النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    افتراضي نظرة الامام علي للتاريخ البشري

    نظرة الإمام علي ( عليه السلام ) للتاريخ البشري


    كانت عناية الإمام علي ( عليه السلام ) بالتاريخ ليست عناية القاصِّ والباحث عن القصص ، كما أنها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسية وأساليب التمويه التي يعالج بها تذمر الشعب ، وإنما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة ، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي .
    إن القاصَّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادة للتسلية والإثارة ، والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق ، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة .
    والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادة التاريخية التي يجدان فيها حاجتهما .
    أما الرائد الحضاري ، ورجل الرسالة والعقيدة ، ورجل الدولة ، فهو يبحث ليجد في التاريخ جذور المشكل الإنساني ، ويَتَقَصَّى جهود الإنسانية الدائبة في سبيل حل هذا المشكل بنحو يعزز قدرة الإنسان على التكامل الروحي والمادي .
    كما يعزز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية ،
    وقد كان الإمام علي ( عليه السلام ) يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة .
    ومِن ثَمَّ فَلَمْ يتوقَّف عند جزئيات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً ، وإِنما تناول المسألة التاريخية بنظرة كُلِّية شاملة .
    ومن هنا فَقَلَّما نرى الإمام ( عليه السلام ) في خطبه وكتبه يتحدث عن وقائع وحوادث جزئية ، وإنما يغلب على تناوله للمسألة التاريخية طابع الشمول والعمومية .
    ونحن نعرف عناية الإمام علي ( عليه السلام ) الفائقة بالتاريخ ، واهتمامه البالغ بشأنه ، مِن نصٍّ ورد في وصيته التي وَجَّهَها إلى ابنه الإمام الحسن ( عليه السلام ) كتبها إليه عند انصرافه من صِفِّين ، قال فيه :
    ( أيْ بُنَيَّ ، إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي ، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه ) .
    وكان قبل ذلك قد وجه الإمام الحسن ( عليه السلام ) في هذه الوصية إلى تَعَرُّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة ، فقال ( عليه السلام ) :
    ( أحيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ ، وَاعرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا ، وَعَمَّا انْتَقَلُوا ، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا ، فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ ) .
    وهذا النص يحملنا على الاعتقاد بأن الإمام ( عليه السلام ) تَحدَّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسية ، وتربيته الفكرية لمجتمعه ، ولرجال إدارته ، وَلِخَوَاصِّ أصحابه .
    ولكن النصوص السياسية والفكرية التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمَّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جداً ، وإن كانت النصوص الوَعظِيَّة التي بُنِيَت على الملاحظة التاريخية كثيرة نِسبياً .
    ومن هنا يواجهنا سُؤالاً هاماً ، وهو :
    مِنْ أين استقى الإمام علي ( عليه السلام ) معرفته التاريخية ؟
    إنه ( عليه السلام ) يقول عن نفسه :
    ( نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ) .
    فما الوسيلة التي تَوصَّل بِها إلى معرفة أعمالهم لِيَنظُر فيها ؟ ، وكيف تَسنَّى له أنِ اطَّلَعَ على أخبارهم ليفكر فيها ؟
    نُقدِّر أن الإمام ( عليه السلام ) قد اعتمد في معرفته التاريخية على عِدَّة مصادر :


    الأول : القرآن الكريم :

    يأتي القرآن الكريم في مقدمة هذه المصادر التي استقى منها الإمام معرفته التاريخية ، فقد اشتمل القرآن الكريم على نصوص تاريخية كثيرة مُنبثَّة في تضاعيف السُّوَر ، وتَضمَّنَتْ أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها ، وانحطاطها ، واندثار كثير منها ، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النُّبوَّات في تاريخ البشرية ، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلِّ أمة وجيل لرسالات الله تعالى ، التي بُشِّر بها الأنبياء ( عليهم السلام ) .
    وقد كان أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) أفضل الناس - بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - معرفة بالقرآن من حيث الظاهرِ والباطنِ ، والمُحْكَمِ والمُتَشَابَهِ ، والناسِخِ والمَنسُوخِ ، والأهدافِ والمَقَاصِدِ ، والأبعادِ الحاضِرَةِ والمُستَقبَلَةِ ، وغير ذلك من شؤون القرآن الكريم .
    فكانت معرفته ( عليه السلام ) بالقرآن الكريم شاملة مستوعِبَة لكل ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد .
    والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام ( عليه السلام ) التاريخي ، من حيث المنهج ومن حيث المضمون ، كما هو شديد الوضوح في كل جوانب تفكيره الأخرى .
    وقد حَدَّثَ الإمام ( عليه السلام ) عن نفسه في هذا الشأن ، كاشفاً عن أنه كان يُلِحُّ في مسائله لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شأن القرآن من جميع وجوهه .
    فقد قال ( عليه السلام ) : ( وَالله مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ ، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً ، وَلِسَاناً سَؤولاً ) .
    كما أن شهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً ، ومنها ما رُوِي عن عبد الله بن مسعود ، قال : ( إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن ، وإنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ عنده علم الظاهر والباطن ) .


    الثاني : التعليم الخاص :

    التعليم الخاص الذي آثر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ، هو مصدر آخر من مصادر معرفته ( عليه السلام ) التاريخية وغيرها .
    فقد تواترت واستفاضت الروايات التي نقلها المحدثون وكُتَّاب السيرة والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد خَصَّ أميرَ المؤمنين عليّاً ( عليه السلام ) بجانبٍ من العلم لم يُرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له .
    فمن ذلك ما قاله عبد الله بن عباس : والله لقد أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبي طالب تسعة أعْشَار العلم ، وَأَيْمُ الله لقد شارَكَكُم في العُشر العاشر .
    وما رُوِي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عَلِيٌّ عَيبَةُ عِلْمِي .
    وما رواه أنس بن مالك ، قال : قيل يا رسول الله عَمَّن نكتُب العِلمَ ؟
    قالَ ( صلى الله عليه وآله ) : عن علي وسَلمَان .
    وقال الإمام ( عليه السلام ) : عَلَّمَني رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم ، كُلُّ بابِ يَفتَحُ ألفَ بابٍ .
    وقال ( عليه السلام ) : لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ .
    وقال ( عليه السلام ) : يَا أَخَا كَلْبٍ ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ .
    وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات </– P .< الماضي يشمل مطلق غيرها فإنَّ ، – بالمستقبل العلم : أي>
    وإِذا كان الإمام ( عليه السلام ) قد اطَّلَع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل ، فمن المُرَجَّح أنه ( عليه السلام ) قد اطلع منه على علم الماضي .

    الثالث : السُنَّة النبويَّة :

    اشتملت السنة النبوية على الكثير المُتَنَوِّع من المادة التاريخية ، ومنه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم ، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخية لم ترد في القرآن إِشارة إِليها .
    وقد كان الإمام علي ( عليه السلام ) أعلم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والصحابة قاطبة ، بما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو فَعَلَهُ أَو أَقَرَّهُ .
    فقد عاش ( عليه السلام ) في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منذ طفولته ، وَبُعثَ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) عنده .
    وكان ( عليه السلام ) أول من آمن به ، ولم يفارقه منذ بعثته إِلى حين وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، إِلا في تنفيذ المهمات التي كان ( صلى الله عليه وآله ) يُكَلِّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته ( عليه السلام ) .
    ومن هنا ، فتفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي ، ووعيه الكامل لِما كان يتلقَّاه كان الإمام أعلم الناس بِسُنِّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكتاب الله .


    الرابع : القراءة :

    إنَّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) قد قَرأ مدونات تاريخية باللغة العربية و بغيرها من اللغات ، التي كانت متداولة في المنطقة التي شهدت نشاطه .
    وخاصة بعد أن انتقل ( عليه السلام ) من الحجاز إِلى العراق واضطرَّتْهُ مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا .


    الخامس : الآثار القديمة :

    وربما كانت الآثار العِمرَانية للأمم القديمة من جملة مصادر المَعرِفَة التاريخية عند الإمام ( عليه السلام ) .
    ويعزز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر : وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ ، مما يحمل دلالة واضحة على أن مراده الآثار العمرانية .
    وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام : شبه الجزيرة العربية ، واليمن ، والعراق ، وسوريا ، ونقدر أنه ( عليه السلام ) قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد .
    وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجح حدوثه - فمن المؤكد أن الإمام ( عليه السلام ) لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة ، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات ، وإنما زارها زيارة معتبر مفكر ، يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات ، بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسساتها التي حل بها الخراب بعد أنِ انحطَّ بُنَاتُها ، وَفَقَدُوا قُدرَتُهُم عَلى الاستِمرَار فاندثروا .
    هذه هي – فيما نقدِّر – المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة التي استقى منها الإمام علي ( عليه السلام ) معرفته التاريخية .
    التعديل الأخير تم بواسطة السيد عبدالله الموسوي ; 05-08-2005 الساعة 10:11 سبب آخر: خطأ كتابي

  2. #2

    افتراضي

    هاااااااام جداً العنوان هو نظرة الامام علي للتاريخ البشري و ليس نظرة الامام علي للتارخ البشري و شكراً

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    517

    افتراضي

    ( أيْ بُنَيَّ ، إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي ، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه ) .


    عظيمة هذه المقولة لو أدركنا كل كلمة بها
    و كلام الإمام علي عليه السلام كله عظيم


    تحياتي و شكري لكم

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني