أمضيت ليلة البارحة منهمكا وعلى ضوء شمعة في أعداد المحاضرة الأخيرة محاولا فيها أختزال ما تبقى من مفردات المقرر لهذا الفصل الدراسي بعد فترات التوقف و الأنقطاع الكثيرة التي حصلت خلاله بسبب الحالة الأمنية و السياسية التي يمر بها البلد. كنت قد بذلت جهدا جهيدا في أقناع الطلبة بضرورة (التفضل) لحضور تلك المحاضرة لأهميتها.. بعد ما قرروا الأنقطاع للتهيوء للأمتحان النهائي. شرد ذهني لبرهة لأستذكر حالة الأحباط التي شهدتهاعندما عجزت عن الحصول على وقود لسيارتي بسبب طابور محطة الوقود الذي أمتد عدة كيلومترات ألا أني شعرت بنشوة الأطمئنان عندما تذكرت أني قد (غنمت!) وبعد التي و اللتيا ..عشرة لترات من الوقود مقابل عشرة ألاف دينار على أمل أن توصلني تلك اللتيرات الى موقع الجامعة في اليوم التالي و تعيدني الى مسكني. ولتذهب المولدة الكهربائية الى الجحيم وليتحمل أفراد عائلتي الظلمة و الحرولدغات البعوض لهذه الليلة.
أنطلقت مبكرا متوجها الى الجامعة سالكا نفس طريقي المعتاد.. (الخط السريع!!) محاولا تجنب زحمة المرور في وسط المدينة.. أثار أنتباهي أزدحاما غير أعتيادي على هذا الخط..أمتد نظري الى الأمام ليستطلع السبب و أذا برتل أمريكي يتبختر في مشيته.. ما هي ألا ساعة حتى وصلت الى مقتربات جسرذي الطابقين ليلوح لي برج الجامعة..كنت أعتبر نفسي قد وصلت الى مبغاي لولا تلك الحشود العسكرية المدججة و الأسلاك الشائكة التي تقطع السير مانعة المرور على الجسر لهذا اليوم.. أختصارا لوقت قد يطول في أنتظار فتح الجسر.. تجرأت و عيني على مقياس الوقود الذي بدأ بملامسة المنطقة الحمراء على الأستدارة و العودة الى الخط السريع متوجها الى جسر الجادرية رغم معرفتي بأن هذا الجسر مزدحم حتى في الأيام الأعتيادية. وأذا بنفس الرتل لا زال يتنختر..لا بديل لدي سوى الأنقياد مع الأخرين في الموكب الذي يسير خلف الرتل مع هاجس وحذرمن أنفجار عبوة ناسفة أو سيارة مفخخة أو سقوط قذيفة هاون على هذا الحشد سيما و أن هذا الخط يخترق منطقة (الدورة) الساخنة. وبعد أكثرمن ساعة وصلت الى مقترب جسر الجادرية و أذا به مغلق هو الأخر.. راودتني أفكار مرعبة عما يجري في الجادرية.. هل هي غزوة جديدة لأميرالشر(الزرقاوي) أم ماذا.. لا أحد يعرف.. لا يوجد مايشير الى مواجهات أو أشتباكات..هنا لا خيار عندي سوى أطفاء محرك السيارة و الأنتظارمع المنتظرين.. حاولت الأتصال ببعض الزملاء لأخبرهم بسبب تأخري ألا أنهم لم يكونوا بأفضل من وضعي..الجسر العتيد على مرمى بصري ومركبات الدفع الرباعي ذات النوافذ المظللة تطوي الأرض طيا عليه بينما أقف أنا و سط تخبط المركبات أستنشق الغبار المتطاير منها..بدا اليأس من الوصول الى الجامعة يدب في تحديدا عندما لمحت أحد العسكريين يلوح بيده أن لا أمل لفتح الجسر لحركة السيرالعامة. هنا و بعد أكثر من ساعتين أدرت محرك السيارة و عيني على مقاس الوقود ..هل سيوصلني الى أقرب بائع على الطريق أم لا..وصلت الى البيت متلهفا لقراءة شريط الأخبار على شاشة التلفزبون لمعرفة ما يجري في الجادرية بعد أن يأست من مذياع السيارة الذي لم تشر محطاته الى شيء غير أعتيادي. وأذا بنشرة الأخبار وفيها أن السيد عبد العزيز الحكيم قد أقام مأدبة غداء للحكومة العراقية..
سؤالي هنا.. هل يجوز شرعا أو عرفا أن تشل الحركة و التنقل في الربع الجنوبي الغربي لمدينة بغداد ويقطع السير على جسرين من أهم جسور المدينة المتبقية لعبور المستضعفين بعدما قطعت ثلاثة جسور أخرى، أثنان منها تلك الموصلة للمنطقة الخضراء ويتوقف طلب العلم في جامعتين من أهم الجامعات العراقية و..و.. لكي يقيم السيد الحكيم وليمة غداء في بيته المعمور لملء بعض الكروش النتنة..
أقتراحي للسيدين وزير التعليم العالي ووزير الأسكان و التعمير أن ينقلوا مواقع جامعة بغداد و جامعة النهرين و أحد الجسرين الى منطقة بعيدة عن بيت السيد الحكيم لأن هذه الحالة لم تكن الأولى ولا ستكون الأخيرة.
بغداد 25/5/ 2006