 |
-
الدم العراقي الرخيص ودوره في اسناد الانظمة الاستبدادية في المنطقة
يمثل المشروع الامريكي في العراق انطلاقة لسياسة امريكية جديدة طويلة الامد في الشرق الاوسط ترتكز الى مبادرة الشراكة التي اعلنها كولن باول العام الماضي. تهدف تلك السياسة الى تجفيف مصادر الارهاب عن طريق محاربة الدكتاتوريات واسناد تغييرات ديمقراطية (ولو نسبيا) وفق نظرية تقول بان الارهاب لا ينشأ الا في اجواء القمع والاستبداد. وتمثل هذه السياسة الجديدة تهديدا حقيقيا لعدد ليس بالقليل من انظمة الحكم الشمولية في الشرق الاوسط, خصوصا تلك التي تعاني من سوء العلاقة مع شعوبها. اتخذت امريكا من العراق منطلقا لسياستها الجديدة لأسباب منها سهولة اسقاط النظام العراقي نتيجة كون التأييد الشعبي المحلي له شبه منعدم, وكذلك بسبب البنية التحتية الثقافية والاقتصادية للعراق والعراقيين والتي تجعل احتمالات نجاح المشروع امريكي فيه عالية, خصوصا وان التغيير في العراق يراد له ان يكون نموذجا وعاملا منشطا لتغييرات ديمقراطية واسعة في الشرق الاوسط تجعل منه اوربا شرقية جديدة.
لذلك تجد بعض الحكومات الاقليمية في نجاح المشروع العراقي تهديدا حقيقيا لها ولإستمرارية عهدها. هذا التهديد قد يؤثر بطريقتين مختلفتين, الاولى تتمثل في اتخاذ اجراءات وخطوات تجميلية (حقيقية او غير حقيقية) تقلل المسافة بين تلك الحكومات وبين شعوبها مما قد يفوت الفرصة على امريكا ويزيد اللحمة الوطنية ويجعل التدخل الامريكي امرا اكثر صعوبة قد يدفع به بعيدا عن خانة المحتملات.
والطريقة الثانية في مواجهة هذا التهديد هي العمل بشتى الطرق من اجل عرقلة المشروع العراقي واغراقه بالدماء وصولا الى اثناء عزم امريكا عن الاستمرار في سياستها الجديدة والعودة الى سياستها التقليدية القديمة المتمثلة بدعم الدكتاتوريات الصديقة. ويبدو ان المراهنة في دول الجوار العراقي تميل الى الطريقة الثانية لكونها اقل تعقيدا من الاولى التي تتطلب قدرا من الانفتاح والشفافية تجده الحكومات صعب القبول او حتى مستحيل لأن الكثير من تلك الانظمة تعيش زهوا ضاهريا يغطي جوفا تملؤه الجماجم والمعتقلات ومضاهر الفساد الاداري (والاخلاقي ايضا). بينما يوفر لها الخيار الثاني (خيار اغراق المشروع العراقي بالدم) فرصة لتصدير المشكلة الى الخارج, وهو امر تجيده حكومات المنطقة, كما انه لا يتطلب "تنازلات" ديمقراطية من قبل مسؤولين غير قادرين على تخيل الديمقراطية ناهيك عن تطبيقها.
وهكذا بدأت بوادر اشعال الساحة العراقية حتى قبل بدء الحرب من خلال ارسال المئات ممن يسمون بالفدائيين لمحاربة امريكا في العراق كما جرى استخدامهم في محاولات لإشعال فتنة طائفية بين الشيعة والسنة. كان من المقرر ان تتبع تلك المرحلة مباشرة مرحلة تجييش العراقيين البسطاء في حرب غير متكافئة مع امريكا. تلك المرحلة تعثرت قليلا بسبب السقوط المفاجئ لنظام صدام, و يتم الان تدارك هذه المفاجأة وبدأ ارسال عناصر المخابرات المدججين بالسلاح والشعارات والاموال الطائلة من قبل اكثر من دولة جارة للعراق وقد تشهد الايام التالية احداثا تتمثل في تصاعد التضاهرات المعادية لأمريكا في العراق مصحوبة بمصادمات بين المتضاهرين والجيش الامريكي قد تتطور الى عنف منظم يتخذ من شعار "مقاومة الاحتلال" عنوانا له.
ان نجاح الدول الاقليمية في استغفال اعداد كبيرة من العراقيين (وهو امر محتمل وله سوابق) ودفعهم باتجاه رفع السلاح في مواحهة انتحارية مع الامريكان يمثل اكبر نجاح لقدرة الانظمة الاستبدادية في المنطقة على الاستمرار وسيؤدي الى اجهاض محاولات العراقيين في الاستقرار وبناء بلدهم. ولكن الى متى يستمر العراقيون في دفع فواتير الاخرين؟ وهل سيتمكنون هذه المرة من ادراك مصلحتهم الوطنية والعمل في سبيلها؟ امر تتجاذبة متغيرات وتقع اوراقه في ايدي موضفي مخابرات الجوار العراقي ربما اكثر من وقوعها في ايدي العراقيين انفسهم.
فيبدو ان الشعب العراقي ما زالت تحكمه الطيبة والنوايا الصافية.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |