شاكر الموسوى الحسينى

الأدوار التي قامت بها المرجعية الدينية لحفظ الدين وخدمة المسلمين تمثلت بقيام العلماء

أ ـ إعادة تنظيم الفكر الإمامي وتجديده: وهذا ما يتمثل في الأعمال الفكرية للسيد عبد الحسين شرف الدين، والعلامة الأميني، والشيخ محمد رضا المظفر، والشيخ كاشف الغطاء، والسيد حسن الصدر والسيد الشهيد الصدر، والشهيد الدكتور مطهري وآخرين.

ب ـ ترسيخ قواعد المرجعية وتوسع نطاقها: ويتمثل هذا في مرجعية السيد أبي الحسن الاصفهاني، والميرزا حسين النائيني، وتأسيس الشيخ عبد الكريم اليزدي لحوزة علمية في قم ال مقدسة، وما تضمن ذلك من إنشاء موطن إضافي سرعان ما احتضن المرجعية العليا في أعقاب وفاة الإمام الأصفهاني، وتلك هي مرجعية الإمام حسين البروجردي التي واصلت هذا الدور.

ج ـ تجديد نظم الدِّراسة وهيكلية الحوزة: ويتمثل بمشروع جمعية منتدى النشر للشيخ محمد رضا المظفر.

د ـ الإصلاح الاجتماعي: ويتمثل هذا الدور في الأعمال الإصلاحية للسيد محسن الأمين العاملي، على صعيد الشعائر الحسينية وتأسيس الجمعيات الخيرية، وللشيخ محمد حسين آل كاش ف الغطاء على صعيد المجتمع الشيعي في العراق.

هـ ـ إنماء حركة الفكر الإسلامي: ويتمثل ذلك في الأعمال الفكرية للشيخ البلاغي، والسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ عبد الكريم الزنجاني، والشهيد الصدر، والشهيد المطه ري.

و ـ فهرسة التراث الشيعي: ويتمثل هذا الدور بالأعمال الرجالية والبيلوغرافية القيمة للشيخ الجليل آغا بزرك الطهراني، والسيد محسن الأمين العاملي.

ولا يعني انشغال المرجعية، في هذه الفترة، ببناء الأسس الجيدة للمجتمع أنها انصرفت تماماً عن السياسة، فالسيد الأصفهاني الذي أمضى شرط عدم التدخل في السياسة والسيد حسن القمي والسيد حسن المدرس والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء والسيد البروجردي قاموا بنشاطات وأدوار سياسية مختلفة عندما اقتضت الضرورة ذلك منهم.

2 ـ فترة الاصطدام مع السلطة

ومنذ أوائل الخمسينات، بدا الطابع السياسي يزداد ظهوراً في أعمال المرجعية الإسلامية التي بدأت تطرح محوراً جديداً هو محور معارضة النظام الحاكم، ففي إيران ظهرت حركة "فدائيان إسلام" بقيادة السيد "نواب صفوي". كما ظهرت حركة السيد أبي القاسم الكاشاني في معارضة الاحتكارات الأجنبية لصناعة النفط والدعو ة إلى تأميمه، وفي عام "1963 م" تصدر محور معارضة النظام أعمال المرجعية، بحيث قام الإمام الخميني بقيادة انتفاضة "15 خرداد" ضد النظام البهلوي المقبور، وفي العراق بدأ السيد محسن الحكيم مرجعيته، في أوائل الخمسينات، بمعارضة واضحة للنظام الملكي ما لبث أن تبلورت بشكل أوضح إبّان العدوان الثلاثي على مصر عام"1956م"، وفي مطلع العهد الجمهوري تمّ تأسيس "جماعة العلماء" لتكون ذراع المرجعية في مواجهة النظام القائم.

وفي منتصف الستينات، مارست مرجعية الإمام الحكيم دوراً بارزاً في بلورة رأي جماهيري رافض للنظام الحاكم.

3 ـ فترة طرح النظام الإسلامي

منذ أوائل الستينات، بدأت تظهر في أوساط المرجعية فكرة إقامة نظام إسلامي، وذلك من خلال جملة كتابات أبرزها كتابات الإمام الشهيد محمد باقر الصدر، غير أن هذه الفكرة لم تتبلور، بشكل بارز ومشخص، إلاّ في نهاية الستينات عندما ألقى الإمام الخميني محاضراته عن "ولاية الفقيه" التي مثلت أول صياغة فقهية مح ددة لمشروعه "الحكومة الإسلامية"، وأول مبادرة سياسية مرجعية في هذا الاتجاه الذي رافقه ظهور حركة فكرية قوية تدعمه.

فقد أثرت كتابات الإمام الشهيد الصدر والعلامة الطباطبائي والشهيد مرتضى المطهري والعلامة السيد محمد حسين فضل الله والعلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين والعلامة السيد مرتضى العسكري والعلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ باقر شريف القرشي والشيخ عبد الهادي الفضلي وآخرين من المدرسة الإسلامية، وأدخلت ها طوراً جديداً، وجعلت فكرة إقامة النظام الإسلامي تنطلق من قاعدة رصينة.

وقد وصلت المرجعية اتجاهها الجديد بكل إصرار وحزم حتى قيَّض الله، سبحانه وتعالى، تحقيق حلم الأنبياء من خلال إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979م.

4ـ فترة الدعوة إلى تطوير واقع المرجعية

منذ أوائل المرحلة التحديثية، التفتت المرجعية إلى ضرورة تطوير واقعها وأساليب عملها بما يتناسب مع خصائص الوضع الجديد ومهامه، فظهرت فكرة "جمعية منتدى النشر" التي عبّرت عن تغيير كيفي في عمل الحوزة ومناهجها فيما ظهرت مرجعية قم بزعامة آية الله اليزدي ومن بعده آية الله البروجردي، وتوسعت مرجعية النج ف الأشرف بزعامة الإمام الأصفهاني توسعاً كبيراً، وعبرت هذه الإضافة والتوسع عن تطور في حجم المرجعية، فيما بقي الجانب النوعي من عملها منتظراً الفرصة المناسبة للظهور، حتى جاءت فترة طرح النظام الإسلامي لتسلط الضوء على الواقع النوعي للمرجعية لضرورة تطوره والارتفاع به إلى مستوى التحديات والمهام الجديدة وتأكدت هذه الضرورة ـ بل تحولت إلى حتمية ـ بعد قيام النظام الإسلامي في إيران، ومع أنّ الكثير بدأوا يرون في الواقع النوعي للحوزة والمرجعية صوراً مؤلمة إلا أنهم لم يدرسوا الأسباب الطبيعية لها، المتمثلة أساساً بأن قيا م الثورة الإسلامية وإقامة النظام الإسلامي فاجآ المرجعية وأخذا يطالبانها بخصائص وامتيازات ما كان بالإمكان توفرها، كما أن هناك شروطاً نوعية مفقودة كانت سنّة التدرج تقتضيها للدخول في الواقع المطلوب.

ومن بين كبار العلماء العالمين الذين أفصحوا عن رغبتهم في تطوير الواقع النوعي للمرجعية تفرد الإمام الشهيد الصدر "قدس سره" بحكم قيمومته على الفكر والتنظير الإسلاميَّين المعاصرين، بتقديم أطروحة متكاملة في هذا المجال يمكن اعتبارها في الحد الدنى، ورقة عمل لمؤتمر قمة مرجعي تفرض الضرورة الراهنة إقام ته للوصول إلى صيغة جديدة في واقع المرجعية الإسلامية، وسنشير إلى هذه الأطروحة وأفكارها في الفقرة التي ستأتي بعنوان "الأسس الجديدة .