البصرة تشهد ارتفاعاً خيالياً في اسعار العقارات بعد ان اصبحت نقطة جذب للمستثمرين عربياً وعالمياً
لكي تشتري داراً سكنية وفي حي الجزائر عليك ان تدفع مليار دينار!
تحقيق وتصوير : عبد الحسين الغراوي
عندما كان الموظف الحكومي في النظام السابق يتقاضى ثلاثة الاف دينار وهو مبلغ بالمعيار الاقتصادي دون حد الكفاف في العيش فان هذه الحالة المأساوية انعكست على كل الشرائح الاجتماعية وسط حالات شملت كل قطاعات الحياة التي لها مساس بالحياة المعاشية، والاهم فيها السكن، اذ ان غالبية الناس ومن الشرائح المتوسطة والفقيرة لا تملك السكن وكانت اسعار العقارات في سنوات الحروب لا تتجاوز عشرات الالاف من الدنانير ومع هذا ظلت كاسدة ومكاتب تجارة العقارات معطلة.. ثم جاء قانون الايجارات في الزمن المباد، مما زاد الطين بلة وساهم في ارهاق الطبقة المتوسطة والفقيرة من عامة المجتمع العراقي.. هكذا كانت الحياة ومنها بورصة العقارات في العقود الثلاثة الماضية.. اما بعد سقوط النظام ..
فان تجارة العقارات وارتفاع اسعارها باتت اغرب من الخيال واكثر كارثية، ولكن كيف؟ وما الاسباب التي رافقت جنون اسعار العقارات؟ وكيف نعالج هذه الظاهرة الرقمية بالاسعار التي ابتلعت فرح العراقيين من ذوي الدخل المحدود الذين لا يزالون يفترشون الارض خلف سياج خشبي او طيني او من القصب وسط عوامل الطبيعة القاسية، ونحن في ظل عراق جديد وتجربة ديمقراطية فتية؟ ولمعرفة المعايير التي ارتكز عليها اصحاب العقارات بمختلف انواعها وآراء المعنيين بالتوسط في بيع وشراء العقارات.. تابعنا ذلك ميدانياً للوقوف على اسباب الارتفاع الخيالي في اسعار العقارات في البصرة.
العقار والنظرية الاقتصادية
في البدء وقفنا على رأي الدكتور عبد الجبار الحلفي الباحث الاقتصادي ورئيس قسم الاقتصاد في مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة حول ظاهرة ارتفاع اسعار العقارات فقال:
في الحالة الاعتيادية يكون السعر دالة للعرض.. وفي حالة العراق.. فان النظرية الاقتصادية لا تعمل على وفق هذا المفهوم، لان العراق الان في وضع (تشكيل دولة جديدة) لم تتضح معالمها بعد ونضرب مثلاً ان اسعار العقار في بريطانيا اذا ارتفعت فهي ترتفع بنسبة 10-15%، اما في العراق فان النسبة تتراوح الان من (100%- 120%) ولكن لماذا؟ يجيب الحلفي، ان ارتفاع الاسعار يعود الى الاسباب التالية:
1- قلة المعروض من الاراضي للسكن.
2- شراء الاراضي من قبل عراقيين لاشخاص غير عراقيين، وهذا يحدث في قضاء (ابي الخصيب).
3- الفساد الاداري الموجود في دوائر البلدية والتسجيل العقاري حيث نلاحظ قيام اشخاص ببناء دور سكنية مدعين انهم اشتروها من البلدية وانهم بصدد الحصول على وثيقة التسجيل العقاري (الطابو) وقد قاموا تجاوزاً ببناء دور ضخمة.
4- وجود سيولة هائلة لدى البعض من (الحواسم) الذين نهبوا وسلبوا اموال الدولة بعد سقوط النظام البعثي وقد تمكنوا من غسيلها في المصارف والبورصة.
5- المضاربات على العقار بحيث يباع العقار الواحد من 5-6 مرات في السنة الواحدة.
6- يأس المواطنين بعد ان نفضوا ايديهم عن قيام الدولة ببناء مجمعات سكنية لهم خاصة ذوي الدخل المحدود.
اما راي الدكتور رياض الاسدي / الباحث في مركز دراسات الخليج العربي فجاء مطابقاً لرأي زميله الدكتور الحلفي حيث قال: ارتفعت العقارات في البصرة بنسبة خيالية نتيجة عوامل عديدة اهمها الاستقرار الامني في البصرة ، وكذلك موقع البصرة الستراتيجي كميناء وكمدينة سياحية وتاريخية اضافة الى رغبة جماعات من الدول المجاورة في شراء عقارات حيث زاد الطلب على الشراء على الدور والاراضي والبساتين والمحال، كما ان وكلاء الشركات اشتروا اماكن واسعة في المدينة.
واكد الدكتور الاسدي ان هذا حدث من دون رقابة ووصف البصرة بهذا الانفتاح في شراء العقارات بانها ستصبح (هونك كونك العراق) وهذا ما تثبته الايام القادمة كما يتوقع الدكتور الاسدي
دور مكاتب العقارات بعد ان عرفنا رأي الاقتصاديين حول هذه الظاهرة استطلعنا هذه المرة آراء اصحاب مكاتب العقارات لان عند جهينة الخبر اليقين كما يقولون ، يقول السيد عبد الرزاق عبد الله – صاحب مكتب عقارات ابو صفاء في منطقة البصرة القديمة.
اذ اردنا ان نتتبع السبب الاساس في الارتفاع الذي حصل في العقارات وبعد سقوط النظام مباشرة هو عودة المهجرين من الخارج وكذلك الوافدين ولان المواطنين يعيشون منذ ذلك الوقت ازمة سكن، لدرجة ان داراً سكنية متوسطة كانت تباع قبل السقوط بعشرين مليون دينار، اما الان فاكثر من 300مليون دينار وهذا لا يوجد اصلاً – الشقة كانت تؤجر بمبلغ 6 الاف دينار شهرياً حالياً بـ 500 الف دينار.. شارك في الحديث السيد اسعد نعمة، الذي كان جالساً في المكتب حيث اشار الى ان التعامل هذه الايام في بيع وشراء العقارات يتم بالدولار وهناك شركات استأجرت بيوتاً وحولتها الى شركات مقابل 20 ورقة أي 2000 دولار بالشهر خاصة في المناطق التجارية المهمة، الجزائر، بريهة، البراضعية، ويضيف عبد الرزاق :
- ان اقل قطعة ارض سكنية في منطقة كوت الحجاج تباع الان من 90-100 مليون وسبب هذه الزيادة كثرة الطلب على شراء البيوت والعمارات والبساتين من اشخاص عراقيين وخليجيين في الخارج يوكلون اقاربهم لشرائها مما ادى الى هذا الارتفاع. وبالنسبة للاراضي الزراعية التي كان يتراوح سعرها من 10-20 مليون دينار سابقاً فان سعرها الان اكثر من 50 مليون دينار واكثرها في مناطق ابي الخصيب، ويؤكد ان (الحواسم) لعبوا دوراً كبيراً في قفزة ارتفاع اسعار العقارات حيث انهم يبنون البيوت في اراض ليست لهم ثم يبيعونها، سألته عن البديل للقضاء على هذه الظاهرة التي ترهق المواطن ذي الدخل المحدود؟ فاقترح ان تقوم الدولة ببناء مجمعات سكنية او توزيع الاراضي، ثم ضرب مثلاً ان داراً بسيطة من (العكادة) وصل سعرها الى اكثر من 30 مليون دينار، بل انه اكد ان داراً معروضة لديه للبيع مساحتها 1500 م دفع بها 720 مليون دينار، لكن صاحب الدار لا يزال يصر على مبلغ (مليار) دينار.. موضحاً ان اغلب الذين يشترون الاراضي او البساتين في البصرة وتسببوا في هذه الزيادة هم من دول الخليج ويبقى المواطن العراقي هو المتضرر ويكتشف ظاهرة اخرى تسبب فيها الحواسم عبر استيلائهم على اراضي الدولة او المواطنين وحولوها الى مرائب (كراجات) يؤجرونها بملايين الدنانير بدون حق . وفي مكتب عقارات آخر التقيت السيد اسامة رياض وهو شاب يتمتع بمعرفة بامور العقارات، قال لنا:
- قبل الحرب وزعت مقاطعة (5)على العسكريين وكانت اسعار اراضيها مناسبة أي (6) ملايين دينار، اما الان فقد وصلت الى اكثر من 60 مليون دينار. وبعد سقوط النظام صار هناك اقبال على شراء العقارات خاصة في الجزائر بحيث وصلت القطعة 250 م الى سعر 200 مليون دينار واكثر. اما الاراضي الزراعية فاسعارها تصاعدية وحسب مساحة زراعتها واهمية ثمارها ومزروعاتها في منطقة السراجي كان السعر (10) ملايين حالياً اكثر من (100) مليون دينار، ولمعرفة تباين اراء وملاحظات اصحاب مكاتب العقارات زرت حي الجزائر الذي يشكل القاعدة الهرمية لارتفاع اسعار العقارات لاهميته التجارية وموقعها الجغرافي وسط المدينة.
العرض والطلب
التقيت السيد صباح الزبيدي -وهو من اصحاب مكاتب العقارات القدامى- وحين طرحت عليه السؤال حول الاسعار اوضح
- بداية الارتفاع بعد الحرب الاخيرة والذي ساعد على هذه الزيادة كون البصرة مدينة صناعية وسياحية وموقعها الجغرافي مهم كما ان فيها النفط وهي ميناء العراق البحري الوحيد وينتظرها مستقبل استثماري من شركات عربية وعراقية واجنبية جعل منها منطقة جذب وفيها مناطق زراعية وهي مدينة البساتين والنخيل. واكثر الذين يقبلون على الشراء هم من الخارج وقد وصلت اسعار البيوت او البساتين الى اكثر من 500 مليون دينار، هذه الظاهرة اضرت كثيراً بالحالة السكنية للموظفين من ذوي الدخل المحدود الذين لا يملكون دوراً سكنية، كما اثرت في حركة عمل مكاتب العقارات – مؤكداً- نحن الان ومنذ فترة في حالة ركود وكساد، كنت احاوره عندما دخلت عجوز عرضت بيتها للبيع ومساحته 106 امتار مربعة طالبة عرضه بمبلغ 150مليون دينار وهنا التفت نحوي مشيراً الى ان العقار يخضع لعملية العرض والطلب. كما ان ارتفاع المواد الانشائية سبب اخر حيث وصل طن الاسمنت من 20 الف دينار الى 230 الف دينار والطابوق دبل سابقاً 42 الف دينار الان وصل الى 500 الف دينار.
البديل: المجمعات السكنية
وللوقوف على رأي الدولة حول ظاهرة ارتفاع اسعار العقارات وما تسببه للمواطن الذي لا يملك ارضاً او داراً سكنية او شقة من ظاهرة غير عادلة التقيت السيد نصيف جاسم العبادي – نائب رئيس مجلس محافظة البصرة وهو اقتصادي ايضاً وطرحت عليه الموضوع فأجاب:
- هذه الامور يفرضها الاستقطاب السكاني والمواد الاولية والقدرة المادية والبديل في حل هذه الحالة هو انشاء المجمعات السكنية وتوفير السكن الملائم للمواطنين من اصحاب الدخل المحدود، وهذا سيخفف من كاهل المواطنين وبالتالي مثل هذا الاستقرار سيؤثر في مجمل الزيادة الحاصلة في تجارة العقارات.
لكل منطقة سعرها
العم (ابو شوقي) لديه خبرة وتجربة طويلة في بيع وشراء العقارات لذا عندما سألته عن اسباب ارتفاع الاسعار الخاصة بالعقارات في البصرة ان هناك انواعاً من العقارات وهي الدور السكنية والمحال التجارية والعمارات والفنادق والعرصات وهذه تشمل الاراضي الفارغة والبساتين وتشمل الاراضي المزروعة، ولكل من هذه المناطق اسعارها واهمية اماكنها والمناطق في البصرة تقسم عقاريا،ً اذ هناك المنطقة الاولى وتشمل الجزائر، مناوي باشا، البراضعية اما المنطقة الثانية تضم مناطق بريهة، العباسية، الكزارة والمنطقة الثالثة تضم كون الحجاج، الطويسة، المعقل، التحسيلية..
ويضيف: ولكل من هذه المناطق اسعارها الخاصة، وهي في تجارة العقارات ذات طلب تجاري وتكون مرغوبة من الشركات ومنظمات المجتمع المدني وان ارتفاع الاسعار سببه اصحاب رؤوس الاموال القوية واغلب الذين يرغبون في الشراء في هذه المناطق ذات الدرجة الاولى هم من الدول الخليجية ودول الجوار الاخرى.. وعندما سألته كيف نحمي المواطن متوسط الدخل من هذه المضاربة العقارية؟ اوضح انه ليس هناك غير مواجهة هذه الحالة بانشاء المجمعات السكنية للمواطنين. وانطلاقاً من هذا المقترح فقد وجدت اعماماً لوزارة الاعمار والاسكان برقم 828 في 13/ 1/ 2005 يشير الى ان مجلس الوزراء اوصى بتأسيس صندوق الاسكان لاقراض المواطنين مبالغ لبناء دور سكنية لهم وبرغم مرور تسعة اشهر على صدور القرار الا ان إعمام وزارة الاعمار لا يزال يدور في دوائر ومؤسسات الدولة دون تنفيذ .. وبعد هذه المتاهة في اروقة العقارات وسخونة اسعارها، كان لا بد من معرفة دور ضريبة الدخل والية عملها في استحصال الضرائب من بورصة مضاربات العقارات. حيث افادنا مدير الضرائب في البصرة السيد جميل قاسم بالقول:
- نحن نعمل على استحصال الضرائب وفقاً لقانون 120 و الذي قسم الضريبة كالاتي:
1- اعفاء اول مليون.
2- استحصال الضريبة عن كل 30 مليون دينار 3%.
3- ثاني 30 مليون 4%.
4- ثالث 30 مليون 5% اما باقي المبالغ التصاعدية فتحسم الضريبة 6%، ويشير الى ان الكل خاضع للضريبة وهناك تعاون كبير في هذا الجانب مع دائرة التسجيل العقاري لاستحصال الرسوم والضرائب للدولة، وبين مدير الضرائب في البصرة ان اسباب ارتفاع اسعار العقارات ناتج عن الشراء في مركز المدينة أي المواقع التجارية، كذلك زيادة دخول المواطنين اضف الى ذلك ان البصرة تشكل عصب الاقتصاد العراقي لان فيها الميناء والمصانع والنفط، مما يجعل المستثمرين يرون فيها مكاناً متميزاً سياحياً وصناعياً وانتعاشاً تجارياً لذا يقبلون على الشراء مهما كانت الاسعار، واذا كانت هذه هي القفزة التصاعدية في تجارة العقارات، فكيف ستكون الحالة الاستثمارية لمستقبل البصرة وتوسعها وانفتاحها تجارياً في العالم؟ وهل ستصبح البصرة كما يراها الباحث الدكتور رياض الاسدي، الاكاديمي في جامعة البصرة (هونك كونك) العراق تنعم بالاستثمار العربي والاجنبي لتبني اقتصاداً عراقياً متيناً في العراق الجديد؟