هذه اجابة سماحة اية الله الشيخ محمد اليعقوبي حول الاستماع الى الاخبار في وقت الازمات
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي ((أدام الله ظلكم المبارك)).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عودتنا يا سماحة الشيخ المفدى التصدي إلى المواضيع التي تمس واقع المسلمين, وخاصة في هذا البلد الذي تكالب عليه رموز الشر وأعداء الدين, لاسيما في الآونة الأخيرة.
فيرجى من سماحتكم ان تمنوا علينا بالرأي والنصيحة في هذه النقاط المهمة.
أولاً : الاشتغال التام باستماع الاخبار من الاذاعات المعادية للاسلام ولساعات متأخرة من الليل ناسين ومتغافلين عن أهمية الرجوع والارتباط الحقيقي بالله والتضرع إليه, وتذكر الإمام المهدي ((عجل الله فرجه الشريف)) والذي جيَّشت قوى البغي والضلال قواها لتدمير دولته الموعودة.
ثانياً : استغلال بعض الاتجاهات المنحرفة لهذه الظروف الصعبة لتمرير ونشر الأفكار الضالة والهدامة, فما هو تكليف المؤمنين أيدهم الله؟
ثالثاً : ما هي نصيحتكم للتجار وأصحاب المهن الأخرى في حالة حدوث أزمة لا سمح الله؟


بسمه تعالى
لقد بني كيان الغرب اليوم وسائر الكيانات المادية على أساس (المصالح) والسعي المستمر للازدياد من الثروة كما وصفهم الحديث الشريف بان طالب المال منهوم لا يشبع ولا يملأ فمه إلا التراب. وقد أدى بهم هذا الجشع والحرص إلى حب التسلط على الآخرين واستعبادهم والتحكم بشؤونهم للانتفاع بهم من جهتين:
الأولى : نهب ثرواتهم.
والثانية : استخدامهم لتحقيق أغراضهم وجعلهم أسواقاً لتصريف بضائعهم.
وتدير هذه السياسة العدوانية مؤسسات ضخمة ذات إمكانيات عالية وتقنيات متطورة وقد رأت هذه المؤسسات من الضروري الايحاء لشعوبهم والخاضعين لسيطرتهم بوجود عدو ــ سواء كان حقيقاً أو وهمياً ــ وخلق ضجة باتجاهه وهذا يحقق لهم عدة نتائج :
1 ــ بعث الهمة والحماس والنشاط في العمل بالاتجاه الذي يريدونه هم ومن يتأثر بهم.
2 ــ خلق المبررات لاستمرار وجودهم وإقناع الناس بصحة عملهم والحاجة إليهم.
3 ــ التشويه والتعتيم على أي شخص أو عقيدة يمكن ان تتهددهم.
4 ــ تمرير الأفكار والسلوكيات المنحرفة والهدامة تحت عناوين براقة ومزخرفة وهي ستأخذ مجراها بسرعة لانشغال الناس بالضجة المفتعلة.
5 ــ هدر طاقات الأمة المادية والمعنوية وتبديدها من اجل لا شيء.
وقد قضى الغرب عقودا في حرب (باردة) مع الشيوعية ومعقلها الاتحاد السوفيتي واستطاع في ظل هذه الحرب أن يحقق الكثير من الأهداف المتقدمة مما لا يسع المجال لشرحها وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال هذا العدو لم يبق أمامهم ما يبرر الكثير من أفعالهم فاحتاجوا إلى إيهام شعوبهم بعدو جديد يتهدد كيانهم وينذر بزوالهم ذلك هو الإسلام, وهم يستطيعون أن يجدوا الكثير من النقاط التي تقنع المخدوعين والمتأثرين بإعلامهم المزيف بهذا العدو الذي ليس هو عدو للشعوب بل على العكس هو يريد السعادة والخير وسيادة العدل والمحبة في المجتمع الإنساني برمته وإنما هو عدو للمستبدين والمستكبرين والظلمة والمعتدين على الشعوب الذين يريدون إن يخرجوا الناس من عبادة الله الواحد التي تدعوهم إليها الفطرة السليمة إلى عبادة الطواغيت والآلهة المزيفة التي يصنعونها ويجّددون فيها فما إن تملّ البشرية إلهاًً حتى يصنعوا له آخر.
ومن أهم وسائلهم لتنفيذ هذه الخطط, الإعلام بكل قنواته المسموعة والمرئية والمقروءة وقد سخّروا لها إمكانيات هائلة لتشد إليها الإنسان وتأخذ بمجامع قلبه وعقله وتسلب منه رشده وقدرته على التفكير ويبقى منصاعاً لها ومصدقاً بها حتى لا تبقى عنده فرصة للتأمّل والتمييز بين ما هو صحيح وما هو فاسد وما هو ضار أو نافع أو حق أو باطل حتى في نشرات الأخبار التي يوهمون الناس انهم ينقلونها بكل أمانة وموضوعية وحياد وتراهم يضعون السم في العسل ويخترقون أفكارك وقناعتك بل وحتى معتقداتك من حيث لا تشعر ويخلقون فيك الشك والحيرة والتردد وهي الخطوة الأولى في طريق الضياع والانحراف ولهم في ذلك أساليب متعددة, منها :
إلالتقاء بناس ضعيفي الحجة لا يستطيعون إقناع الآخرين بحقهم بينما يلتقون بشخص قوي الحجة في الباطل أو يوجهون أسئلة إلى طرف الباطل يريدون إيصال أجوبتها إلى الناس بينما لا يسألون أهل الحق عما يريد الناس معرفته أو ينقلون أخبارنا ويعلقون عليها بأنها (لم تثبت من مصادر مستقلة) بينما تؤخذ أخبارهم كمسلّمات وغير قابلة للمناقشة أو تنقل تفسيراتهم للأحداث بشكل مقنع أما تفسيراتنا فتعرض ممزوجة بالتشكيك, وهكذا.
لذا وأمام هذه الهجمة الشرسة يجب أن نكون واعين حذرين مدققين في الأمور ولا نكون همجاً رعاعاً ينعقون مع كل ناعق, وأشَّّبه سماع الأخبار من الاذاعات بقراءة كتب التأريخ إذ من غير المعقول أن نصدق كل ما فيها من غث أو سمين ونحن نعلم أن جملة نقائض فيها, فقد كتب بعضها تزلفاً إلى السلطات ولتبرير أفعالها وكتب أخرى لتأييد عقيدة أو مذهب وكتب أخرى لتسقيط شخص مخالف وتشويه صورته أو لرفع شخص وتأييده وكتب أخرى من وجهة نظر الكاتب التي قد لا تعبر عن الحقيقة وليست مستوعبة لتفاصيل الحدث, لذا فإن الباحث المنصف يحتاج إلى تأمل وغربلة في الكتب وجمع القرائن والادلة لتمييز الصادق عن المكذوب. وهكذا يجب أن نكون تجاه ما تبثه وسائل الاعلام فنحن لا نستطيع ان نتخلى عن متابعة الأخبار لأنها حاجة نفسية ملحة ولكن علينا ان نلبي هذه الحاجة بشكل نظيف ومفيد وغير مشوه وليس فيه ضرر, بالالتزام بعدة نقاط:
1 ــ ان الاذاعات متفاوتة في درجة الاطمئنان إليها فبعضها واضح الكيد والتضليل والتشويه وبعضها أقل فلا بد أن يتفاوت الحذر منها بمقدار درجة الاطمئنان إليها.
2 ــ الوعي والتأمل في مضمون الخبر والتثبت منه فإن القائمين على هذه الإذاعات المعادية للاسلام فسقة لا ورع لهم, وقد قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
3 ــ الرجوع إلى الحوزة الشريفة والواعين المخلصين من المثقفين لمعرفة تقييمهم للخبر والأثر المترتب عليه التزاماً بقوله تعالى :( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)
4 ــ عدم المبالغة والإفراط في الاستماع إلى الأخبار والاكتفاء بنشرتين من إذاعتين مختلفتين مع التعليقات التي تتعقبها فان العمر ثمين وهو رأس مال الإنسان المعد للتجارة مع الله تعالى, ويستطيع إن يستثمر كل دقيقة وكل ثانية في طاعة الله تعالى بعمل صالح ونافع دينياً أو دنيوياً للفرد أو للعائلة أو للمجتمع. وليجرب كل فرد ان قضاء عدة ساعات مع نشرات الاخبار هل تعطيه أزيد مما يحصل عليه لو تابع ما اكتفينا به من نشرتين مع تعليقهما؟ فلماذا هذه المضيعة للوقت؟
5 ــ ان كثرة الاستماع إلى الاخبار يؤدي إلى التشويش الفكري وانشغال القلب والعقل بالافكار المتضاربة مما يفوّت على الفرد فرصة الازدياد من العلم والمعرفة والتفقه فيما هو ضروري له فلا تبقى له همة بمطالعة الكتب والتأمل فيها والانتفاع منها واستنتاج ما هو جديد ونافع رغم ان كل مسلم مطالب بالكثير من القراءات في العقائد والأخلاق والسيرة والفقه والثقافة والتاريخ والأدب والتفسير ولو ثنيت لي الوسادة لألزمت كل فرد بقراءة كتاب واحد على الأقل في كل من هذه المجالات كـ(عقائد الإمامية) أو (أصل الشيعة وأصولها) في العقائد و(مرآة الرشاد) أو (إرشاد القلوب) في الموعظة والأخلاق و(رسالة عملية مختصرة) في الفقه و(مختصر تفسير الميزان) أو (تفسير شبر) في التفسير و(نفحات من السيرة) في سيرة المعصومين ((عليهم السلام)) وهذا يمثل الحد الادنى من الالتزام بقول الإمام الصادق ((عليه السلام)) : ((لوددت ان السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين)) كما اني من موقع المسؤولية الاخلاقية والشرعية ألزم كل فرد بقراءة كتاب (تاريخ الغيبة الكبرى) لسيدنا الاستاذ ((قدس سره)) وفهمه وتلخيص افكاره ومعرفة ما ينبغي علينا معرفته والعمل به وجعل الكتاب محوراً للمناقشات والحوارات والمسابقات وجعل نسخ الكتاب والكتب المتقدمة هدايا للفائزين.
6 ــ ولكي يكون استماعنا للأخبار هادفاً وواعياً علينا ان نتصيد الدروس والعبر منها لندعم بها عقائدنا ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا) فان الله تبارك وتعالى يوالي الحجج على البشر لكن غفلتهم وانشغالهم بالماديات واتباع الهوى يصدهم عن الاتعاظ بها, فعلى الواعين إلفات نظرهم الى ذلك, واذكر لكم مثالاً واحداً ذكرته في إحدى محاضراتي, ففي صيف 2002م اجتاحت اوربا موجة من الفيضانات أتلفت الكثير من الأنفس والممتلكات وشرّدت الآلاف وكلّفت الملايين من الأضرار خصوصاً في ألمانيا والنمسا وجيكوسلوفاكيا وعجزت تكنولوجيتهم التي صوروها وكأنها الذراع التي لا تعجز عن شيء من مواجهة هذه الكارثة. وهذا درس مهم لمعرفة ضآلتهم أمام الطبيعة التي هي إحدى مخلوقات الله فكيف ينصبون أنفسهم أرباباً على البشر من دون الله تعالى يريدون من الناس جميعاً ان يطيعوهم ويأتمروا بأمرهم؟ فهذا درس استفدناه, والدرس الأخر الأهم ان التعليقات على الأخبار قالت ان اوربا تحمّل الولايات المتحدة مسؤولية حصول هذه الكارثة لأنها امتنعت عن التوقيع على معاهدة (كيوتو) للمحافظة على البيئة والتي من بنودها عدم تشغيل المعامل في وقت واحد فأدى عدم الالتزام بها إلى الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة فزيادة الأمطار فحصول الفيضانات, فهذا شاهد معترف به من قبلهم على ان معاصي البشر وسوء تصرفاتهم وفسادهم وانحرافهم يؤدي إلى حصول الكوارث الطبيعية لأن السنن الإلهية المتحكمة في الكون والمخلوقات واحدة. فقبل هذا الشاهد وأمثاله لا نستطيع إقناعهم بهذه الملازمة بين (فساد الإنسان وحصول الكوارث الطبيعية) لأنهم لا يؤمنون بالغيب وتأثيراته فأرجو ــ ولا أريد ان اكثر من كلمة ألُزم ــ من كل فرد من المجتمع ان يسجل يومياً في دفتر خاص ما يمكن استفادته من الأخبار من دروس وعبر وسأكون أنا والأخوة من فضلاء الحوزة الشريفة بخدمتهم في مراجعة هذه الدفاتر وتقييمها والاستفادة منها ونشر ما هو نافع منها.
7 ــ ولكي لا يأخذ الاستماع لنشرات الأخبار وقتاً كثيراً فيمكن جعله مزامناً لعمل أو وظيفة لا تتنافى معه كالأعمال اليدوية الروتينية أو حين تناول الطعام ــ مع عدم الغفلة عن آداب المائدة كالتسمية والحمد لله وغيرها ــ أو حين الاستلقاء للراحة, وإبقاء الأوقات الفعالة للمسؤوليات الأخرى كالقراءة والعبادة واللقاء بالاخوان وقضاء الحوائج ونحوها.
8 ــ تقوية الثقة بالنفس وحسن الظن بالله تعالى والرضا بما قضى وقدّر فإن المحن والبلايا ان كانت من الله تبارك وتعالى فلا راد لقضائه وإن كانت من مظالم العباد وشرورهم كما لو اعتدت دولة متجبرة على شعب آمن فإن فيه جهتين : جهة منسوبة إلى المعتدي ونتيجتها الخزي والعار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة, وجهة منسوبة للمظلوم وهي مواجهة الظالم بالصبر والإيمان والثبات وحسن الظن بالله تعالى : (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) ، و( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، و( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ، وكل هذه الأمور تتطلب عزماً وهمة من المجتمع في طاعة الله تعالى ووعياً وفهماً صحيحاً للأمور وتصرفاً سليماً تجاه الأحداث.
إن عدم الالتفات إلى كل أو بعض النقاط المتقدمة يجعل هذه الأخبار تسبب آثاراً تدميرية في المجتمع, منها :
1 ــ إضعاف القوة المعنوية وتحطيم النفسية وتحقيق العجز عن التفكير فيما هو نافع.
2 ــ بث الشك وفقدان الثقة بالنفس أولاً وبأولي الأمر ثانياً وبالدين والعقيدة والمبادئ ثالثا.
3 ــ أحداث التفرقة والاتجاهات المتباينة وتمزيق وحدة الصف ونشر الخلافات و(ان من المؤسف حقاً ان تصبح العواطف الدينية لعبة بيد صانعي الحروب النفسية يستخدمونها في المواقف الحرجة ليجنوا هم ثمارها بخبث ودهاء وما فتنة رفع المصاحف في صفين عنك ببعيد).
4 ــ خلق أزمات اجتماعية وإرباك اقتصادي يؤدي إلى إهدار الطاقات وتبديد القدرات في أمور قد تكون وهمية أو مبالغاً فيها.
5 ــ تغيير أخلاق المجتمع وسلوكياته وأنماط حياته وأفكاره وفق الرؤية التي يريدون وهو ما يسمونه (بالعولمة) و(النظام العالمي الجديد) الذي هو ليس بجديد وإنما قالها فرعون من قبل* مَا أُرِيكُمْ إِلاّ مَا أَرَى) وهذا ما يسمونه بــ(غسيل الدماغ) حيث يمارسون تضليلاً إعلامياً وتشويهاً وتزييفاً للحقائق حتى يجعلوا الآخرين يقتنعون برؤيتهم التافهة المنحطة.
وأخيراً تذكروا عتاب الله تعالى ومساءلتَه قال تعالى : ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، وقوله تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) ، فهذه الجوارح المُوهَبة لنا من الله تعالى لابد ان نوظفها في طاعته ونحميها من معصيته وإلاّ فإنها أول الشهود على الإنسان.
وللاستزادة في هذا المجال أوصي بقراءة كتب مثل : (نحن والغرب) و(الشائعات وآثارها التدميرية في المجتمع).
وفي خضم هذه الأزمات ـــ أعاذنا الله منها ـــ يكون الجميع مطالبين بالتعاون والمودة والرحمة والعطف وعدم التقصير في قضاء حوائج الناس وقد ذكرت ذلك في مناسبات سابقة إلا إنني اذكر هنا ما يتعلق بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية فقد روي حماد بن عثمان قال : ((أصاب أهل المدينة قحط حتى اقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير ويأكله ويشتري ببعض الطعام وكان عند أبي عبد الله ((عليه السلام)) طعام جيد قد اشتراه أول السنة فقال لبعض مواليه : اشتر لنا شعيراً فاخلطه بهذا الطعام أو بعه فإنا نكره أن نأكل جيداً ويأكل الناس رديئاً)) وعن معتب قال : قال أبي عبد الله ((عليه السلام)) : ((وقد يزيد السعر بالمدينة كم عندنا من الطعام؟ قال : قلت عندنا ما يكفينا اشهر كثيرة, قال : أخرجه وبعه, قال : قلت له : وليس بالمدينة طعام, قال : بعه. فلما بعته قال : اشتر مع الناس يوماً بيوم, وقال : يا معتب اجعل قوت عيالي نصفاً شعيراً ونصفاً حنطة فإن الله يعلم اني واجد ان أطعمهم الحنطة على وجهها ولكنني أحببت ان يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة)). فالإمام ((عليه السلام)) يعطي عدة تعاليم أخلاقية واقتصادية في أوقات الأزمات (منها) : مواساة الآخرين ومشاركتهم في الصعوبات. (ومنها) : عدم الإقبال على شراء كميات كبيرة من المواد الضرورية لان تخزين المواد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والإجحاف بغير القادرين عليها بل على العكس فان المطلوب ان يعرض كل واحد السلع المدخرة عنده في البيت ليساهم في تخفيض الأسعار (ومنها) : حسن التدبير في المعيشة وعدم الإسراف والتبذير لا في كمية المواد المستهلكة ولا في نوعيتها والمحافظة على الوسط بين الإفراط والتفريط (ومنها) : مراقبة الله في جميع التصرفات لأنه ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) ، و ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) ، فاذا تعاملنا معه تبارك وتعالى بهذا الشكل فان الكثير من التصرفات ستتغير.
اسأل الله تعالى ان يجنب الإنسانية جميعاً كل شر وظلم وان يوحد قلوبهم على الرحمة والحب وينتقم من كل من يريد بعباده الغوائل وان يعجل للبشرية بسعادتها المنشودة على يد بقيته الأعظم (ارواحنا له الفداء) وما ذلك على الله ببعيد.

محمد اليعقوبي
26 ــ ذ . ق 1423