 |
-
المستقبل في قلمك ... فتعالوا لنبصم معا لابهى وطن
تراتيل الروح
- 1 -
(( المستقبل في قلمك .. فتعالوا لنبصم معا لأبهى وطن ))
جواد المنتفجي
سيدي الوطن يا من يمتد في عيوننا...
قد تسأل لماذا اخترناك أنت بالذات في هذا الوقت العصيب من حياتنا ؟
فنجيبك .. وبكل مقومات الكلم الناطق ،
والحرف الصادق...
أن هذه الرؤى المتفائلة ، والنابعة من دواخلنا هي المرآة العاكسة والمؤثرة لعملية اختيار مستقبلنا الواعد .. حياتنا الجديدة .. العروة الوثقى فيما بيننا طالما أن مكوثنا الأول ومقامنا الأخير على أرضك الشماء ، لذا فقد قررنا جميعا أن نبصم لك ، فآمالنا المتعلقة حد الصدق فيك.. صارت الجهد الجهيد لإنقاذ شيئا ما من الانكماش الذي ربما سيؤدي في آخر المطاف إلى توقف النبضات في عروقنا ، أو خوفا من سفح دمنا ، أو سجن كبريائنا مرة أخرى فيعيد التاريخ نفسه ، وقلوبنا المتلفعة بالسواد أجهضت للتو زفرات مآسي وضيم العهود منصرمة ، فطالما قبعنا قسرا في حلكة زنازين أقفاص نزق الجلادين المبهمة ، مما ستضطر هذه الأفئدة إلى كسر الطوق الذي سيكبل شرايينها ، فتتدفق الدماء هدرا بوحشية كخروج الأسود من عرينها...
أنت وبالذات ...
كنت الهاجس الروحي الأكثر أصالة ، ذو الصدى المتعاظم الذي تلظى كثيرا بنشوة التجريف والتفتيت ، والتفرقة ، يومها كانت نياط قلوبنا تتمزق بصمت ونحن نشاهدك تدمى على أيادي أولئك التتر .. المغول الذين دمروا حياتنا معا ، ونحن نقف بشموخ ، وعلى بعد أميال لنبكي بحرقة عليك في كل ليلة لم نخاف فيها أزيز رصاص الموت .. وقرقعت قذائف الدمار، لأننا كنا قد وضعنا شفاهنا ملء شدقيك الوافرتين بالشهد العذب في حلم أثير لمؤازرتك حد الموت ، عندها جهرنا علنا بان الاستشهاد من اجل عينيك لا مناص منه.. فكلما طفنا خارطة العالم وجدناك فوقها أنت أبهى وطن .
ونحن الغرباء الذين جئناك من عهد سحيق ...
وأنت القريب الذي كانت تسري نبضاته حثيثا داخل شراييننا ، كنا نحس بك، وتشعر بنا ، كنا نقاوم معا .. أحزاننا .. آلامنا المستكينة ، رغم صلابة الانجراف العاتي الذي جاءنا من آتون الجحيم .
ونحن الغرباء المهيضين الأجنحة،المنكسرون الذين كنا نتسلل بهدوء لننعم بالدفء بين أحضانك خلسة .
وأنت القريب الذي كان يستوطن جوارحنا ، لما كنت تتراءى أمام ناظرينا كل يوم بتأمل مجرد على خطوط طول وعرض هذا العالم المليء بانفجارات الخسة المدوية .
ومضت السنين طويلة أيها القريب ، ونحن نغرق في خضم بحور الأفكار المذهلة ، كانت تلك الأعوام عبارة عن لوحات يتخللها الإيهام والتجريد ، كنا كالأطفال نتخذ من بيداء شواطئك ملعبا لنصنع من لسعات أكوام الرمل بأناة وصبر أحلامنا الضائعة ، كنا في تلك اللحظة المرجوة ننتظر سرائر طيفك لعلها تجيئنا مع المشاحيف العائدة من سالفات أهوار المحن ، كنا نضع هرج رؤوسنا على وسائد أجراف ضفاف أنهرك .. ننصت لضربات قلبك المتئدة ، فتعترينا لمسة دبيب أناملك الرقيقة كمسحة من الهدوء رحت تمررها برفق على جباهنا المصطلية بحرارة شموس الطاغوت المحرقة ، وكأنها تتماوع تدريجيا متصاغرة بين حبات الملح التي تكونت من عرق كفاحنا .. من هول فتت خبز الجوع الذي تركوه يئن بين خوار ضلوع أطفالنا الخاوية لتنتشلهم من قحط الشوق المضطرب .. من يباب الفراق .. فراق أولئك الذين نريد أن نبصم لهم بالدم الآن وبحضرتك بكلمة نعم .. ليقودون دفة سفن شموسك المشرقة نحو مرافئ ناصية الأمل المكللة بالنصر المؤزر ، مجتثين الملل ، والسام واليأس، بعدما كانت أنفاس تروايحهم تأتينا مع الريح الذي كان يحمل ركب الطيور المهاجرة التي تدخل حدودك بخنسة محملة بالتساؤلات...
- ربما لم نكن الفرسان الذين تحلمون بهم ؟
- لربما بدونا لكم كالمعادل الصعبة التي ستخلق لحياتكم الأضداد فينقلب كل شيء رأسا على عقب ؟
- أو لربما نخلق لكم بضع من أواصر الجزيئات الهوائية في توظيف حياتي لتلتصق بعمق على شعيرات أنوفكم في شهقاتها الواهنة لتطرد الهواء الفاسد الذي ملء رئاتكم لثلاثة عقود من الزمن ، وبهذا نكون قد ألغينا ثياب الحزن الذي ارتديتموها لعقود من الدهر نحن مصرين هذه المرة على إعادة الابتسامة التي ستظل محملقة على شفاهكم بطفولتها المشرقة .. بجذل صباها .. بأقصى درجة من الشفافية بعيدا عن النبرة الدرامية الناشزة .. المتنعمة بالنشوة المقتضبة !
وتستمر لنا مناغاتك أيها الحبيب ...
رغم دوامات الإعياء ، وبأسلوب خيطي .. تتزواج الطيور المهاجرة على شجيرات البردي الهرمة التي ملئت كل الربوع بعد أن جففوا الأشرار مياهك عنوة ، وجرفوا بساتينك الوافرة ليشوهوا الجمال الذي كان تجمل خضرته وجنتيك ، متقصدين إزالة النعمة التي كانت تزخر فيها ارضك الطيب لتكون قاحلة .. بيداء تعلو فيها الصرخات الآسرة للأبرياء الذين كانوا يدفنون أحياء .. للنساء الحبيسات اللواتي يولدن الأطفال في حاضنات النحيب تحت وطأة عيون ذئابهم البشرية ، وأسنانهم الشرهة التي كانت كالمناشير تقطع أطراف الرجال ، ومن هناك كان روائح أريجك تهمي عليهم من كل صوب ومدينة ، بينما نحن كنا هنا نطوف بخفية وبعيدا عن عيون العسس المتلصصة بين شبابيك أضرحة الأئمة الطاهرة ، غاسلين تراح نفوسنا بدموعنا الخاشعة من جروح وأورام الماضي الخبيثة ، نطهر أرواحنا من عورات ذاتها بعدما تراكمت في ذاكرتنا عقدة الذنب من نسيانك، فتزعق من حولنا الأشياء .. كل الأشياء بألم واخز .. حاملين اعتدادنا .. مقتحمين رموز طموحاتنا ، مستلهمين مضامين ثورة الحسين وعلي الكرار والزهراء وآل الحكيم والصدريّن ووووووو....... مستلهمين ذكرك مع صلواتنا في حضرتهم .. مستذكرين مفارقات تبدل الوجوه.. وجوه الزمن الذي تنافرت فيه الصور .. الصور البشعة التي اكتست ملامح ذقون الطغاة المارقين ، والتي لم تعد تنسجم مع وشاج أجزاء ترتيب حياتنا التي انتهجناها من هداية ومواعظ أئمتنا وعلمائنا .. تلك الحياة التي فسروا مفاهيمها للعالم بأنها عبارة عن مكونات محسوسة محدوسة ، ومدروسة مدسوسة !!!
نعم يا سيدي الآبي.. يا أيها الوطن...
حياتنا كانت عبارة عن طلاسم لآرائهم المبسترة التي أرادوا فيها وضع العقول النيرة في قوالب جاهزة ذات أشكال مجزأة ، أرادوا من خلالها توسيع هوة الشرخ العميق في ألفتنا من اجل تفرقتنا .. كان خطأهم الفاضح حينما اقتحموا جمعنا عنوة ، ليكن حدثا مريبا ، كانت آمالهم كبيرة من حيث الحجم .. كانوا يسعون من خلال صهرنا في بودقة العشيرة ، واختلاف الدين ، والعرق والجنس عبر أسلوب يقتفي اثر جوهر الأحداث من اجل أن نركع لتماثيلهم الطريدة عن طريق مسخ عاداتنا وتقاليدنا من على سطح الكون كله ، لتكون حركتنا .. أفعالنا أشبه بالأصل من حركة الدمى التي كان يلعب بها أطفالهم النزقين ، التائهين الغير متواشجين مع نمونا .. يومها كان العالم قد سد الأبواب في وجوهنا ، حرموا علينا اللقمة السائغة التي كانوا يعطونها لأرذل حيواناتهم السائبة ، كنا قد بتنا حملا ثقيل عليهم .. ينؤن به يتقاسمون آمالنا كالغنائم ، وما فتئوا إلا أن يضعون أحلامنا في سلة المهملات.. وراحوا يقايضون بين عيشنا وفنائنا بالقبور الجماعية .. بهتك الأعراض ، وأخيرا رمونا في مجمعات أوساخ ونفايات مدنهم المتخمة بالترف وبالليالي المخملية الحالمة ،اصطبغوا طرقنا بالدم، أرادونا أن نقتل أنفسنا بأنفسنا ، أو نموت مذبوحين بقبضات الإرهاب الواهنة لتتناوب كفوفهم المدنسة بقص جلدتنا الواحد تلو الأخرى على طاولة الوجدان والأعراف السائدة التي بموجب بنودها الملفقة بالخزي والعار بدا قضاتهم يدافعون عن حقوق الإنسان اليتيمة ،عن حقوق الطاغية والجلادين القابعين في أقفاص الاتهام .. مستخدمين سكاكين النميمة والحسد ، ليغسلوا جثث من قتلوهم بكافور كلامهم الملغوم بالبكاء والعويل ، وتناسوا اليوم الذي غطوا فيه أجسادنا بكفن التهويمات والتهويشات ، ووضعونا في توابيت خبايا مجتمعاتهم الحافل مدنه بالغواني والساقطات ، وأخيرا شيعونا في ضحى مؤامراتهم أمام أنظار العالم في لحظة عائمة بزغاريدهم المريرة التي بلغت حد السذاجة ، ولكنك أيها الوطن المبتلى بفواجعه كنت الأكثر أصالة منهم .. لذا سقطوا هم في فخ التقليد ، في اللحظة التي أزلنا فيها أغطية توابيتنا ، وخرجنا لهم .. نحث الخطى من خلفك ، وأنت تعتلي مهرتك العزوم لتجوب أديم الأرض في ملكوت الله ، لتحطم إرهاصات القيل والقال على حواف كل سور ، فمزقت بصوتك عتمة أنفسهم ..أحدثت فيما بينهم شرخا ليبدوا كالدوامات الصغيرة ، وأيقنا لحظة ائذ انهم لم يكونوا سوى فقاعات ممطوطة في عنق زجاجه ، فسقطوا وبانت أقنعة لغطهم بعد أن شعروا أننا بتنا الأقوى منهم عندما بدونا نسترجع أجزائنا المشتتة ، وفي يوم غمرة سقوط الصنم استقبلونا بنبرة اكثر عرفة ، جازفوا بالترويج ، بالقلق الممزق بعد أن بات الوسواس ينهش قرائحهم .
هكذا كنت أنت يا سيدي الوطن الشخصية المحورية في حياتهم تمتلك الحضور والواقعية بتواجد إبداعي بعد أن أيقنوا انهم لم يكونوا سوى طبقة شرهة ، أو حاجة ابتدعتها أسواق المناخ في زمن مختل غير متزن ، وان بضاعتهم أمست خاسرة وأخيرا صدر حكمك عليهم :-
بالحق انهم لم يكونوا سوى أوساخ تراكمت تحت أظافرنا
لهذا اخترناك أنت هذا اليوم بالذات من بينهم ...
وسيبقى طيفك كالكرات الشفافة الناصعة البياض التي ستكتنف سحبهم المعتمة ، وسنبصم لك بالدم بأكبر نعم.. بل ومع كل وخزت قلب تذكرنا بأيامنا السالفة .. إذ ذاك سنكون عندها مرافيء الأمان التي ترسوه سفنك الحالمة ...
وبك وشمنا جباهنا ، بعدما تجولت بين خواطرنا ماسحين أعالي هاماتنا بعطرك الندي ، والمندى برائحة الأئمة الطاهرة الزكية ، فنحن جميعا نسكن فيك وتسكن فينا يا اجمل وطن !!!
تنويه :- حقوق النشر خاصة بشبكة العراق الثقافية
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |