 |
-
الى أحمد الكاتب وِأشكاله .. بحث في التوسل..
بسم الله الرحمن الرحيم
مما كتبته رداً على الشيخ صلاح البدير خطيب الجمعة في المسجد النبوي :
المسألة السابعة: زعمه أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله بالله تعالى شركٌ !
يرى ابن تيمية وأتباعه أن من توسل الى الله تعالى بنبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وقال مثلاً: اللهم إني أتوسل اليك بنبيك نبي الرحمة محمد أن تغفر لي.أو قال: يارسول الله إني أتوجه بك الى الله ، وأتوسل بك الى الله أن يغفر لي . فقد أشرك بالله تعالى وكفر ! لأنه بزعمهم جعل النبي صلى الله عليه وآله إلهاً مع الله تعالى !
وهذا معنىقول البدير: ومن قصد بشد رحله إلى المدينه زيارة المسجد والصلاة فيه ، فقصده مبرور وسعيه مشكور ، ومن لم يرم بشد رحله إلا زيارة القبور ، والاستغاثة بالمقبور ، فقصده محظور وفعله منكور .
وقد عبر الشيخ البدير بأسلوب فظ عن قبر النبي صلى الله عليه وآله وزواره! كما استعمل أسلوب اللف والدوران في كلامه ، فلم يصرح بكفر الحاج الذي يقصد زيارة قبر نبيه صلى الله عليه وآله ويتوسل به الى ربه ، ولكن ذلك معلوم من كلامه ، ومن مذهبه ! لاحظ قوله: ومن لم يرم بشد رحله إلا زيارة القبور ، والإستغاثة بالمقبور، فقصده محظور ، وفعله منكور .
وقصده بالمقبور النبي صلى الله عليه وآله ! وقصده بأن فعله منكور: أنه مشرك !
يقول ذلك من على منبر مسجد النبي صلى الله عليه وآله وهو يعرف أن كافة المسلمين الذين يستمعون الى خطبته قد نووا من بلادهم حج بيت الله تعالى وزيارة قبر حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله والتوسل به الى الله تعالى !
فلو سألت أي حاج مصري أو تركي أو أندونيسي ، عن نيته في سفره؟ لأجابك إني نويت الحج وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله والتوسل به !
وكان الواجب عليه أن يتفهم أن هؤلاء المسلمين المخلصين لربهم ولنبيهم صلى الله عليه وآله لهم حجتهم الشرعية من مذاهبهم ، فقد أفتى لهم علماؤهم أن قصد زيارة النبي والتوسل به صلى الله عليه وآله من أفضل القربات الى الله تعالى !
فهل من الدين ، أو الأخلاق الإسلامية ، أو الأخلاق الإنسانية ، أو العامية ، أن يقوم إمام مسجد النبي صلى الله عليه وآله وخطيب الجمعة فيه ، بمصادرة جميع مذاهب المسلمين وفتاوي فقهائهم ، ويستعمل هذه الكلمة الجافية مع النبي صلى الله عليه وآله ومع زوار قبره الشريف؟!
لاحظ كيف يخاطبهم كأنهم كفار يعبدون النبي صلى الله عليه وآله ويعبدون الأموات ويعتقدون أنهم آلهة من دون الله تعالى ؟!
قال البدير: ( فليحذر الزائر الوقوع في إحدى المخالفات التالية: المخالفة الأولى: دعاء الرسول (ص) أو ندائه أو الإستغاثة به كقول بعضهم يا رسول الله إشف مريضي ، يارسول الله إقض ديني ، ياوسيلتي ، يا باب حاجتي ، أو غير ذلك من الأقول الشركية والأفعال البدعية المضادة للتوحيد ).
وقال: (والإستغاثة بالأموات والإستعانة بهم ، أو طلب المدد منهم ، أو ندائهم وسؤالهم لسد الفاقة وجلب الفوائد ودفع الشدائد ، شرك أكبر ! يخرج صاحبه عن ملة الاسلام ، ويجعله من عبَّاد الأوثان ، إذ لا يفرج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له ). انتهى.
وهذه نقاط في الرد على زعمهم تحريم التوسل بالنبي وآله صلى الله عليه وآله :
أولاً: تعليم النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين التوسل به الى الله تعالى
اتفقت كلمة المسلمين على مشروعية التوسل الى الله تعالى بالنبي وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله أو بغيرهم من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام . ورووا هم بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله أنه عَلَّمَ المسلمين أن يتوسلوا به الى الله تعالى .
روى الترمذي: 5/229: (حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن أبي جعفر ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (ص) فقال: أدع الله أن يعافيني . قال: إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خير لك.
قال: فادعه . قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء:
اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة . يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فشفعه فيَّ .
هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر ، وهو غير الخطمي ) . انتهى .
ورواه ابن ماجة: 1/441، وقال: قال أبوإسحاق هذا حديث صحيح.
ورواه أحمد في مسنده:4 /138 ، بروايتين .
والحاكم: 1/ 313 ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
ورواه في: 1/519 ، بسندين آخرين ، وقال بعدهما: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . ورواه في:1/ 526 ، وقال: تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم ، مع زيادات في المتن والإسناد والقول...وقال أيضاً: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد .
ورواه الطبراني في كتاب الدعاء ص320 ، وما بعدها بعدة طرق ، وكذا في المعجم الكبير:9/31 ، والصغير:1/183 ، وصححه .
ورواه في مجمع الزوائد: 2/ 279، وقال: قلت: روى الترمذي وابن ماجه طرفاً من آخره خالياً عن القصة ، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح ، بعد ذكر طرقه التي روى بها .
ورواه في كنز العمال: 2/181، و6/521 ( ت، هـ، ك، عن عثمان بن حنيف. حم. ت. حسن صحيح غريب. هك. وابن السني، عن عثمان بن حنيف) ورواه ابن خزيمة في صحيحه: 2 / 225 .
وفي السنن الكبرى للنسائي: 6/ 168: ( عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتي النبي (ص) فقال: يا رسول الله إني رجل أعمى ، فادع الله أن يشفيني ، قال بل أدَعُك ، قال: أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً .قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك الى الله أن يقضي حاجتي ، أو حاجتي الى فلان ، أو حاجتي في كذا وكذا . اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي). انتهى. ثم رواه النسائي بروايتين أيضاً .
ثانياً: الصحابة علموا الناس التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته
فقد روى الطبراني بسند صحيح تطبيق عثمان بن حنيف لحديث التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته ، وقد حاول الألباني تضعيفه بدون حجة !
قال الحافظ المغربي في كتابه (إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي)ص11:
(وبعد ، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالى صاحب غرض وهوى ، إذا رأى حديثاً أو أثراً لايوافق هواه فإنه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش ، ليوهم قراءه أنه مصيب مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش ، وبأسلوبه هذا ضلَّلَ كثيراً من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه على صواب ، والواقع خلاف ذلك .
ومن المخدوعين به من يدعى حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير فقد أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه ، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه !
فأردت أن أرد الحق الى نصابه ، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به ، وعلى الله اعتمادي ، وإليه تفويضي واستنادي:
روى الطبراني في المعجم الكبير:9/17، من طريق ابن وهب ، عن شبيب ، عن روح بن القاسم ، عن أبي جعفر الخطمي المدني ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن عمه عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجةله فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك ، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: أللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد (ص) نبي الرحمة . يا محمد إني أتوجه بك الى ربي فتقضي لي حاجتي . وتذكر حاجتك ، ورح اليه حتى أروح معك .
فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده ، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال له ما حاجتك فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال: ماكانت لك من حاجة فأتنا .
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت اليَّ حتى كلمتَه فيَّ . فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمتُه ، ولكن شهدتُ رسول الله (ص) وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي(ص) أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شقَّ علي . فقال له النبي (ص): إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ، ثم ادع بهذه الدعوات ! قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث ، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضُرٌّ قَـطْ .
صححه الطبراني، وتعقبه حمدي السلفي بقوله: لا شك في صحة الحديث المرفوع ، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها على التوسل المبتدع ، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني ، وشبيب لا بأس بحديثه ، بشرطين: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه ، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد . والحديث رواه عن شبيب بن وهب وولداه إسماعيل وأحمد ، وقد تكلم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب في شبيب ، وابنه اسماعيل لايعرف ، وأحمد وإن روى القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد ، ثم اختلف فيها على أحمد .
ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر القصة ، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري عن روح بن القاسم به ، قال شيخنا محمد ناصر الدين الألباني: وعون هذا وإن كان ضعيفاً فروايته أولى من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة ، عن أبي جعفر الخطمي . انتهى.
وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبينه فيما يلي:
أولاً: هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد ، ثنا أبي عن روح بن القاسم ، عن أبي جعفر الخطمي ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن عمه عثمان بن حنيف ، أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ، فذكر القصة بتمامها . ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة ، بل هو فوق الثقة ، وهذا إسناد صحيح البخاري ، ومعنى ذلك أنها صحيحة ، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري ، فليتأمل. وإن الحفاظ أيضاً صححوا هذه القصة ، كالمنذري في الترغيب والترهيب:1/476 بإقراره للطبراني ، والهيثمي في مجمع الزوائد:2/ 279 ،أيضاً ، وقبلهما الإمام الحافظ الطبراني في معجمه الصغير:1/307 الروض الداني. وغيرهم .
ثانياً: أحمد بن شبيب من رجال البخاري ، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد ، ووثقه أبوحاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زرعة ، وقال ابن عدي: وثقه أهل البصرة وكتب عنه علي بن المديني . وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد ، من رجال البخاري أيضاً ، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد . ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والذهلي والدارقطني والطبراني في الأوسط . قال أبو حاتم: كان عنده كتب يونس بن زيد ، وهو صالح الحديث لا بأس به . وقال ابن عدي: ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة . وقال ابن المديني: ثقة كان يختلف في تجارة الى مصر ، وكتابه كتاب صحيح .
هذا ما يتعلق بتوثيق شبيب ، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس بن يزيد ، بل صرح ابن المديني بأنه كتابه صحيح . وابن عدي إنما تكلم على نسخة الزهري عن شبيب فقط ، ولم يقصد جميع رواياته !
فما ادعاه الألباني تدليس وخيانة! يؤكد ذلك أن حديث الضرير صححه الحفاظ ولم يروه شبيب عن يونس عن الزهري ! وإنما رواه عن روح بن القاسم !
ودعواه ضعف القصة بالإختلاف فيها ، حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم لون آخر من التدليس! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتصل به كاملاً ، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة ، والبخاري يفعل هذا أيضاً ، فكثيراً ما يذكر الحديث مختصراً أو يوجد عند غيره تاماً . والذي ذكر القصة في رواية البيهقي إمام فذ ، يقول عنه أبو زرعة الدمشقي: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان ، يعجز أهل العراق أن يرو مثله رجلاً .
وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة ، لون ثالث من التدليس والغش! فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصراً ، ثم قال: تابعه شبيب ابن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد ، والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون ، هذا كلام الحاكم ، وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة ، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ! والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه لذلك ضرب عنه صفحاً ، وتمسك بأولوية رواية عون الضعيف عناداً وخيانة .
ثالثاً: تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الألباني وغشه، أن القصة صحيحة جداً ، رغم محاولاته وتدليساته ، وهي تفيد جواز التوسل بالنبي (ص) بعد انتقاله ، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك ، وفهم الراوي له قيمته العلمية ، وله وزنه في مجال الإستنباط .
وإنما قلنا إن القصة من فهم الصحابي على سبيل التنزل ، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من إرشاده الرجل الى التوسل كان تنفيذاً لما سمعه من النبي (ص)كما ثبت في حديث الضرير . قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا مسلم بن ابراهيم، ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمي ، عن عمارة بن خزيمة ، عن عثمان بن حنيف (رضي الله عنه): أن رجلاً أعمى أتى النبي (ص) فقال: إني أصبت في بصري فادع الله لي قال: إذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة . يا محمد إني أستشفع بك الى ربي في رد بصري . اللهم فشفعني في نفسي ، وشفع نبيي في رد بصرى. وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك . إسناده صحيح. والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي(ص)في التوسل به عند عروض حاجة تقتضيه .
وقد أعلَّ ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية ، بينت بطلانها في غير هذا المحل . وابن تيمية جرئ في رد الحديث الذي لا يوافق غرضه ولو كان في الصحيح ! مثال ذلك: روى البخاري في صحيحه حديث ( كان الله ولم يكن شئ غيره ) وهو موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتيقن ، لكنه خالف رأيه في اعتقاده قدم العالم ، فعمد الى رواية للبخاري أيضاً في هذا الحديث بلفظ (كان الله ولم يكن شئ قبله) فرجحها على الرواية المذكورة ، بدعوى أنها توافق الحديث الآخر (أنت الأول فليس قبلك شئ) . قال الحافظ ابن حجر: مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية على الأولى لا العكس ، والجمع مقدم عل الترجيح بالإتفاق .
قلت: تعصبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض .
مثالٌ ثانٍ: حديث أمر رسول الله( ص) بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي، حديث صحيح، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. ورد عليه الحافظ في القول المسدد . وابن تيمية لانحرافه عن علي كما هو معلوم ، لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه ، فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه !! وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة يعسر تتبعها ). انتهى كلام الصديق المغربي.
ثالثاً: تعليم عائشة للمسلمين أن يتوسلوا بقبر النبي صلى الله عليه وآله
عقد الدارمي في سننه:1/43، باباً بعنوان: (باب ما أكرم الله تعالى نبيه صلىالله عليه وسلم بعد موته) ، وروى فيه هذا الحديث: حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري ،حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله ،قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: أنظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوىً إلى السماء، حتى لايكون بينه وبين السماء سقف، قال ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق).اهـ .
وقد تحير ابن تيمية وأتباعه مثل الألباني في رواية عائشة في التوسل ، لأنها صريحة ، وهي على موازين علماء الجرح والتعديل صحيحة ! وبحثا عن منفذ لتضعيفها ، فتعقبهم النقاد من أتباع المذاهب المختلفة وكشفوا ما ارتكبوه في تضعيف حديث عائشة اتباعاً للهوى !
قال الحافظ المغربي في (إرغام المبتدع الغبي في جواز التوسل بالنبي) ص23:
(قال الدارمي في سننه...ونقل الرواية ثم قال: ضعف الألباني هذا الأثر بسعيد بن زيد ، وهو مردود لأن سعيداً من رجال مسلم، ووثقه يجيى بن معين. ذكر الألباني تضعيفه في كتاب (التوسل أنواعه وأحكامه الطبعة الثانية ص 128: واحتج بحجج باطلة على عادته في تمويهاته حيث نقل كلام ابن حجر في التقربب الذي يوافق هواه ولم ينقل من هنالك أنه من رجال مسلم في صحيحه ، فلننتبه إلى هذا التدليس وهذه الخيانة التي تعود عليها هذا الرجل ، الذي يصف أعداءه بكتمان الحق وما يخالف آراءهم ، كما في مقدمته الجديدة لآداب زفافه والتي حلاها بما دل على اختلاطه من هجر وخنا ، ثم أردف ذلك بنقل ترجمة سعيد بن زيد من الميزان للذهبي ، زيادة في الكتم والتعمية ، وقد خان فلم يذكر ما ذكر الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب:4/29 من نقل أقوال موثقيه ، زيادةً على أنه من رجال مسلم في الصحيح ، فقد قال البخاري: حدثنا مسلم هو ابن ابراهيم ، ثنا سعيد بن زيد أبو الحسن...
وضعفه أيضاً باختلاط أبي النعمان ، وهو تضعيف غير صحيح لأن اختلاط أبي النعمان لم يؤثر في روايته ، قال الدارقطني: تغير بأخرة وما ظهر له بعد اختلاط حديث منكر ، وهو ثقة . وقول ابن حبان وقع في حديثه المناكير الكثيرة بعد اختلاطه ، رده الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً ! ) . انتهى.
وقال الحافظ السقاف في (الإغاثة بأدلة الإستغاثة) ص 24: (الدليل السادس للإستغاثة: حديث الدارمي في سننه أو مسنده (1/43): عمرو بن مالك أبو النعمان هو عارم واسمه محمد بن الفضل السدوسي من رجال البخاري ومسلم والأربعة أيضاً . وهو ثقة ثبت . تغير في آخر عمره ، وما ظهر له بعد تغيره حديث منكر ، كما نص على ذلك أكابر الحفاظ كالدارقطني ، وأقره الحافظ الذهبي في الميزان(4/8) فمن حاول أن يطعن فيه بالإختلاط فقد حاول الطعن في البخاري ومسلم ، وسجل على نفسه بأنه لا يعرف في هذا العلم كثيراً ولا قليلاً ، وليس لكلامه قيمة أصلاً .
سعيد بن زيد: هو من رجال مسلم في الصحيح . وثقه يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل ، وقال الإمام البخاري: حدثنا مسلم بن ابراهيم ، ثنا سعيد بن زيد أبو النكري ، حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت...الخ.
قلت: وهذا صريح أيضاً بإسناد صحيح بأن السيدة عائشة رضي الله عنها استغاثت بالنبي بعد موته ، وكذا جميع الصحابة الذين كانوا هناك وافقوها وفعلوا ما أرشدتهم إليه ) . انتهى كلام السقاف .
ملاحظة بالمناسبة
يدل قول عائشة هذا على أن قبر النبي صلى الله عليه وآله لم يكن في حجرتها ، بل كان في حجرة النبي صلى الله عليه وآله التي كان يستقبل فيها ضيوفه ، وتعرف بحجرة فاطمة÷لأنها كانت تسكن فيها قبل زواجها .
ويدل على ذلك أيضاً حديث عائشة أيضاً عن آيات القرآن التي أكلتها السخلة في مرض النبي صلى الله عليه وآله ففي صحيح مسلم:4/167، عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله (ص)وهنَّ فيما يقرأ من القرآن ! ورواه الدارمي في سننه:2/157. ورواه ابن ماجة في سننه:1/625 وروى بعده عن عائشة قالت: لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشراً . ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها ). انتهى. والداجن الحيوان الأهلي الذي يربى في المنزل كالماعز ، فهذا يدل على أن مرض النبي صلى الله عليه وآله ووفاته لم يكن في غرفتها، وإلا لما كانت فارغة ودخلتها السخلة وأكلت الآيات ! وبحث ذلك خارج عن موضوعنا .
رابعاً: روى الجميع توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله
روى الحاكم في المستدرك:3/334: (عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر أنه قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا . فما برحوا حتى سقاهم الله . قال فخطب عمر الناس فقال: أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده ، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة الى الله عز وجل فيما نزل بكم). وروت ذلك عامة مصادرهم .
خامساًً: إذا كان التوسل شركاً ، فلماذا جوزوه بالحي؟!
لم يخالف ابن تيمية في مبدأ التوسل وأصله ، بل خالف في التوسل بالأموات لأنهم بزعمه لاينفعون ، وجوزه بالأحياء لأنهم ينفعون !
فالتوسل بالميت عنده شرك حتى لو كان بالنبي صلى الله عليه وآله ! والتوسل بالحي عنده إيمان وعبادة حتى لو كان بشخص فاسق !
فالنبي صلى الله عليه وآله برأيه ميتٌ لاينفع ! مع أنه أفضل من الشهداء العاديين الأحياء عند ربهم يرزقون !
ولو قال شخص: اللهم إني أتوسل اليك بنبيك صلى الله عليه وآله فقد كفر! ولو قال: اللهم أتوسل اليك بالشيخ حنتوش بن جعموص ، فهو مؤمن !!
ودليله أن النبي صلى الله عليه وآله بزعمه عاجز لايقدر على نفع من توسل به الى الله تعالى ، بينما أ يشخص حي قادر على النفع فالتوسل به حلال وإيمان !
وقد استدل بأن عمر بن الخطاب قد توسل بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله ولم يتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وفسر ذلك بأن عمر مثله يعتقد أن التوسل بالميت حرام وشرك ، والتوسل بالحي حلال وإيمان حتى بالكافر !
لكن العقل والشرع يقولان: إن حكم التوسل واحد ، فإن كان بالميت شركاً ، فهو بالحي شركٌ أيضاً ! وإن كان بالحي جائزاً فهو بالميت جائز ، ومحالٌ أن يكون بعضه شركاً وبعضه إيماناً !
وكما قال السيد الخوئي رحمه الله إن كان التوسل شركاً بالله تعالى لأنه دعاء غير الله تعالى ، فلا فرق فيه بين التوسل بالحي أو الميت !
وإلا ، لزم أن يكون بعض الشرك جائزاً ، وبعضه حرام ، وهذا تهافت ! وهو إشكال لاجواب له عندهم !
قال ابن باز في جواب سؤال:
(أما الحي فلا بأس أن يتعاون معه ، لأن له عملاً فيما يجوز شرعاً من الأسباب الحسية كما قال تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ .[القصص:15] في قصة موسى ، فإن موسى حيٌّ وهو المستغاث به ، فاستغاثه الإسرائيلي على الذي من عدوه وهو القبطي ، وهكذا الإنسان مع إخوانه ومع أقاربه ، يتعاونون في مزارعهم ، وفي إصلاح بيوتهم ، وفي إصلاح سياراتهم، وفي أشياء أخرى من حاجاتهم ، يتعاونون بالأسباب الحسية المقدورة ، فلا بأس..... فالتعاون مع الأحياء شئ جائز بشروطه المعروفة ، وسؤال الأموات ، والإستغاثة بالأموات ، والنذر لهم أمر ممنوع ، ومعلوم عند أهل العلم أنه شرك أكبر ) ! (موقع فتاوي ابن باز: http://search.ibnbaz.org/Result1.asp?c=0 )
سادساً: النبي صلى الله عليه وآله سيد الأحياء عند ربه وهو ينفع حياً وميتاً
من الإشكالات عليهم أن المسلم الذي يدافع عن دينه وبيته وماله فيقتل ، فهو حيٌّ عند ربه يرزق بنص القرآن ، بقوله تعالى:(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(آل عمران:169) فكيف تجعلون النبي صلى الله عليه وآله الذي هو أفضل الخلق ، ميتاً لايسمع توسلنا ، ولاينفع من يتوسل به الى ربه لأنه لا يستطيع أن يدعو له ؟!!
إن أصل مشكلتهم أنهم ينقصون من مقام النبي صلى الله عليه وآله ولايفهمون شخصيته الربانية المقدسة ، لأ تفكيرهم مادي ، فهم يتصورون أن النبي صلى الله عليه وآله إذا مات انتهت منفعته ، فكأنهم غربيون لايؤمنون بالغيب وأن الأنبياء عليهم السلامأحياء عند ربهم بحياة أعلى من حياة الشهداء .
وكيف يغمضون أعينهم عن الأحاديث الشريفة الصحيحة الصريحة في حياة نبينا صلى الله عليه وآله وأن سلامنا يبلغه وأنه يرد الجواب على أهله ، وأن صلاتنا عليه تبلغه، وأعمالنا تعرض عليه !
وكيف ينسون أن الله تعالى أمرنا بآية صريحة في كتابه أن نأتي إليه صلى الله عليه وآله ونستغفر الله عنده ونطلب منه أن يستغفر لنا، فقال:(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) سورة النساء:64 وهو أمرٌ عام لكل مسلم في كل عصر ، وأمرٌ مطلق لحياة النبي صلى الله عليه وآله أو بعد وفاته ، وتخصيصه بحياته تحكُّمٌ بلا دليل.
هكذا فهم المسلمون الآية ، وعملوا بها في حياة النبي صلى الله عليه وآله وبعد وفاته ، وأفتى بها فقهاء المذاهب ودونوها في مناسكهم !
فهل كانوا كلهم على ضلال حتى جاء ابن تيمية في القرن الثامن واكتشف أن جميع المسلمين مشركون لقصدهم زيارة النبي صلى الله عليه وآله وتوسلهم به ؟!!
قال الحافظ المغربي في الرد المحكم المتين ص44: ( فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة وتخصيصها بأحدهما يحتاج إلى دليل وهو مفقود هنا ، فإن قيل: من أين أتى العموم حتى يكون تخصيصها بحالة الحياة دعوى تحتاج إلى دليل ؟ قلنا: من وقوع الفعل في سياق الشرط والقاعدة المقررة في الأصول أن الفعل إذا وقع في سياق الشرط كان عاماً ، لأن الفعل في معنى النكرة لتضمنه مصدراً منكراً ، والنكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط تكون للعموم وضعاً ). انتهى .
ولايتسع المجال لإيراد جميع الأدلة من الأحاديث الشريفة وفتاوى فقهاء المذاهب وحكم العقل على حياة نبينا صلى الله عليه وآله عند ربه وسماعه سلامنا وصلاتنا وتوسلنا واستغفاره ودعائه لنا ، فنكتفي ببعضها:
منها: ما رواه في مجمع الزوائد:9/24قال: (باب ما يحصل لأمته صلى الله عليه وسلم من استغفاره بعد وفاته: عن عبدالله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام . قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم ، ووفاتى خير لكم تُعرض عليَّ أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ). رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ) . انتهى.
(وقد صححه عدد كبير من علماء السنة، وعدَّدَهم السقاف في الإغاثة ص11).
ومنها: لو كان نبينا صلى الله عليه وآله لايسمع توسل المتوسلين الى الله تعالى به كما يزعمون ، فإن من اللغو والعبث أن يخاطبه المسلمون في صلاتهم فيقولون: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ؟!
وقد حاول الألباني محاولة مفضوحة أن يهرب من هذا الإشكال ويغير صيغة السلام في الصلاة من الخطاب الى الغيبة !
وجد رواية عن ابن مسعود لم يعمل بها المسلمون تقول (السلام على النبي ورحمة الله وبركاته) فتمسك بها !
وقد رد عليه الحافظ المغربي في رسالته (القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع ص13) ورسالته (إرغام المبتدع الغبي في جواز التوسل بالنبي) فقال في الأخيرة ص19: (تواتر عن النبي صلى عليه وسلم تعليم التشهد في الصلاة ، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه (السلام عليك أيها النبي) وبهذه الصيغة علمه على المنبر النبوى أبو بكر وعمر وابن الزبير ومعاوية، واستقر عليه الإجماع كما يقول ابن حزم وابن تيمية ! والألباني لابتداعه خالف هذا كله وتمسك بقول ابن مسعود (فلما مات قلنا السلام على النبي) ومخالفة التواتر والاجماع هي عين الابتداع ) .
ومنها: ما رواه الحافظ الممدوح في رفع المنارة ص 62 ، قال:(قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء ص15 ، وأبو يعلى في مسنده :6/147 ، وأبو نعيم في أخبار أصبهان:2/44 ، وابن عدي في الكامل:2/739 . وقال الهيثمي في المجمع: 8/211: ورجال أبي يعلى ثقات . اه ، والحديث له طرق .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت على موسى وهو قائم يصلى في قبره . أخرجه مسلم :4/1845 ، وأحمد:3/120، والبغوي في شرح السنة:13/351 ، وغيرهم . وقال ابن القيم في نونيته عند الكلام على حياة الرسل بعد مماتهم (النونية مع شرح ابن عيسى: 2/160 ) .
والرسل أكمل حالةً منه (الشهيد) بلا شك ، وهذا ظاهر التبيـان
فلذاك كانوا بالحيـاة أحـق مـن شهدائنـا بالعقــل والبرهـان
وبأن عقد نكاحه لـم ينفسـخ فنساؤه في عصمة وصيان
ولأجل هـذا لـم يحـل لغيره منهن واحدة مدى الأزمان
أفليـس في هـذا دليل أنـه حيٌّ لمن كانـت له أذنان
ومن العجيب أن ابن القيم تلميذٌ مغال في شيخه ابن تيمية ، ومع ذلك يعترف بأن النبي صلى الله عليه وآله حيٌّ عند ربه يسمع وينفع , مع أن شيخه يقول إن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله شرك لأنه ميت لايسمع ولا ينفع !!
قال الشيخ أحمد زيني دحلان المصري شيخ الشافعية ، في الدرر السنية:1/42 ، في حديثه عن محمد بن عبد الوهاب: (حتى أن بعض أتباعه كان يقول: عصاي هذه خير من محمد ، لأنها ينتفع بها في قتل الحية ونحوها ، ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلاً !!) . انتهى.
ونقله أيضاً الشيخ الزهاوي شيخ الأحناف في العراق ، في كتابه الفجر الصادق ص 18 ، والشيخ أبو حامد الإستانبولي من علماء الأحناف في تركيا في كتابه التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين ص245 ، والسيد محسن الأمين من علماء الشيعة في كتابه كشف الإرتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب ص 127.
واعتقاد أتباع ابن تيمية بأن النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته لاينفع ثابتٌ عليهم لايحتاج الى رواية مسندة عن ابن عبد الوهاب ولاغيره ، لأن ذلك عقيدتهم الى اليوم ، وعليه يرتكز تحريمهم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وكل الأموات ، فلو سألت أي شيخ منهم هل ينفع النبي صلى الله عليه وآله اليوم ، لرأيته يلف ويدور ثم يدور ولا يقول إن النبي اليوم ينفع ! بينما ترته يجوِّز التوسل بأي شخص حي ، ولو كان كافراً بوالاً على عقبيه !
سابعاً :جوَّز المتطرفون التوسل بالحيوانات ، وحرَّموه بالأنبياء عليهم السلام !
من الإشكالات عليهم أنهم جوزوا التوسل في صلاة الإستسقاء بالحيوانات وحرموه بالأنبياء والأولياء عليهم السلام ؟!
قال النووي في المجموع:5/66: (وقال أبو اسحاق: استحب إخراج البهائم لعل الله تعالى يرحمها ، لما روي أن سليمان(ع) خرج ليستسقي فرأى نملة تستسقي ، فقال إرجعوا فإن الله تعالى سقاكم بغيركم ).
وقال في المجموع:5/70: (يستحب أن يستسقى بالخيار من أقارب رسول الله(ص)وبأهل الصلاح من غيرهم ، وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من النساء ) .
ثامناً: خالفوا نص إمامهم أحمد على استحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله
ومن الإشكالات عليهم أن إمامهم أحمد بن حنبل نص على مشروعية التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله واستحبابه :
قال الحافظ الممدوح في رفع المنارة: (وهو-التوسل- السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات وما في معنى ذلك . وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعة ضلالة ، أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد ، كما نرى الآن . لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده ! وقد نقل عن السلف توسلٌ من هذا القبيل . قال ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص98: (هذا الدعاء (أي الذي فيه توسل بالنبي)ونحوه قد روي أنه دعا به السلف ، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي (ص) في الدعاء . انتهى . ونحوه في ص 155 من الكتاب المذكور ! وقال في ص65: ( والسؤال به (أي بالمخلوق) فهذا يجوزه طائفة من الناس ، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف ، وهو موجود في دعاء كثير من الناس).انتهى. وذكر أثراً فيه التوسل بالنبي(ص)لفظه:(اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليما . يا محمد اني أتوجه بك الى ربك وربي يرحمني مما بي) . وقال ابن تيمية: فهذا الدعاء ونحوه روي أنه دعا به السلف ، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء . انتهى .
وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل ، قال في منسك المروزي بعد كلام ما نصه: وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه (ص) تقض من الله عز وجل . انتهى. هكذا ذكره ابن تيمية في الرد على الأخنائي ص168!!
والتوسل به (ص) معتمدٌ في المذاهب ومرغبٌ فيه ، نص على ذلك الأمة الأعلام ، وكتب التفسير ، والحديث ، والخصائص ، ودلائل النبوة ، والفقه ، طافحةٌ بأدلة ذلك ). انتهى .
تاسعاً: إمامهم ابن حنبل كان يزور القبور ويتوسل بالأموات !
يتعجب الإنسان عندما يقرأ عن الحنابلة في القديم وحتى في الحاضر ، فيجد أنه ثبت عندهم أن إمامهم أحمد وكبار أئمتهم كانوا يزورون القبور ويتوسلون الى الله تعالى بأصحابها !
فهل كان إمامهم وأسلافهم وإخوانهم مشركون ؟!
ثم يجد أنهم هم بنوا على قبر أحمد بن حنبل في بغداد مسجداً وقبة ، وجعلوه مزاراً يصلون عنده ، ويتمسحون به ويتوسلون به ! وما زال ذلك ديدن الحنابلة الى اليوم !
فما بالهم اليوم يسكتون عمن يزور قبر أحمد في بغداد ، ولايفتون بوجوب هدمه ، ولايمنعون الناس من التوسل به والتبرك والتمسح به؟
وكيف صار ذلك حلالاً ، وصار قصد زيارة أفضل الخلق وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله حراماً ، والتوسل به الى الله بدعةً وشركاً وكفراً ؟!
فهل إمامهم أحمد ، وأحمد عبد الحليم تيمية ، أفضل من النبي صلى الله عليه وآله ؟!
قال ابن كثير في النهاية:12/ 323: ( وفي صفر سنة 542 رأى رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له . قال: فلم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره ، وعقدت يومئذ ثم مجلساً ، فاجتمع فيه ألوفٌ من الناس ) !!
وفي وفيات الأعيان لابن خلكان:1/ 64: (أحمد بن حنبل... توفي ضحوة الجمعه لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول... ودفن بمقبرة باب حرب ، وباب حرب منسوب الى حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبي جعفر المنصور ، والى حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية ، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار ).
وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص454: (حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام ، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي الى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين ، فقلت: إنما تم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث ! فسمعته من القبر وهو يقول: لا ، بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني ! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد ، لأنك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب .
فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي: يا بني ، ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله (ص)! لأن معي شعرات من شعره! ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان! قال ذلك مرتين )!!
وفي طبقات الحنابلة للموصلي:2/186: (سمعت رزق الله يقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي فرأيته يقبل رجل القبر ! فقلت له: في هذا أثر ؟قال لي: أحمد في نفسي شئ عظيم ، وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا )!!
وفي تاريخ بغداد للخطيب: 4 / 423: (عن أبي الفرج الهندباني يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة ، فرأيت في المنام قائلاً يقول لي: لمَ تركت زيارة إمام السنة !!
وفي عمدة القاري للعيني:5 جزء9 /241: (سعيد العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل.. أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي(ص) وتقبيل منبره ، فقال: لا بأس بذلك . قال فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية ، فصار يتعجب من ذلك ويقول: (عجبت ! أحمد عندي جليل ، يقول هذا الكلام )! وأي عجب وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به !!
وفي تاريخ الإسلام للذهبى:14/335: ( قال ابن خزيمه: هل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي؟)
وفي الغدير للأميني:5/194: (قال ابن حجر في(الخيرات الحسان) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة ويجئ الى ضريحه يزوره فيسلم عليه ثم يتوسل الى الله تعالى به في قضاء حاجاته ، وقال: قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعي حتى تعجب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد فقال له أبوه: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن . ولما بلغ الإمام الشافعي أن أهل المغرب يتوسلون بالإمام مالك لم ينكر عليهم .
وفي الغدير:5/198: ( قال(ابن الجوري) في المنتظم: 10/ 283: وفي أوائل جمادي الآخرة سنة 574 تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب علي قبر الإمام أحمد بن حنبل ، فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة ، وبني له جانبان ، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب: هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضئ بأمر الله أمير المؤمنين . وفي وسطه: هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله . وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك . ووعدت بالجلوس في جامع المنصور ، فتكلمت يوم الإثنين سادس عشر جمادي الأولى ، فبات في الجامع خلق كثير وخُتمت ختمات ، واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة ألف ، وتاب خلق كثير وقطعت شعور ، ثم نزلت فمضيت الى زيارة قبر أحمد ، فتبعني من حزر بخمسة آلاف .
وقال الكوثري في هامش السيف الصقيل ص185: ( رأيت بخط الحافظ الضياء المقدسي الحنبلي في كتابه الحكايات المنثورة المحفوظ تحت رقم 98 من المجاميع بظاهرية دمشق ، أنه سمع الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي يقول إنه خرج في عضده شئ يشبه الدمل فأعيته مداواته ثم مسح به قبر أحمد بن حنبل فبرئ ولم يعد إليه ! إنتهى ملخصاً).
وفي رحلة ابن بطوطه:1/220: (قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها.... وبقرب الرصافه قبر الإمام أبي حنيفة ، وعليه قبة عظيمه وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر ، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية . وبالقرب منها قبر الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، ولا قبة عليه . ويذكر أنها بنيت على قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالى . وقبره عند أهل بغداد معظم ، وأكثرهم على مذهبه ، وبالقرب منه قبر أبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة ).
-
تتمة الموضوع ..
عاشراً: كيف تعمد ابن تيمية خلط المفاهيم لتكفير المتوسلين!
تعمد ابن تيمية الخلط بين النداء ، والتوسل ، والإستشفاع ، والإستغاثة ، والدعاء ، والعبادة ! فجعلها كلها عبادة للمنادى والمتوسل به والمستشفع به والمستغاث به ! فعندما تقول: يارسول الله أتوسل بك ، أو أستشفع بك ، أو أغثني ، فقد عبدته بزعمه !
لقد افترض مسبقاً أن المتوسل أو المستغيث بالنبي صلى الله عليه وآله (يدعوه) وجعل معنى يدعوه يطلب منه وليس من الله تعالى ! فقال: إنك اعترفت أنك دعوت الرسول أو الولي بدل الله ! فأنت إذن كافر !
وهذا من أسوأ أنواع المصادرة على المطلوب ، حيث قام بلف الحكم المتنازع فيه في لفافة ، وجعله جزءً من مقدمة مسلَّمة عند مخالفه !
مع أن المتوسل لم يدع النبي صلى الله عليه وآله بدل الله تعالى ! بل توسل به واستغاث به واستشفع به الى الله تعالى ، لكرامته عند الله !
ومثال ذلك: أن يتوسل شخص الى رئيس مكتب الملك ، ليتوسط له عند الملك ! فيقول له ابن تيمية: إنك تعديت على شرعية الملك وجعلت رئيس مكتبه هو الملك ! فعملك هذا محاولة انقلاب تستحق بها الإعدام !!
وقد حاول ابن تيمية أن يستدل على هذه المصادرة المفضوحة بأن المستغيث يطلب من الرسول صلى الله عليه وآله أو الولي مالايقدر عليه إلا الله تعالى، وهذا يستلزم أنه يؤلهه !
لكن هذا كذب وافتراء على المسلمين ، لأن المتوسلين منهم يعرفون أن الأمر كله لله تعالى ، وأنه ليس للنبي صلى الله عليه وآله ولالمخلوق مع الله ذرة شراكة ، وإنما يستشفعون بنبيه صلى الله عليه وآله لكرامته على ربه ! فهم يطلبون من الله بواسطة نبيه ، أو يطلبون من نبيه أن يشفع لهم الى ربه !
ومن تهافت ابن تيمية أنه يدعي أن (لازم المذهب ليس مذهباً ) فعندما يقال له يلزم على قولك هذا أن يكون الله تعالى جسماً.. يجيب إن لازم المذهب ليس بمذهب ! أي يصح له أن يلتزم بشئ ولا يلتزم بلوازمه !
فحتى لو فرضنا أنه يلزم من التوسل بالنبي دعاؤه ، فلماذا لم يقل إن لازم المذهب ليس بمذهب ؟! أم يجوز ذلك لنفسه دون غيره ؟!
ومثال ذلك أيضاً: أن تتعطل سيارتك في الطريق ، فترى شخصاً وتناديه: يا محمد ساعدني ، أغثني ، أتوسل بك.. فهل يقول عاقل بأنك عبدته ؟!
ونفس الكلام في الذي يتوسل أو يستغيث بنبيه صلى الله عليه وآله ، فهو لايعبده ، وإنما يطلب مساعدته بما له من مقام وكرامة عند ربه تعالى .
حادي عشر: شيطنة ابن تيمية في نقل التوسل من الفقه الى أصول العقائد !
كانت مسألة التوسل والإستشفاع والإستغاثة لمدة ثمانية قرون مسألة فقهية ، وكان فقهاء المذاهب جميعاً ، يبحثونها في باب الحج والزيارة ، فيذكرون صورها ، ويفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها وحرمة بعضها !
حتى جاء شخص حراني نصبه الحاكم المملوكي الشركسي لمدة قليلة (شيخ الإسلام في الشام) أي قاضي القضاة ، فابتدع في هذه المسألة ونقلها من فروع الفقه الى أصول الدين !
وهدفه بذلك أن يكفَّر مسلمي عصره والعصور المتقدمة ، لأنهم يتوسلون بنبيهم الميت صلى الله عليه وآله !!
ومثل هذا كما إذا نقلنا مادة جزائية من القانون التجاري أو القانون الجنائي وجعلناها في مواد مخالفة الدستور ، ومن اختصاص أمن الدولة ؟
ففي هذه الحالة سيكون الفرق على مرتكبها كبيراً ، لأن التهمة الجنائية أصعب من التهمة الجزائية ، وأصعب منهما تهمة الإخلال بالأمن!!
وما فعله ابن تيمية هو أنه نقل مخالفة المتوسلين من مجرد مخالفة للشرع وجعلها إخلالاً بأصول الدين وارتكاباً للشرك ! فبذلك فقط يستطيع أن يحكم عليهم بالكفر ويستحل قتلهم ، ويستبيح أموالهم وأعراضهم !!
ثاني عشر: هل كذَّب ابن تيمية نفسه وجوَّز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله ؟!
نقل أتباع ابن تيمية عنه أنه تراجع عن رأيه عندما سجنوه في مصر وحاكموه على آرائه الشاذة ، ومنها تحريم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله .
قال السقاف في رسالته: البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والألباني في العقيدة من الإختلاف: (فصل: أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفية فيها بشكل ملحوظ ، مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد ، وليست كذلك قطعاً .
أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) التوسل ومرادنا التوسل بالذوات ، ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير في البداية والنهاية: 14/45 ، حيث قال: قال البرزالي: وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين ، وكلموه في ابن عربي وغيره الى الدولة فردوا الأمر في ذلك الى القاضي الشافعي ، فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ ، لكنه قال: لايستغاث إلا بالله لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبادة ، ولكن يتوسل به ويتشفع به الى الله . فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ ، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب ). انتهى .
ويؤيد ما ذكره السقاف ما يبدو من كلام ابن تيمية في رسالته التي كتبها من سجنه ، والمنشورة في مجموعة رسائله حيث قال في ص 16:(وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبى (ص) علم شخصاً أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله ، إني أتوسل بك الى ربي في حاجتي ليقضيها . اللهم فشفعه فيَّ . فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام ! والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لايدعو غيره إلا على سبيل استحضاره ، لاعلى سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه ). انتهى .
لكن المتأمل يجد أن ابن تيمية لف كلامه بلفافة ، حيث جوَّز التوسل لأنه دعاء لله وليس للنبي صلى الله عليه وآله ، وبهذا كذب نفسه عندما قال إن التوسل بالميت دائماً دعاءله وهو شرك ! لكنه جعل التوسل قسماً في مقابل الإستغاثة مع أنهما شئ واحد! ثم جعل الإستغاثة دعاءً النبي صلى الله عليه وآله من دون الله تعالى ، وعبادةً وتوكلاً عليه من دون الله تعالى! وهذا لايقصده أحدٌ من المسلمين بتوسله بنبيه صلى الله عليه وآله !!
ثالث عشر: ابن عبد الوهاب وحفيده والبدير.. زادوا على ابن تيمية !
قال في (عقائد الاسلام لمحمد بن عبد الوهاب ص26): (فمن قصد شيئاً من قبر أو شجر أو نجم أو نبي مرسل لجلب نفع أو كشف ضر ، فقد اتخذ إلهاً من دون الله ، فكذب بلا إله إلا الله ، يستتاب وإلا قُتل ، وإن قال هذا المشرك: لم أقصد إلا التبرك وإني لأعلم أن الله هو الذي ينفع ويضر ، فقل له: إن بني إسرائيل ما أرادوا إلا ما أردت ، كما أخبر الله تعالى عنهم إنهم لما جاوزوا البحر أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، فأجابهم بقوله: إنكم قوم تجهلون ). انتهى.
وبذلك أفتى هذا الوهابي التيمي القح بكفر كل من توسل بنبينا صلى الله عليه وآله أو بغيره من الأنبياء عليهم السلاموهدَرَ دمَه وأحلَّ ماله وأحل عرضه جواري ، حتى لو كان ذلك في اعتقاده لاينافي التوحيد !
وهذا هو الإفراط والتنطع الذي عانى منه المسلمون الكثير ، وما زالوا .
وقال سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد ص209: (فحديث الأعمى شئ ودعاء غير الله تعالى والإستغاثة به شئ آخر . فليس في حديث الأعمى شئ غير أنه طلب من النبي(ص) أن يدعو له ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته ، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه فيَّ ، فعلم أنه شفع له . وفي رواية أنه طلب من النبي (ص) أن يدعو له ! فدل الحديث على أنه (ص) شفع له بدعائه ، وأن النبي(ص) أمره هو أن يدعو الله ، ويسأله قبول شفاعته . فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك لأن النبي (ص) أمره أن يسأل قبول شفاعته ، فدل على أن النبي(ص) لا يدعى ، ولأنه (ص) لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له. فأين هذا من تلك الطوام؟! والكلام إنما هو في سؤال الغائب (يقصد النبي بعد موته) أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ! أما أن تأتي شخصاً يخاطبك (يعني شخصاً حياً) فتسأله أن يدعو لك ، فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى . فالحديث سواء كان صحيحاً أو لا ، وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا، لايدل علي سؤال الغائب (الميت) ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ، بوجه من وجوه الدلالات . ومن ادعى ذلك فهو مفتر على الله وعلى رسوله (ص) !! انتهى .
فانظر كيف شكك في حديث الأعمى الذي صححه علماء المذاهب ، وقبله إمامه ابن تيمية !
ثم انظر كيف افترض أن المستشفع (يدعو) النبي صلى الله عليه وآله من دون الله تعالى ، ويطلب منه نفسه ما لايقدر عليه إلا الله تعالى !! كل ذلك ليثبت أن المسلم المستغيث الى الله برسوله قد كفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول ، ويستحل بذلك قتله وأخذ ماله وعرضه !!
وإن سألته عن دليله على أن المتوسلين والمستشفعين يدعون الرسول صلى الله عليه وآله من دون الله.. يجيبك كما قال جده ابن عبد الوهاب: إنه مشرك يعبد غير الله ، حتى لو اعتقد أن الضار النافع هو الله فقط !!
أما البدير فقال: (والاستغاثة بالأموات ، والإستعانة بهم ، أو طلب المدد منهم ، أو ندائهم وسؤالهم لسد الفاقة وجلب الفوائد ودفع الشدائد ، شركٌ أكبر ! يخرج صاحبه عن ملة الاسلام ، ويجعله من عُبَّاد الأوثان ) . انتهى.
وبذلك حكم على كل المسلمين بالكفر ، لأنهم يقولون: يانبي الله إنا نتوسل بك الى الله ، ونستشفع بك اليه ، ونستغيث بجاهك عنده اليه أن يرحمنا !!
ومعنى ذلك أنه حكم بقتلهم وجعل أموالهم غنائم ونسائهم وبناتهم إماءً ، له وللمطوعين الذين هم على شاكلته ! ولاحول ولا قوة إلا بالله .
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |