اللعبة انتهت وعلينا تقسيم العراق قبل الخروج منه
بعد أن بات البلد ساحة لفوضى «جهنمية»
اللعبة انتهت وعلينا تقسيم العراق قبل الخروج منه
التايمز
بقلم: سايمون جيكينز
تعريب نبيل زلف
بالطبع، ما كان يتعين علينا دخول العراق في المقام الاول، لان هذا الدخول كان يعني البقاء فيه لفترة ومن ثم الخروج. وما من شك في ان الخروج منه الآن سيكون داميا، وكل ما عدا ذلك ليس الا وهما.
اليوم، ثمة حكومة عراقية اخرى هي الثالثة التي تتولى السلطة في ظل البنادق والمدافع الامريكية في المنطقة الخضراء وسط بغداد، وذلك بعد ان افسح ابراهيم الجعفري الطريق امام نوري المالكي لتشكيلها، لكنها جاءت مع هذا بلا وزيرين للداخلية والدفاع، وهاتان الوزارتان تنطويان على اهمية كبيرة بالطبع لما لهما من ارتباطات ضبابية وغير رسمية بأجهزة الامن والميليشيات وفرق الموت في بغداد.
لكن لماذا جاءت الحكومة ناقصة على هذا النحو؟ السبب بسيط، وهو انتقال السلطة الفعلية من التآلف ووزرائه الدُمى الى شوارع بغداد والبصرة.
نعم، لقد فقد التآلف القدرة بالكامل لضمان الامن للشعب العراقي الذي بات عليه البحث عنه في اماكن اخرى.
صحيح ان التفاؤل يبقى شيئا طيبا دائما، لكنه اصبح وهما في العراق، فليس هناك دولة ولا حكم للقانون، ولا يخشى المجرمون من أي عقاب، ولا يتجرأ اي اجنبي على دخول العراق الا جوا، وأي عراقي يخرج من بيته للعمل سيعرض حياته للخطر بل وتجازف المرأة بحياتها اذا اقدمت هي الاخرى على العمل، اما اعمال القتل بهدف الانتقام فانها تجري على مدار الساعة لا يوميا ولا يمكن قياسها الا من خلال احصاء عدد الجثث، لذا، ليس غريبا ان بدأ المثقفون بل والحرفيون مغادرة العراق الى الاردن باعداد اكبر مما كان عليه الامر ايام صدام حسين.
وماذا عن امدادات الماء والكهرباء والبنزين؟ انها الأسوأ ايضا.
في نهاية هذا الشهر سيتوجه توني بلير الى واشنطن لمناقشة كيفية الهروب من هذا المأزق مع الرئيس بوش.
فما كان يؤمل ان يكون منارة للاستقرار الديموقراطي ـ العراق ـ بات الآن ساحة لفوضى جهنمية، ان ما حدث في العراق لم يعد مجرد خطأ بل هو نتيجة لكارثة أخلاقية وفكرية لن تتعافى منها صورة الديموقراطية الغربية الا بعد جيل كامل، واذا كان قد تم حجب هذه الحقيقة عن بوش وبلير لسنوات من خلال البيانات الكاذبة والتصريحات المتملقة، الا انها لا يمكن ان تحجب عن عمليات استطلاع الآراء، فالحرب لا تحظى بالتأييد الشعبي اطلاقا على جانبي الاطلسي.
ولذا، يحاول بوش وبلير الآن، مع استعدادهما لمغادرة المسرح، التخلص من كل الكوابيس الجاثمة على صدريهما، بيد ان افضل لحظة للانسحاب من العراق كانت قد سنحت حينما اعلنت وزارة الدفاع الامريكية في يونيو 2003 عزمها على ترك احمد الشلبي يتفاوض مع رجال الدين الشيعة لتسوية الامور بعد سقوط نظام صدام، لكن الحاجة الماسة لاعادة بناء العراق جعلت بوش وبلير يفضلان البقاء، ثم سنحت بعد ذلك مناسبات اخرى للانسحاب في ديسمبر 2003 ويونيو 2004 وديسمبر 2005، وكان بالامكان تسليم الامور لأي زعيم بارز يتمتع ولو بشيء من الاغلبية، والآن، هناك فرصة جديدة للانسحاب من العراق مع تشكيل الحكومة الجديدة، لكن لا بد من الاشارة هنا الى وهم الساسة الامريكيين والبريطانيين في اعتقادهم ان الاحتلال يحافظ بشكل ما على وحدة العراق وحكومته.
هذا الامر غير صحيح، فليس هناك دولة في العراق، وجنود التآلف الدولي مبعثرون هنا وهناك في مخيمات لا يخرجون منها الا في المناسبات لممارسة القتل او ليصبحوا هم اهدافا له.
ومع هذا لا تزال واشنطن ولندن غير قادرتين على سماع الرسالة، وهي ان احتلالهما للعراق لا يحظى بالشعبية على الاطلاق فيه، ولا يؤيده الا الشخصيات الكبيرة التي تعتمد في حياتها عليه.
ومن الواضح ان الانسحاب يصبح صعبا اكثر مع كل تأجيل، فكل شيء في العراق الآن يشير الى نذر صراع شامل بين السنة والشيعة، وما من شك في ان هذه المأساة نتيجة لاستمرار وجود قوات التآلف وفشلها في حفظ الامن والنظام.
لقد شهدت كل التجارب الحديثة لمثل هذه الصراعات، سواء كانت في ألستر، فلسطين، السودان ويوغسلافيا، عمليات نزوح جماعية وتطهير عرقي، وهذا ما يجري الآن في وحول بغداد، وسوف يؤدي هذا لبروز قوافل اللاجئين والمناطق الآمنة.
لقد أدى التدخل الغربي في يوغسلافيا الى تقسيمها في النهاية، والواقع ان امريكا كانت قد بدأت بنفس هذه العملية عندما ضمنت استقلال اقليم كردستان على اساس الامر الواقع، والآن، يتعين متابعة هذه السياسة الى نهايتها، فالتقسيم كان على الدوام هو الحل المرجح، ويبدو ان هذه الفكرة باتت تحظى بالتأييد في واشنطن من خلال جو بايدن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، فالمسألة في العراق لم تعد تتعلق ببناء دولة عصرية او نشر الديموقراطية والحرية بل هي حول كيفية الخروج منه بأفضل طريقة ممكنة، وبأقل قدر من الخسائر لتنتهي بذلك لعبة التدخل الغربي الأخير بتقسيم جديد لبلد آخر.
تاريخ النشر: الاثنين 22/5/2006