محمد حاوي

[align=right][align=justify]نتيجة للبطالة المتفشية في الريف، فقد افرزت تلك البطالة عمالا متنقلين من منطقة الى اخرى سعيا وراء العمل واطلقوا عليهم اسم (نيسانية) ولعل سبب التسمية لقدومهم في شهر نيسان. يقدم اكثرية هؤلاء العمال من مناطق الاهوار للعمل في حقول الحنطة والشعير وفي منطقة الغراف يحملون معهم بضائعهم التي يبيعونها اثناء تنقلهم كالتمر والخريط والقصب والبواري. ويتعرض هؤلاء البائسون الى كثير من الاستغلال البشع فسراكيل القرى يفرضون عليهم ضرائب معينة لقاء السماح لهم بالسكن والعمل. ويلاحقهم موظفو الاستهلاك ولم يسمحوا لهم بنقل بضاعتهم البسيطة مالم يدفعوا اما موظفو الري فلن يفتحوا ابواب المرور في الجداول مالم يدفعوا وتتكرر العملية عندما يعودون الى موطنهم الاصلي فسراكيل مناطقهم ورؤساء العشائر هم الاخرون يحصلون على جزء من كسبهم مجانا وما الاغنية المعروفة هذه الا تمثيل لتلك الهجرة القاسية المتواصلة والاغنية هي:

اشجابه للغراف طير المجره

سابيهة كلهة الناس حيرني بامره

والمجرة منطقة من مناطق سوق الشيوخ في محافظة ذي قار يقوم هؤلاء (النيسانية) في منطقة الغراف بالحصاد ونقل الحاصلات الزراعية وصيد الاسماك ونسج الحصران من سعف النخيل. وبعد انتهاء الموسم يعودون الى موطنهم الاصلي ليرحلوا مرة اخرى الى البصرة للعمل في مكابس التمر هناك. والحياة في مكابس التمر اشد قساوة فالاجور تافهة جدا وساعات العمل (15) ساعة اضافة لعدم وجود الاجازات او العطل الرسمية ومع ذلك فهم يتعرضون لسرقة الكنادير (الوكلاء) والشركات الاجنبية وملاكي البساتين . لذلك لم يكن عبثا القول المعروف عن النيسانية:

(راحت تتنيسن جابت الكرضة وراهة)

اي ذهبت للكسب ولكنها عادت مدينة. ومن اغاني العمال في الحقل قول احداهن تشتم شخصا لا تحبه:

يحصد بغير ازكار وي وجعة امي

كلما احط لي ابكوخ حط كوخه يمي

(الزكار اجور العمل التي يتناولها العمال في الحقول)

تقوم المرأة عادة بنقل الحاصلات من المزرعة الى البيدر ويتم النقل على هيئة مجموعات نسوية وعند العمل يرددن الاغاني والاهازيج مصحوبة بالزغاريد وكثيرا ما يتطوع بعض شباب القرية للعمل في الحقل الذي يتم نقله ومساعدة العاملات (ويسمونهن ناكولات) وتعبئة السنابل ورفعها منها:

مع العاملة لتضعها على رأسها وليس الغرض من كل ذلك سوى رؤية من يحب من الفتيات او مغازلتها اثناء العمل وقيل الكثير من هذه الاهازيج .

نسم ياهو الكرادي

ابن عمي ويلم بعدادي

(الكرادي قضاء الرفاعي في محافظة ذي قار كان سابقا يسمى الكرادي والعداد صداق المرأة).

او المقولة المعروفة :

زرعك منكلش بيه خاله اطني ملواي

جان انكلت ببلاش لوانك اهواي

(الملوي عصا صغيرة تساعد في شد حزمة السنابل اثناء النقل) وقد يعبن على المرأة التي تحب اكثر من رجل واحد: فيغنين اثناء النقل:

يافلانة عرج راح طش بالعشاير

قوطية واتدورين لف للجكاير

او قولهن على لسان امرأة توصي ابنتها في الحب فيقلن:

حطي ايدج اعل اثنين يم الطمع زين

والثالث احجي اوياه بالج تفلسين

اما عن الدراسة فقد قالوا عن الظلم والقساوة (يدوس امجمم) اي انه يدوس الحبوب ولكنه مشدود الفم ولن يذوق منها حبه واحدة. وقال المصريون عن ذلك (طور الحرت ما يتكممش) اي الثور الذي يحرث لا داعي لتكميمه.

وعن ذم الشيء قالوا (خبز دخن ماكول مذموم) اما عن اختلاف ظاهر الشيء وباطنه فقد قالوا (اليدري يدري والمادر كضبة عدس) او قول المصريين (اللي ما يعرفش يقول عدس).

وقد قرنوا الفصول بالمواسم الزراعية فقالوا:

(لوزرك اسهيل لاتمن السيل)

وعن حر الصيف قالوا:

آب اللهاب فاتح عن الشته باب، بالنهار لهاب وبالليل جلاب مكثر الارطاب مقلل الاعناب.

و: تموز ينشف الماي من الكوز وعن قساوة برد الشتاء وتعرض الفلاح له قالوا:

النار جنه والمومن جذب

حطوني بيهه وكثروا لي حطب.

هذه بعض من الاقوال الشعبية التي تحكي حياة المجتمع الريفي وقد اندثرت تلك العلاقات الانتاجية الا الادب الشعبي المقترن بها فما زال متداولا بين ابناء الريف.
[/align][/align]