الوضع العراقي الحالي يمثل تهديد لوحدة البلد أرضا وشعبا هو الأكبر من نوعه منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة....
ان هذا الخطر (المركب ) ان صح التعبير يمكن ان يلاحظ على عدة مستويات:
المستوى الاول: غياب القيادة الوطنية المخلصة ،والتي تستطيع أن تجمع شتات هذا الشعب الذي أنهكته الحروب والسياسات الهوجاء لسنين طويلة.ويمكن الحديث عن هذا المستوى في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: اضمحلال الشخصية الحوزوية أو الدينية والتي يمكن أن تقلب الأوضاع رأساً على عقب فيما لو توفرت عناصرها الرئيسية :كالأخلاص ونكران الذات والتضحية في سبيل المجتمع ...الخ.
النقطة الثانية: فقدان ثقة المجتمع بالنخب السياسية –غير الدينية- والتي ترجع اسبابها الى تقويض مفهوم الوطنية بفعل ممارسات الهدام ، حيث تم ربط الولاء الوطني بالاخلاص لشخصية رئيس الدولة وبالتالي الإساءة المقصودة لكعاني الوطنية السامية حتى بات من لا يوالي الهدام يتهم بالخيانة والعمالة.
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ، ممارسات النخب السياسية أو تلك التي (فرضت) على المشهد السياسي العراقي الحالي وما في ذلك من اساءة وتهديم مقصود لمفهوم الوطن والمواطنة.
النقطة الثالثة: على مدى السنوات الماضية من الاحتلال شهدت الساحة العراقية محاولات مخلصة للم الشمل قام ويقوم بها اناس أكفاء على مستوى عال من الوطنية ونكران الذات، إلا أن ذلك كان ولا زال يجابه بالحرب الاعلامية تارة والتسقيط والتشهير تارة اخرى...والعجب أن الرموز الدينية التي فشلت في استقطاب ابناء الوطن تحارب وبشراسة كل ما هو وطني ومخلص.
المستوى الثاني: تكالب الأعداء بمختلف انتماءاتهم و مستوياتهم على العراق بشكل لم يسبق له مثيل. فمن العداء الايدلوجي متمثلا بامريكا واسرائيل والقوى الساندة لهما الى العداء (العقائدي) المتمثل بالوهابية السلفية ، مرورا بأرباب المصالح من دول وكيانات وجدت الفرصة مؤاتية لكي تنكب على الجسد العراقي طعناً ونهباً وتدميراً.
ومع التصاهر بين المستويين الاول والثاني ،أي غياب القائد الرسالي وتكالب الاعداء يمر الوطن بمرحلة خطيرة من الإنصهار الذي يستهدف وحدته الجغرافية والسكانية بشكل لم يسبق له مثيل لا في تاريخ البلد ولا في التاريخ العالمي وعلى مر العصور...
وفي هذا السياق ينبغي ان نشير الى مجموعة من النقاط التي قد تساهم في فهم الواقع المرير وصولاً الى إمكانية الخروج من هذا الوضع المزري بأقل الخسائر:
1-ان البعض ممن تصدر الواجهات السياسية للبلد في هذه المرحلة ،إنما بنى امجاده على جثث الضحايا وآهات المساكين .والجميع يعرف بأنه لولا الإتكاء على المرجعية في النجف الاشرف لما تمكمن هؤلاء من الظهور بمظهر الممثل لأغلبية هذا الشعب المظلوم .والشيء الذي ينبغي المطالبة به هنا هو أن تكون المرجعيات على قدر المسؤولية ، فلا تترك لكل من هب ودب ان يتمسح بها وينضوي تحت عباءتها ومن ثم يسيء الى الشعب الذي انتخبه وخاطر بنفسه في سبيل انجاح مات يسمى بـ(العملية السياسية) .فإنهم قد نظّروا كثيرا للديمقراطية الامريكية ودعوا الناس باسم المراجع ان يساهموا في تشكيل الحكومة على اساس ديمقراطي ، ولكنهم في النهاية انقلبوا على إرادة هذا الشعب المسكين ،ثم لم يكن إلا ما تريده امريكا ، ومن ذلك ما أشيع مؤخرا عن العزم في تسليم وزارة الداخلية الى (قاسم داوود) صاحب الملف الأسود في حربي النجف .فهذا الشخص اعلن عن وجوده في داخل قائمة الائتلاف عندما اشتدت الازمة حول ترشيح الجعفري ولولا ظهوره في تصريحات يتملق فيها اسياده الامريكان ويشن هجوما على الجعفري الذي يشترك معه في نفس القائمة لما سمع به احد.
فالمطلوب في هذا الصدد ان تقوم المرجعيات بمسؤوليتها في محاسبة اولئك الذين رضخوا لأرادة المحتل وسحقوا ارادة الشعب تحت ارجلهم ، وإلا فما فائدة القيادة الحوزوية والدينية اذا لم يكن من ضمن اولوياتها محاسبة المقصرين ؟! حتى يطمئن الناس مستقبلاً أن المرجعية ستبقى هي صمام الأمان لهذا الشعب والمدافع الأول عن حقوقه.
2-لقد تمكن الإحتلال من تمرير بعض الاعيبه ومبتكراته وجعلها كالمسلمات أو البديهيات لا يلتفت أكثر الناس الى مناقشتها والغوص في تفاصيلها.ومن جملة تلك الأمور هو التفجيرات الإنتحارية...فنحن نعلم ان هناك من يعتقد في انه لا يكتمل ايمانه ولا يصح اسلامه إلا إن توضأ بدماء الأبرياء من الشيعة .ولكن لننتبه الى ان عبارة (تفجير انتحاري) أو (عملية انتحارية) أو (حزام ناسف) باتت تتكرر كثيرا جدا وتشير في مجملها الى المسبب لسقوط المئات من الضحايا دون ان نتأكد من صحة هذا المسبب ؟
فكيف يتأنى للشرطة العراقية الحديثة التكوين و البدائية المعدات أن تتحقق من هكذا تفجيرات تختلط فيها اجهزة التفجير بأشلاء الضحايا ودمائهم؟ وبالسرعة التي يعلن عنها في وسائل الإعلام؟
واذا كانت قوات الاحتلال هي التي تتولى التحقيق في مثل هذه الأمور،فليكن معلوما ان الفترة الزمنية التي تتطلبها هكذا تحقيقات جنائية تتطلب مدة اطول من التي تعلن فيها النتائج وفي بلدان مستقرة أمنياً ومتطورة تكنلوجيا.فكيف تسنى لهم التصريح بالمسبب لهذه الانفجارات والصاقها بالانتحاريين أو التكفيريين او الارهابيين؟ فتفكروا يا أولي الألباب...
3-غالباً ما ترافق العمليات المجرمة التي تستهدف ابناء هذا الوطن العزل والابرياء ،دوريات لقوات الاحتلال وطيران مكثف .وفي بعض الحالات يتم قطع شبكة الاتصال للهاتف النقال !وهناك مئات الحالات التي يرويها شهود العيان تؤكد تواجد عربات ودروع المحتل قبيل الانفجار بلحظات .
4-على مدى ثلاث سنوات كان العراق فيها ميداناً للتفجيرات الانتحارية والمففخات العمياء .فلا يعقل ان لا تخيب عملية من هذه العمليات ويتم القبض على فاعلها !
واذا كان هذا الشيء قد حصل فعلا ،فأين هؤلاء الجناة ولماذا لا يتم الكشف عنهم وعن الجهات التي ترسلهم؟
وفي هذا السياق نشير الى تصريحات وزير العدل العراقي السابق عبد الحسين شندل الذي اتهم فيه هيئة الرئاسة بتعطيل اعدام (93) ارهابيا ومن ان هناك عصابات خاصة مهمتها خطف المتهمين قبل تنفيذ الحكم فيهم.