صدام رمزا للديكتاتورية والاضطهاد والاذلال والفرض والاقصاء، فهل تغير الكثير بدونه؟
إن كنت شيعيا فأنك صفوي، و إن كنت سنيا فأنك زرقاوي، و إن ناقشت الفدرالية فأنك شوفيني، و إن اعترضت على ما يجري في عراق اليوم فأنك قطعا صدامي.. هكذا نحن مذ كنا، فلا مساحات رمادية و لا حوارات و لا خراف سوداء في القطيع، لا في عهد صدام و لا في عهود سابقة أو لاحقة، فالمستبد القابع في عقولنا التاريخية يتجسد يوميا عبر الأب أو شيخ العشيرة أو مدير المدرسة أو مدير الدائرة أو المسؤول الحزبي أو أمام المسجد والفقيه والشيخ وصولا إلى أعلى الهرم المقرف للاستعباد الذي أعتدنا عليه فلم نعد نثور عليه منذ قرون، بل نثور لننتقل من استعباد إلى آخر، أو نتوسل الآخرين ليقوموا بإزاحة المستبد نيابة عنا..


بسط "الحكام الجدد" من ميليشيات العصابات الشيعية والسنية سوادهم على الشارع جنوبا و وسطا و غربا ( و إن بمسميات مذهبية تختلف هنا أو هناك ) و زحفوا أخيرا نحو بغداد العريقة و تمكنوا من أجزاء كبيرة منها، تحت أبصار الحكام الجدد و تشجيعهم، فهم وجوه لعملة واحدة.. و لن يستثنوا الشمال الكردي إذا تسنى لهم ذلك، فهم قادمون بمشروع سياسي يلبس الجبة و القفطان، و لا يحتاج المرء لكثير من البحث التاريخي القريب ليدرك بأن الوطن ذاته لا حضور لهم في أدبياتهم، و أقصد هنا ملالي وشيوخ الطائفتين الأكبر معا، فاختلافهم شكلي، و جذر مشروعهم واحد، و مفهوم الأمة يسود على مفهوم الدولة، و الوطن الذي نبكيه يوميا لا يعدو في نظرهم ولاية في الأمة الأكبر التي يديرها الخليفة في كابول أو الإمام في طهران.


المد الهائج الذي يهدف لتحويل نساء العراق إلى جواري و قيان، و آلات للإنجاب و الاستمتاع، تحت تهديد "الحجاب أو التيزاب" كما تذكرّهن ملصقات تنتشر يوميا على جدران المبكى في العراق، كما يهدف الى تحويل رجال العراق إلى رهبان بالليل و فرسان بالنهار، يقاتلون كل يوم حتى آخر عراقي لإعلاء راية القائد الضرورة أو الفقيه أو الخليفة، تختلف الاسماء والجوهر واحد.

المدن العطشى التي باتت تنام و تصحو على القتل و الإرهاب و التفخيخ، مساكين العراق الذين أختلطت عليهم الأزمان، المهزلة الحكومية الجارية اليوم على طريقة شيعي هنا.. سني هناك، التهجير الطائفي للسكان، مسلسل تصفية الكفاءات العلمية و الأكاديمية وسط صمت حكومي مطبق ولربما تواطئ، الفساد الذي أصبح إلى جانب الإرهاب المؤسستين الوحيدتين اللتبن تعملان بكفاءة في بقايا هذا الوطن، و إلى كل ما يذكر و لا يذكر، يبقى الأمل قائما..لأن الأوطان لا تموت، و العراق بالذات، ممنوع من الصرف مهما طال الزمن