في مسيرة توصف بأنها الأكبر في تاريخ المسيرات في البحرين، شارك ما يفوق المائتي ألف مواطن في مسيرة "بالأمس النبي (ص) واليوم الهادي (ع)" مجددين استنكارهم للاعتداء الآثم الذي قام به التكفيريون اليزيديون على قبة الإمامين العسكريين (ع) بسامراء، وأكّد المشاركون من خلال المسيرة على ضرورة توحيد الصف الإسلامي ونبذ الفرقة، ورفعوا لافتات وشعارات تؤكد على أن الإسلام نهج السلم والإنسانية لا التطرف الإرهاب، كما وطالبوا بالشجب الرسمي من قبل الدولة لهذا الاعتداء الآثم، وقد سارت المسيرة بداية من دوار القدم على مساري الشارع إلى دوار مجمع الدانة بالسنابس حيث ألقى هناك سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم خطاباً هاماً أكّد فيه على أهمية وحدة الصف الإسلامي وضرورة توقف أقلام الفتنة عن إثارتها، فيما وجه المجلس العلمائي رسالة شكر للمشاركين رجالاً ونساءً، ورموزاً وشخصيات، شيعية وسنية...
وقد أصدر المجلس العلمائي بيان الشكر في وقت لاحق ليقول فيه: "في وقفة تاريخية مجيدة خرجت الأمة المؤمنة في البحرين لتشارك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) المواساة والحزن وتعلن عن ولائها لدينها وقيمها ومنهجها وتؤكد أنها لا زالت أمة نابضة بالحياة. ومن هنا يوجه المجلس الاسلامي العلمائي شكره الجزيل لكل هذه الجماهير الوفية المؤمنة على هذه المشاركة الرائعة والوقفة الأبية ونخص بالشكر العلماء الأفاضل والشخصيات السياسية وممثلي الجمعيات السياسية والثقافية والاجتماعية وكل الحضور الكريم كبارا وصغارا. وشكر خاص للمرأة المؤمنة على مشاركتها الكبيرة والفاعلة، والتي تثبت من خلالها المرأة المؤمنة في البحرين يوما بعد آخر أنها الحاضرة وبقوة في كل الميادين وأنها على خطى الزهراء وزينب عليهما السلام.
فيما بدأ خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم بالتأكيد على الهدف الذي شارك من أجله الجميع في المسيرة، ألا وهو نصرة الدين وعزته ووحدة ومصلحة الأمة، والانتصار لكلمة الله والاستقامة على خطه عز وجل وإنكاراً للمنكر... وقد وصف سماحته الاعتداء على مرقد الهاديين العسكريين (عليهما السلام) بالجريمة النكراء الهمجية الجاهلية التي لا يرتكبها ضمير يخفق بتعظيم الله وأولياءه ويقيم للرسول وأهل بيته (ع) وزناً أو يعرف للأمة الإسلامية حرمة.
وقد أكد سماحته على أن القبة النوراء للضريح ما ضرها الهدم وشعارها موصول بالسماء، وما ضرها أن يحرق ذهبها وهي تنير الدرب للسائرين على خط الأجيال كل الأجيال، وأن القبة النوراء ما ضرها أن يصيبها هذا العدوان الكبير الساقط السافل وهي تؤدي دورها بإرسال إشعاعاتها النوراء الالهية إلى قلوب المسلمين في كل مكان.
وأوضح سماحته أن الهدف من المشاركة هو الإعلان على مسامع الأمة: "تمسكنا التام بهذه الحقيقة البديهية في دين محمد (ص) وهي أن المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" منبهاً على أن هذه الحقيقة لم يفهمها المفسدون، قائلاً: "حرمة المسلم على المسلم ثابتة، فكيف بحرمة سبط رسول الله (ص)، إمام المسلمين، ولي من الأولياء ونور الله في الأرض وحجته على الخلق". وقد أشار للبديهية الثانية، وهي: "لا يؤخذ بريء بسقيم، وأن آخ البريء بالسقيم هي كلمة يمكن أن توجد على لسان الحجاج، وهي لا تأتي على لسان أقل الناس وزناً فيمن يوالي أهل البيت (ع).
وجدد قاسم رفض الجميع للإرهاب وبراءتهم منه ومن الاتجاه التكفيري المنفصل عن قواعد الإسلام وثوابته وبديهياته ومسلماته، مؤكداً أن مدرسة أهل البيت (ع) ترفض كل الرفض وتتبرأ كل التبرؤ من أن تسيل قطرة دم واحدة من دون وجه حق، مؤكداً: "لنا موازيننا الشرعية وضوابطنا الدينية الثابتة التي تبسط يدنا بالحق وتقبضها عن الباطل، إن يدنا لمبسوطة، وإن دمنا لمبذول، وإن أرواحنا لرخيصة تلبية لنداء الحق، في الوقت الذي نحن فيه أحرص الناس على قطرة الدم ونقدر إنسانية الإنسان" ليضيف: "جئنا معلنين أشد السخط على إهانة المقدسات الإسلامية والتي ارتكبتها حماقة الجهلة من أبناء هذه الأمة بإيعاز من المستكبر الأمريكي وبتنسيق معه" ويعود ليؤكد: "إن القلوب التي ربتها مدرسة مدرسة أهل البيت، والضمير الذي يحوي دروس هذه المدرسة، إن الفكر الصلب القوي المتين، إنما يقف بكل قواه وبكل استعداداته وبكل عزيمته وبكل إرادته مع الإسلام الواعي، مع الوحدة الإسلامية ومع الضمير الإسلامي، ويتنزه كل التنزه عن أن تسيل قطرة دم في الأرض بغير حق، حين يصمت أبناء هذه المدرسة وحين يصبرون على الأذى، وحين تذهب الأرواح البريئة من صفوفهم ضحية الجهل، ضحية السفه، ضحية الضلال، فإن ذلك لا يعني شيئاً من فقدان الغيرة، من التلكؤ، من التردد، ينطلق كل ذلك من الحرص على الوحدة الإسلامية، من الحرص على بناء صرح إسلامي متين، بحيث لا يسمح للجاهلية بتفريق الأمة".
ونصح قاسم بـ: "أن لا تخرج الأحداث بإخواننا المسلمين في العراق بعد أن تتضخم عن صوابيتهم، وعن رزانتهم وحرصهم الشديد على الدم المسلم من أي مذهب كان، إن لنا لنداء لإخواننا المسلمين في العراق، سنة وشيعة، ولكل العراقيين في مختلف اتجاهاتهم ومذاهبهم بأن يتذكروا الله عزوجل في هذه اللحظات المحرجة التي تشهد مصير العراق والأمة الإسلامية معه، أن يتذكروا الله في هذه الجريمة التي تحرق الأمة وتفت الشمل، أن يتذكروا الله ورحمة الدم المسلم، وأن لا ينال أحدهم أي كان بأذىً آثماً منقلب للنار".
ووجه سماحته رسالة للتكفيريين: "قولوا للتكفيريين، إذا كان الإسلام ليس إلا ما يفهمونه، وإن ما عداه ليس بالإسلام، وأن رقاب الآخرين من مسلمين وغير مسلمين حلال عليهم، فعليهم أن يقضوا على كل المليارات في العالم ليبقوا بعد ذلك يتقاتلون فيما بينهم في لغة الدم التي لا يفهمون غيرها".
ثم تطرق لأقلام الفتنة بقوله: "أيها المسلمون، قولوا لأقلام الفتنة في أي أرض أن تتوقف، ولباعة الضمير على الحكومات أن يتوقفوا، وأن لا يزرعوا الفتنة في كل المسلمين، قولوا للحكومات ألا تلعب بنار الطائفية، فإن نار الطائفية تحرق أول ما تحرق هذه الحكومات، قولوا لهم ألا يثيروا نار الحقد والفتنة والصراع المرير وروح القتل والقتال بين أبناء الإسلام، بين الأصحاب، بين الأخوة في الدين ولطن والحاضر والمصير".
ثم تطرق لدروس الإمام زين العابدين في مقام الكلام ذاته: "ولتتعلم الأمة من الإمام زين العابدين (ع)، صاحب ذكرى هذا اليوم، في دعاءه لأهل الثغور دروساً تحتاجها لوحدتها، فخط الحكم لم يكن خط أهل البيت، والسلطة القائمة كانت تكيد بأهل الإمامة وتتتبعهم بالأذى، ولكنه كان يدعو لجيوش المسلمين ويطلب وحدتهم ويطلب من الله توحيد صفوفهم وعزيمتهم وكرامتهم، مدرسة لو التحق بها كل المسلمين لوجدوها الغفلة التي لا يعرف الناس ثمنها، مدرسة الأخوة والإيمان والصلاح والسلام، مدرسة منفتحة على العالم فضلاً عن كل المسلمين، أئمة بحق، وهم أولى الأئمة في المسلمين بالإمامة".
وأضاف قاسم درساً آخر من دروس الإمام زين العابدين (ع): "الإمام زين العابدين لم يدعم الحكم الأموي في وجه الكفر، والأمة اليوم في أنظمتها الرسمية تتعامل مع أمريكا يوماً ضد أفغانستان وآخر ضد العراق وسوريا وإيران، وتضع يدها بيد أمريكا وتجند إعلامها ضد تهمة السلاح النووي في إيران".
ثم ينتقل لدعاء الإمام عن الظلم والمظلومية، بقوله: "اسمعوه: اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي فلم انصره، وهو كل مظلوم نصرانياً كان او يهودياً أو مجوسياً أو وثنيا، نحن أنصار المظلوم في كل مكان، مع مستضعفي العالم، نحن أتباع مدرسة أهل البيت، مع نداءات المستضعفين والمحرومين، وليكن العالم كله مع نداءات المستضعفين من أبناء هذه الأمة الإسلامية".
وبعدها انتقل إلى دعاء آخر: "اللهم إني أسألك في مظالم عبادك عندي، ثقيل على المسلم أن يخرج من الدنيا وفي يده ظلامة، ليقارن الناس كل الناس، كل المسلمين ، كل العالم بين هذه المدرسة وبين ما يذهب إليه التكفيريون، حين يجتمعون عندما تشتد الفتنة وتبقى الأحداث في العراق، لا يحتاجون إلى مناظرة وإلى بحث أن تنظر في حرمة الإنسان المسلم، هذه بديهيات المذهب، بديهيات الإسلام، فليفكروا كيف يعيدون للأمة لحمتها، كيف يعالجون جراحاتها، وكيف يحافظون على حرمة الدم في إطارها، لا يجتمعون إلا لسلام العالم، لمصلحة الدين، للإنسان كل الإنسان، هذه مدرستنا، هذا خطنا، هذه عطاءاتها، لا يمنع المدرسة أن تكون في مقدمة كل الناس لتقارع كل الظلم، كل الاستكبار، كل الطغيان".
وختم: "كونوا سنداً لوحدة أمتكم، ونصرها وعزتها وعظمها، ولا تصغوا لأعداء الأمة، ولا تتركوهم يحققون حلمهم في تمزيقها، والمجد والعزة والسؤدد والنصر للإسلام والمسلمين".
سماحة اية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم رئيس المجلس الأسلامي العلمائي(المرجعية المحلية)
وهو أحد تلامذة اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر(قدس سره)
![]()