مو اقف الكتل المتفاوضة والحرص الوطني على العراق


علي الهماشي


في أجواء العراق الجديد يستطيع كل منا أن يرفع صوته ويقول ما يشتهيه دون رقيب وحسيب وهذا الامر ينطبق على السياسين الذين وجدوا في فسحة الحرية وغياب الرقيب وتوفر وسائل إعلامية خاضعة لهم مع وجود وسائل اُخرى تبحث عن الاثارة والتضليل منطلقا لما يحلو لهم قوله والتصريح به...0
في ظل هذه الاجواء يجد السياسيون من الكتل الانتخابية التي حصدت مقاعد لها في البرلمان الجديد أن تعبر عن كل هواجسها بشكل مسموع وتحاول أن تثبت هذه الهواجس وكأنها أمر واقع تحاول إزالته من خلال طرح قوانيين ومشاريع تلزم الكتل الاخرى بالموافقة عليها حتى لو تجاوزت هذه المشاريع الدستور العراقي (حيث مازالت ثقافة العهد البائد متأصلة من أن الدستور هو_جرة قلم ليس الا_)1
ولنأتي الى هواجس الكتل الواحدة بعد الاخرى بصورة موضوعية ما أمكننا لنقرأ المفاوضات بشكل واضح
اولا:الكتلة الكردية _قبل أن نتطرق الى طلبات هذه الكتلة لابد لنا أن نرى ان وضع هذه الكتلة يستند الى أرضية ثابتة فهي ليس لها ماتخسره في المفاوضات بعد أن بات إقليم كردستان شبه مستقل حيث لايمكن رفع العلم العراقي هناك ورئيس الاقليم يستقبل الوفود استقبال دولي حيث النشيد الوطني ومراسم الاستقبال الاخرى
بل تعدى الامر الى ايواء المطلوبين للحكومة العراقية المركزية وقد صرح رئيس الاقليم بان ارض كردستان ستكون ملاذا امنا للمطلوبين (المضطهدين)على حد زعمه في حالة تحدي واضحة وعرض للقوة مع سكوت الحكومة المركزية عن هذا الامر
ومن يدخل الشمال العراقي يرى عدم وجود للقوات المتعددة الجنسيات بشكل ملفت للنظر في مدن الشمال العزيز
لذلك فان الكتلة الكردية ترى انها الكتلة التي ليست بحاجة الى احد وهي القادرة على إملاء ارادتها على الاخرين في ظل تشتت الكتل الاخرى وتضارب المصالح فيما بينها تستطيع الكتلة الكردية اللعب على جميع الاوتار في نفس الوقت وهو مايزيد من قوتها على الارض
ومن هذا المنطلق يرى زعيم الكتلة (جلال الطلباني)انه أكبر من الحجم الذي يشغله لذلك يسعى الى انشاء مجالس اخرى موازية للحكومة تكون له الكلمة الكبرى
ويجد الرئيس المنتهية ولايته فرصة لمعاقبة من همشه وحد من طموحاته و(هباته)على حساب العراق ظنا منه انه الرئيس الاوحد للعراق ولذلك يضع العراقيل تلو العراقيل للحد من صلاحيات رئيس الوزراء للاعوام الاربعة القادمة حيث يبين رؤساء الكتل السياسية ان مجلس الامن هو لهذه الدورة فقط!!!اي ان المقصود هو صلاحيات رئيس الحكومة الحالي لاغير
وسيعمل جلال الطلباني كل ما في وسعه لفرض مشاريع حتى لو تجاوز الدستور الذي جند مؤسسات دولية مع أخيه اللدود مسعود البرزاني لتفصيل دستور يتناسب ومقاسات الاكراد للمرحلة القادمة
وهواجس هذه الكتلة تتعلق في كركوك ووضعها المستقبلي بانضمامها الى كردستان مع ان الدستور والبرلمان القادم كفيل بحل هذه المسألة ،
ثانيا :كتلة التوافق (السنية)هذه الكتلة وجدت في مغازلة ووعود السفير الامريكي فرصة لتصعيد سقف المطالب المخالفة للدستور وهي لايهمها سير العملية السياسية بقدر ما يهمها تحجيم كتلة الائتلاف العراقي بعد ان وجدت تشجيعا من زعيم الكتلة الكردية (جلال الطلباني)الذي رأى في إعادة انتخاب ابراهيم الجعفري تقليصا متكررا لدوره كرئيس للجمهورية المركزية بعد أن فقد ما فقده في حكومة الاقليم
فكتلة التوافق السنية قد اقرت بواقع كردستان العراق وسكتت عن مطالبة الاكراد بتطبيع الاوضاع في كركوك مقابل تحجيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد (الكتلة الشيعية)وهي تبحث عن تطمينات كما تقول لسير الحكومة القادمة مع ان هذه التطمينات قد كفلها الدستور العراقي ومراقبة البرلمان لاداء الحكومة فلو كان هناك حرص على العملية السياسية ونجاحها لتم التسريع بتشكيل الحكومة وعندما ينحرف رئيس الوزراء عن البرنامج الحكومي المتفق عليه يمكن لوزراء هذه الكتلة مع وزراء الكتلة الكردية تقديم استقالة جماعية تؤدي الى ان يقدم رئيس الوزراء استقالته الا اننا نرى ان عقلية العهد البائد وروح المؤامرة هي السائدة في الاجواء فلايمكن الحديث عن الامور الدستورية
ولاادري أين مصلحة البلد في هذا التأخير وخلق هذه الازمات ؟وكأن الكتل في واد ومصلحة العراق في واد آخر
فبعد ان شُكل مجلس الامن عادت هذه الكتلة الى اقتراح (اضافة نائب لرئيس الوزراء مهمته الملف الامني)وهو اقتراح ثان مخالف للدستور
ان كتلة التوافق دخلت العملية السياسية بعد وعود السفير الامريكي باعطائها دورا أكبر من حجمها قد يوازي دور الشيعة في العراق الجديد ولذلك دخلت الانتخابات على امل الفوز الكبير بمقاعد يؤهلها لان تقود الحكومة الجديدة ،وقد رحب عدنان الدليمي زعيم الجبهة بالانتخابات واشاد بها الا ان المفاجئة كانت في نتائج بغداد مما ادى الى رفض نتائجها والاعتراض على العملية كلها وهي تتفاوض اليوم رافضة للاستحقاق الانتخابي وتتصرف وكأنها الكتلةالفائزة يساعدها تلبد الاجواء بين الائتلاف العراقي الموحد والكتلة الكردية
كما أن الكتلة مازالت تمارس التصعيد الاعلامي ضد الائتلاف في خطة متناسقة مع مجريات التفاوض وانها كثيرا ماتستغني التفاوض مع الائتلاف وتتجه الى السفير الامريكي والى جلال الطلباني الذي استهوى اللعبة
لذلك نرى ان هذه الكتلة تحبذ وجودالسفير الامريكي في المفاوضات بين الكتل الانتخابية لتستند اليه عند الحاجة كما ترحب قائمة صالح المطلك بذلك وبقية القوائم بهذا الحضور
إن هواجس هذه الكتلة يتعلق بقيادة الائتلاف العراقي للحكومة القادمة وهي تسعى الى تقليص صلاحيات ريس الوزراء المنتخب من هذه الكتل بكل قوتها مهما كلف الامر
ثالثا:الكتلة العراقية(اياد علاوي)هذه الكتلة الرافضة للنتائج الانتخابية يرى زعيمها أن فرصته في البقاء على المسرح السياسي بأي ثمن لان البرغماتية الامريكية ستلفظه عاجلا أم آجلا اذا لم يستطع أن يكون في الصورة ولذلك عمد الى تصعيد الموقف الرافض للنتائج وحاول تشكيل جبهة رفض من الكتل الخاسرة سميت (بمرام)وبعد ان جاء التصديق من الجنة الدولية التي شكلت للبحث في نتائج الانتخابات حاول زعيم القائمة العراقية أن يطيل عمر هذه الجبهة لتكون ندا قويا ضد قائمة الائتلاف العراقي لموحد بحيث الزم بقية القوائم بعدم التفاوض مفردة في تشكيل الحكومة (الا ان هذا الامر قد أُلغي عمليابعد الشروع في مفاوضات تشكيل الحكومة)وعليه بحث الدكتور اياد علاوي عن جلال الطلباني الذي وجد في نفسيته الانتقامية فرصة للبقاء في المسرح السياسي
تحاول هذه الكتلة ان تصبغ أراءها بصبغة اللمسة السحرية وكأن أعضاءها هم القادرين على حل المشاكل العراقية لما يملكوه من الحضوة لدى الادارة الامريكية
وتحاو الاهتمام بالملف الامني وجعله من أولويات الكتلة للاعتقاد السائد بان زعيمها خير من يمسك هذا الملف خصوصا وانه كان المشرف على هذا الملف من عهد الحاكم المدني الى استلامه لرئاسة الوزراء واعادة ضباط أجهزة المخابرات من النظام السابق بحجة ان العراق الجديد والولايات المتحدة بحاجة الى هذه الخبرات للتعامل مع ايران وسوريا الا ان الملاحظ ان هؤلاء بدأوا بممارسة هوايتهم مع العراقيين من جديد في الاغتيالات والتصفية الجسدية بدم بارد
رابعا:كتلة صالح المطلك
هذه الكتلة لم تكن لتشكل رقما صعبا في مفاوضات تشكيل الحكومة لولا تلبد الاجواء بين الكتلتين الرئيسيتين (الائتلاف العراقي والتحالف الكردي)ودخولها ضمن جبهة الرفض للانتخابات المسماة اختصارا ب(مرام)
ويمكن لهذه الكتلة ان تلعب على الاوراق الخلافية وتحصل على رئاسة الجمهورية اذا ما استمر زعيم الكتلة الكردية اللعب بالنار
والملاحظ أن الدكتور صالح المطلك يصعد من التصريحات الاعلامية كلما شهد تهميشا له في المفاوضات أو عبوره الى الاطراف الاخرى وهو يقول غير ما يصرح به مما أدى ببعض اعضاء كتلته الى التهديد بالانسحاب
ان شخصية المطلك تبحث عن الشهرة والحصول على منصب يكفل له الاستمرار في الاجواء لتوسيع ثروته المالية التي نمت نموا غير طبيعي في السنوات الثلاثة الماضية بعد انفراده بعدة عقود مع القوات الامريكية وهروب شركائه وانفساخ العقود معهم ،وقد ظلت شركاته بمأمن من (المقاومة)المزعومة مما تسجل أكثر من علامة استفهام على وضعه وعلاقته بالجماعات المسلحة ،وقد طرح نفسه منقذا للامريكان من خلال فتح قنوات للحوار مع المقاومة (الارهاب سابقا)0
وتبقى هواجس الرجل هو الحصول على حقيبة وزارية ان لم يستطع الحصول على رئاسة الجمهورية او منصب النيابة تكفل له الاستمرارفي الواجهة السياسية لاعطاء دفعة لمشاريعه التجارية
خامسا:كتلة الائتلاف العراقي الموحد
الملاحظ على هذه الكتلة عدم الانسجام في التصريحات والمواقف وقد اختلفت الاحزاب المؤتلفة تحت هذا الكيان حول المقاعد البرلمانية ثم جاءت مسألة الترشيح لمنصب رئاسة الوزراء الذي مازالت تفاعلاته مستمرة حتى هذه الساعة
لكن أي حزب من هذا الائتلاف لايستطيع ااتغريد خارج السرب لان المرجعية في النجف مازالت تطالب بوحدة هذا الكيان والمحافظة على المكاسب المتحققة وعدم التفريط فيها لذلك لايجازف ايا من هذه الاحزاب الانشقاق أو تسجيل موقف علني مضاد للائتلاف الا أن التصريحات غير الرسمية هي المسجلة فقط على أعضاء هذا الائتلاف
وعندما يجدبعض أعضاء الاحزاب في تصريحه خطرا على مستقبله السياسي وعلى الائتلاف لايصرح باسمه ويُبقي تصريحه مجهولا
وقد عمد بعض المرشحين الى اظهار ظلامته بعدم ترشيحه الى وسائل الاعلام وكأنه يروي مجلسا للعزاء
ولقد شجع التباين بين مواقف اعضاء الائتلاف (غير الرسمية*)الى تقوية مواقف الكتل الاخرى
والملاحظة الثانية ان كتلة الائتلاف لها قدرة تفاوضية عالية جعلت اعضاء القوائم الاخرى من غير المفاوضيين يعيشون حالة القلق من تصرف رؤساءهم في المفاوضات
ولكن يسجل على كتلة الائتلاف العراقي انها ضعيفة في الهجوم وقوية فقط في الدفاع مع إن الجماهير العراقية ترغب في اظهار قوة ناخبيها وتمسكهم بالاهداف التي روجوا لها في حملاتهم الانتخابية
الاإن قوة الائتلاف تأتي من خلال تمسكه ببنود الدستور والحفاظ على العملية السياسية مما يجعل الجانب الامريكي لا يصعد من ضغوطه المباشرة على الائتلاف
وقد استطاع الائتلاف امتصاص مخاوف الكتل السابقة من خلال مجلس الامن الوطني وجعله استشاريا كما هو ثابت في دستور هذا المجلس
وهذا ما دفع الكتل البقية الى المطالبة بان يكون الملف الامني بيد نائب رئيس الوزراء الجديد الذي تعينه الكتل الاخرى وسننظر كيف يستطع مفاوضوا الائتلاف التوصل الى نتيجة دون الخروج عن روح الدستور
وتبقى هواجس هذه الكتلة من اللاعب الامريكي الذي يحاول تقليص دوره في المرحلة القادمة ارضاءا للاخرين مقابل وقف العمليات المسلحة
وترى ان الدماء البريئة التي سالت لابد ان توظف لخدمة الجماهير وليس العكس
وبعد هذا الاستعراض نرى أن الكتل الانتخابية تسعى لحصد الزايا دون التفكير في الوطن والمواطن

علي الهماشي
alhamashi@hotmail.com