ملاحظات على مراسلات مع إخوان لي في تيار مقتدى الصدر
بقلم : أحمد الخفاف



الأحداث الدموية التي جرت خلال الأشهر الماضية في مدينة النجف الأشرف بين ميليشيات "جيش المهدي" التابعة للسيد مقتدى الصدر من جهة وبين قوات الحرس الوطني والشرطة والقوات الأمريكية من جهة أخرى وما رافق هذه الأحداث من تطورات وما تبعها من آثار ونتائج ألقت بظلالها على مسرح الأحداث، كلها شكلت فرصة مناسبة للتعرف على التصورات التي يحملها بعض من أتباع السيد مقتدى الصدر وما يتبنى هؤلاء من برامج وأفكار حول الوضع السياسي والاجتماعي وأمور أخرى في البلاد .. كما كانت بالنسبة لي فرصة للاحتكاك وأحيانا التصادم ببعض من أتباع السيد مقتدى الصدر فكرا وسلوكا وخُلُقا.. ومن نافلة القول الإقرار بأن هناك فرقا جوهريا بين أنصار السيد مقتدى الصدر ابن المرجع السيد محمد صادق الصدر وبين أنصار فكر المرجع ذاته آية الله محمد صادق الصدر.. ويعترف الكثير من الناس أن أتباع فكر آية الله الصدر يتمتعون بدراية كبيرة للوضع العام في البلاد وبحنكة سياسية ومعرفة حقيقية للمخاطر التي يتعرض لها الوطن والشعب بشكل عام..

وعلى أية حال فقد تلقيت عددا من الرسائل الغليظة المنبت من أخوة في تيار السيد مقتدى الصدر يعنفوني فيها بسبب موقف سابق لي من اللواء غالب الجزائري رئيس شرطة النجف عندما رفض الأخير طلبا لوزير الداخلية البعثي الحضور إلى بغداد لإقالته ومحاسبته بعد أن عين فلاح النقيب رئيس شرطة آخر ليحل محله.. وقد كانت أجواء النجف متوترة حينها.. وكنت قد قلت في مقال لي آنذاك بأن السيد الجزائري حسنا فعل حين رفض طلب وزير الداخلية وشلته المخابراتية ومراكز القوى البعثية في بغداد التنحي عن المسؤولية.. وأوضحت أن هذا موقف "وطني" وأن جوقة البعثيين في حكومة علاوي يريدون تصفية حساباتهم مع الآخرين.. ثم بدأت المراسلات بيني وبين أخوة لي من تيار مقتدى الصدر واستمرت الرسائل ثم توقفت.. ثم تحولت إلى رسائل شماتة وجهت لي بمقتل نجلي اللواء الجزائري اللذان قتلا غدرا عندما كانا في طريقهما لزيارة مدينة كربلاء المقدسة.

وقد لاحظت خلال مراسلاتي مع من يقولون بأنهم من أتباع السيد مقتدى الصدر وخاصة من هم داخل العراق أنهم يعيشون مع الأسف بعقلية يمكن وصفها بأنها عنيفة ومتطرفة حتى في استخدام المصطلحات الإسلامية وكأنهم حديثي عهد بالإسلام.. يتناولون المصطلحات الإسلامية دون أن يفهمون كنهها ومغزاها.. لا يجيدون بدء الحديث وقواعد المجالسة وأدب المخاطبة وآداب المحادثة.. غليظون قليلا.. قريبون من توجهات غلاة الوهابيين وأسلوب طالبان وإن انتسبوا للتشيع السمح.. متشددين في الخطاب.. عنيفين في المخاطبة.. يفرضون على محادثهم ما يجب أن يقوله أو يفعله.. مصادرين حرية آراءه.. مخطّئين عقائده.. مسارعين لتكفير الآخرين وإن كانوا من أبناء جلدتهم أو من أتباع مذهبهم.. قريبين في التوجهات السياسية والاجتماعية والفكرية والسلوكية من أعداء التشيع.. متهورين في اتخاذ القرارات.. غير متسامحين.. يحسبون أنهم مؤمنون والآخرين حديثو عهد بالإسلام، أو ما هم بمؤمنين.. يعتقدون أنهم لا يخطئون.. والآخرين دوما خطّاءون.. يعيش الكثير منهم حالة نفسية غير منضبطة.. يلقون بالمشاكل على الآخرين وهم يهيئون أرضيته ويعدون له.. لا يقبلون النقد والنصح من الآخرين وإن كانوا هؤلاء على حق.. طويلي اللسان في الانتقاد.. لا يصطفون بجانب الحق بل يقتربون من الباطل.. ثورة غضبهم سريعة ومعرفتهم للأمور بطيئة.. فهمهم للواقع والأمور شبه قاصر وقناعتهم بما يُملى عليهم قاطع.. لا يعرفون القيم النسبية ويقعون في شرك الإطلاق وهم في حالة من الإشفاق..ليس لديهم سوى لون اسود أو أبيض ولا يعترفون باللون الرمادي.. الدين لعق على ألسنة بعضهم.. ينعقون مع كل ناعق دون تفكر وتدبر وإن كان الناعق عدوهم.. يلهثون وراء السراب فإذا أدركوه قالوا خُدعنا مخونين الناس.. ينخدعون بمعسول الكلام.. ويتقبلون من الغدرة المكرة زور السلام.. يستفزون الآخرين، وحين يرون أن النتائج خاسرة والمعركة للنصر فاقدة ينكفئون ويرتدون على أعقابهم.. شامتين بالناس مخونينهم وإن كانوا اخوة لهم.. مقبلين على من ينعق بفارغ الكلام.. مدبرين عمن يتفوه بجواهر الكلام ويتفوه لهم بطيب السلام.. غوغائيين في الحديث..مشتتي الأفكار..

هل جفاء النفس لدى أتباع السيد مقتدى الصدر حالة عامة أم مقتصرة على قلة خاصة منهم؟ فعند المراسلة والحديث معهم لا يلقون بالتحية والسلام على مخاطبيهم في رسائلهم التي يبثونها إلى الناس.. وإن أرادوا إلقاء التحية والسلام كتبوا في مقدمة رسائلهم "السلام على من اتبع الهدى" ولا يعلمون أن العبارة وهي جزء من آية كريمة لم يكن الرسول الأعظم يكتبها في بداية رسائله إلى الملوك في صدر الإسلام حيث كان يدعوهم إلى الدين الجديد بل كان يختم رسالته بهذه العبارة.. وقد أجمع أرباب السير أن العبارة تحمل في طياتها لحن التهديد بعواقب المستقبل..

يدعون معرفتهم بناصية علوم المستقبل وأخبار الغيب، والتجارب أثبتت أنهم أبعد الناس عن استقراء الأحداث.. يستعملون في خطاباتهم وبياناتهم التنظيمية عبارات طنّانة وعناوين رنّانة.. كاللجنة الإستراتيجية للإعلام!!.. والهيئة العليا لمكتب الشهيد!! ..ومكتب العلاقات الخارجية!! وكأننا أمام دولة عظمى لها بنتاغون وقصر أبيض وكرملن وقصر إليزه وداون ستريت وسكوتلانديارد وسي آي إيه!!

المعارض لفكرهم عندما يُلقي عليهم التحية والسلام ينهرونه ويقولون له لست بمؤمن.. يشعر المرء أثناء النقاش معهم بغلظة غير معهودة.. وجلفة غير محمودة.. يفتون في الدين من غير وعي ولا علم، ويحسبون أنهم يقفون على خزائن العلم وما تسقط من ورقة إلا يعلموها!!.. شامتين بما يجري للشيعة من ظلم كبير.. وصامتين على الإجرام وكأن بصرهم عنه حسير.. يُخرجون ملل ونحل من دائرة البشر والأقوام.. وينسبونهم للجن والعفاريت ولا يحسبون ذلك من الكفر والأوهام.. لا يشعرون بالتضامن والتعاضد مع سائر أبناء المذهب.. بل تحول إحساسهم إلى حقد وعداء وكأنما يريدون الانتقام من الإهمال الذي عانوا منه!!.

ولا أعلم، أهكذا حقا أتباع السيد مقتدى الصدر، أم أن من راسلني وتحادث معي هم من النوعيات الردئية في تيار السيد.. ولكن أيّا يكن الأمر فإننا لا نحسب مطلقا أن ساق تيار السيد وعموده والذين جلّهم من الشباب المتحمس هي من هذه الشاكلة.. وأخيرا نؤكد أن في كل قوم صالح وفيهم أيضا الطالح ولكن العاقبة لمن اتقى وجادل بالتي هي أحسن وخفض جناحه لاخوته من المؤمنين..
__________________