على ضوء تصريح الطالباني .. قادة الأكراد لا يعرفون من الديمقراطية الا اسمها
أرض السواد : طاهر الخزاعي
kza_tahir@yahoo.com
التصريحات التي لا تنم عن حنكة سياسية خاصة بادراة الدولة على خلاف فترة المعارضة , نسمعها كثيرا بين فترة وأخرى وكثيرا ما نغض الطرف عنها خاصة اذا صادرت من أشخاص عمرهم السياسي قصير جدا لم يعد به التاريخ الى أبعد من تاريخ صدام (المتأرنب في الحفرة والمتنمر في قفص المحكمة!) . فأنت حين تسمع تصريحا غير مدروس أو لا يعرف المصرح تبعاته وتداعياته من شخص دخل العمل السياسي في هذه السنوات القليلة الماضية , ليس أمامك الا أن تعذره لأنه قليل خبرة وحديث عهد بهذا الفن الدقيق , ومع التماس هذا العذر له تنقده وتوجه له النصح وغالبا ما يتسفيد المبدئون من خبرات من سبقهم . لكن الأمر يختلف تماما عندما تسمع تصريحات ومواقف من شابوا وشاخوا في ممارسة المعارضة وسنحت لهم الفرص العديدة لحضور وترأس المؤتمرات والمفاوضات والحوارات ولقاءات الملوك والرؤساء من مختلف دول العالم ولسنين طويلة . فحين تسمع تصريحا من صالح المطلق أو عدنان الدليمي أو غيرهم لا تعيره اهتماما كبيرا كالتصريح الذي يصدر من الطالباني أو البرزاني أو الجعفري أو الحكيم أو علي الاديب أو عادل عبدالمهدي الخ .. ببساطة التصريح الصادر من الصنف الأول كثيرا ما يكون ارتجالي وطاريء على عكس التصريح الصادر من الصنف الثاني ( كما هو المفترض) , فكيف اذا صدر التصريح من شخص رئيس الجمهورية أو شخص رئيس الوزراء أو رئيس الائتلاف أو رئيس اقليم كردستان أو المتحدث الرسمي باسم حزب الدعوة ؟ .
المقدمة القصيرة أعلاه واجبة من أجل القاء الضوء على تصريح السيد الطالباني رئيس جمهورية العراق أمس بعد ساعة واحدة من انتخاب الدكتور الجعفري رئيسا للوزراء وبالتصويت داخل قائمة الائتلاف العراقي . وقد سمعت وشاهدت كغيري المؤتمر الصحفي للسيد الطالباني مع السفير زلماي زاد . ولقد هالني ما سمعته من السيد الطالباني بصدد الخط الأحمر الكردي أمام عدم اشراك القائمة العراقية!! والذي يعني بالدقة (يجب على الائتلاف أن يوافق على اشراك القائمة العراقية - الخاسرة - في الحكومة والا فالأكراد لم يتحالفوا مع الائتلاف وبالتالي عرقلة تشكيل الحكومة) .. ولا يوجد أي معنى آخر لما صرح به السيد الطالباني . وهنا جملة اثارات نضعها أمام السيد الرئيس .
أولاً : طالما تكرر أيها الرئيس بأن الديمقراطية خطاً أحمر بالنسبة اليكم كأكراد . وهو أمر جميل ونؤيدكم فيه جملة وتفصيلا . والسؤال : هل تصريحكم يأتي ضمن هذه الديمقراطية , ولا أقصد مجرد التصريح بل أقصد معنى ومؤدى التصريح . فهل فرض إشراك قائمة خاسرة في الحكومة هو من الديمقراطية ؟ مع العلم هذه القائمة وبموجب القانون استبعد القضاء العراقي منها مجموعة ممن يشملهم اجتثاث البعث ؟ لو قلت (ينبغي) أو (نفضل) أو (نرغب) باشراك هذا أو ذاك لكان الأمر طبيعا أما الفرض والتهديد على شكل خطوط حمراء فهو مما يليق بالمبتدئين السياسيين لا المخضرمين من أمثالكم ؟! .
ثانيا : معلوم أن للزمان والمكان والمناسبة والظروف المحيطة دور مهم في اتخاذ الموقف .. وقد أعلنتم أمس عن موقفكم هذا وكنت تتحدث بصفة رئيس الجمهورية والى جانب سفير أمريكا , والسؤال الذي يتبادر الى ذهن كل من المتابعين هو : هل كان التصريح هو الموضوع الرئيس بينكم وبين السفير الامريكي داخل الاجتماع قبيل المؤتمر الصحفي ؟ بمعنى أنك نقلت الرسالة الامريكية عبر هذا التصريح ؟
ثالثا : هل يعلم السيد الرئيس أن تصريحه لم يكن من اختصاص رئيس الجمهورية بل هو من اختصاص قيادة التحالف الكردستاني ؟ فإنك تحدثت بصفة رئيس الدولة ويتوجب على من يتحدث بهذه الصفة أن يترك أمور القوائم لأوقات ومناسبات أخرى ؟ فهل تقبل أن نقول أن الرئيس العراقي يفرض بالقوة (من خلال التهديد بعرقلة تشكيل الحكومة) يفرض إشراك من لم ينتخبهم الشعب ولم يعطيهم الثقة في حكم العراق ؟ ألم يكن الأجدر أن تحين الجواب على السؤال الى المفاوضات بين القوائم وتريح وتستريح ؟ أم أن التصريح كان مخططا له ومقصودا لأجل ايصال الرسالة المشار اليها آنفا ؟
رابعا : هلا فكرتم سيادة الرئيس بعواقب هذا التصريح السلبية على العملية السياسية والديمقراطية ؟ وهلا فكرتم أساسا بأن هناك خيارات أخرى للائتلاف العراقي الموحد بأن تتحالف مع غيركم لأكمال نصاب الثلثين ؟
نعم يمكن للائتلاف العراقي الموحد ذلك وكالتالي : 128 الائتلاف باضافة 2 للرساليين وباضافة 55 للتوافق والحوار معا ويكون المجموع 185 وهو ما يفوق نصاب الثلثين , ويتمكن الائتلاف من إبعاد التحالف الكردي من تشكيل الحكومة ويكون رئيس الدولة من قائمة التوافق وينتهي الأمر كله وتكونون على هامش العملية السياسية وتُعطى لكم بعض الوزارات تتناسب وحجمكم كقائمة غير فائزة على أساس هذا الحساب والتحالف الجديد ؟
ما أريد قوله , اذا كنتم تفكرون بالضغط على الائتلاف بهذه الطريقة فهناك خيارات أخرى للائتلاف , ولمزيد من التوضيح فإن ما يجمع بين القوائم السنية وقائمة الائتلاف الكثير , بل ويعود بالفائدة على العراق بأكثر من التحالف معكم ! .
خامسا : ألا تعلمون أن فرض الرأي وبهذه الطريقة التي صدرت هي قمة في الاستبداد الدكتاتورية .. إنكم بموقفكم هذا تصادرون رأي أكثر من خمسة ملايين عراقي وتصادرون رأي القائمة الفائزة التي اختارها الشعب .. وهو أمر لا يمكن تفسيره بغير فرض الرأي وأن الديمقراطية ليست هي خطكم الأحمر كما تدعون بل العكس هو الصحيح !! .
سادسا : ألا ترى يا سيادة الرئيس أن مواقفكم وتصريحاتكم لا تنسجم مع ما تطالبون به من توسعة لصلاحيات رئيس الجمهورية ؟ فإذا كانت هذه المواقف منكم ضمن صلاحيات محددة فكيف سيكون الحال اذا تمت توسعة الصلاحيات الى أبعد ما عليه الآن ؟!! إن تصريحاتكم ومواقفكم تعطي انطباعا لدى العراقيين بأن يطالبوا بتضييق الصلاحيات الحالية لا توسعتها خوفا من دكتاتورية جديدة ودرءً لما لا يُحمد عقباه من قرارات فردية تصدر على خلفيات معارضة وليست إدارة دولة ! .
الإثارات كثيرة ومهمة لكني سأكتفي بهذا لأعرج على موقف للسيد البرزاني مشابه من حيث إدعاء الدميقراطية ! فقد ظهر السيد البرزاني قبل ثلاثة أيام في حوار مع قناة العربية وبذات الوقت الذي ردد فيه السيد البرزاني أن الديمقراطية خطم الأحمر الأول , ما لبث أن انهارت هذه الديمقراطية أمام سؤال لمقدم البرنامج حين سأله على خلفية الموقف من العلم العراقي (ماذا يكون موقفكم لو اعتمد مجلس النواب العراقي هذا العلم) والسؤال افتراضي بالطبع لأن تغيير العلم مثبتة بالدستور. ولكن فات السيد البرزاني ذلك وأجاب على الفور (سنفرض ذلك) !!! هذا السؤال والجواب ربما مر على مسامع الكثير مرور الكرام , بالوقت الذي يُعتبر نفسا كاملاً لأسس الديمقراطية , لأن المفروض على السيد البرزاني وغيره من العراقيين ممن دخل العملية السياسية أن يعترف ويقبل قرارات البرلمان حتى لو خالفت ارادته وهواه ! وهذه هي الحكمة والعلة من وجود كل برلمانات العالم .. تعارض وترفض وتطالب والنتيجة أن تكون مرغما بنتيجة التصويت !! .
وثمة موقف آخر للسيد البرزاني عبر عنه من خلال ذات الحوار إذ دافع كل الدفاع عن حازم الشعلان ومشعان الجبوري ووصفهم بالنص (مناضلين) وهاجم قرارات هيئة النزاهة والقضاء العراقي بأنها ميسية وغير عادلة !! واعترف بحمايتهم في أربيل !! .. لا ندري هل اقليم كردستان وتحديدا الشق الاربيلي يمثل دولة داخل دولة ؟ ثم أليس الأكراد يمثلون حصة الاسد في الدولة العراقية ومؤسساتها بدءً من رئاسة الدولة والبرلمان والوزارات بما فيها السيادية وجهاز القضاء ؟ وبالتالي اذا كانت هذه المؤسسات غير عادلة ومسيسة فهي تشملكم بكل تأكيد ! .. ألا يعلم السيد البرزاني أنه بحمايته لمشعان الجبوري وعدم تسليمه للقضاء العراقي يُعتبر مشاركا لمشعان في أفعاله بل هو تمردا من السيد البرزاني على الدولة التي يرأسها زميله السيد جلال الطالباني ؟
قد يتصور البعض أن هذا المقال هجوما مني على القائدين الكرديين .. وهنا أقول أن الأخوة الأكراد ذهبوا الى أكثر من يطمحون أنفسهم , واستغلوا ظروف العراق أكثر مما ينبغي والأنكى من ذلك استغلوا سعة صدر الائتلاف العراقي الموحد وطول اناته وحنكته السياسية مستغلين بذلك الدعم الأمريكي لهم , اضافة الى ما آلت اليه الأمور عند الأطراف التي تمثل المناطق الغربية مما أدى بالاخوة الأكراد (وأقصد قادتهم وتحديدا من أسميتهم هنا) الى التجاوز على خطوطهم الحمراء كما يدعون (الديمقراطية خط أحمر كما يقولون) .. فأين هي الديمقراطية من هذه المواقف (الاستبدادية) أيها السادة .