جـــــمــهورية الـــعـــراق

مجلس الوزراء- دائرة الاتصالات الحكومية

العلاقات الإعلامية

press release بيان صحفي /

الثلاثاء 22-11-2005

نص كلمة السيد رئيس الوزراء التي ألقاها ارتجالاً في الاجتماع التحضيري لمؤتمر الوفاق الوطني العراقي المنعقد في القاهرة
الدكتور الجعفري: العملية السياسية ماضية إلى الأمام والعراقيون سيأخذون حقوقهم بما يتناسب وحجم العراق

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداءً فالـّف بين قلوبكم)

ثلاث أزمات عادة ما تواجه أمم العالم وشعوبه، عندما تصر تلك الأمة او ذلك الشعب على تحقيق وحدته، وهي : أزمة في الفكر وأزمة في الخطاب وأزمة في التطبيق والأخلاق.

من أين ينطلق المفكر الإنساني في تحديد مفهوم الوحدة؟

هل الوحدة؟ وحدة عقل وفكر ام هي وحدة قلب ؟

القرآن الكريم ينفتح علينا بثقافة التعدد على مستوى التفكير وعلى مستوى إعطاء العقل فضاءً متسعاً يحترم الآخر، لذلك القرآن اقرّ التعدد في الحوار والتعدد في التفكير، واحتضن التنوع الفكري ورعاه، ولذلك نشأ أصحاب الفكر وترعرعوا في آفاق الدين الإسلامي.

أني بدأت بهذه الفقرة، فقرة تأصيل مفهوم الوحدة وتحديده، لأني اشعر أنها الآن تدور في أروقة بعض المتدينين، ممن يؤكدون على انهم يحرصون على الوحدة، وينطلقون بطريقة هي في تقديري تفتقر الى مرتكز فكري .

الوحدة في القرآن ليست وحدة عقل... الإسلام انفتح على الآخر العائلي والآخر القبلي والآخر المدني والمناطقي والآخر الديني كذلك ، الوحدة لا تعني انك تلغي الآخر ، الوحدة تنبثق من القلب.

فالقرآن يؤكد (وامرهم شورى بينهم)( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) احترم الآخر ورعى الآخر ، وجعل في آيات قرآنية كثيرة الآخر جزءاً من الحياة المتمدنة والمتحضرة (قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء ).

الآخر محترم، والذي يحمل فكراً إسلاميا ينبغي ان يضع في حسابه من اجل ان يكون فكره فكراً إسلامياً يجب ان يعترف بالآخر مهما كان الآخر بعيداً عنه ، هذه ليست من أدبيات الوحدة انك تقمع الآخر، إنما الوحدة تنطلق من القلب (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) ولم يقل بين عقولكم وآرائكم ، من القلب تبدأ الوحدة ، ومن القلب تبدأ الفرقة ، ومن حيث بدأت الفرقة لابد ان نعوض هذه الفرقة بوحدة.

هذه ازمة الفكر... واما أزمة الخطاب، فمثلما اختنق مفهوم الوحدة بأروقة البعض من الذين يرددون شعار الوحدة، كذلك احتبس الخطاب لدى بعض هؤلاء.

خطاب الوحدة عندما يستهدف تحقيق واقع صحيح وينسجم بمفرداته مع مفردات كل واقع يريد ان يصنعه، عندئذ يكون الخطاب خطاباً وحدوياً .

هناك أزمة وهناك ازدواج في الخطاب حيث تجد من الناحية التنظيرية كثيرين يتحدثون عن الخطاب الوحدوي، ولكنك عندما تنظر الى الواقع تجد ممارسة خاطئة ومقلوبة ، نحن في العراق تخطينا مسألة الخطاب ، لسنا بحاجة الى خطاب يشرّع كيف نوحّد واقعنا، هناك واقع في العراق وحدوي نستلهم منه مفردات الخطاب ، مثلاً بسيطاً: ارايتم ماذا أرادوا بحادثة جسر الأئمة ، أرادوا ان يمزقوا واقعنا بواقع آخر ، ويستبدلوا الوحدة الحقيقية بحالة من الفرقة.

الخطاب الذي صرح به الجميع كان خطاباً وحدوياً وكان مستلهماً من الواقع ، ولذلك وجدنا ان الكلمات التي أطلقها الجميع والممارسات التي شهدها مشهد شهداء جسر الأئمة كان مشهداً وحدوياً رائعاً ، ذابت فيه كل الفروق المذهبية والقومية والدينية والسياسية والمنطقية، لسنا في أزمة خطاب. وانا في الوقت الذي اثمن فيه الجهود التي بذلها معالي الأخ الدكتور عمرو موسى لأن يجمع هذا الشمل المبارك في هذه القاعة ، واقدّر كم بذل من الجهود وقد عشت بعض فصول محاولاته وأنا في بغداد ، ولكنني أقول له : هذا الذي بذلته لكي تجمع الفرقاء السياسيين العراقيين تحت سقف واحد في قاعة واحدة ،إن هناك حكومة وطنية مخلصة ولدت من رحم هذا الشعب، تصر على ان تجعل من ارض العراق وسمائه وثرواته واقعاً وحدوياً وتبادل الطلقة بالكلمة الطيبة والبندقية بالقلم . ربما يكون من الصعب ان تجمع الفرقاء السياسيين لكن الأصعب ان تتعامل مع الواقع، خصوصاً عندما تبلغ الصعوبة ذروتها عندما يحمل الآخر سلاحاً ويستبيح الكرامة والدم.

في العراق إصرار على حفظ وحدة الشعب وإصرار على الحفاظ على الموروث الرائع في التعايش المذهبي والديني والقومي ، ورثنا عن آبائنا وأجدادنا واقعاً ونحن مصرون على الحفاظ على هذا الواقع الذي يجعل الزيجات المشتركة بين العراقيين تبلغ الى حد 26,1% من مجموع العراقيين، فهم يتلونون في الزواج بين أبناء المذاهب المختلفة، لقد ورثنا هذا الواقع الإنساني، ونصر على الاستمرار بهذا .

تعرضت الوحدة الوطنية في اكثر من مرة وتحت شعارات كبيرة باسم الوحدة لمحاولة تمزيق الصف، وتعرضنا الى شعارات كبيرة من حيث اللفظ باسم الحفاظ على الأمن واختزال زمن وجود القوات متعددة الجنسيات ، واذا بأطفالنا ونسائنا وكبارنا وصغارنا يموتون على رؤوس الأشهاد بطريقة بشعة يقشعر لها الجلد ويندى لها الجبين خجلاً وحياءاً .

ودعت بغداد يوم أمس بكارثة جديدة... سجل آخر الأطفال رقماً أربعة أيام فقط - من العمر- قبل حوالي خمسة او ستة أيام، اهذا هو مفهوم المقاومة ؟؟

نحن أبناء المقاومة ، مَن الذين يزاودنا على المقاومة ؟ ومن يملك تاريخاً أطول من تاريخ العراقيين في المقاومة؟ ومواجهة الدكتاتورية مَن ؟

نحن أبناء الصدر، الصدر الذي صمم على الشهادة وقال اقدم نفسي شهيداً وهذا آخر خطابي معكم ، نحن أبناء عبد العزيز البدري الذي قطعه صدام اوصالاً ، نحن أبناء هؤلاء ، نحن نمشي بطريق ونعي جيداً الخطورة التي ألمت بنا ، هناك ثقافة في البعث الذي ورث في العراق هذه الممارسات السيئة ، الثقافة التي جاءت باسم العرب في العراق وقطعت أوصالنا وهدرت ثرواتنا واعتدت على كراماتنا ، لذلك وضعنا خطاً احمر لامجال للبعث في العراق ، هذا ليس قراراً شخصياً أطلقه من على منصة الجامعة العربية، هذا واقع عراقي ، ذهب الوقت الذي يُختزل فيه العراق بشخص واحد، العراق اليوم معمل أبطال ، والذي يسقط شهيداً على طريقة انك تغتال صاحب النظرية او رجل التصدي فسيخرج الف الف قائد والف الف منظـّر في العراق .

يجب ان نبني العراق بناءاً حضارياً جديداً ، أما المقاومة فكل بلدان العالم عندما تتعرض الى الدكتاتورية تثور ، هذه الثورات الخمس الكبرى في العالم ، البريطانية والأمريكية والألمانية والروسية والفرنسية ، وكل بلد يتعرض الى احتلال يقاوم وكل بلدان العالم تقاوم.. الذي يريد ان ينهي فصل وجود القوات متعددة الجنسيات لاينبغي ان يكون جزءاً من مركب الإرهاب، فليكن جزءاً من مركـّب الأمن لأن شعبنا يريدنا من ان نوفر له أمنه، الاخوّة بين العرب والأكراد وباقي القوميات واقع في العراق، والاخوة بين السنة والشيعة واقع في العراق ، لانحتاج الى من يذكرنا بذلك ، نشكركم كثيراً على هذا ، فالوحدة في العراق تنبض في عروق العراقيين .

من يريد فليتفضل الى العراق ليرى كيف يحصل التعامل اليومي بين أبناء السنة والشيعة.
يمارسون الإرهاب باسم الطائفية ويرد شعبنا على ان هذا لا يمثل الطائفة السنية ، ونقولها حقاً لا يوجد سني يقتل شيعياً ولا شيعي يقتل سنياً على الإطلاق بل يتعايشون جميعاً، لذلك فهذا الانفصام في الخطاب ومجالات التطبيق عندما نتحدث ونمارس عملاً مناقضاً له، هذا في تقديري لا يدفع بالوحدة الى ان تتحقق، والذي يدفع بالوحدة الى التحقق هو الالتزام بمستلزمات الوحدة.

الشعب العراقي خرج في الثلاثين من كانون الثاني 2005 تحت وابل الرصاص لينتخب وتحت رؤوس الأشهاد حيث شهد الكل كيف انتخب الشعب الجمعية الوطنية التي لمّت وجمعت مجمل مكونات الشعب العراقي باستثناء الحجم الذي يناسب اخواننا واعزائنا أبناء السنة العرب لظروف نعرفها وتعرفونها، وتقدمت الجمعية الوطنية بشكل رائع لتسجل سبقاً في هذه المنطقة، 80 سيدة او ثلاثون بالمائة من السيدات يتشكلن مع اخوانهن في الجمعية، وقرابة ثلث من السيدات يشاركن في الحكومة من العربي والكردي والتركماني والمسيحي والسني والشيعي كلنا نعمل سوية في الحكومة تحت سقف واحد ، ولم تنقطع اجتماعات مجلس الوزراء ولا اسبوعاً واحداً واحياناً نضطرالى عقد اجتماعين في الأسبوع الواحد ،نعمل، وكخلية نحل تعمل سوية .

جئت الى هنا الى القاهرة ويتذكر الأستاذ عمرو موسى أمشي على قدمي، جئت الى مصر لأنها الأكبر العربي ولأنها حاضنة القدر العربي، حيث جامعة الدول العربية جئت هنا بكل تواضع لا بدأ من حيث اصلي في مصر وانا اقدّر ماذا تعني مصر ، فهي الجناح الثاني للحضارة الإنسانية بعد العراق، والطائر الحضاري حلق في التاريخ في الألف الرابع قبل الميلاد من الاهوار في العمارة والناصرية، ثم من مصر من الأهرام فأرّخ وبدأ عدّاد الحضارة في مسيرة الإنسانية.. من مصر، رغم ان البعض شكك بأصل مصر وعروبتها عندما نظـّر البعض من ارض النيل بأن مصر آرية الأصل، ولم يشكك أحد بعروبة العراق نحن أبناء العراق ونحن اخوانكم هنا ، جئت الى هنا ووددت ان تتحرك العملية ويكون اخواننا بكامل أفراد العائلة العربية معنا في الشارع العراقي ، وقلت لكم انصفونا في ما لنا وانصفونا في ما علينا ،تمنيت ان تتم الحركة في وقت مبكر وللحق اقول ان الرجل كان ايجابياً وساعدنا على ان نحتل موقع وزارة الخارجية في مؤتمر 9/9 وهو أول مؤتمر لوزراء الخارجية انعقد بعد سقوط الطاغية المقبور صدام حسين، حيث جلس وزير خارجيتنا على كرسي وزارة خارجية العراق في مؤتمر وزراء الخارجية العرب.

لكنني شَهَدَت للاسف الشديد في مسيرة الثلاثين شهراً تقريباً غياباً، واليوم لازلنا نتمنى لهذا المؤتمر ولهذه المبادرة الموسومة بالملتقى الوطني العراقي او الاجتماع التحضيري له ،امامها مسؤوليات كبيرة واظنها ستساهم بشكل فعال في دفع العراق اشواطاً بعيدة كي يلتأم البيت العربي من خلال جامعة الدول العربية.

امام هذه المبادرة، ونحن نعيشها في العراق وقلوبنا مفتوحة لكل اخواننا واعزائنا، لن نفرق بين احد ونصر على هذا الطريق، ونحن نتوسم ان تضيف هذه المبادرة رافداً جديداً لتقوية الوحدة الوطنية العراقية، لكنني اقول ان ملخص ما اتطلع اليه من هذه المبادرة الموسومة هو ان تخرج بآلية محددة وتتذكر الخطوط الحمراء المستوحاة من المصلحة الوطنية العراقية بل ازعم انها من البيت العربي ومن الجامعة العربية، وفي نفس الوقت تسعى للتفاعل مع الموسم الانتخابي المقبل وشجب الارهاب وتعزيز الوحدة الوطنية ، واتمنى ان تنعطف جامعة الدول العربية معنا لاحترام سيادة العراق. وان يتحرك العراق في داخل الجامعة العربية باعتباره دولة مؤسسة مع مجمل حركة هذه الجامعة بكل دولها، كما اتمنى ان يقدّر الاخوة في الجامعة الظروف التي يمر بها العراق فيتعاونوا معنا امنياً واعلامياً واقتصادياً، فالعراق بلد خير ولايحتاج الى احد لكنه يمر الان في ظروف استثنائية، وسيمضي العراق حتى يشق طريقه وموقعه المتقدم ، لان الله سبحانه وتعالى قد حباه بمختلف الوان النعم ومن هذه النعم الخزين السياسي والمتنوع لكل الكيانات والطيوف، والعملية الديمقراطية ستمضي الى مداها النهائي في تحقيق حالة ديمقراطية لايختنق فيها اي عراقي، ويمتد العراقيون وأن يأخذوا حقوقهم بكامل حجمهم بما يتناسب مع حجم العراق كله .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.