 |
-
فضل الله ينتقد الهوة بين نقاء الشعار وعشوائية الممارسة عند الإسلاميين والعلمانيين
[align=center]الشعار بين المصطلح والممارسة [/align]
سئل العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، في ندوته الأسبوعية، حول الموقف الإسلامي من الشعار، وحول المشكلة بين ما هو الشعار وبين ما هو الواقع؟
فأجاب: "ركّز الإسلام على أصالة الشعار لكونه منطلقاً من المفاهيم الإسلامية، ويراد له أن يعمل على تغيير الواقع وفقاً لهذه المفاهيم والرؤى الإسلامية الأصيلة التي تعمل على مواكبة الحياة ومستجداتها بما يوفّر الخير والسعادة للإنسان. ومن هنا كان لا بد لهذا الشعار أن يكون واضحاً وضوح المفاهيم الإسلامية، فلا يجوز تمييعه أو تطويعه لمصالح آنية وموقتة، لأن هذا التمييع سيكون مدعاة للضرر بصورة هذه المفاهيم ونقاوتها، إن لم يؤدِّ إلى إسقاط الكثير منها في عملية التمييع السياسي أو الثقافي، أو ما إلى ذلك.
ولعلّ المشكلة تكمن في أن العناوين الإسلامية تستغل استغلالاً سيئاً، بحيث تصبح ـ في بعض الممارسات ـ سلعة في البازار السياسي أو الانتخابي، فتعمل على تلميع صورة هنا وعلى رتق فتق هناك، الأمر الذي يؤدي مع الوقت ومع استمرار هذه الممارسات واعتياد الناس عليها، إلى أن تفقد المفاهيم والقيم الإسلامية أصالتها وقيمتها التأثيرية في النفوس، كما قد نرى في الاستغلال غير المنضبط بالضوابط والحدود الشرعية لمصطلح «التكليف الشرعي» الذي يفقد الكثير من قوته وأصالته أمام عمليات الاستخدام غير الدقيقة له.
ولا يعني ذلك بصورة من الصور أننا لا نريد للناس أن تتثقّف بالثقافة الإسلامية المنفتحة التي تعمل على توعية الناس بما يؤهّلهم لعملية الاختيار الدقيق سياسياً وفكرياً وما إلى ذلك. كما أننا لا نهدف إلى إبعاد العناوين الإسلامية عن الواقع السياسي والحركي، فنحن من الدعاة إلى إدخال المصطلحات الإسلامية والقرآنية في صلب العملية السياسية والإعلامية، لكننا نحذر من الاستغلال السيّىء لها بالمستوى الذي يخرجها عن الدور الإصلاحي الذي يمكن أن تقوم به، الأمر الذي يجعلها مصطلحات مستهلكة كبقية المصطلحات السياسية، بل ربما تغدو أحياناً ولفرط الاستخدام غير الصحيح لها مدعاة للسخرية وتهكم الآخرين. كما أننا نؤكد أهميّة ألاّ يكون الشعار الإسلامي محنطّاً أو معلّباً وجامداً، بل يدخل في صلب حركية الواقع بما يمتاز به من مرونة تستلهم القيم والمبادىء الأساسية من جهة، وتحاكي الواقع المتحرك والمتطور من جهة أخرى. ولذلك، فمن الضروري والواجب أن يبقى مضمون الشعار منسجماً تمام الانسجام مع عناصر الحق ومبتعداً عن كل أشكال الباطل، وأن يعبر تعبيراً صادقاً عن الأرض السياسية والفكرية التي يعيش فيها، إضافة إلى حمله للعناوين الرسالية التي تؤكدها الرسالات السماوية، لأننا في الوقت الذي نؤكّد على أهمية احتفاظ الشعار بالجاذبية السياسية، نريده أن يكون رسالياً في مضمونه.
إننا نعتقد أن للشعار دوراً تثقيفياً تبليغياً يتجاوز المادة الإعلامية الظرفية أو المرحلية التي تقدّم من خلاله، وقد يتجاوز الزمن السياسي الذي ينطلق به إلى المدى الاستراتيجي من خلال لصاقته الأساسية والضرورية بالمفاهيم، ونحن في الوقت الذي لا نمانع من أن يتحرك الشعار لخدمة المرحلة في إطار من التكتيك والمرونة، نعتقد أن ذلك ينبغي أن يتمّ من خلال دراسة متأنية لكل الظروف والمعطيات وتحديد الأولويات، وأن يبقى محكوماً بالاستراتيجية العليا التي لا بد لها من أن توازن بين القيم الإسلامية وحاجات المرحلة المرتبطة بالمصلحة العليا للأمة.
إن تغليب الشعار الإسلامي لحاجات المرحلة، بعيداً عن سقف المبادىء العليا التي أشرنا إليها، سيؤدي حتماً إلى تمييع العناوين الإسلامية في أذهان الأجيال الإسلامية الصاعدة، ولا بد للقيادات التي تعمل على تطويع الشعارات الإسلامية أن تراعي مصلحة الأمة وأصالة المفاهيم في استهدافاتها المستقبلية، لأن خطورة الشعار تكمن في أنه قد يصوغ الذهنية العامة للأجيال بشكل صحيح أو أن يحركها انفعالياً بالطريقة الانتفاخية التي تظن من خلالها أنها سوف تحقق ما تصبو إليه بسهولة وسلاسة وسرعان ما تصطدم بالواقع الصعب، الأمر الذي يؤدي بها إلى فقدان التوازن وإلى الضياع أمام اختلاط الأوضاع والظروف عليها.
ومن هنا، فإننا ندعو إلى عقلنة الشعار وتفريغه من الغرائزية الطائفية والأحقاد السياسية التي تحركه غرائزياً وانفعالياً بما يؤدي إلى إحراق الواقع كله والبلد كله بنيران المطامع المتوقّدة هنا وهناك. إن المشكلة التي نعيشها في لبنان والمنطقة وكثير من بلداننا العربية والإسلامية تكمن في هذه المسافة البعيدة بين فضاءات الشعار في المصطلح أو في المعنى الذي يرصده، وبين الممارسة المضادة، حيث تتوارى غايات الشعار وتختفي مداليله ومعطياته ليبقى مجرد حلية أو أنشودة يتضامن الجميع على إقامة الأسوار أمام أية آلية لتجسيدها في الأرض السياسية والثقافية والاجتماعية، وما إلى ذلك.
لقد أكلت الممارسات السياسية الشعارات السياسية أو الفكرية التي يرفعها العلمانيون أو الإسلاميون، حيث سقطت المبدئية ـ في غالب التجارب الحزبية والرسمية ـ على مذبح المصلحة الشخصية أو الظرفية التي لا تنظر إلى المجموع وإلى المصلحة العامة، بل إلى الفرد والمصلحة الخاصة، ولذلك أصبحت الساحة الشعبية مهيّأة أكثر لقبول نتائج ما يفرزه الفساد السياسي على أساس أنها تربت في بيئة يشترك فيها الجميع في دم هذا الصِّديق المسمى عدلاً أو حقاً أو إصلاحاً، في الوقت الذي يشبعونه مديحاً في خطابهم السياسي والثقافي. إن هذه الهوة بين صفاء الخطاب ونقاء الشعار من جهة وعشوائية وطغيان الممارسة من جهة أخرى، هي التي أنتجت لنا مآسٍ سياسية يراد لها أن تستمر من خلال كل هذا الطاقم من الفاشلين الذين يعملون على خطين: رهن البلد للخارج، ونهبه من الداخل، أو إبقائه في الدوامة الاقتصادية والسياسية... إن المسألة تحتاج إلى صراحة في الطرح ووضوح في الموقف وإلى قيادات تملك ميزات إصلاحية شفّافة بعدما أفسدت الميوعة السياسية الناخب عندنا كما أفسدت الحياة السياسية أيضاً".
أسئلة آخرى أجاب عليها سماحته في ندوته القرآنية:
http://www.bayynat.com/ra/que14062005.ram
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |