--------------------------------------------------------------------------------



"إيلاف" تنشر ذكريات عنه صوتاً وصورةً وكتابة
محمد شظاف..معلماً ومسرحياً وانتحارياً


شظاف في مرحلتين من حياته .. مسرحي ثم ارهابي
سلطان القحطاني من الرياض: نصف عقد أو أكثر مضت على آخر لقاء جمعني مع أحد انتحاريي تفجيرات مايو الشهيرة التي أيقظت العاصمة السعودية الرياض فجراً قبل ثلاثة أعوام، دون أن يغادر ذلك المشهدُ ذاكرتي حين التقيت مع محمد شظاف الشهري ذات ظهيرة أربعائية في أحد المجمعات التعليمية الشهيرة في المدينة وقت نهاية الدوام المدرسي، وكنا وقتها طلاباً له في بدء التعليم الثانوي بينما كان الشهري مدرساً لنا يقدم لنا مادة الأحياء والبسمات المتواترة.

بعد أشهر من التتلمذ على يديه انفصلت الخُطى ولم أعد أراه مُطلقاً. سنوات مضت جرت فيها مياه تحت الجسر وعصفت به دون أن أتبيّن من أخبار الشهري شيئاً سوى ما تناثر من أخبار على صدر الصحف عن المعلم الكوميدي الجديد الذي انتقل إلى عمل في قناة فضائية إسلامية. استمر الشهري مذيعاً يُقدّمُ برنامجا فكاهياً أسبوعيا يساعده في ذلك موهبته الفذة التي استمدها من سنوات العمل على مسرح جامعة الملك سعود ذات الخمسين ربيعاً حتى اختفى عن الأنظار فجأة.





أتذكرُ ذلك اللقاء الأخير بيننا كما لو أنه كان يحدث أمامي هذه اللحظة. كان الغرض حواراً لمجلة المدرسة التي أحررها رفقة طيف متنوع من الأصدقاء وقت كنا في مطلع العمر ومطلع الحبر ومطلع فجر الآمال الجديدة. ومثلما كان يضحكنا على المسرح المدرسي كنّا في أتم الحرص على أن يكون الشهري معنا كي يضحك القراء أيضاً. ثلاث ورقات كنت أحتفظ بها من إجاباته بخط يده على أسئلتنا تاهت في زحام الذاكرة وورق الأرشيف ولم يبق سوى مسرحية لم تعد توجد الآن في الأسواق السعودية بعد منع كل أدبيات العنف والمتورطين به.

لم أعد أتذكر على التحديد أي عام قرر محمد الشهري ورفقاؤه اختيار مسرحية "المهرّج" الشهيرة للعصفور الأحدب سيدنا محمد الماغوط لنقلها مسرحياً. في رأيي وقتها أنه كان اختيارا طليعياً لا يتوقع من جامعة كانت ترزح تحت وطأة تيار فكري محافظ. النص المسرحي تم خلقه من جديد ليكون برؤية أكثر محافظةً بما يتلاءم مع نهج الجامعة آن ذاك مما أفقده الكثير من جمالياته لمن قرأ النص الأصلي واندغم لا إرادياً بعوالم الماغوط وسماواته.
في هذه الأيام تحل الذكرى الثالثة لأعنف تفجيرات شهدتها المملكة العربية السعودية. الساعات الأولى من فجر 12 مايو 2003 لم يكن فيها جديد داخل الرياض التي تمارس سهرها المعتاد وروتينها اليومي. دقائق مضت حتى تحركت أسلاك الهواتف المرئية واللامرئية لتنقل الخبر المثير الذي كسر رتابة فجر العاصمة وليلها. انفجار في مجمع سكني في حي "الحمراء" دون معرفة منفذيه وأبطاله حتى اللحظة وقت ذاك وتبعه بعد دقائق قليلة انفجاريين في مكانين مختلفين.

قادني الفأر الصحافي بطبيعته إلى أول مكانٍ شهد انفجاراً داخل الرياض. وصلتُ هناك وإذ بي داخل صف كبير من متجمهرين جاؤوا للإطلاع على ما حدث يتملكهم الذهول والفضول في آن. أشخاصٌ كثر حاولوا التسلل أكثر للإطلاع من كثب على جهود قوى الأمن السعودية وسيارات الإسعاف في إنقاذ ما يمكن إنقاذه والقبض على ما يمكن القبض عليه من متورطين في الحادثة. لم يكن أحد ٌ يعلم وقتها أن المجمع قد استهدف عبر انتحاريين سعوديين.

المكان مُضاء بالكثيرة من الأجهزة الكاشفة التي وضعتها السلطات لمراقبة محيط المكان. في السماء هناك طائرتا هيلكوبتر مزودة بضوء كاشف تسلط أضواءها جيئةً وذهاباً على أماكن مختارة من محيط المجمع المنكوب. استمرّت المناكفات بين رجال الأمن والمتجمهرين. رجال الأمن السعوديون بدوا متشددين إزاء كل من يحاول الدخول إلى مسرح الحادثة. مع الوقت أخذت طباعهم تشتد وبدؤوا في تفريق المجتمعين بقوّة.

ساعات مضت على اكتمال التفجيرات الثلاث وسط دهشة سعوديين كُثر لم يُصادفوا هجمات تفجيرية بهذا العنف سابقاً. التفجيرات وأحاديثها غدت الشغل الشاغل للكثير من السعوديين الذين زاد التصاقهم بالقنوات التلفزيونية أكثر بحثاً عن كل طارئ يستجد أو معلومة أو تحليل عن الحادثة وتطوراتها وأبعادها. جاء بيان وزارة الداخلية السعودية سريعاً لكشف أسماء المتورطين في الحادثة. أسماء تمر في أذني دون أن أعبأ بها. فجأة يلمع أسم الشهري في الذهن. أعود فأتأكد من الاسم لأراه هو هو فعلا. أي خيبة يا سيدي أي خيبة؟.

نقل عن محمد شظاف الشهري قوله قبل الهجمات في تسجيل بثته مواقع الكترونية أصولية "قد جئناكم يا أميركان بالذبح فانتظرونا.. وهذا العمل هدية الى موكب النور.. ذلك الموكب الكريم...الذي سار فيه المجاهدون والشهداء في طريـق قد فـرشـوه بالاشلاء ورووه بالدماء وسوروه بالجماجم... إلى الأسرى في كوبا والى الاسرى والمعتقلـيـن في جـزيرة العـرب وفي كل مكـان من بـلــدان العالم.. إلى شيخي وحبيبي الشيخ أسامة بن لادن".

ولد محمد الشهري منتصف السبعينات في قرية ثلوث المنظر في منطقة عسير (جنوب السعودية) واكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في قريته وفي قرية مجاورة لها قبل أن ينتقل للدراسة في جامعة الملك سعود، ويتزوج خلال تلك الفترة ليعمل بعد التخرج في المجمع التعليمي لجامعة الملك سعود الذي خصص لأبناء منسوبي الجامعة والطامعين فيها وله من الأبناء ولد وبنت كما تقول مصادر متفرقة.

في إحدى الأسئلة سألته عن آخر كتاب قرأه. لم يجب على السؤال وترك مكانه فارغاً. بالتأكيد هو لم يكن يقرأ.