حزب الدعوة صعود أم نهاية؟
* محمد البصري
31 / 07 / 2005
لا يشك عراقي بل مسلم بأصالة هذا الحزب الإسلامية، ودوره في تربية الناس ، وهديهم ، ولا يشك ولا يمكن أن يشك أحد بقدم جهاده ونضاله في سبيل قيام مجتمع مسلم ملتزم ، ولكن نريد دراسة موقعه من القضية الشيعية العراقية في هذه اللحظة وما يمكن أن يقدم
في هذه المحنة الصعبة .

وفي تصوري إن أبرز ما يفتقر له الحزب هو الوعي السياسي الدقيق ، فهو حزب كثيرا ما تفاجئه الأحداث ، لم يستبق الأحداث ، فيما من أهم ما يوصي به علي بن أبي طالب عليه السلام هو استباق الحدث (كل شي عُرِفَ في وقته ضاع وقته) ، هذه نقطة ضعف كبيرة في الحزب ، الأمر الذي سبّب له الكثير من المصائب ، ولا أريد هنا التفصيل ، ولكن التاريخ يشهد على ذلك بصورة مثيرة ، والحزب يتسع لقواعد واسعة ولكن سرعان ما يفقدها بسبب الاضطهاد وبسبب الجدب السياسي وبسبب الاختلافات بين قياداته ، لا يملك إستراتيجية الحفاظ على قواه وقواعده الشعبية ، هذه مشكلة أخرى يعيشها الحزب ، واليوم يعاود الحزب ليسترجع شعبيته من جديد لأسباب كثيرة، منها تاريخه ، ومنها جهاده ، ومنها إخلاصه ، ولكن لا أراهن بأنه سوف يحتفظ بهذه الجماهيرية ، فربما تتكرر المأساة ـ لا سامح الله ولا قدر .

في سياق الموضوع الذي نحن بصدده نقول هناك مصفوفة من المشاكل التي يعاني منها الحزب العريق ، ولعل منها ما يلي : ــ
الأولى : شيخوخة قيادته ، وهي شيخوخة زمنية وفكرية ، وهذه مشكلة كبيرة تمنع الحزب من مواصلة التاريخ وهو بهذه الحركة المثيرة ، أرجو أن لا نتكلم بعاطفة ونذكر عبارات إنشائية ، فما أسهلها ، نحن هنا بين يدي تقييم مهم ، لأنه يتصل بمصير طائفة بكاملها ، وإلا ّ أين هو عطاء الحزب الفكري المواكب للزمن ، لا ا تحدث عن كراسات تتكلم عن شمولية الإسلام وكونه جامعاً بين الروح والمادة وغيرها من المعادلات القديمة المستهلكة ، بل أتحدث عن هذا العالم المتفجر بالفكر ؟ أين هي رؤيته للواقع الذي نحن فيه الآن ؟ كيف يعالج الواقع المرير الذي نمر به في هذه الفترة من الزمن الصعب ؟

الثانية : الحزب لا يملك الآن هدفاً محدّدا ، نعم ، هناك معادلات كثيرا ما يرددها ، مثل تربية الناس ، وإقامة حكم الله على الأرض ، ونشر الإسلام ، وهي معادلات لا تغني عن جوع ، العراق اليوم معرض لشتى المصائب ، و الشيعة على مفترق طرق بين حياة أو موت ، ومثل هذه المعادلات غير قادرة على مواصلة مثل هذه المشاكل الكبيرة .

الثالثة : الحزب يفتقر إلى الكوادر الكثيرة في هذه الفترة ، فيما هناك اقبال جماهيري على الحزب ( لقد كتبت هذه القراءة الأولية بعد سقوط النظام ) إيمانا وتعاطفا ، ورغبة بالعمل في صفوفه ، وهذه المشكلة تعود إلى جملة أسباب ، منها أن الحزب ترك الشارع منذ أن قامتْ الحرب الإيرانية العراقية ، فقد استوعبته فكرة إسقاط النظام عبر الحرب وبعض العمليات الداخلية، فنسى الشارع ، كما انه تورّط بصراعات مع أفراد ! ممّا استنزف الكثير من طاقته ، الجماهير تقبل على الحزب ولكنَّ الحزب ليس جماهيريّا باستيعابه للجماهير ذاتها ، ولا سامح الله ولا قدر ربما يترك الشارع مرّة أخرى بسبب صراعات جانبية أو أحلام وردية تعده بقيادة البلد او المحاصصة السياسية المؤثرة .

الرابعة : أن الحزب كثيراً ما يكون عرضة للاستفزاز المخطّط بغية إشغاله ، وليس هنا مشكلة ، بل المشكلة استجابته لهذه الاستفزازات المخطّطة ، مثل إيمانه بالمرجعية وولاية الفقيه ، بل وحتى تشيعه ! وقد انساق الحزب وراء هذه الاستفزازات للأسف الشديد ، فيما كان الأصل أن يعلن موقفه بصراحة ولا ينجر وراء خُطط الإلهاء ، وينبغي على الحزب أن يستوعب بالونات الاختبار التي سوف يتعرّض لها ، خاصّة من قبل المخابرات الإيرانية وبعض المفردات المحسوبة عليه ، وأن لا يعيرها اهتماما أكثر من اللازم .

وقد ابتلى الحزب بإيران ، فإيران كانت تعتبره عائقا دون أطماعها القومية وتعتبره من عوائق استئثارها بقيادة الشيعة في العالم ، وتتهمه بالعروبية والعراقية ، وهذه من المشاكل المستعصية بين إيران و الحزب بشكل خفي ( نتكلم عن الحزب بشكل عام وقبل توزعه على أسماء كثيرة ) .

حزب الدعوة كبير وعريق ومعطاء ، وكان من الواجب أن تكون هذه المقتربات من أسباب استيعابه للآخرين ، ولكن للأسف الشديد كانت تعمل في لا شعوره مستحقات قيادية فوقية ، وقد كلّفه ذلك كثيرا ، وسوف يكلّفه أكثر إذا لم يتحرر من هذه العقدة .
إيران اليوم لا تفرّط بحزب الدعوة لظروف طارئة ، ولكن سوف تعمل على تفليشه في اقرب فرصة سانحة فيما إذا لم تجد فيه حاجة .

الحزب اليوم

الدائر على الالسن أن الحزب اليوم ثلاثة ( أحزاب ) ، التنظيم الأم الذي يُعد التيار الغالب ، وهناك ( قسم ) أخر أُختلق بجهود المخابرات الإيرانية كما يتكلم الدعاة سرا ، وهناك تيار شخصي ضعيف يؤمن بمبدأ البراغماتية في علاقاته وممارساته ، ومن ثم ، هناك ظاهرة التمحور الشخصي ، وظاهرة التمحور المناطقي ، وهناك دعوة الداخل ودعوة الخارج ، وليس سرّا إن هناك تجاذبات غير مسرّة بين هذه ( الأقسام ) ، وهي تجاذبات سوف تؤدي إلى إهمال الشارع ، سوف تقود إلى الجدب الجماهيري ، سوف تبخّر الطاقة الكامنة للحزب ، طاقته الروحية والجماهيرية والهدفية . ولا أعتقد أن ذلك سوف يتطلب الوقت الكثير ، من مشاكل الحزب انّه ( يغترّ ) بسرعة بالمد الجماهيري ، ولكنّه لم يتعلم لحد هذه اللحظة أن للمد الجماهيري استحقاقاته الصعبة ، ولم ينتبه الحزب في فكره الاستراتيجي لهذه الحقيقة الخطيرة ، ينسى المد الجماهيري الذي هو نعمة من الله تبارك وتعالى وينصرف إلى حراك داخلي مزعج ، ينصرف إلى قضايا جزئية .

تواجه الحزب بطبيعة الحال تحديات من خارجه ، منها تحديات الوجودات الصغيرة التي تتفنّن المخابرات الإيرانية بصنعها ، ومثل هذه الجماعات وان كانت صغيرة ولكنّها تضم منتفعين من الدرجة الفائقة وتخلق الكثير من المشاكل ، هناك تحدي مهم خطير للغاية ، هو غياب الثقافة الإسلامية في الشارع العراقي ، هناك شعارات فضفاضة وحضور عاطفي للصلاة في المساجد ، ولكن نفس هذا الحضور لأنه ساذج قد يتحوّل إلى مشكلة وليس إلى حل ، وهناك تحدي آخر هو موقف الدول الإقليمية من الحزب ، وهناك تحدي مضاف آخر هو المجلس الأعلى ، وهناك تحدي الفراغ السياسي التي تعانيه الجماهير ، وهناك تحدي العالم الديني العراقي المناطقي الذي يحمل بعض من الثقافة وله شي من التاريخ والجذور القيادية في منطقته ، وهناك التحدي العلماني ، فقد بدأت الأحزاب العلمانية تستعيد عافيتها بالشارع العراقي ، وأخراً وليس أخيراً هناك تحدي العراق بكل وضعه المعقّد .

ماذا يجب أن يعمل الحزب ؟

وكيف يعمل ؟

وما هي آلياته ؟

أسئلة واسئلة اشك أن القيادات تعكف على دراستها وتحليلها ، لانّ هناك حراكاً داخلياً مزعجاً وليس حراكاً داخلياً بناءّ ، باتجاه الخارج المضطرب المخيف .

أسماء بلا مسميات

في الحقيقة أن من أبرز ما يمكن معرفته بوضوح وجلاء ، إن (تكثرات ) حزب الدعوة مجرد أسماء ، لا توجد أي دواعي منطقية أن يكون ثلاث أو أربع أحزاب ، فالفكر واحد ، والهدف واحد ، ولا توجد أي دواعي لهذا ( التكثر ) ، فهو حالة مفتعلة ، ليس لها أي مبرر منطقي وفكري وسياسي ، ومن هنا يحق للجماهير أن تسأل اليوم عن دواعي هذه التقسيمات، وهل ورائها دواعي شخصية مثلا ، وربما هناك عوامل خارجية لها دور كبير في عملية التشطير هذه ، ولم يقدم الحزب اليوم في أقسامه الثلاث أو الأربع أي مبرر يقنع الجماهير ، خاصة وأن العراق والشيعة على وجه الخصوص تعاني من هجمة شرسة تهدف استئصال كل شيعي وكل ما هو يمت بصلة إلى التشيع ، فبدأت الناس تتساءل أي داع إذن لهذه التقسيمات إذا لم تكن مصالح شخصية وحزبية وربما أسباب تمتد إلى ما وراء الحدود .

وقد برهنت عملية إنتخابات البلديات على تقهقر الحزب شعبيا ، فيما تألقت أحزاب أخرى حديثة التكوين والعهد .

وقد لاحظ الحس الشعبي طغيان الحزبية على الحزب بفروعه الثلاث ، فهي تنافست وتجاذب بشكل واضح من أجل المزيد من كراسي الحضور في الجمعية الوطنية والمجالس البلدية والوزارات ، فيما كان الواجب أن تؤمن هذه الأحزاب بتقديم الكفء ، بصرف النظر عن إي إنتماء حزبي ، بل أن الناس تتساءل عن سبب عدم ترشيح هذه الأحزاب لشخصيات متدينة كفوءة من خارج الحزب ، وبذلك تؤكد تدينها ، وإخلاصها للدين والشيعة والوطن .

يشك الكثير بقدرة الحزب على استيعاب المستقبل وهو بهذه الحالة من الجدب الفكري ، والإنشطار الوهمي ، والتكالب على المناصب حسب قانون المحاصصة الذي لا يتفق مع التقوى في كثير من مفارقاته .

ماذا يجب عليه اليوم
أولا : الأقلاع عن هذه التسميات الوهمية والعودة إلى حزب واحد من خلال مؤتمر جدي بعيد عن كل ضغوط خارجية .
ثانيا : طرح فكر إسلامي جديد يعالج الوضع ا لعراقي بشكل عام .
ثالثا : النزول إلى الشارع وترك التجاذب الداخلي من أجل المناصب والمواقع الوظيفية في الدولة .
رابعا : ترك منطق المحاصصة والإقدام على دعم وترشيح الكفء من داخل الحزب وخارج الحزب .
خامسا : التواصل الجدي مع الأحزاب الإسلامية الأخرى على طريق بناء العراق الجديد.
سادسا : التوجه نحو القاعدة الجماهيرية العراقية المنتسبة إلى مدرسة أل محمد ، والإنخراط في هموم هذه الطائفة المهددة في مصيرها من قبل الأشرار والقتلة والمتشددين والتكفيريين .
سابعا : الدخول في مشاريع سياسية جادة والابتعاد عن المهاترات الشخصية و الدخول في معارك مع هذا الشخص أو ذاك .
ثامنا : تجديد القيادات وفسح المجال أمام الشبيبة للصعود إلى مواقع المسؤولية الحزبية والسياسية .
تاسعا : تأجيل بعض الشعارات الكبيرة التي لا تتناسب مع الواقع العالمي والإقليمي والوطني ، مثل مشروع الدولة الإسلامية الذي أتصوره خرافة كبيرة ، والإهتمام بتربية الناس ، ومن ثم طرح مشروع المجتمع المسلم كهدف رائع في هذه الفترة .