القسم الاول
الإمام المهدي عليه السّلام المحطة الأخيرة في خطّ الإمامة تمثّل حياة الإمام المهدي الحجّة بن الحسن العسكريّ عليه السّلام الحلقة الأخيرة من حلقات الإمامة، والمحطّة الموعودة التي بشّر اللهُ ورسولُه بها، وبشّر بها الأئمّة المعصومون الواحد تلو الآخر، المحطّة التي ستحطّ قافلة البشرية المكدودة المتعَبة رِحالها عندها، فتنعم بعد مشاقّ طويلة وعناء مُرّ بظِلال واحته الوسيعة الوارفة، وتسعد في أفياء عدله، وتهنأ في بهجتها برأفته ولطفه.
دَعُونا الآن ـ أيّها الأصدقاء ـ نتعرّف على شيء من البشارات التي دلّتنا على حقيقة استمرار خطّ الإمامة، والتي تدلّ ضِمناً على وجود الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، ثمّ نعرّج على موضوع الأحاديث التي تحدّثت عن البشارة به، وعن ولادته المباركة، وصفاته الكريمة، وغيبته، وغير ذلك من الأمور التي تتعلّق بشخصه الشريف.
1 ـ حديث الثقلين
روى علماء المسلمين عن عدد كبير من الصحابة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال « إنّي تاركٌ فيكم الثقلَين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعِترتي أهل بيتي، فانظْروا كيف تَخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا علَيَّ الحوض »(1).
وروى علماء المسلمين في قضيّة المباهلة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء: عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام، وهو يقول «اللهمّ هؤلاء أهلي» (2).
ورووا مثل ذلك في آية التطهير(3)، كما رووا أنّه صلّى الله عليه وآله كان يقف على باب فاطمة عليها السّلام صباح كلّ يوم إلى تسعة أشهر وهو يقرأ « إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجْسَ أهلَ البيت ويُطهِّركم تطهيراً »(4).
وفي تصريح النبيّ صلّى الله عليه وآله بأنّ القرآن والعترة لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض دليل واضح على استمرار خطّ الإمامة، وعلى وجود إمام من أهل البيت عليهم السّلام يُماثل استمرار وجوده استمرار وجود القرآن الكريم.
قال ابن حجر: وفي أحاديث التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض (5).
2 ـ حديث « أهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض »
روى علماء المسلمين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: النجوم أمانٌ لأهل السماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأهل الأرض، فإذا ذَهَبت النجومُ ذَهَب أهلُ السماء، وإذا ذَهَب أهلُ بيتي ذَهَب أهلُ الأرض(6).
وفي هذا إشارة إلى دوام الدنيا بدوام أهل البيت عليهم السّلام، وقد أشار علماء أهل السنّة إلى هذا الأمر في ذيل قوله تعالى « وما كانَ اللهُ لِيُعذِّبَهُم وأنتَ فيهم »(7) وقالوا إنّ الله عزّوجلّ ألحقَ وجودَ أهل بيت النبيّ في الأُمّة بوجوده صلّى الله عليه وآله، وجعلهم أماناً للأُمّة لِما سبق من قوله صلّى الله عليه وآله فيهم « اللهمّ إنّهم منّي وأنا منهم »، وقوله صلّى الله عليه وآله في فاطمة عليها السّلام إنّها بضعة منه، وفي عليّ عليه السّلام إنّه كنفسه، وفي الحسنَين عليهما السّلام إنّهما منه، وقوله في الحسين عليه السّلام: حسينٌ مني وأنا من حُسين(8).
3 ـ حديث « إنّ الأرض لا تخلو من حُجّة»
وردت أحاديث كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، احتجّ بها علماء الطرفين(9) في أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، فقد رُوي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال في نهج البلاغة ـ في حديث طويل ـ «اللهمّ بَلى، لا تخلو الأرضُ مِن قائمٍ لله بحُجّة»(10)، ورُوي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال «ما زالت الأرض إلاّ ولله فيها حُجّة يُعرِّف الحلالَ والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله»(11)، وسئل الإمام الرضا عليه السّلام: هل تبقى الأرض بغير إمام ؟ قال: لا(12).
وروي عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال: لو أنّ الإمام رُفع من الأرض ساعةً لَساخَت الأرضُ بأهلها، وماجَت كما يموجُ البحرُ بأهله(13).
ناهيك عن الأحاديث الكثيرة التي رُويت عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام في أنّه لو لم يبقَ في الأرض إلاّ اثنان، لَكانَ أحدَهما الحجّة(14).
وتشير هذه الأحاديث بأجمعها إلى ضرورة وجود إمامٍ في كلّ زمان يقتدي به الناس ويجعلونه حُجّة بينهم وبين ربّهم، وذلك « لئلاّ يكونَ للناسِ علَى الله حَجّة »(15)، و «لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عن بيّنةٍ ويَحيىَ مَن حَيَّ عن بيّنة»(16) و «قُل فللهِ الحجّة البالغة»(17).
4 ـ حديث « مَن مات ولم يَعرِف إمام زمانه ماتّ مِيتةً جاهليّة »
روى علماء المسلمين عامة في آُمّهات كتب الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: « مَن ماتَ ولم يَعرِف إمامَ زمانه، فقد ماتَ مِيتةً جاهليّة »(18).
وورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة تتّفق في معنى واحد، وهو وجوب معرفة الإمام الحقّ على كلّ مسلم ومسلمة، وإلاّ فإنّ مصيره يُنذر بنهاية مهولة.
ولا ريب في أنّ الإمام الذي مَن لا يعرفه يموت مِيتةً جاهليّة هو الإمام الحقّ؛ لأنّ معرفة السلطان أو الحاكم أو المَلِك الفاسق الظالم ـ إذا فُرض كَونه مصداقاً للإمام في الحديث ـ ليس من الدِّين، فضلاً عن انتفاء الثمرة من معرفة مثل هذا الإمام مِن قِبل الفرد المسلم.
وفي الحديث دلالة على استمرار وجود الإمام الحقّ في كلّ زمان، وعدم خلوّ عصرٍ ما منه، وهذا لا يتمّ إلاّ بالقول بوجود الإمام المهدي عليه السّلام الذي وردت الرواية أنّه حقّ وأنّه مِن وُلدِ فاطمة عليها السّلام، كما سيأتي.
5 ـ أحاديث « الخلفاء اثنا عشر »
روى علماء المسلمين ـ ومن جملتهم البخاري ومُسلم ـ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه بَشَّر أُمّته بالأئمّة الاثني عشر عليهم السّلام، حيث رَوَوا أنّه قال صلّى الله عليه وآله: لا يزالُ الدِّين قائماً حتّى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفةً كلُّهم من قُريش »(19)، وفي حديث آخر « يكون اثنا عشر أميراً كلُّهم من قُريش »(20).
كما رووا أنّ ابن مسعود سئل: يا أبا عبدالرحمن، هل سألتُم رسولَ الله صلّى الله عليه وآله كم يَملِك هذه الأُمّةَ مِن خليفة ؟ فقال: نعم، ولقد سألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: اثنا عشر كعِدّة نُقباء بني إسرائيل »(21).
وفي الحديث الأخير إشارة إلى قوله تعالى: « ولقد أخَذَ اللهُ ميثاقَ بني إسرائيلَ وبَعَثنا مِنهمُ اثنَي عَشَرَ نَقيباً »(22)، حيث بيّن النبيّ صلّى الله عليه وآله في أحاديث أُخرى أنّ هذه الأمّة ستقتفي أثرَ السالفة ـ خاصّة بني إسرائيل ـ حتّى لو دخل أولئكم جُحرَ ضَبّ، لَدخَلَتْه هذه الأُمّة(23).
وقد فطن العلماء إلى هذه السُّنّة الإلهيّة، فأورد بعضهم ـ كما فعل ابن كثير الدمشقي في تفسيره ـ أحاديث « الأئمّة آثنا عشر كلّهم من قريش » في ذيل هذه الآية الكريمة، ثمّ عقّب على ذلك بقوله « والظاهر أن منهم ( من الخلفاء الاثني عشر ) المهديّ المُبشَّر به في الأحاديث الواردة بذِكره(24).
ومن الجليّ ـ أيّها الأصدقاء ـ أنّ المصداق الوحيد للأئمّة ( الخلفاء ) الاثني عشر المبشّر بهم هم أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، والمهديّ المنتظر عليه السّلام منهم.
كما أنّ من البديهيّ بمكان أن النبيّ صلّى الله عليه وآله إنّما أراد الاستخلاف والإمرة باستحقاق(25)، وحاشاه أن يقصد بذلك مَن تلاعَبَ بالدِّين واستخفّ بمقدّرات الأمّة(26).
يُضاف إلى ذلك أنّ هذه الأحاديث تفترض عدم خلوّ الزمان من الآثني عشر إماماً، وأنّه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.
ولا يخفى أن حديث « الخلفاء اثنا عشر » قد سبق التسلسلَ التاريخيَّ للأئمّة عليهم السّلام، فكان تعبيراً عن حقيقة ربّانية نطق بها مَن لا ينطق عن الهوى.
وقد وردت أحاديث أخرى نقلها علماء المسلمين في النصّ على هؤلاء الخلفاء ( الأئمّة ) بأسمائهم، ابتداءً بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وانتهاء بالمهديّ: محمّد بن الحسن العسكريّ عليهما السّلام(27)، كما رووا عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، المهديّ منّا أئمّة الهُدى أم مِن غيرِنا ؟ قال: بل منّا، بنا يُختَم الدين كما بنا فُتِح(28).
فكرة مجيء المصلح والمنقذ فكرة مقدّسة وعالميّة الأديان الثلاثة والبشائر بالمهدي عليه السّلام آمن أهل الأديان الثلاثة: اليهودية، النصرانية، وخاتم الأديان: الإسلام... بظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان؛ فقد آمن اليهود بمجيء المنقذ الذي يخرج في آخر الزمان، فيُقيم ما فسد من أخلاق الناس، ويُصلح ما غيّرته القوانين والأنظمة البشرية من طباع المجتمع.
كما آمن النصارى بعودةِ عيسى عليه السّلام وجاءت بذلك البشارة في أناجيلهم(29)، فوافقوا بذلك العقيدةَ الإسلاميّة في عودة عيسى عليه السّلام، الذي أخبر رسولُ الله صلّى الله عليه وآله في أحاديث كثيرة عن عودته، وأنّه سيقتدي في صلاته بالإمام المهدي عليه السّلام، ويُعينه على أداء مهمّته العظمى في نشر العدل في أرجاء البسيطة.
عالميّة الاعتقاد بالمهديّ المنتظر عليه السّلام
لم يقتصر الإيمان بالمنقذ على أتباع الأديان السماويّة الثلاثة، بل شاركهم في ذلك الزرادشتيّون الذين ينتظرون عودة بهرام شاه، والهنود الذين يعتقدون بعودة فيشنو، والمجوس الذين يؤمنون بحياة أُشيدر، والبوذيّون الذين ينتظرون ظهور بوذا(30).
كما نجد التصريح من مفكرّي الغرب وفلاسفته بأنّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزِمام الأمور، ويوحّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد (31).
الاتفاق بين المسلمين على أصل قضيّة المهدي عليه السّلام لا خلاف بين المسلمين في أنّ لهذه الأمّة مهديّاً، وأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أخبر به وبشَّر به وذكر له أسماء وصفات وألقاباً، وبيّن أنّ المهدي من أهل بيته، وأنّه يملأ الأرض عدلاً، وأنّه يخرج مع عيسى عليه السّلام، وأنّه يؤمّ هذه الأمّة ويصلّي عيسى خلفه.
والروايات الواردة في كتب الحديث في هذا الموضوع تفوق حدّ التواتر، وقد ألّف علماء المسلمين في قضيّة المهدي المنتظر عليه السّلام كتباً خاصّة(32)، وعدّوا الإيمان بالمهديّ من ضرورات الدِّين، خاصّة بعد أن رَوَوا عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: مَن شكّ في المهديّ فقد كفر(33).
مَن صرّح بتواتر أحاديث المهدي عليه السّلام :
صرّح علماء المسلمين من أهل الدراية وذوي الاختصاص بعلوم الحديث بتواترأحاديث المهدي عليه السّلام الواردة في كتب أهل السنة، من هؤلاء العلماء: 1 ـ البربهاري شيخ الحنابلة في عصره ( ت 329 هـ )(34).
2 ـ محمّد بن الحسين الآبري الشافعي ( ت 363 هـ )(35).
3 ـ القرطبي المالكي ( ت 671 هـ )(36).
4 ـ الحافظ جمال الدين المِزّي ( ت 742 هـ )(37).
5 ـ ابن القيّم ( ت 751 هـ )(38).
6 ـ ابن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ )(39).
7 ـ شمس الدين السَّخاوي ( ت 902 هـ )(40).
8 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ( ت 911 هـ )(41).
9 ـ ابن حجر الهيثمي ( ت 974 هـ )(42).
10 ـ المتقي الهندي ( ت 975 هـ )(43).
11 ـ محمد رسول البرزنچي ( ت 1103 هـ )(44).
12 ـ الشيخ السفاريني الحنبلي ( ت 1188 هـ )(45).
13 ـ الشيخ محمّد علي الصبّان ( ت 1206 هـ )(46).
14 ـ الشوكاني ( ت 1250 هـ )(47).
15 ـ مؤمن بن حسن الشبلنجي ( ت 1291 هـ )(48).
16 ـ أحمد زيني دحلان مفتي الشافعيّة ( ت 1304 هـ )(49).
17 ـ محمد صدّيق القنوجي البخاري ( ت 1307 هـ )(50).
وسوى هؤلاء كثير، وقد تتبّعهم بعض الباحثين ابتداءً من القرن الثالث الهجري إلى وقتنا الحاضر(51).
مَن صرّح بصحّة أحاديث المهدي عليه السّلام صرّح بصحّة أحاديث المهدي عليه السّلام طائفة من أعلام أهل السنّة، منهم: 1 ـ الحافظ الترمذي صاحب الصحيح ( ت 297 هـ )(52).
2 ـ الحافظ أبو جعفر العقيلي ( ت 322 هـ )(53).
3 ـ الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك ( ت 405 هـ )(54).
4 ـ البيهقيّ صاحب السنن الكبرى ( ت 458 هـ )(55).
5 ـ الفرّاء البغوي، صاحب مصابيح السنّة ( ت 510 هـ )(56).
6 ـ ابن الأثير الجزري، صاحب النهاية ( ت 606 هـ )(57).
7 ـ القرطبي المالكي ( ت 671 هـ )(58).
8 ـ ابن تيمية ( ت 728 هـ )(59).
9 ـ الحافظ شمس الدين الذهبي ( ت 748 هـ )(60).
10 ـ الحافظ الكنجي الشافعي ( ت 658 هـ )(61).
11 ـ الحافظ ابن القيم ( ت 751 هـ )(62).
12 ـ الحافظ ابن كثير الدمشقي ( ت 774 هـ )(63).
13 ـ نور الدين الهيثمي ( ت 807 هـ )(64).
14 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ( ت 911 هـ )(65).
15 ـ ناصر الدين الألباني، ( من المعاصرين )(66).
عالميّة الاعتقاد بالمهديّ المنتظر عليه السّلام مَن صرّح بتواتر أحاديث المهدي عليه السّلام
يتبع ....