كتابات - رامي رضوان



لقد قلنا و كررّنا القول في مقالات سابقة و منذ الغزو الأمريكي-البريطاني في آذار 2003 بأن أمريكا هدفها الأصيل و الأوحد هو تبديل وجه صدام بوجه شوفيني آخر

و إبقاء كل شيء على حاله. و لا نريد إعادة القول أن أمريكا كانت تريد دخول العراق للهيمنة على ثرواته النفطية و لكنها سبق وأن جعلت من صدام بعبعاً لا

يمكن التعامل معه. و قد قررت أن افضل السبل للوصول إلى هدفها هو التدخل العسكري المباشر أولاً لإزاحة صدام ثم أخذ الوقت لتأسيس حكومة شوفينية طائفية أخرى تأتمر علناً بأوامر واشنطن و تطلق يدها في التصرف في شؤون العراق و ثرواته. و لكن الشيء الذي لم تحسب له واشنطن حساباَ دقيقاً هو موقف الشيعة العراقيين من وعودها في الديمقراطية. فالديمقراطية التي كانت تريدها وا شنطن للعراق هي ديمقراطية شكلية تتمثل ببعض موظفي مجالس البلديات في المحافظات و التي تقوم واشنطن بتعيينهم. ولكن إصرار المرجعية الدينية في النجف على ديمقراطية التصويت أحرج واشنطن أيما إحراج و قد رضيت كارهة على إجراء الأنتخابات في بداية عام 2005 و في 15 كانون الأول من نفس العام. و قد تدخلت بصورة سافرة لصالح الشوفينيين خصوصاً في صياغة الدستور و في التحضير للإنتخابات الأخيرة التي خططت واشنطن نفسها و من خلال عملائها أن لا تُعلن نتائجها حتى الآن رغم مرور أكثر من شهر على إجرائها!!! كيف يٌقارن ذلك مع إعلان النتائج في نفس اليوم في إنتخابات أمريكا و بقية الدول الديمقراطية؟ إن إياد علاوي العميل المعلن لل سي آي أي و لل أم آي 5 البريطانية لم يكن يعلن عن تنظيم حركته السيئة الصيت مرام دون موافقة رؤوسائه في تلك الوكالات بعد أن هرب من العراق في عشية إعلان النتائج الأولية و عاد إلى العراق بعد ذلك ليحتج مع الطائفيين الشوفينيين على نتائج الإنتخابات. و ليقيم المظاهرات المنادية بإعادة الإنتخابات و التي شهد العالم و الأمم المتحدة حتى بلسان أمينها العام على نزاهتها و عنفوانها.

ولقد سبق لأمريكا أن تآمرت في الخفاء و بصورة شبه علنية على إبعاد الشيعة عن سدة الحكم في العراق جرياً وراء السياسة البريطانية المجرمة التي أرسى أسسها

سيء الصيت و نستون شرشل. فقد أرادت أمريكا إجهاض إرادة الشعب العراقي بطريقة "الديمقراطية" عندما شجعت الأفراد و الكتل الشيعية التي بلغت ما يناهز ال300 على النزول منفردة في الإنتخابات حتى لا تحصل أي من الكتل الشيعية على أكثرية الأصوات. بينما شجعت الأكراد على النزول بقائمة واحدة و السنة على التكتل بقائمتين أو ثلاث. و ليس مستبعداُ أن تكون حركات السفير الأمريكي و ممثل الطالبان سابقاً زلماي خليل زاده و بقية المسؤولين الأمريكان بما فيهم وزيرة الخارجية كوندوليسا رايس التي إجتمعت برؤساء الشوفينيين في الموصل كانت لتطمين هؤلاء أن الخطة الأمريكية لإخراج الشيعة من السلطة بطريقة ديمقراطية هي خطة "ما تخرّش ميّه" على ما يقول المثل المصري المعروف. و لكن تنبه الغالبية من الشيعة في اللحظات الخيرة قبل الإنتخابات افشل هذه الخطة الجهنمية. و الآن فمن الإيعاز إلى عملائهم لتأخير الإنتخابات و بعد أن أصبح وشيكاً فشل هذه الخطة الجديدة فإن أمريكا اسفرت عن وجهها بكل صلافة و أخذت تطالب بأن يكون "للعرب السنة مقاعد كافية في البرلمان ليتمكنوا من تعديل الدستور"!!! و قد نقلت هذه المحاولات السليطة جريدة الكريستيان ساينس مونيتر الأمريكيةفي يوم 17 من هذا

الشهر و أفادت بأن الحكومة الأمريكية و سفيرها سوف تتدخل علناً لتغيير نتائج إنتخابات لضمان أصوات للسنة تمكنهم من تغيير الدستور!! وقد نقلت كذلك فرح

الشوفينيين في ما يسمى بالحزب الإسلامي بهذه الحركات الأمريكية وفي التنظيمات الشوفينية الأخرى. إن حركات أمريكا الخفية و التي ظهرت الآن في العلن و منها

عرقلة عمل حكومة السيد الجعفري و عدم الإهتمام بصيانة الخدمات الأساسية و حتى إجبار الحكومة على زيادة أسعار الوقود حتى يقل التأييد الشعبي للحكومة هي الآن

تتخذها أمريكا أساليب لخلخلة التضامن الشيعي- الشيعي و بذر الخلافات بين المظلومين و المحرومين و إتباع اساليب شيطانية أخرى من خلال إستغلال الأكراد

حتى "تخلخل قبضة الشيعة على السلطة" حسب ما تعترف به الصحافة الأمريكية نفسها.

لقد إستنتج الكثيرون من المراقبين العراقيين المدققين أن أمريكا لم ترغب أبداً بالقضاء على التمرد الطائفي الإرهابي كي تستغله في النهاية كأحد الأوراق للوقوف بوجه الشيعة. فالحكومة الأمريكية تتحمل بذلك ليس دماء الشيعة الأبرياء الذين قتلهم الطائفيون الشوفينيون وحلفاؤهم التكفيريون بل وحتى دماء الجنود الأمريكان الذي تضحي بهم الإدارة الأمريكية في سبيل الوصول إلى ما ترتضيه من الحفاظ على مصالح شركاتها الإحتكارية.

وليس عند الشيعة سلاح يقفون به بوجه هذه العنجهية الأمريكية إلا سلاح الوحدة فهو السلاح الوحيد الذي تخشاه أمريكا و الذي اجبرها في الماضي على الرضوخ

لإجراء الإنتخابت و على التصويت للدستور. كذلك فإن الشيعة عليهم أن يفهموا أمريكا أنهم مستعدون للتعامل المشترك فيما يخدم مصالح الطرفين و ليس صحيحاً ما

يشيعه الشوفينيون بأن الشيعة هم أساساً ضد المصالح الأمريكية أو أنهم حلفاء للحكومة الإيرانية في كل الأحوال. ليس أمام الشيعة في هذا الوقت العصيب إلا

الوحدة و الوقوف صفاً وحداً أمام هذه المحاولات الوقحة المستهترة. إن وقوف الشيعة سداً منيعاً لإحباط هذه السياسة هو الضمان الوحيد لعدم تمكين أمريكا من

تأسيس نظام شوفيني يعيد فلسفة المقابر الجماعية المجرمة تحت مسميات لا تختلف إلا بالإسم فقط عن نظام صدام القاتل. و يمكرون و يمكر اللله و الله خير

الماكرين. صدق الله العلي العظيم.


المصدر
http://www.kitabat.com/i12405.htm