياسة كل الأحزاب العراقية،

    والحمد لله وإلى اللقاء في حلقة مقبلة.





  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    Lightbulb

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم

    غالب حسن الشابندر

    GMT 700 2005 الأربعاء 16 فبراير

    (7)[/align]


    قبل أيام طلعت علينا بعض الفضائيات بخبر مفاده أن ثلاثة من مراجع الشيعة يطالبون أن يكون الإسلام هو المصدر التشريعي (الوحيد) للدستور العراقي المقبل. وقد تناقلت الفضائيات نفسها بأن آية الله العظمى السيد علي السيستاني تجاوب مع النداء، ورفض فصل الدين عن السياسة. والخبر صدم كثيرا من المراقبين والمحللين باعتبار أن سماحة السيد لكريم،كان قد رفض تدخل رجال الدين في العمل السياسي، وكان قد صرح بأن المرجعية الكريمة تريد دستورا يحفظ للجميع حقوقهم، وليس هناك أي رغبة أو توجه لحكم ديني على غرار ولاية الفقيه الإيرانية، بل هناك ما نشم منه رفض الحكومة الدينية من حيث المبدأ، وغاية ما نستفيده من تصريحات المرجعية الشريفة ، أن يحترم الدستور الهوية الإسلامية للشعب العراقي، ولذا كان التساؤل طبيعياً، والصدمة ليست غريبة ، على أن المرجعية الكريمة المتمثلة في سمحاحة السيد الجليل كذبت الخبر، وأدانت كل تصريح ينسب إليها من دون أن تحمل ختمها المبارك، فأي مؤامرة كانت تحاك أذن؟ ومن المسؤول عن مثل هذه المفارقات الخطرة؟

    بصرف النظر عن حقيقة ما ينسب إلى المراجع الكرام في هذه النقطة فإن السؤال قائم عن مدى معقولية تحكيم الشريعة الإسلامية المقدسة في إدارة دفة الحكم في العراق، أي أن يكون الإسلام هو الحاكم، وبالتالي ينبغي تحكيم القوانين الشرعية الإسلامية في كل مجالات الحياة، العقوبات، البنوك، الأحوال الشخصية، السياسة الخارجية، المجال الاقتصادي، أحكام الذمة (ألتي أعتبرها وهمية في زمننا، فلم نحصل على أي صورة تطبيقية واضحة لها على زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).

    هل هذا ممكن خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار هذا القيد الرهيب (الوحيد)؟

    ترى أي إسلام سوف يحكم العراق؟ الإسلام الشيعي أم الإسلام السني؟

    إسلام ولاية الفقيه (النظرية البائدة المرفوضة في إيران قبل غيرها) أم إسلام شورى الفقهاء؟ وأي نظرية من نظريات ولاية الفقيه هذه؟

    فهناك ما شاء الله من صور الولاية هذه!

    كم هو نصيب أحكام العقوبات من الواقع؟

    كم هو نصيب أحكام البنوك الإسلامية من الواقع؟

    كم هو نصيب الأحكام الشخصية من الواقع؟

    هل نريد حكماً إسلاميا على الورق وحسب؟

    ولكن لماذا الانتخابات إذن؟

    هل أحرزنا رضا كل الناس كي نطالب مطالبة حتمية بتحكيم الشريعة بنحو مطلق في الدستور؟
    أليس ذلك يخالف فكرة الانتخابات بالذات؟

    ثم هل وضعنا في نظر الاعتبار موقف الدول الكبرى، موقف العالم، موقف الدول الإقليمية، موقف الأقليات في العراق، وما أكثرها، وما أكبر دورها في العراق الجديد؟

    هل يكفي في ذلك أن يكون الشعب العراقي بشكل عام مسلما؟
    أليس الشعب الإيراني مسلما؟ بل ألم تكن الثورة على الشاه باسم الإسلام؟

    هل تطبيق الشريعة الإسلامية على نحو مطلق بل حتى على نحو جزئي يتطلب ممكنات داخلية وحسب، أم يجب أن ندري الممكنات الخارجية أيضا؟

    ولكن لماذا لا نتعظ من التجربة، ترى أين هي نتيجة تطبيق الشريعة الإسلامية في إيران؟ هل الإسلام في إيران اليوم في حالة يحسد عليها؟ الشارع الإيراني هو الحكم... هل راجعنا هذه الإحالة جيدا؟وأين نتيجة تطبيق الشريعة في السودان؟ هذه هي السودان، لنتفحص النتائج التي آلت إليه عملية تطبيق الشريعة، أليس في ذلك عبرة؟
    ليس كل ما هو صالح في حد ذاته هو صالح في الواقع، ينبغي التمييز بين القيمة الذاتية للقوانين والدساتير والأفكار وبين الواقع، إمكانات الواقع، طبيعة الواقع.

    ولكن هل يعني هذا أن تتخلى الأحزاب الإسلامية عن حقها في العمل السياسي؟ في ممارسة العمل الحزبي؟
    بطبيعة الحال... لا!

    هذه أحزاب وطنية مناضلة، قدمت للشعب العراقي الكثير، شلالات دم، ثم ليس من شك أن الإسلام قوة حيوية في المجتمع، قوة فائقة التأثير، فكر وتشريع وأخلاق وتجربة وتاريخ، ومن هنا يجب أن تؤدي هذه الأحزاب دورها الفاعل، وفي تصوري أن أهم ما ينتظر هذه الأحزاب هو التثقيف على الإسلام، الإسلام الحي، الإسلام الوسطي، الإسلام السمح، ثم لابد أن يكون لها دور جوهري في تحقيق طموحات الشعب، عليها أن تمارس دورها في الواقع وليس في المثال، فنحن نملك بلدا محطما للأسف الشديد، بدل الدعوة إلى تحكيم الشريعة ينبغي أن تتجه هذه الأحزاب إلى بناء الفرد، المساهمة في بناء البلد، ويمكن للمسلم الملتزم أن يتحول إلى نموذج مشرق في العمل الطيب، العمل الاجتماعي الشفاف، العمل الاجتماعي الطيب... خاصة وأن الشعب العراقي، وعموم الشعب المسلم يتأثر بالقدوة أكثر مما يتأثر في الفكر... الإسلام اليوم ينبغي أن يكون طاقة دفع نحو العمل، نحو الإنجاز، وليس بمثابة طقوس قانونية، طقوس تعليمية معدة سلفا.

    أن انصراف الأحزاب الإسلامية والقوى الإسلامية والنشاطات الإسلامية إلى العمل السياسي المحض سوف يعزل هذه الأحزاب عن الشعب، أن مثل هذه الحالة سوف تسبب خسارة للعراق، خسارة للشعب العراقي، تماما كما حصل في إيران...

    لقد طرح كاتب هذه السطور على الأحزاب الإسلامية فكرة (أسلمة المجتمع) وليس الدولة الإسلامية، كنت قد طرحت ذلك وأعتقد أنه هدف مشروع، وهدف طموح، وممكناته متوفرة، وليس لأي قوة مهما كانت أن تمنعنا من ممارسة هذا الهدف الكبير (أسلمة المجتمع)، واعني في ذلك نشر مبادئ هذا الدين السمح بين الناس، من تعاون وحب وتسامح، تفعيل الحياة الاجتماعية، تقديم الخدمات الاجتماعية، فهناك الفقر المدقع، وهناك الأمية المتفشية، وهناك الوضع الصحي المتردي، هناك المجالات الحيوية التي يستطيع الإسلاميون أن يبدعوا فيها، يقدموا الخدمات العظيمة، وبذلك يكسبون ثقة الناس، ورضا الله تعالى.

    حقا أن الإسلام في العراق في موضع حرج!

    ليس كقيمة ذاتية، ليس كدين بطبيعة الحال، ليس كشريعة رائعة، الإسلام في خطر فيما إذا أردنا فرضه على الناس، فيما إذا حاولنا تطبيقه جزافا، فيما إذا حاولنا تسيسه بطريقة فجة، بطريقة فوضوية.
    إن فكرة (أسلمة المجتمع) تتماهي مع فكرة وحدة التراب العراقي،وحدة المجتمع العراقي، ولكن فكرة (الحكم الإسلامي) تعني تعريض هذا الوطن للخطر، خطر التنابذ المذهبي والديني... خطر العزلة الدولية... خطر التنابذ الاجتماعي...

    فهل نخسر الدين والوطن؟

    والى اللقاء في حلقة مقبلة إن شاء الله تعالى.





  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    افتراضي

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم [/align]

    (8)

    [align=center] غالب حسن الشابندر

    GMT 600 2005 الخميس 24 فبراير [/align]

    السياسة فن الممكن كما يقولون، وقد فشلت كل المطلقات السياسية، لقد فشلت المطلقات الثلاث التي أقرها مؤتمر القمة العربية في الخرطوم بعد نكسة 67 المعروفة، لا للتفاوض، لا للتنازل، لا للاستسلام، وفشلت المطلقات التي تورطت فيها بعض الفصائل الفلسطينية، الم ترفع منظمة التحرير الفلسطينية شعار حذف إسرائيل من الوجود مطلقات الثورة الإيرانية، الموت لأمريكا، الموت لفرنسا، الموت لبريطانيا، الموت للصين، الموت لروسيا... ألم تكن هذه هي الشعارات الجماهيرية الضمة التي كانت جماهير الخميني تهتف بها؟
    لا يتطلب الأمر المزيد من الشرح والتفصيل لإثبات خطأ سياسة المطلقات السياسية، هذه هي إيران، بلاد الرفض الأولى، تتوسل فرصة سانحة لإعادة علاقاتها مع (الشيطان الأكبر)، وهذه منظمة التحرير الفلسطينية ترفع شعار الدولة الفلسطينية الجزئية، وتؤكد مشروعية الكيان (الصهيوني)، وهذه هي مصر المسؤولة عن تصميم اللاءات الثلاث ترفع العلم (الصهيوني)، نعم، فهناك سفارة (صهيونية) في قاهرة العرب!
    أكثر من هذا... لقد سببت هذه السياسة الكثير من الخسائر، لقد فوتت على العرب، على الفلسطينيين، على طهران، على الشيعة في لبنان، على السودان... فوتت عليهم الكثير من المكاسب... وكل سياسي عربي منصف يلوم أصحاب هذه السياسة اليوم، ويذكر بالأرقام ما كان يمكن أن يحصل عليه العرب قبل اللاءات قياسا بما بعد اللاءات، وما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون قبل الرفض قياسا بما بعد الرفض، وبما يمكن أن يكون عليه السودان قبل الرفض المطلق قياسا بما بعد القبول الذي كاد أن يكون مطلقا.
    السياسيون العراقيون يجب أن يستفيدوا من هذه الحقيقة، عليهم أن لا يركبوا رؤوسهم، فليس هناك مطلق في السياسة، المطلق السياسي سوف يدمر العراق، سوف يهدم العراق، سوف يخرب العراق من الداخل ومن الخارج.
    هل نعد المطالبة برحيل قوات الاحتلال من عراقنا الحبيب في هذه الظروف الصعبة الحساسة من نماذج المطلق السياسي؟
    الجواب على هذا السؤال يكمن في قراءة بسيطة لواقع القدرات الأمنية والعسكرية العراقية، ويكمن لاحقا بقراءة بسيطة لأطماع بعض دول الجيران بالعراق، ويكمن لاحقا بقراءة بسيطة لما تقوم به بعض دول الجوار من (رفد ) العراق بجيش من الجواسيس والقتلة والمهربين والمجرمين، ويكمن لاحقا بقراءة بسيطة لوجود أعداد كبيرة من رواد وأبطال الجريمة المنظمة. ولكن أليس ذلك يتطلب قراءة دقيقة لاستعداد هذه القوات لمشروع الرحيل، هل هي مستعدة فعلا؟ وإذا لم تكن مستعدة للرحيل من العراق، هل سوف تستجيب فورا مجرد أن نطلب منها؟ وإذا قررنا أن نطردهم بالقوة فهل هناك إمكانية لمثل هذا المشروع العظيم؟ وإذا قررت هذه القوات وخرجت غير مأسوف عليها، هل سوف يحدث فراغ كبير في داخل العراق؟ وهل يمكن ملئ هذا الفراغ؟
    كانت بعض القوى والجماعات والهيئات الكريمة تطالب بخروج القوات المحلتة فورا، وبدون نقاش، وبلا شروط مسبقة، ولكن سرعان ما طرحوا مشروع النزوح من البلد وفق جدول زمني محدد، وبالتالي، هناك اعتراف بشرعية هذا الوجود ، سواء عن رضا أو عن قهر، ولكن الموقف يكشف عن تهاوي المطلق السياسي.فكم هي المسافة كبيرة بين ضرورة ووجوب خروج قوات التحليل بدون قيد وشرط وبين خروجها وفق جدول مسمى؟ بالطبع هناك فارق كبير جدا.
    يجب اجتثاث البعثيين، هذا هو الآخر شعار مطلق، ألا ينبغي تقييد هذا الشعار، أي بعثي يجب اجتثاثه؟ كان من الواجب تقييد الشعار من البداية، تقييده في متن الشعار، وليس في تضاعيفه، ليس في شروحه، ليس من شك هناك بعثي لا بعثي، وواضح ما أقول، تلك حقيقة كبيرة يجب مراعاتها، والحمد لله صدر مثل هذا التوضيح من بعض الساسة العراقيين، لعل منهم ألأخ الدكتور الجعفري في آخر تصريح له.
    كان خطأ كبيرا أن يقاطع بعض العراقيين الانتخابات، بل وأدانتها، بل وتحريمها، هل هي إلا َّ من نموذج الموقف السياسي المطلق؟
    وقد ثبت فشل هذا الموقف، فقد مضت الانتخابات بنجاح يفوق المتوقع، إن خطيئة الموقف ترجع إلى سياسة المطلق إلى حد بعيد.
    ان المطلق السياسي لا يخرج في تحليله الأخير عن دائرة التطرف، فهو تطرف سياسي، ربما يتكأ على تطرف فكري، تطرف عقدي، تطرف قومي، تطرف مذهبي، تطرف ديني...
    هذا المطلق السياسي الذي تمارسه بعض الجماعات في العراق ربما سببه مخيال سياسي أكثر مما هو فكر سياسي، بعضهم للأسف الشديد يمارس هذا المطلق بوحي من ماض تليد، يريد أن يبقى هذا الماضي خالدا، يتذكر الماضي السعيد ويستمد منه مطلقه السياسي الخيالي. هذا المطلق السياسي ربما مشتق من وزن اجتماعي وعشائري ومالي والديني، يتصور صاحبه بأن ممكناته العشائرية والمالية والدينية تهيؤه لمثل هذا الموقف، وهو فكر يتميز بعمى الألوان.
    كل القوى والطوائف والأحزاب والنشاطات مدعوة إلى مراجعة هذه السياسة الخطيرة، فهي تقود العراق إلى النار، إلى الهلاك، خطر من الداخل،خطر لا يضاهيه خطر آخر.
    فهل يتراجع أصحاب الماضي المتسلط من غلوائهم؟
    وهل يساءل دعاة المصدر التشريعي الوحيد تصوراتهم الخيالية؟
    وهل تضع قائمة الإتلاف الموحد مصلحة الطائفة فوق المصلحة الذاتية والحزبية؟
    وهل يتعقل الرافضون لكل شي النتائج التي راحت تؤكد وتبرهن فساد المطلق السياسي؟
    وإلى اللقاء في حلقة مقبلة إن شاء الله





  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    افتراضي

    [align=center]مستقبل العراق بين الوجود والعدم [/align]

    (9)

    [align=center] غالب حسن الشابندر

    GMT 600 2005 الخميس 24 فبراير [/align]

    العراق اليوم ــ وبعد أن رشحت قائمة الائتلاف رئيس وزرائها السيد الجليل الأخ أبو أحمد الجعفري، كذلك القائمة العراقية حيث رشحت الدكتور الجسور أياد هاشم علاوي ــ يمر بمرحلة حرجة للغاية، الأشهر التالية حساسة وصعبة ومصيرية بالنسبة لهذا الوطن الجريح، لهذا الشعب المُمتحَن، زمن الخروج من عنق الزجاجة، زمن جهنمي في تصوري لكل شبر من أرض العراق، لكل فرد من أبناء العراق، حقا أنها أيام عسيرة المخاض، مخيفة النتائج، لا أريد أن أتحدث هنا عن مستقبل القوائم الفائزة، ولا عن التحالفات الممكنة، ولا عن التوقعات التي قد تصيب، وقد تخطي، فأن هذه ملحمة من الصعب التكهن بها على درجة كبيرة من الاحتمال، كل شي متوقع، ولا ارجع في حسابي هذا إلى قيم دينية أو قيم قومية أو قيم وطنية ،لا قيم في السياسة، وكل شي ممكن، سواء كانت القائمة محسوبة على الدين أو على القومية أو على الماركسية، علمتنا التجارب هذه الحقيقة، هو صراع على القوة والمصلحة، ولذا قد يتحالف الملك مع الشيطان هنا، نعم، وأنا أتحدث عن العراق بالذات وفي هذه المرحلة بالذات. أريد أن أتحدث عن الحكومة القادمة، حيث ينتظرها أكثر من ملف معقد للغاية، الملف الأمني، الملف الاقتصادي،ملف الفساد الإداري والمالي، ملف دول الجوار التي لا تصدر لنا غير القتلة والحشيش، ملف حقوق الإنسان، ملف القوات المتعددة الجنسيات، ملف المليشيات الظاهرة والمليشيات الخفية... أنها ملفات خطرة، معقدة، متنوعة، تشتغل عليها أكثر من جهة دولية ومحلية...
    أليس كذلك؟
    فما العمل إذن؟
    الجميع متفقون على أن القضية الأمنية تستحوذ على الأولوية، هذا ما صرح به مرشحا القائمتين المتنافستين، ومثل هذا التوافق يبشر بخير، فهو قد يوفر فرصة تعاون كبيرة في هذا المجال، ولكن ما هي صفات هذه الحكومة التي يمكن أن تعالج مثل هذه القضية الشائكة؟
    بكل بساط أقول نحتاج هنا إلى حكومة قوية، قوية جدا، تمتاز بالشجاعة والكفاءة، بصرف النظر عن كل هوية دينية أو أديولوجية، الأمن وفي مثل الوضع الذي يعيشه العراق اليوم يحتاج إلى مسؤولين شجعان، ينزلون إلى الشارع يقاتلون مع الشرطة والحرس الوطني في مواجهة الإرهاب، يقولون لهذه الاستعراضات العسكرية الاستفزازية كفى، ينزعون سلاحهم، يلجمون طغيانهم، نحتاج إلى حكومة قوية تحمي حدودنا، تقف بقوة وعزم وصراحة أمام تجاوزات دول الجوار، لا تحابي دولة على دولة في هذه النقطة الحساسة، نريد حكومة تصدر بيانا إلى دوائر الدولة الرسمية بإنزال كل صور الإمام الخميني المنصوبة في هذه الدوائر وكأن البصرة أو العمارة محمية فارسية، نريد دولة توفر حماية كافية لأنابيب النفط، نريد حكومة تطالب كل الأحزاب بأخلاء المؤسسات الرسمية التي احتلتها بعد سقوط الصنم، نريد حكومة تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه بالتضييق على حقوق الناس، وهل ننسى أوامر بعضهم بلبس الحجاب؟ بل هل ننسى بعضهم يكتب ــ على جدران المرافق الصحية في الدوائر الرسمية : آداب التخلي، وذلك بلا خجل ولا حياء، وبكل بدائية وصلف وتفاهة ــ نريد حكومة تعاقب المرتشين واللاعبين بأقوات الناس بقوة وشدة وبلا رحمة، لا مجال للنقاش الترفي في مثل هذه الأمور، هي قضايا ملحة تحتاج إلى حسم سريع، إلى موقف صارم، لا هوادة فيه، لا مجاملة، ولا مساومة، ولا تفاهم، ولا تأجيل، نريد حكومة قوية صريحة، تعلن للشعب عن أي خيانة وطنية أو سياسية أو اجتماعية، وذلك عبر المجلس الوطني، وعبر شكاوى الناس، وعبر وسائل الإعلام، كي يتحول الشعب إلى مراقب وقاضي ومحاسب، نريد حكومة تسرع بتأسيس جيش كفئ حيادي، متعلم، ينتمي إلى العراق قبل كل شي، لا يستوحي زاده الروحي من مصدر خارج الحدود، هؤلاء الذين يستوحون زادهم الروحي أو القومي من خارج الحدود يخونون العراق آجلا أم عاجلا...
    الحكومة القوية اليوم هي الحكومة الشجاعة، وليست الشجاعة حكرا على هوية دينية أو قومية أو اديولجية، الشجاعة خلق رفيع لا علاقة له بدين أو فلسفة، بل هي خلق، يمكن يتصف بها متدين أو غير متدين، وقد عرفنا ذلك بالتجربة، بل حتى مقاومة غريزة الجشع، حتى هذه المواقف الخلقية العظيمة، لقد رأينا العجاب، هناك ( متدين ) مشهود له بالتدين، ولكن تنفتح شهيته بشكل مرعب لما تتوفر له فرص الإثراء، وربما عن باستغلال المواقع للأسف الشديد، وهناك من لا يؤمن بدين ولا آخرة، ولكنه متفان في سبيل الفقراء، لا يساوم على حبه الناس الوجود كله، هناك المتدين الذي لا يشبع من الدولار، نهم، جشع، وهناك غير المتدين الذي يأنف من تدنيس أصابعه بلقمة فيها أدنى شبهة، ويمكننا أن نتصور العكس أيضا، فالرجاء لنكف عن هذه التقييمات الهشة والهشة جدا.
    الحكومة القوية هي الحكومة التي تمارس دورها مباشرة، في الشارع، تجند كل قواها لمحاربة الشر والقضاء عليه، دونما انتظار، فإن ( 9 ) ليست زمنا نموذجيا، وفي تصوري أن نجاح الحكومة الآتية في المستقبل يتوقف على نجاحها في هذه الفترة الزمنية الخطرة، ونقطة النجاح الحساسة اليوم هي القضية الأمنية.
    أعتقد أن من مصادر القوة التي يمكن أن ترجع لها الحكومة الجديدة هي الشعب، تصارح الشعب، تقول لهذا الشعب أن إيران تتدخل في شؤوننا ولم تستجب لندائنا في التعاون، تقول لهذا الشعب أن سوريا ما زالت ترسل الإرهابيين، تقول لهذا الشعب أن هناك موظفين غير مسؤولين يعلقون صور الإمام الخميني في الدوائر الرسمية وهو أمر مخالف للقوانين، تقول لهذا الشعب أن هناك فسادا في هذه الدائرة أو تلك، تقول لهذا الشعب أن بعض رجال الدين يحرضون الناس على التمرد والعصيان والفوضى بطريقة شيطانية ويجب إيقافهم، تقول لهذا الشعب أن هناك بعثيين متغلغلين في الجيش والأمن وهم خطر، وأصحاب سوابق، تقول كل ذلك عبر وسائل الأعلام، ومن خلال المؤتمرات الصحفية، ومن خلال المجلس الوطني، هذه الممارسة سوف تجعل من الشعب على علاقة مباشرة مع مصيره، سوف تجعله على مساس عاطفي وعقلي وروحي مع الحكومة، فهل ستفعل الحكومة الجديدة ذلك؟





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني