[align=center]خميني إيران وهزيمة العرب بدبابة أميركية
بقلم: د. عبدالهادي التميمي
الولايات المتحدة تجد الآن ان اهدافها من غزو العراق قد تصبح في مهب الريح دون استراتيجية ذكية لاعادة التوازن.
ميدل ايست اونلاين
تنطوي أهم «المنجزات» القاتلة للغزو الأميركي البريطاني للعراق واحتلاله وأبعادها السياسية والاستراتيجية على أمرين أحدهما أنها المرة الاولى في تاريخ الاطماع الغربية في المنطقة العربية، استراتيجيا وسياسيا ومصالح اقتصادية، أن تهزم القوات العسكرية الأميركية البريطانية «أصدقاءها» العرب في الشرق الاوسط، في الخليج وسوريا التي دعمت المشروع الأميركي الاستراتيجي لتدمير العراق بالتخطيط والتعاون مع مصر، لمصلحة عدو طامع آخر هو ايران الفارسية الملتحفة بعباءة المذهب الشيعي الاسلامي، والثاني أنها قوضت أركان الاهداف المخططة أميركيا وبريطانيا وأرست «فوائد» تتعارض تماما مع الاهداف المرسومة. والامر الثاني حقق لقائد النظام «الاسلامي» الاول في ايران الخميني حلمه «التوراتي» بالهيمنة والنفوذ الاستراتيجي على المنطقة العربية، وخصوصا العراق والخليج، بعد وفاته بخمسة عشر عاما على أيدي «أعدائه» المفترضين، الولايات المتحدة وبريطانيا، الذين سعوا لتأليب المنطقة العربية وحشد قواتها لاحتواء أفكار ذلك النظام التوسعية «الظلامية المتشددة».
وقد أصبحت الاطماع الايرانية معروفة ومعلنة منذ الاطاحة بنظام الشاه وتربع شخصيات، عادت من خارج البلاد، مثل الخميني، التي رفعت لواء المعارضة الدينية مستعطفين العالم بالشكوى من ظلم الدكتاتورية الشاهنشاهية وفظائع انتهاكات حقوق الانسان. كان تصدير ما يسمى «الثورة» الايرانية أحد مرتكزات العمل السياسي والمخابراتي والاقتصادي والديني للنظام الديني الجديد في طهران مع التأكيد على الأولوية للجوار الجغرافي في العراق ودول الخليج التي تعرضت الى «مؤامرات» عديدة، بينها محاولات انقلاب، البحرين، وتفجيرات واغتيالات، الكويت، ومحاولة اثارة اضطرابات تحت غطاء الحج، المملكة العربية السعودية. لم يعد خافيا أن تغيير أنظمة الحكم العربية أولوية قصوى سخرت لها القيادات الايرانية جميع الامكانيات المتاحة غير أن موقف العراق المناهض، بدعم عربي وخليجي، للنظام الايراني بقيادة الخميني، أوقف زخم المسعى لتصدير «النظام» الديني وقوض أركان الاولوية التوسعية. وقد قدمت الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا دعما واسع النطاق مخابراتيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا لوقف المد الايراني وزحفه نحو منطقة الخليج الحيوية التي سماها زبغنيو بريجنسكي، مستشار الامن الأميركي الاسبق «رئة» أميركا الحيوية، ووصفها في اطار قوس الازمات الذي ينبغي هيمنة الولايات المتحدة عليه، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وقال عنها كيسنجر انها شريان الحياة الغربية الذي ينبغي أن يبقى متدفقا حتى ولو باستخدام القوة العسكرية الفتاكة.
ولجأت الدول الغربية، في خضم الصراع بين القطبين الغربي والسوفييتي اثناء الحرب الباردة، الى «الهيمنة» بالانابة من خلال اتفاقيات دفاعية، مع الكويت وسلطنة عمان والبحرين التي اصبحت مقرا للاسطول الأميركي الخامس، واقتصادية معها ومع دول الخليج الاخرى لتنظيم انسياب ذلك الشريان الحيوي. غير أن انهيار الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي وتفتته أطلق يد الولايات المتحدة في المنطقة وتحولت من الانابة وغير المباشرة في الادارة الاستراتيجية الى الالتحام المباشر والتوجيه الرئيسي لمجريات الاحداث وفق منظور يبقي على المنطقة ضمن الفلك الأميركي والغربي دون منازع. وتحولت الخطط الأميركية منذ نهاية الحرب العراقية الايرانية الى «قضم» الحافات الجغرافية المهددة، تنافسيا أو استراتيجيا، لذلك الشريان الحيوي، مثل العراق وايران، في مسعى يخدم في نهاية المطاف الوجود الاسرائيلي المستقر بعد سنوات طويلة من «اللاشرعية» السياسية و«التنفير» الديني والاخلاقي والسياسي والاقتصادي بل وحتى التثقيف التربوي، من التعامل معها.
ووجد التخطيط الأميركي في مشروع احتلال العراق خطوة هامة تحقق هدفا متعدد الوجوه: السيطرة على خزين اضافي من البترول، ثاني أكبر مخزون في العالم بعد المملكة العربية السعودية، ازاحة نظام يرفع لواء القومية العربية الامر الذي يحرض الشعوب العربية ضد الاطماع الغربية والأميركية من جهة ويحرج «أصدقاء» واشنطن من الحكام العرب، وتوسيع الطوق الجغرافي الآمن، واقامة منطقة متقدمة بوجه ايران وتوجيه رسالة سياسية مفادها أن مناهضة الاهداف الأميركية لن تمر بعد الآن دون عقاب، وفي هذه الحالة التدمير والاحتلال العسكري. يضاف الى ذلك الترويج الى أن ايران قد تكون الخطوة القادمة اضافة الى سوريا التي يرفع هي الاخرى نظامها لواء القومية العربية ومناهضة اسرائيل والمشاريع الأميركية.
واعتقد المخططون الأميركيون ان تحييد ايران اثناء تنفيذ الجزء الاول من استراتيجية الهيمنة على المنطقة من خلال احتلال العراق سيحقق اهدافهم وخططهم دون خسائر كبيرة، ولذلك فتحوا الابواب لمشاركة فعالة لقوى ترتدي العباءة الدينية الشيعية والمرتبطة بايران، مثل عائلة الحكيم وحزب الدعوة بزعامة ابراهيم الجعفري، من أجل هدف متشعب: تطمين ايران واستخدام مجموعات الحكيم وحزب الدعوة واخرين لتهدئة المعارضة للاحتلال الأميركي البريطاني في اوساط شيعة العراق على اساس انهم اغلبية في العراق وتقديم المشروع الأميركي على انه منفتح على جميع الطوائف والاعراق العراقية. وتحول عبدالعزيز الحكيم، نيابة عن شقيقه محمد باقر الحكيم، رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية انذاك، الى ضيف دائم على الخارجية والمخابرات الأميركية في واشنطن ويحضر اجتماعات تخطيط لغزو العراق واحتلاله، مع أربع قوى اخرى، كردية جلال الطالباني ومسعود البارزاني، واياد علاوي وأحمد الجلبي. غير ان رياح القوى المرتبطة بايران جاءت بما لا تشتهي سفن واشنطن.
ورغم ان ايران لم تعترض او تعيق الخطط الأميركية، ولكنها لاهداف ايرانية بحتة. اذ ان المخطط الايراني هو السماح للقوات الأميركية بتحقيق حلم الخميني بتدمير العراق وازاحة النظام القومي العربي الذي دخل في حرب شرسة معها امتدت لثماني سنوات، والعمل مع القوى المرتبطة بطهران بالسيطرة على مقدرات العراق السياسية والمخابراتية والاقتصادية والدينية. ويعكس لنا المشهد الحالي في العراق صورة واضحة عن سيطرة ايرانية تامة تحت مظلة الاحتلال الأميركي البريطاني وبأدوات دينية المظهر. وقامت المخابرات الايرانية بهدوء ومثابرة على تصفية وقتل المئات من الضباط والطيارين ورجال المخابرات والعلماء العراقيين لتفريغ البلاد من طليعتها الرئيسية وازاحة القوى العراقية القومية العربية والدينية الرئيسية مع دعم مالي ومخابراتي وسياسي متكامل لرجال ايران وخصوصا حزب الدعوة بقيادة الجعفري والمجلس الاعلى بقيادة الحكيم وعادل عبدالمهدي. وتجد الولايات المتحدة الآن ان اهدافها قد تصبح في مهب الريح دون استراتيجية ذكية لاعادة التوازن. ولا يبدو ان امامها سوى فرصة واحدة: التفاهم مع قوى المقاومة العراقية الوطنية الحقيقية.
د. عبدالهادي التميمي
http://www.middle-east-online.com/opinion/?id=35342
******************
انتقاداتكم وتعليقاتكم يا أشاوس!!
[/align]