أربعة أهداف استراتيجية لإيران في العراق
علي السعدي الحياة - 30/03/06//

لم يعد الحديث يدور حول امتداد إيراني في العراق أو عدمه، بل انتقل الى البحث عن حجم هذا الامتداد ومدى تأثيره في الأوضاع العراقية سلباً أو إيجاباً، وما كانت الاستجابة الإيرانية السريعة ومن ثم القبول الأميركي بدعوة السيد عبدالعزيز الحكيم الطرفين لإجراء حوار بينهما حول العراق، إلا إقراراً بزخم هذا الدور وحقيقة اختراقه للداخل العراقي، لكن ما هي الأهداف الاستراتيجية التي تتوخى ايران تحقيقها في هذا البلد؟ وما هي الإمكانات المتوافرة لتنفيذها؟

تتمحور السياسة الإيرانية حول تحقيق 4 أهداف استراتيجية، لا شك بأنها ستضاعف من مكانة ايران كدولة إقليمية كبرى لا يمكن تجاهلها في منطقة تزداد اهمية للعالم، وهذا ما يمكن إجماله بالآتي:

1- المرجعية الروحية: طالما نظرت ايران الى نفسها باعتبارها العاصمة السياسية للشيعة في العالم، لكنها لم تشكل يوماً مرجعية روحية لا خلاف عليها، إذ بقيت «عقدة النجف» تسيطر على طموحات الإيرانيين وسلوكياتهم، يضاف الى ذلك ما تمثله الكوفة من رمز عقائدي لكونها عاصمة الخلاص التي سيتخذها الإمام المنتظر منطلقاً، بحسب المعتقد الشيعي، وهذا ما يجعل المركز يبتعد عن القلب الإيراني. من هنا السعي لربط حيثية المكان الروحي – النجف حالياً والكوفة عقائدياً، بالقرار السياسي لطهران. ومع ان تراجع دور النجف طوال عهد نظام صدام جعل ايران تحاول إبراز قم الإيرانية كمرجعية بديلة، فإن الوقت لم يمهلها حتى إنجاز تلك المهمة، إذ عادت النجف الى لعب دورها الروحي، ثم الى إمكان منافستها لدور ايران السياسي، وبرؤية مغايرة. وهكذا فإن استقرار العراق قد لا يخدم المصالح الإيرانية، على هذا المستوى أقله.

2- العامل الجيوسياسي: منذ عشرينات القرن الماضي، تاريخ ضم الأهواز رسمياً الى الدولة الإيرانية، تشكل هذه المنطقة عصب الحياة الاقتصادية لإيران، ومصدر قلق في الوقت عينه، اذ ان الأهوازيين لم ينقطعوا يوماً عن المطالبة بحقوق قومية، ترتفع وتيرتها او تنخفض وفقاً للمعطيات والظروف. ونظراً للترابط الاجتماعي والعشائري الوثيق مع الجنوب العراقي، فإن الاستقرار في العراق على الأساس الديموقراطي الذي يجعل من الشيعة هناك القوة الفاعلة في السلطة، وفي ظل أوضاع دولية ضاغطة او ملائمة، فإن احتمالات تطور الأوضاع مستقبلاً، قد يرفع سقف المطالب الأهوازية الى حدود الانفصال أو التهديد به، للانضمام من ثم الى العراق الجديد، لذا فإن حدوث التقسيم في العراق، سيجعل من اقاليم الجنوب والوسط بأكملها – بما فيها النجف – تأتي الى ايران طالبة الحماية – أو أقله العلاقة المميزة – أي ما سيجعل الأخيرة تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.



3- الوكالة المستعادة: طوال سنوات الحرب الباردة، وإلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام 1979، كانت ايران الشاه، هي اللاعب الإقليمي الأقوى في المنطقة، والمفضل لدى اميركا، لما قيل ان في إمكانه احتلال منطقة الخليج والجزيرة بأكملها خلال 17 يوماً، لكن مع سقوط نظام الشاه، وتحول الاستراتيجية الأميركية عن اعتماد الوكلاء بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تغيرت المعادلة الإقليمية كذلك، فتصدير الثورة الذي كان هدفاً ايرانياً، لم يسجل نجاحاً، والاختراق بالمثال باعتبار ايران نموذجاً للجمهورية الإسلامية، اصطدم بجدار الاختلاف المذهبي مع بقية الأقطار الإسلامية، وعليه حوصرت ايران بنموذجها الخاص، الذي بدأ يعاني من إشكالات داخلية وخارجية معاً، ومن دون حلفاء دوليين أو اقليميين يمكن الركون إليهم.

وفوق هذا أصبح «الشيطان الأكبر» الأميركي، جاراً شرقاً وجنوباً – في أفغانستان والعراق – وهو يوشك ان ينجح في فرض رؤيته الخاصة على هذين البلدين بما يعنيه ذلك من مخاطر استراتيجية على ايران، التي وإن كانت لا تستطيع إفشال المشروع الأميركي برمته، فإنها تستطيع، اما التشويش عليه وعرقلته، أو المساهمة في إنجاحه، ربطاً بمصالحها الآنية او الاستراتيجية، من هنا يأتي السعي للإمساك بأكبر عدد من أوراق التأثير في العراق، وإرسال إشارات متتالية ان ايران قادرة ان تعود الى ممارسة وكالتها القديمة بدرجة ما، اذا استمعت أميركا إليها وأقرتها على ذلك، وهذا ما ظهرت بوادره اخيراً.

4- التاريخ الحربي: بحسب بعض النظريات، فإن الأحداث المعاصرة يمكن ايجاد نظيراتها في وقائع تاريخية معينة، وقد شهد العراق حروباً طاحنة بين المعسكرين الصفوي والعثماني، وإذا كانت كل من الدولتين زالتا، فإن آثار صراعهما ما زال يتردد صداها في العراق اليوم، الذي تحول ساحة مفتوحة لصراع مشابه.

ولما كان الفكر التكفيري يستند في بعضه الى فتاوى صدرت ايام العثمانيين، فإن الرد عليها في المقابل، لا يستبعد تحشيد القوى المتقاربة مذهبياً بحيث يستعاد «جوهر» الخلاف بين المسلمين، الذي دخل في أصول القناعات الدينية، بعد خروجه من عباءة المصالح السياسية، ومن ثم عودته إليها مرة اخرى، وعليه ينبغي السعي نحو فرز واصطفاف يلعب فيه الموروث الطائفي دوراً حيوياً في تثبيت ركائز المستقبل، وليس هناك من ميادين اكثر اهمية وقابلية من العراق لبلورة من هذا النوع.