حديقة الإنسان ...........مهرجانات للطرافة
أحمد مطر......
ورد في (محاضرات الأدباء) أنّ أبا نؤاس (وما أدراك ما أبو نؤاس) قد شوهد وهو يصلّي في الجماعة، فقيل له: ما هذا؟ فقال: أردت أن يرتفع إلي السماء خبر طريف!.
هذه الطرفة، دون غيرها، طرقت ذهني بحدّة فضحكت، حين تناهي إليّ خبر صدّام وقد تأبّط مصحفاً ضخماً خلال دخوله المحكمة (ربّما ظنّ لعمق تبحّره في الدين أنّ حجم الإيمان يقاس بحجم المصحف!).. ثم أنّه بعدما استعرض مجدَّداً رداءة تفكيره ومنطقه، طالب القاضي، بصفاقة يقف لها شعر المجنون دهشة، بإيقاف إجراءات المحكمة لأنّ وقت الصلاة قد حان، وأنّه يريد أن يؤدي الصلاة في وقتها (كعادته منذ الصِّبا ربما)!.
إنّ أبا نؤاس المسكين لم يقتل أحداً في حياته، ولم يفرض التهتك والفجور علي أحد غيره، ولم يمنع الناس من ارتياد المساجد تحت طائلة الاتهام بالخيانة العظمي، ولكنّ ضميره، مع ذلك، لم يطاوعه علي ادّعاء التقي حين شوهِد يصلّي، بل اعترف، وهو مدرك حجم خطاياه، بأنّ خبراً طريفاً سيرتفع إلي السماء حين يشهد الملائكة صلاته!.
وإذا كان هذا ما اعتقده أبو نؤاس عن نفسه، فبوسعنا أن نتخيّل كم مهرجاناً للطرافة قد ارتفع إلي السماء، في تلك اللحظة التي شعر فيها صدّام ب (حصرة) الصلاة!.
أمّا عني، فإنني أتخيل أنّ الشياطين نفسها قد عطّلت أعمالها بضعة أيّام لانشغالها بالضحك من هذه الواقعة، بل والبكاء من شدّة الضحك!.
يا لبؤس صدّام! إنّه يلعب في الوقت الضائع، وخارج الملعب أيضاً.
إنّه ينسي، أو يحاول أن يتناسي أنّ الشيطان الأكبر الذي اخترعه لنا، قد استبدله بآخرين يلبسون عدّة النصب هذه بصفة أصليّة، قولاً وزيّاً، وهم سحرة لا يشقّ لهم غبار في مجال امتطاء الآخرة للوصول إلي الدنيا، وحسبهم إعجازاً أنّهم في اللحظة التي يتسلّمون فيها بيمينهم عطايا الشيطان الأكبر، يسارعون بشمالهم لتسليم البلاد والعباد قرابين ولاء (للشيطان الأصغر)!.
وهم بفضل أعوام إيمانه وتقاه وورعه ورحمته، قد أدمنوا اللعبة الدينية وأتقنوها فكانوا أنماطاً عجيبة من اللصوص المدرعين بالنصوص، وغدوا برغم كل المصائب النازلة بوجودهم الغائب، أكثر إقناعاً حتّي بالنبوّة، في أعين القطعان الأزلية العاطلة عن العمل والأمل والحياة!.
و مراد النفوس أصغر من أن تتعـــــادى فيه و أن تتفــــانى