وفاء لشهيد الصدر: مقال للصحفي مهدي ربيع -البحرين
باقر الصدر
لا يزال يوم استشهاد السيد محمد باقر الصدر وأخته آمنة الصدر بعد أن قامت سلطات الأمن العراقية بإعدامه ، محفورا في ذاكرة العديد من المواطنين البحرينيين ، لما كان يتمتع به السيد الصدر من ثقل علمي كبير في العالم الإسلامي خاصة بعد انتشار كتابيه فلسفتنا واقتصادنا 0
لماذا أعدم الصدر ؟ ولماذا حرم صدام حسين الأمة من فكر وهاج ومستنير كان سيثري به فكر الأمة ؟
الشروط التي حملها مبعوث رئاسة الجمهورية آنذاك لفك الحصار عن منزل السيد الصدر الذي استمر تسعة أشهر ، هي : عدم تأييد الثورة الإسلامية في إيران ، بيان شجب للوفود التي جاءت لمبايعة الصدر ، فتوى خطية تحرم الانتماء لحزب الدعوة، التخلي عن فتوى حرمة الانتماء لحزب البعث ، بيان تأييد للسلطة ولو في بعض منجزاتها 0
لم يقبل الصدر بهذه الشروط ، وقال إن علاقتي بإيران لا تتجاوز علاقتي بالسيد الخميني ( علاقة عالم بعالم ) ، وتأييد الثورة الإسلامية ينسجم مع موقف السلطة فأنتم أيدتم الثورة الإسلامية أيضا 0
المبعوث رد بأن البديل لعدم الموافقة سيكون الإعدام ، فرحب به السيد الصدر ، لكن المبعوث حضر في يوم آخر ناقلا عن صدام حسين بأنه في حال الموافقة على تلك الشروط سيقوم الرئيس بزيارته ، وبحيث يتم تغطية الزيارة في وسائل الإعلام ومنها التلفزيون ، سيقدم صدام سيارته الشخصية هدية للسيد الصدر ، تكون أوامر وطلبات الصدر نافذة في دوائر الدولة ، لكن الصدر تمسك بموقفه السابق 0
في النهاية تنازل المبعوث المكنى " بأبي علي " عن معظم الشروط واكتفى بموافقة السيد الصدر على إجراء مقابلة مع صحيفة أجنبية ، وان شاء فليكتب الأسئلة بنفسه حتى وان كانت فقهية ، ولكن شريطة أن يؤكد السيد في المقابلة انه لا عداء بينه وبين السلطة ويشيد ببعض إنجازاتها كمحو الأمية أو تأميم النفط ، ومع ذلك رفض الصدر ، ورد على المبعوث حينما قال : بشرفي لا حل غير الإعدام ، " أنا مستعد لذلك " ، لكن الغريب في الأمر إن المبعوث قبل يخرج جرت دموعه على خديه وقال باللهجة العامية العراقية " حيف مثلك تاكله الكاع ، حيف ، والله حيف " 0
هذا الكلام وتلك المعلومات الموجودة في كتاب " الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار " لمؤلفه الشيخ محمد رضا النعماني الذي كان مع الصدر طيلة فترة الحصار على منزله ، لا تحتاج إلى تعليق الذي سيكون أقل – بالتأكيد – لما يستحقه السيد الصدر ومواقفه الصلبة المشرفة 0
لكن ما جاء في البيان الثالث والأخير للسيد الشهيد عند مخاطبته للشعب العراقي يستحق التوقف علّ بعض الذهنيات تترفع عما تدعو اليه من مزالق طائفية ، فها هو الصدر يخاطب العراقيين " اني منذ عرفت وجودي ومسئوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء ، ومن أجل العربي والكردي على السواء ، حين دافعت عن الرسالة التي توحدهم جميعا ن وعن العقيدة التي تضمهم جميعا ، ولم أعش بفكري وكياني إلا للإسلام طريق الخلاص ، وهدف الجميع " 0 فأنا معد يا أخي وولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي ، أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام ، وبقدر ما تحملون من هذا المشعل العظيم لإنقاذ العراق من كابوس التسلط والذل والاضطهاد " 0
وفي موقع آخر يقول " أريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر ، إن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني ، إن الحكم السني الذي مثله الخلفاء الراشدون ، والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل ، حمل علي السيف للدفاع عنه ، إذ حارب جنديا في حروب الردة تحت لواء الخليفة الأول ( أبي بكر ) وكلنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي 0ان الحكم السني الذي كان يحمل راية الإسلام ، قد أفتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله ، وخرج مئات الآلاف من الشيعة ، وبذلوا دمهم رخيصا من أجل الحفاظ على راية الإسلام ومن أجل حماية الحكم السني الذي كان يقوم على أساس الإسلام 0 وفي موقع آخر يقول قاصدا نظام الحكم في بغداد " ألا ترون يا أولادي واخواني انهم أسقطوا الشعائر الدينية التي دافع عناه علي وعمر أيضا " 0
المساحة لا تتسع للكثير الكثير مما نود قوله ، استجلاء لمواقف السيد الصدر الذي صادف ذكرى استشهاده اليوم الذي انهار فيه نظام بغداد ، وكأن عناية الباري عز وجل تريد أن تذكّر العالم بأنه ميلاد النصر والحرية كان يوم استشهاده