يقال بأن في العراق حكومة!
GMT 1100 2006 السبت 27 مايو
مصطفى القرة داغي
--------------------------------------------------------------------------------
في الوقت الذي ينشغل فيه ساستنا الجدد في الإعلان عن حكومتهم العتيدة والتي يحلوا لهم تسميتها " الحكومة العراقية الدائمية المنتخبة " ويعدون العدّة للإحتفال بها مقيمين الولائم والإحتفالات !.. وفي الوقت الذي يُطَبّل فيه الكثير من المثقفين ووسائل الإعلام لهذه الحكومة رغم عدم مباشرتها لمهامها واصفين إياها بحكومة وحدة وطنية منتخبة !.. وفي الوقت الذي يحاول فيه هؤلاء الساسة تصوير الوضع في العراق على أنه طبيعي وأكثر من الطبيعي بل ويكاد يتمناه أي إنسان في العالم !.. وطبعاً هذا كله في المنطقة الخضراء وداخل أسوارها الكونكيريتية العملاقة التي تناطح سور الصين في السمك والإرتفاع وليس خارجها ولا بشبر واحد..
في نفس هذا الوقت هنالك وقائع وحقائق نلمسها يومياً سواء عبر صور محزنة ومخيفة نشاهدها في التلفزيون أو كلام مؤلم ومرعب نسمعه عبر الهاتف أو الإنترنت أو قصص مريعة وشاذة تتحدث جميعها عن واقع الحال الحقيقي في العراق.. تقول كل هذه الوقائع بأن واقع الحال الحقيقي في العراق هو على العكس تماماً مما تصوره هذه الحكومة المعزولة عملياً بين أسوار المنطقة الخضراء بل إنها تؤكد بأن شعبنا العراقي الحبيب الصابر ربما يعيش الآن أسوء مرحلة ليس فقط في تأريخه الحديث فحسب بل في تأريخه الإنساني ككل منذ بدء الخليقة التي وجدت وبدأت أصلاً بهذا الشعب العظيم وعلى أرضه المقدسة
إليكم قطرة من بحر المآسي والمهازل والكوارث والفواجع التي يعيشها أهلنا وأحبتنا والتي تحدث في كل لحظة على أرض عراقنا الحبيب:
- أولاً فلنقرأ هذه السطور التي جائت ضمن تحقيق نُشر قبل أيام في جريدة الحياة اللندنية :
ترزح أحياء واسعة في بغداد في غياب الأمن منذ شهور تحت رحمة أحكام متشددة مهدت لإعلان ( القاعدة ) التي تصدر بياناتها باسم " مجلس شورى المجاهدين " إمارة إسلامية في منطقتين : الأولى في الدورة الى جنوب من بغداد بزعامة " أمير" إسمه " أبو ذر" والأخرى في العامرية غربها و" أميرها " إسمه " أبو حذيفة " حسبما يقول الذين يتضاعف رعبهم من الوجود الكثيف للمسلحين في شوارع الحيين وتوزيعهم منشورات تركز على إعلان أحكام تمنع تجول السافرات أو حلاقة الشعر أو إرتداء الشورت أو الجينز.. وأكد شهود في العامرية أن فتاتين خطفتا على مرأى من الناس في شارع العمل الشعبي وأعيدتا الى منزلهما بعد ساعات " حليقتي الرأس " ووزعت منشورات تؤكد أن حلق شعر السافرات " حكم مخفف " وأن " القتل سيكون مصيرهن بعد الآن "!.. ويسرد علي العزاوي من حي الدورة قصة إغتيال أخيه وليد لإرتدائه الشورت وتصفيف شعره وفق الموضة ويؤكد أن سيارة من نوع " أوبل " سوداء توقفت أمام باب المنزل حيث كان يقف أخوه وصديق له وأطلق مسلحون النار عليهما وتلقت عائلة صديق وليد رسالة إعتذار من القتلة عن إغتياله لأنه كان مع " الفاسق " في مكان واحد!.. كما تؤكد عائلة " أم حسان " من منطقة المهدي أن مسلحين فتحوا النار على والدتهم ثم أرسلوا يهددون العائلة ويطالبونها بمغادرة المنزل لأن القتيلة " كانت تختلط مع الرجال وتعمل في التجارة وهذا مخالف للأوامر الشرعية ".
وفي شرق بغداد، حيث مدن الصدر والشعب والقاهرة والبلديات وبغداد الجديدة لا تختلف الصورة كثيراً مع تغير الموازين لمصلحة ( ميليشيات شيعية ) سبقت ( القاعدة ) في تطبيق أحكامها المتشددة والمتشابهة التي تفرض على النساء إرتداء العباءة السوداء على غرار القوانين الإيرانية ومنع الشباب من حلق لحاهم أو إرتداء ملابس ملونة في أيام العزاء الحسينية ومهاجمة وقتل بائعي الخمور والأقراص المدمجة ونشر مسلحين يرتدون ملابس سوداء في الأحياء تحت عنوان " حماية السكان ".. وينقل شهود من مدينة الصدر أن مسلحين ينظمون دوريات تفتيش على مدارس البنات والمؤسسات الحكومية لمراقبة " المخالَفات" بالشكل أو الملبس أو السلوك.. ويروي محمد الساعدي كيف أغتيل والده بعد أن أوقفه مسلحون في حي الحبيبية وقالوا إنه مخمور وأردوه قتيلاً في الحال.. وتؤكد عائلة فتاة اسمها " فاتن " من قطاع 30 في مدينة الصدر أن مسلحين إستوقفوها وإنهالوا عليها ضرباً لعدم إرتدائها العباءة !
وقد بدأت هذه التنظيمات والميليشيات في إستخدام المنشورات لتنفيذ فرز سكاني على أساس مذهبي واسع النطاق لتفريغ أحياء الغزالية والدورة والخضراء والجامعة والعامرية والأعظمية من الشيعة ثم من السنّة غير المتعاطفين مع ( القاعدة ) ولتفريغ أحياء الصدر والقاهرة والشعب والبلديات والمشتل وبغداد الجديدة من السنّة وإجبارهم على مغادرة المدينة مع الشيعة غير المتعاطفين مع تلك ( الميليشيات ) تمهيداً لجعلها أحياء مغلقة تكون نواة لتطبيق أحكام هذه التنظيمات بالقوة. ( إنتهى تحقيق جريدة الحياة )
" فعلاً حكومة وحدة وطنية مسيطرة على الوضع و وردة"
- أقارب وأصدقاء وأحبة لنا بقوا صامدين في العراق وتحملوا ما تحملوا في سبيل البقاء بين أحضانه غالبيتهم من الشباب الخريجين والأكاديميين الذين كانوا يحلمون يوماً ببزوغ فجر الحرية ليبدؤا مسيرة بناء الوطن.. هؤلاء كانوا حتى الأمس القريب غير مقتنعين بفكرة الخروج من العراق والعيش في المنافي البعيدة بل ولا حتى القريبة من العراق فقد كانت لهم وجهة نظر خاصة في الموضوع مختصرها بأن ( الغربة عذاب وألم وبهذلة وضياع للعمر بدون نتيجة في حين أن البقاء في الوطن من الممكن أن يأتي بنتيجة للشخص وللوطن ).. حتى هؤلاء رفعوا اليوم الراية البيضاء وسلموا لكم ويقولون لنا بالحرف عبر الهاتف والإنترنت ( ما بُقة غير درب الطلعة و وين ما كان)
" الله أكبر.. ماذا فعلتم لتوصلوا هؤلاء الى هذه الحالة؟.. كيف تمكنتم من تدمير نفسياتهم التي كانت مليئة بالأمل بهذا الشكل وبهذه السرعة؟.. ألا تكفي هذه الحالات المحزنة والمؤلمة دليلاً دامغاً على حجم المأساة التي يعيشها العراق والعراقيين !!!! "
- قالت وزارة الثقافة إن عددا من طلبة معهد الفنون والحرف الشعبية قُتلوا وأصيب عدد آخر منهم بجروح صباح الأربعاء 24 / 5 / 2006عندما أطلق مسلحون مجهولون النيران عليهم عند دخولهم المعهد.
" منتهى التقدمية والتطور"
- قبل أيام معدودة أعلن ناطق رسمي بأسم وزارة الدفاع العراقية بأن حصيلة العمليات التي قامت بها النظيمات والميليشيات سالفة الذكر هي 607 خلال أسبوع واحد فقط من شهر مايس سقط بسببها 98 شهيد و 280 مصاب حالاتهم متفرقة.
" تصوروا.. هذه الأرقام الفلكية خلال أسبوع واحد فقط !"
- أوضحت دراسة ميدانية أعدتها منظمة ( عراقيات ) بأن هناك اليوم أكثر من 2.3 مليون أرملة في العراق من بينهن 400 ألف أرملة في بغداد وحدها والبقية يتوزعن على باقي المحافظات العراقية مشيرة الى أن العراق بات يعرف الآن " ببلد الأرامل ".. وأظهرت الدراسة أرقاماً مذهلة لنتائج العمليات الإرهابية والسيارات المفخخة التي يشهدها العراق موضحة أن عدد الأرامل يزداد بمعدل 90 ـ 100 أرملة يومياً جراء ذلك مشيرة الى زيادة هذه الأعداد خلال الأشهر الأخيرة.
" الأشهر الأخيرة.. أي في فترة الحكومة السابقة التي يصفها رئيسها الأسبق وبعض من يُسمُّون أنفسهم كتّاب بأنها حكومة الإنجازات الكبيرة وبأنها أفضل الحكومات العراقية على الإطلاق منذ تأسيس العراق الحديث!!"
هذا بل وأسوء بكثير هو واقع العراق وبالذات بغداد الحبيبة الجميلة التي يقال بأنه كان فيها قبل أشهر " حكومة موقتة شرعية منتخبة " وبأن فيه اليوم " حكومة دائمية شرعية منتخبة " لها سيادة ووزارات و( قلبالغ ).. ولكن الحقيقة هي أنه ليس بأمكان هذه الحكومة أن تسيطر على حي أو شارع في بغداد إضافة الى أنها وأغلب أحزابها المكونة لها لا تريد ذلك أصلاً.. فوجود حكومة قوية في المركز معناه ضعف الأطراف وسهولة السيطرة عليها من قبل المركز في حين أن بقاء المركز ضعيفاً يتلقى الضربات يومياً يتيح للأطراف التحرك واللعب بحرية وهذا ما يحدث اليوم بالفعل على أرض الواقع.
إن العراق الجديد هو عبارة عن:
وزارات ودوائر ومؤسسات دولة يتفشى وينخر فيها الفساد الإداري..
مدارس ومعاهد وجامعات مُعطّلة ومُغلقة..
لا رقص ولا غناء ولا حفلات أعراس..
لا تنورة ولا شورت ولا بنطلون جينز..
مدن وأحياء وشوارع مقفرة..
نوادي ومسارح وسينمات ومقاهي وقاعات ومعارض فنية مهجورة..
موت خوف ورعب وقلق في كل زمان ومكان..
إن من أبرز مظاهر التطور التي يستطيع المراقب أن يُميّزها في " العراق الجديد الديموقراطي التعددي الفيدرالي الدستوري " هي اللحية واللونان الأبيض والأسود والتخلف والتأخر.. ففي الوقت الذي أعاد فيه النظام السابق العراق مئة سنة الى الوراء أي الى نهايات القرن التاسع عشر يعمل بعض المتنفذين في واقع العراق الجديد سواء كانوا سياسيين عراقيين أو أحزاب عراقية أو ميليشيات طائفية أو تنظيمات إرهابية على إعادته الى القرون الوسطى وقد نجحوا حتى الآن فيما يريدون.. وهنا لدي مقترحان ياحبذا لو يأخذ بهما بجدية.. الأول هو بما إن جانب من هذه التنظيمات والميليشيات يشجع على لبس اللون الأبيض وجانب آخر يشجع على لبس اللون الأسود وبما إن هذان الجانبان هما الحاكمان الفعليان للبلد لذا أقترح أن يوزع على كل بيت عراقي تلفزيون أسود وأبيض إذ لا داعي للتلفزيون الملون بعد اليوم في بلاد يغطيها بل ويميزها السواد والبياض ولا لون للحياة فيها ولا طعم أما المقترح الثاني فهو أن يتم تصميم عَلَم جديد للعراق نصفه أبيض ونصفه أسود ليكون معبراً بصدق عن واقع " العراق الجديد الديموقراطي التعددي الفيدرالي الدستوري " المُلوّن والمُتحَرر والمُنفتح جداً جداً.
عذراً قرّائي الأعزاء على تكراري لجملة " العراق الديموقراطي التعددي الفيدرالي الدستوري " فأنا مُصدّق ومقتنع بحقيقتها ووجودها على أرض الواقع جداً جداً و( كُلّش وفرد نوب ) كما تعلمون !!!
أن العراق يتعرض اليوم الى أكبر وأخطر عملية تضليل إعلامي عبر التأريخ كله تشترك فيها بعض القوى السياسية العراقية وأغلب وسائل الإعلام العربية والعالمية.. ففي الوقت الذي تغطي فيه هذه الوسائل الإعلامية كل شاردة وواردة تخص الحكومة العراقية العتيدة بل وتتابع خطوات تشكيلها أول بأول مصوّرة الوضع في العراق على أنه طبيعي وبأن المشكلة الوحيدة في العراق هي ( من يصبح رئيس وزراء؟ ) و( من يتسلم هذه الوزارة أو تلك؟ ) فأن أحداثاً مخيفة ومريعة ومأساوية وعمليات تهجير وتصفية طائفية وعرقية وقتل بالجملة تجري يومياً على أرض العراق ليس فقط لا تلقى التغطية الكافية بل ولا يتم تغطيتها أصلاً كونها أحداث خُطِّطَ لها مسبقاً ويجب حدوثها فيما ينشغل الناس بموضوع رئاسة الوزراء والكهرباء والماء وإلَخ إلَخ....
رغم أنني أكن كل التقدير والإحترام للكثير من الساسة العراقيين الوطنيين سواء الموجودين منهم في داخل هذه الحكومة أو المتحركين في إطارها ورغم تمنياتي لهذه الحكومة بتحقيق ولو الحد الأدنى من النجاح ليس لسواد عيونها أو لقناعتي بطريقة تشكيلها وببرنامجها السياسي طبعاً وإنما من أجل شعبنا المسكين الصابر الذين باتت حالته ( تصعب على الكافر ).. رغم كل ذلك إلا أن الحقيقة التي يجب أن تقال كونها متعلقة بمصير شعب هي أن مصطلح الحكومة في العراق أصبح اليوم مصطلحاً ترفياً صُورياً فأغلب الحكومات التي ولدت من رحم كيان مجلس الحكم الفتنة والتي سارت على نهجه المغلوط لم تتجاوز مدى سيطرتها وتحركاتها جدران المنطقة الخضراء وتميزت بأنها كانت حكومات بِدل وأربطة حرير ومؤتمرات دولية ومآدب غداء وعشاء وسَفَر ولقائات صحفية وتلفزيونية وليس حكومات خدمات عامة لها برنامجها السياسي الواضح وهيبتها ونفوذها على أرض بلادها ولم تتمكن من توفير ولا حتى الحد الأدنى من الخدمات لمواطنيها ولا أظن بأن هذه الحكومة ستشُذ عن هذه القاعدة ( فالجواب باين من عنوانو).. أما الحكومات الحقيقية والفعلية التي كانت ولاتزال متنفذة في العراق بل ويزدداد نفوذها فيه ويتسع أمام الغياب المطلق لنفوذ الحكومة يوماً بعد آخر فهي حكومات الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي تبسط اليوم سيطرتها شبه الكاملة على مساحات شاسعة من أرض العراق معلنة أمارة هنا ومنصِّبة أميراً هناك وفارضة قوانينها الظلامية المتخلفة على شعب كان حتى الأمس القريب من أكثر شعوب المنطقة تمدناً وتحرراً.
إنه عراق اليوم.. العراق الجديد.. " العراق الديموقراطي التعددي الفيدرالي الدستوري " الذي يقال بأن فيه حكومة والله أعلم !!!!
مصطفى القرة داغي
karadachi@hotmail.com
--------------------------------------------------------------------------------
2 :عدد الردود
GMT 16:48:03 2006 السبت 27 مايو
كان المطلوب من الأخوة الأكراد أن لايضعوا يدهم بيد الشيطان00لو كان لهم ذرة من الوطنية ؟؟!!00
كركوك أوغلوا
ولكن الوسيلة تبرر الغاية وهي الأستقلال وترك الفوضى ورائهم كحجة لترسيخ الأمر الواقع 00نعم هذه هي غنائم الصيد في الماء العكر !!!000تبا لعلمانيتكم المزيفة 000ولاتنسوا أن الحرائق ستصالكم ولو خلف الجدران الأسمنتيةالعازلة !!!000