 |
-
قاطعوا صنّاع الأساطير (تم تجميد عضوية كاتب المقال في حزب الله)
http://www.kitabat.com/r4094.htm
قاطعوا صنّاع الأساطير(*)
نايف كريِّم(**)
كثيراً ما أجد ضالتي في اثر من آثار العلامة الشهيد الشيخ مرتضى مطهري. وبما ان الامام الخميني أوصانا ان لا ندع كتب الشهيد مطهري (وبالتالي افكاره) في مطاوي النسيان، وتعميما للفائدة وسعيا للاصلاح الذي خرج الامام الحسين في طلبه في عاشوراء، وتنفيذاً لوصية الامام الخميني اخترت بعض المقاطع الهامة المتفرّقة مما ورد في كتاب "الملحمة الحسينية" للشهيد مطهري، وجمعتها حرفياً من دون تدخل في المضمون او تحوير في المعنى، منعاً لاستغلال المتربّصين، وليكون النقد الذاتي حاضراً في الذكرى بقلم الشيخ الشهيد، علّ الذكرى تنفع المؤمنين.
ن. ك.
النصوص المختارة:
اننا وللأسف الشديد قد حرفنا حادثة عاشوراء الف الف مرة اثناء عرضنا لها ونقل وقائعها! حرفناها لفظيا كما تناول التحريف تفسير الحادثة وتحليلها. اي ان الحادثة تعرضت للتحريف اللفظي كما تعرضت للتحريف المعنوي.
وأقول بكل مرارة ان التحريفات التي اصابت هذه القضية على أيدينا كانت كلها باتجاه التقليل من قيمة الحادثة ومسخها وتحويلها الى حادثة لا طعم لها ولا معنى. والمسؤولية هنا تقع على عاتق الرواة والعلماء كما تقع على العامة من الناس.
إن المادة المزوّرة والمدسوسة كثيرة للغاية ولا يمكن حصرها بسهولة، واذا ما اردنا جمع كل المآثم الكاذبة فاننا سنحتاج الى عدة مجلدات ضخمة.
المرحوم الميرزا حسين النوري أعلى الله مقامه، وهو استاذ المرحوم الشيخ عباس القمي، والمرحوم الشيخ محمد باقر البير جندي، والمرحوم الشيخ علي اكبر النهاوندي، الحاج النوري هذا محدّث نادر ومتبحّر في فن الخطابة والحديث، ورجل حماسي يملأ الايمان قلبه، وكتابه المعروف باسم "اللؤلؤ والمرجان" من الكتب الجيدة جدا.
لقد ذكر هذا الرجل الكبير في كتابه هذا نماذج من الاكاذيب المعروفة التي ألصقها الكثيرون بحادثة كربلاء، حتى انه يصرح بقوله "من الواجب ان نقيم المآتم على الحسين، اننا يجب ان نبكي الحسين، (ع) ولكن ليس بسبب السيوف والرماح التي استهدفت جسده الطاهر الشريف في ذلك اليوم التاريخي، بل بسبب الاكاذيب التي أُلصقت بالواقعة".
ثم يكتب الحاج النوري رضوان الله عليه "ان مصدر المآثم الكاذبة هي كربلاء والنجف وايران اي مراكز التشيع الاساسية نفسها".
والآن أود ان اذكر لكم بعض النماذج من التحريفات التي يتعلق قسم منها بوقائع ما قبل عاشوراء، والبعض الآخر بالوقائع التي حصلت في الطريق الى كربلاء.. وهناك البعض منها مما هو متصل بحياة الائمة الاطهار الذين توالوا بعد حادثة عاشوراء.
.. لا بد لنا جميعا من قهر هذه الرغبة اللامسؤولة المنتشرة بين الناس والخطباء، والتي تتوقع من المجالس الحسينية ان تصبح مجالس حارة، او كما يصطلح عليها البعض كربلاء ثانية.
فالخطيب المسكين تراه احيانا يقع في حيرة اذا ما تكلّم الصدق، وقال الحقائق دون زيادة او نقصان من على المنبر الحسيني، اذ ان نتيجة ذلك ستكون نعت مجلسه بالمجلس البارد، وبالتالي عدم رغبة الناس بدعوة هذا الخطيب مجدداً، ما يُضطره الى اختراع بعض القصص الخيالية لإدخال الحرارة الى مجلسه. فما معنى خلق كربلاء ثانية؟ ينبغي على الناس ان تستمع الى المأتم الحسيني الصادق حتى تتسع معارفهم وينمو مستوى التفكير لديهم، ويعرفوا بأن اهتزاز روحهم مع اي كلمة من كلمات المأتم الحسيني يعني تحليقها وانصهارها مع روح الحسين بن علي (ع)، وبالتالي فان دمعة واحدة اذا ما خرجت من مآقيها كافية لمنحهم ذلك المقام الكبير لانصار الحسين (ع). اما الدموع التي تخرج خلال العرض المأساوي ورسم المجزرة وتشريح الذبح والمذبحة، فلا تساوي شيئاً حتى ولو كانت بحراً من الدموع.
ان اغلب التزوير والكذب الذي أدخل في مواعظ التعزية، كان سببه الرغبة في الخروج من سياق الوعظ، والتحليق في خيال الفاجعة.
هناك نموذج للتحريف في وقائع عاشوراء، وهي القصة التي اصبحت معروفة جدا في القراءات الحسينية والمأتم، وهي قصة ليلى ام علي الاكبر. هذه القصة لا يوجد في الحقيقة دليل تاريخي واحد يؤكد وقوعها. عندما كنت في احد المجالس الحسينية التي عقدت في بيت احد كبار العلماء في طهران، كان القارئ يتحدث عن ليلى وابنها علي الاكبر ثم راح ينشد ويقول:
نذر عليّ لئن عادوا وإن رجعوا لأزرعن طريق الطف ريحانا
لقد ذهلت لما سمعت وزاد تعجبي من هذا البيت من الشعر العربي، وصرت اسأل نفسي من اين جاء وسط هذه التعزية؟ ثم ذهبت أبحث في بطون الكتب واذ بي أجد بأن "التفت" هي منطقة غير منطقة كربلاء، ثم ان بيت الشعر كله لا علاقة له بحادثة عاشوراء لا من قريب ولا من بعيد، بل انه نُظم على لسان مجنون ليلى العامري وهو ينتظر ليلاه التي كانت تقيم في هذه الناحية، واذ بقراء التعزية صاروا يقرأونه على لسان ام علي الاكبر، وحرفت التفت الى طف كربلاء وواقعة عاشوراء.
نموذج آخر: عرس القاسم وهل هناك من لم يسمع في كل تعزية من التعازي الحسينية بعرس القاسم. انه اختلاق محض لا وجود لأي اساس له في الكتب المعتبرة. لكنه اول من ادخل هذه القصة في التاريخ الحسيني المزوّر هو الملا حسين الكاشف في كتابه "روضة الشهداء". وفي كتاب "أسرار الشهادة" للملا اقا الدربندي يصبح رقم جيش عمر بن سعد مليوناً وستمئة الف شخص. كما ورد في نفس الكتاب ان الامام الحسين (ع) قد قتل ثلاثمئة الف شخص بيده فقط! في هيروشيما كان عدد قتلى القنبلة الذرية ستين ألفاً.
انها قصة لا تناسب العقل بتاتا، وبالتالي فإنها تفقد الواقعة قيمتها التاريخية.
ان لقب السّقا كان قد أعطي لأبي الفضل (العباس) قبل يوم العاشر (من محرم)، لانه في الحقيقة كان قد شق صفوف العدو لأكثر من مرة في الليالي التي سبقت يوم العاشر، وأتى بالماء لأهل الحسين وعياله.
انه ليس صحيحاً بأنهم لم يذوقوا طعم الماء لثلاثة ايام متوالية كما يدّعي اصحاب الاساطير. صحيح انهم كانوا قد مُنعوا من الوصول الى الشريعة، لكنهم بفضل العباس استطاعوا الوصول إليها، وجلب الماء لا سيما ليلة العاشر من محرم، حيث انهم استطاعوا الاغتسال في تلك الليلة.
النموذج الآخر للتحريف هو يوم الاربعين (اربعين الحسين) عندما يحين موعد الاربعين نسمع جميعاً بالتعزية الخاصة بيوم الاربعين، والناس جميعا يعتقدون بان الاسرى من آل بيت الرسول قد ذهبوا في ذلك اليوم من الشام الى كربلاء، والتقوا هناك بجابر، كما التقاه الامام زين العابدين، في حين ان المؤلف الوحيد الذي يذكر هذا الموضوع هو السيد ابن طاووس في كتابه "اللهوف على الطفوف" وهذه القصة لا تذكر في الكتب المعتبرة اطلاقاً.
ان أول زائر لقبر الامام الحسين هو جابر، ومراسم الاربعين ليست سوى الزيارة المعروفة التي قرأها جابر على قبر الامام. لا يوجد شيء اسمه تجديد عزاء أهل البيت ولا قدوم الاسرى من آل النبي الى كربلاء. ان الطريق من الشام الى المدينة لا يمر عبر كربلاء أبدا.
ان الوقائع التاريخية واضحة المعالم ومليئة بالفخر والعزة والمجد، ولكننا شوّهنا هذه الصفحة التاريخية المشرقة وارتكبنا خيانة كبرى بحق الامام الحسين(ع)، بحيث انه لو ظهر الى عالم الوجود المادي اليوم، لاتهمنا بقلب حقيقة الواقعة رأسا على عقب، ولقال انني لست ذلك الحسين الذي رسمتموه في خيالكم.
عوامل التحريف:
الحكومة الاموية مارست أنواع التحريف المعنوي في هذه الواقعة. لكن التاريخ الاسلامي رغم ذلك كله لم يتأثر بتلك التحريفات. فالعدو لم يتمكن من تحريف واقعة كربلاء. ففي واقعة كربلاء ينبغي القول وللاسف الشديد بأن كل أنواع التحريف التي حصلت انما حصلت من جهة الاصدقاء والمحبين. نحن الشيعة حرّفنا شخصية الحسين بن علي قائد هذه الواقعة.
والعامل الثاني للتحريف يكمن في حب البشر وميلهم لخلق الاساطير، فالبشر على العموم يمتلكون حس عبادة الابطال وتقديسهم، الامر الذي يدفعهم الى خلق الاسطورة من أبطالهم القوميين او الدينيين.
فاختلاق الاساطير أمر لا ينحصر في واقعة عاشوراء، فما أكثر الاساطير التي اختلقناها نحن الشيعة عن أمير المؤمنين علي(ع).
انه لا جدال حول شجاعة علي(ع)، فالصديق والعدو يعترفان بشجاعته الخارقة للعادة، ولكن هل يكتفي أصحاب الاساطير وصنّاعها بهذا المقدار؟
فعلى سبيل المثال قالوا إن عليا عندما اشترك في معركة خيبر، ونازل مرحب الخيبري وهو من الابطال المعروفين، وكما يذكر المؤرخون، فإنه ضربه بالسيف ضربة قسمته الى نصفين! حتى أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى الملك جبرئيل بالنزول الى الارض ووضع جناحه تحت سيف علي، حتى يخفف وقع الضربة، ويمنع بالتالي ان تنشق الكرة الارضية الى نصفين... وانه حصل بالفعل ان نزل جبرئيل الى الارض ووضع جناحيه تحت السيف الامر الذي منع انشقاق الارض. والأدهى من ذلك أن جبرئيل قد جُرح بسبب تلك الضربة مما ادى الى مرضه اربعين يوماً، الامر الذي أخّر صعوده الى السماء كل تلك المدة. ولما صعد الى السماء وسأله ربه أين أمضيت تلك الأيام الاربعين؟ قال ربي إنك أمرتني بالنزول تحت سيف علي وقد فعلت، ولما كنت قد جرحت من جراء تلك الضربة، فإنني كنت أداوي جراحي كل تلك الفترة!!
والتفنن في سرد الاساطير وتطويرها لم يقف عند حد. حقاً ان بعض التحريفات التي حصلت في واقعة كربلاء سببها وجود حس الاسطورة لدينا. يقول الاوروبيون ان تاريخ الشرق مليء بالمبالغات والاساطير وهذا صحيح.
ان حس صناعة الاساطير يستطيع فعل الكثير. ولا يجوز لنا ان نسلّم أمر مثل هذه القضية التاريخية الهامة لأيدي صناع الاساطير: "ان فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
قد يقول البعض بأن الهدف وراء ذلك كله مواساة سيدتنا فاطمة الزهراء(ع)!! أليس أمرا مثيرا للسخرية؟ فهل تحتاج الزهراء الى المواساة بعد مرور 1400 عام على المأساة؟ وهل ان فاطمة الزهراء عندكم طفلة صغيرة حتى تظل تلطم وتبكي بعد 1400 عام، حتى نأتي نحن لنعزيها ونأخذ بخاطرها؟
الحسين(ع) أسس مدرسة عملية في الاسلام، والحسين بن علي(ع) نموذج عملي للثورات الاسلامية والتعليمات الدينية الواردة الينا بهذا الشأن، لذا لا بدّ لنا من المحافظة على هذه المدرسة الحية. والأئمة(ع) أرادوا ان يطل علينا الحسين كل عام بنداءاته البليغة:
"ألا ترون ان الحق لا يُعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا".
"لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً".
"انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي".
لتبقى هذه النداءات حية الى الابد. لقد أراد أئمتنا الأطهار ان نحيي مجالس العزاء الحسينية وهذا أمر صحيح. ان فلسفة إقامة مجالس العزاء الحسينية فلسفة صحيحة ورفيعة المعاني للغاية، وإذا بذلنا الجهود في هذا السبيل، شرط ان نحدد أهدافنا من وراء ذلك، فاننا نكون قد مضينا على الطريق الصحيح.
ولكن للاسف الشديد فان البعض لم يدرك هذا المعنى، وصاروا يتصورون بأن الاجتماع في تلك المجالس والبكاء على الحسين(ع) بحد ذاته دون التعرف على أهداف المدرسة الحسينية يكفي ويكفر عن الذنوب، وتمادينا كثيرا في هذا التجاوب عندما قلنا بأن الحسين قد أسس شركة للضمان. واي ضمان؟ ضمان ضد الذنوب! وصرنا ندعو الناس للتسجيل في هذه الشركة مقابل أقساط من الدمع!
ان معرفة الحسين ترفع من درجتنا عند الله، وترفعنا الى مستوى الانسانية، وتجعلنا أحراراً ومن أهل الحق والحقيقة وأهل العدالة، وتجعلنا نصبح مسلمين واقعيين وحقيقيين.
الإمامة والأئمة:
ان الامامة تعني النموذج والمثل الاعلى. وفلسفة وجود الائمة تكمن في كونهم بشرا مثاليين ونموذجيين ينهجون نهج النبي الاكرم(ص) ويتأسون به، فالنبي هو "بشر مثلكم يُوحى الي" سورة الكهف الآية 110. وذلك كله من أجل ان يرسموا صورة المثال لسائر الناس حتى يتبعوهم ويقلدوهم. ولكن اذا ما تم تشويه وجه هذه الشخصيات وضربت معالمهم الى هذا الحد، فانه يصبح من الصعب الطلب الى الناس تقليدهم واتباعهم. اذ يصبح أمر تقليد مثل هذه الشخصيات أمرا خياليا بعد ان كان أمرا عمليا ومفيدا، وهي نتيجة معكوسة لفلسفة وجود الائمة.
وهذا يبين لنا إجمالاً أخطار التحريف البالغة، وان التحريف ضربة غير مباشرة للاسلام كالخنجر في الظهر.
انه لأمر حتمي القول بحصول تحريفات متعددة على مر الزمان في هذه الواقعة التاريخية العظيمة جداً، ومما لا ريب فيه ايضا بأن هناك مسؤولية كبيرة تقع على كاهل الجميع، ألا وهي النضال ضد هذه التحريفات.
ان هذه المجالس التي نقيمها نحن بحاجة اليها من أجل صقل الاحاسيس الاسلامية الانسانية لدى شعوبنا. ولكن بالطبع بشرط ان ندرك ما نقوم به. واليوم نحن بحاجة أكثر من اي وقت مضى الى تصحيح شؤوننا الدينية وإجراء الاصلاحات اللازمة عليها. وطبيعي ان المقصود في الاصلاح هو منهج تفكيرنا وطريقة تعاملنا وتعاطينا مع الشؤون الدينية، وليس الدين نفسه فأخطاؤنا لا يمكن حسابها على الدين.
* نشرت في صحيفة "السفير" اللبنانبة بتاريخ 2 محرم الحرام 1424هـ / 5-3-2003م
** اعلامي لبناني
-
رحم الله منتظري ... و الله أجاد و أحسن.
ليته أتى إلى العراق و حل محل الحكيم أو الخوئي أو السيستاني !
لكن عندي سؤال أخي العطار ، لم أستطع حقيقة أن أميز بين نصوص مطهري و نصوص نايف كريم ، كما ،ه لم يورد مصدر نصوص مطهري!
شكراً لك
أليس الله بكاف عبده ؟
-
اخي ابا الحارث,
انا مجرد ناقل للمقال, عثرت عليه وتصورت ان الاخوة (في هذا المنتدى) سيكونون مهتمين بالإطلاع عليه.
ربما ينبغي علي قراءة كتاب الملحمة الحسينية (الذي انزلته من الانترنت قبل فترة طويلة ولم اوفق لقراءته حتى الان).
تحياتي.
-
قصدت ( رحم الله مطهري )
شكراً أخي العطار
أليس الله بكاف عبده ؟
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |