الحكومة الكردية الموحدة أمام تحديات التنمية ومكافحة الفساد... واتساع الصدر للرأي الآخر
أربيل (شمال العراق) – أحمد سوران الحياة - 04/07/06//


جلال طالباني
اكتمل نصاب الحكومة الفيديرالية الكردية العراقية الآن، رئيس الاقليم مسعود البارزاني (الحزب الديموقراطي الكردستاني) ونائبه كوسرت رسول علي (الاتحاد الوطني الكردستاني) ورئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني وهو من حزب رئيس الاقليم ونائبه عمر فتاح، ومن حزب نائب رئيس الاقليم، لتصبح المعادلة كالتالي: رؤساء الحكومة الكردية من الديموقراطي الكردستاني ونوابهم من الاتحاد الوطني الذي يترأس زعيمه جلال الطالباني جمهورية العراق كأول رئيس كردي له.

اكتمل النصاب، والحديث جار الآن عن «ضرورة إحداث اصلاحات جدية يشعر المواطنون بها وتجعل منهم أناساً منتجين وتؤمن لهم مستقبلاً زاهراً»، فضلاً عن بناء «مجتمع مدني في الاقليم» ودعوة الحزبين الكرديين الرئيسيين الى «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للحكومة الجديدة بأي شكل من الاشكال» لكون «الأحزاب وسيلة لخدمة الشعب». فهل ستنجح الاحزاب الكردية أمام هذا التحدي الصعب، والعمل وفق مقاييس المجتمعات المدنية وتقبل ما قد ينتج عن ذلك من أمور قد لا تكون لمصلحتها؟


شروط المجتمع المدني

أول شروط المجتمع المدني أن تتوافر للفرد مسلتزمات حياته اليومية ليأتي بعد ذلك حق الرأي والتعبير بحرية عنه، وحق المواطنة بما يتضمن من حقوق وواجبات على الشعب والحكومة أيضاً. على الحكومة أن توفر مستلزمات العيش من فرص عمل للقضاء على البطالة والتقليل من ظاهرة «البطالة المقنعة»، وتأمين الخدمات الاساسية للمواطنين (السكن والماء والكهرباء) وضمان حقوق المواطن على أساس مواطنيته وليس على أية أسس أخرى. اذاً، بعد سنوات الفراق الطويلة التي اتسمت بأجواء غير ودية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين «الديموقراطي الكردستاني» و «الاتحاد الوطني»، اتحدت الحكومتان في اربيل والسليمانية ودمجت غالبية وزاراتهما (عدا العدل والبيشمركة والمالية والداخلية) وأعلنت «حكومة اقليم كردستان الموحدة» بعد مصادقة البرلمان الكردستاني عليها. لكن «التحدي» أمام عمل الحزبين الرئيسيين اصبح اكبر وصدق النوايا ووضوحها أصبحا حاجة ضرورية وماسة في إكمال التجربة الجديدة.

لم يحصل هذا من دون أسباب، فأمام الزعماء الأكراد وحكومتهم الموحدة الآن نوعان من التحدي أولهما: اثبات انهما قادران على تحويل «شعارات الديموقراطية والتعددية» التي يتحدثون بها مع شعبهم الى واقع، ولا مجال الآن أمام الاحزاب الكردية إلا بناء مجتمع مدني، وأن يجري تحويل الاحزاب الى احزاب مدنية وأن تكون سلطة الاقليم هي السلطة السائدة ولكن بقانون وشفافية في كل شيء، وأن يمارس البرلمان دوره. أما التحدي الثاني والجديد فهو ما أفرزه الوضع العراقي في خضم الاحداث المتسارعة والتي جعلت من اقليم كردستان «المكان الأوفر أمناً واستقراراً» والأكثر «هدوءاً» في جانبه السياسي مقارنة بالتنافس والتناحر الذي تشهده الاحزاب والكتل السياسية في بغداد. ولعل السياسيين الأكراد باتوا يدركون الآن اكثر من أي وقت مضى مدى حاجتهم لـ «التوحد» في كيان حكومي قادر على انتزاع حقوق الأكراد التي طال انتظارها بعدما «استنزفوه» من جهد وخسائر مادية ومعنوية في حرب (الأخوة الأعداء) وما ولّده انقسام السلطة الكردية من «هشاشة» وانعدام ثقة بالتجربة. ولكن، بعد عام 2003 تغيّر الوضع وتشابكت مصالح كبيرة وثبت أن الحكم الذاتي الكردي فقد الكثير من المكتسبات وباتت كردستان أمام مفترق طريق ليس بالصعب بقدر ما يمكن وصفه بـ «الحساس» وسط فورة الاحداث التي يعيشها البيت العراقي.


عائلات تعيش تحت خط الفقر


مسعود بارزاني
على رغم ما تعيشه كردستان من انفتاح وتوسع اقتصادي وارتفاع مستوى متوسط الدخل بسبب كثرة الشركات والمنظمات والهيئات المستثمرة غير الحكومية والتي ترتفع فيها مستويات الدخل مقارنة بالمؤسسات الحكومية، فإن عائلات كثيرة في اربيل ما زالت تعيش تحت مستوى خط الفقر، وبالذات في مناطق مثل كوران، وباداوا، ومحلة العرب القديمة، وسيطاقان ومنطقة التعجيل وغيرها، وجميعها تقع داخل اربيل، وتعيش من دون مورد مالي ثابت. وغالبية الاعمال التي يزاولها سكان هذه المناطق هي أعمال حرة (عمال بناء، سائقو تاكسي، وبائعي خضار) ما يعني أن مصدر رزق هذه العائلات يعتمد على ما تجنيه خلال نهار العمل ولا يمكن أن يشكل ضمانة. ويفاقم التدهور تزايد ظاهرة الانجاب، فغالبية سكان هذه المناطق ينظرون الى مسألة «تحديد النسل» والامتناع عن الانجاب على انه مخالف للشرع والدين ولا يجوز أخذ قرار مسبق به على رغم ما يعيشونه من سوء في الأوضاع المعيشية والافتقار الى الوعي الصحي الذي من غير المستبعد أن تمتد آثاره مودية بحياة الكثيرين، لكن هذا يبقى في نظرهم أفضل بكثير من ايقاف الانجاب.

المفارقة هي في ان حياً راقياً مثل حي أزادي في أربيل لا تفصله سوى بضعة أمتار عن حي بهار الشعبي. ويصف بعضهم الفارق في المستوى المعيشي والاجتماعي والاقتصادي بين الحيين ببعد السماء عن الأرض. وبينما تتوجس بعض عائلات احياء الاغنياء في أربيل من استخدام مواد الحصة التموينية لشكوكهم في تواريخ نفاد صلاحياتها، ورداءة انواعها وما أشيع عن أن غالبيتها لا تمثل غير «البضاعة الكاسدة والقديمة» في مخازن الدول المصدرة لها، تضطر عائلات المناطق الفقيرة الى «الاقتصاد» بها لضمان كفايتها وتوزيعها على أيام الشهر على رغم أن الحصة التموينية نفسها لا توزع في شكل نظامي وفي الكثير من المرات تأتي وقد «احتجبت» عنها في معظم موادها.


الخدمات والوقود...

وما زالت أزمة الوقود التي لم تتوقف يوماً تعصف بالشارع الكردي، وهي أن لاقت اوقاتاً من الانفراج فإن الأزمة هي سمتها الطاغية. وعلى رغم أن «اقليم كردستان» استقل ادارياً منذ قرابة الخمسة عشر عاماً، فإن الكثير من المشاريع وخصوصاً المشاريع المتعلقة بالنفط، لم يجر العمل بها أو الحديث عن تنفيذها إلا بعد سقوط النظام العراقي السابق وخصوصاً في السنتين الأخيرتين.

ويبرر المسؤولون الأكراد عدم قدرة الحـــكومة الكردية على اقامة مشاريع خاصة توفر المحروقات للاقليم من دون الاعتماد على استيراده من دول أخرى مثل تركيا المجاورة والمتخذة من مسألة تصدير المحروقات وايصالها بالـــشاحنات الى كردســـتان، ورقــة ضغــط سياسية على الحكــومة الكردية بشــكل خـــاص، ويــبررون ذلك بالحـــصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على العراق كله والذي لم يكن بموجبه مسموحاً أن تنـــفذ مشـــاريــع استثــمارية في المنطقة.

الخدمات الأساسية بشكل عام (الماء والكهرباء) معضلة أخرى أمام الحكومة الكردية، ومجاري الصرف الصحي في الكثير من احياء اربيل لا تزال مفتوحة تسير وسط الشارع! كما أن خدمات ايصال المياه الصالحة للشرب ما زالت معدومة في بعض تلك المناطق مما يضطر بعض العائلات الى سحب المياه من المجرى الرئيسي لها والذي يقع في الغالب في مكان بعيد عن منازلهم.

وعلى رغم الزيادة الحاصلة في رواتب الموظفين العاملين في مؤسسات الدولة، فإنها زيادة غير متناسبة مع سعر السوق الذي يرتفع يوماً بعد يوم.

التجربة الكردية لا تخلو من ما تعاني منه بلدان متعددة. فالفساد الاداري والمالي يحتاج الى رغبة فعلية من الحكومة الموحدة لمواجهته خصوصاً أن الضالعين فيه هم جزء من آلة السلطة، ونجاح التجربة الفيديرالية الكردية مرتبط الى حد بعيد بنجاح الحكومة الجديدة في الحد من شبكات الفساد المتصلة بشبكات تحالف سياسية وعشائرية كبرى، ولا سيما أن الرأي العام الكردي يتداول يومياً وقائع وحقائق تدمي التجربة الفيديرالية، خصوصاً في مجالا ت احتكار العقود والتلزيمات، والتي أن صح ما يتم تداوله، نكون حيال جمهورية فساد جديدة تنضم الى جمهوريات المنطقة، بينما يحتاج الأكراد الى تجربة مختلفة تبرر الحاجة الى فيديراليتهم.

المهمة الثانية أمام الحكومة الكردية الموحدة على هذا الصعيد تتمثل في نقل الكلام عن احترام التعددية وحرية التعبير من المجال النظري الى الواقع.

فالوضع في كردستان العراق ليس وردياً على هذه الأصعدة، واذا كانت ظروف الحرب مع النظام السابق بررت للحزبين الكرديين ولحكومتيهما بعض الضيق بالأصوات المختلفة فإن سقوط النظام الســـابق وتوحد الحكومتين يضع السلطة أمام تحد جديد يتمثل في ممارسة الشعارات المعلنة واتاحة المجال أمام صحافة حرة ومـــعارضة حقيـــقية تلعب أدواراً رقـــابية لا يمكن لحياة ديـــموقراطـــية أن تســـتقيم من دونها.


<h1>الحكومة الكردية الموحدة أمام تحديات التنمية ومكافحة الفساد... واتساع الصدر للرأي الآخر</h1>
<h4>أربيل (شمال العراق) – أحمد سوران الحياة - 04/07/06//</h4>
<p>
<p>

<table width="200" cellspacing="0" cellpadding="3" border="0" align="left" class="image">
<tr>
<td><img alt="جلال طالباني" src="talbani_18.jpg_200_-1.jpg" hspace="0" border="0"></td>
</tr>
<tr>
<td class="caption">جلال طالباني</td>
</tr>
</table>اكتمل نصاب الحكومة الفيديرالية الكردية العراقية الآن، رئيس الاقليم مسعود البارزاني (الحزب الديموقراطي الكردستاني) ونائبه كوسرت رسول علي (الاتحاد الوطني الكردستاني) ورئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني وهو من حزب رئيس الاقليم ونائبه عمر فتاح، ومن حزب نائب رئيس الاقليم، لتصبح المعادلة كالتالي: رؤساء الحكومة الكردية من الديموقراطي الكردستاني ونوابهم من الاتحاد الوطني الذي يترأس زعيمه جلال الطالباني جمهورية العراق كأول رئيس كردي له.</p>
<p>اكتمل النصاب، والحديث جار الآن عن «ضرورة إحداث اصلاحات جدية يشعر المواطنون بها وتجعل منهم أناساً منتجين وتؤمن لهم مستقبلاً زاهراً»، فضلاً عن بناء «مجتمع مدني في الاقليم» ودعوة الحزبين الكرديين الرئيسيين الى «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للحكومة الجديدة بأي شكل من الاشكال» لكون «الأحزاب وسيلة لخدمة الشعب». فهل ستنجح الاحزاب الكردية أمام هذا التحدي الصعب، والعمل وفق مقاييس المجتمعات المدنية وتقبل ما قد ينتج عن ذلك من أمور قد لا تكون لمصلحتها؟</p>
<p>

<h3>شروط المجتمع المدني</h3>

</p>
<p>أول شروط المجتمع المدني أن تتوافر للفرد مسلتزمات حياته اليومية ليأتي بعد ذلك حق الرأي والتعبير بحرية عنه، وحق المواطنة بما يتضمن من حقوق وواجبات على الشعب والحكومة أيضاً. على الحكومة أن توفر مستلزمات العيش من فرص عمل للقضاء على البطالة والتقليل من ظاهرة «البطالة المقنعة»، وتأمين الخدمات الاساسية للمواطنين (السكن والماء والكهرباء) وضمان حقوق المواطن على أساس مواطنيته وليس على أية أسس أخرى. اذاً، بعد سنوات الفراق الطويلة التي اتسمت بأجواء غير ودية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين «الديموقراطي الكردستاني» و «الاتحاد الوطني»، اتحدت الحكومتان في اربيل والسليمانية ودمجت غالبية وزاراتهما (عدا العدل والبيشمركة والمالية والداخلية) وأعلنت «حكومة اقليم كردستان الموحدة» بعد مصادقة البرلمان الكردستاني عليها. لكن «التحدي» أمام عمل الحزبين الرئيسيين اصبح اكبر وصدق النوايا ووضوحها أصبحا حاجة ضرورية وماسة في إكمال التجربة الجديدة.</p>
<p>لم يحصل هذا من دون أسباب، فأمام الزعماء الأكراد وحكومتهم الموحدة الآن نوعان من التحدي أولهما: اثبات انهما قادران على تحويل «شعارات الديموقراطية والتعددية» التي يتحدثون بها مع شعبهم الى واقع، ولا مجال الآن أمام الاحزاب الكردية إلا بناء مجتمع مدني، وأن يجري تحويل الاحزاب الى احزاب مدنية وأن تكون سلطة الاقليم هي السلطة السائدة ولكن بقانون وشفافية في كل شيء، وأن يمارس البرلمان دوره. أما التحدي الثاني والجديد فهو ما أفرزه الوضع العراقي في خضم الاحداث المتسارعة والتي جعلت من اقليم كردستان «المكان الأوفر أمناً واستقراراً» والأكثر «هدوءاً» في جانبه السياسي مقارنة بالتنافس والتناحر الذي تشهده الاحزاب والكتل السياسية في بغداد. ولعل السياسيين الأكراد باتوا يدركون الآن اكثر من أي وقت مضى مدى حاجتهم لـ «التوحد» في كيان حكومي قادر على انتزاع حقوق الأكراد التي طال انتظارها بعدما «استنزفوه» من جهد وخسائر مادية ومعنوية في حرب (الأخوة الأعداء) وما ولّده انقسام السلطة الكردية من «هشاشة» وانعدام ثقة بالتجربة. ولكن، بعد عام 2003 تغيّر الوضع وتشابكت مصالح كبيرة وثبت أن الحكم الذاتي الكردي فقد الكثير من المكتسبات وباتت كردستان أمام مفترق طريق ليس بالصعب بقدر ما يمكن وصفه بـ «الحساس» وسط فورة الاحداث التي يعيشها البيت العراقي.</p>
<p>

<h3>عائلات تعيش تحت خط الفقر</h3>

</p>
<p>

<table width="200" cellspacing="0" cellpadding="3" border="0" align="right" class="image">
<tr>
<td><img alt="مسعود بارزاني" src="barazani_18.jpg_200_-1.jpg" hspace="0" border="0"></td>
</tr>
<tr>
<td class="caption">مسعود بارزاني</td>
</tr>
</table>على رغم ما تعيشه كردستان من انفتاح وتوسع اقتصادي وارتفاع مستوى متوسط الدخل بسبب كثرة الشركات والمنظمات والهيئات المستثمرة غير الحكومية والتي ترتفع فيها مستويات الدخل مقارنة بالمؤسسات الحكومية، فإن عائلات كثيرة في اربيل ما زالت تعيش تحت مستوى خط الفقر، وبالذات في مناطق مثل كوران، وباداوا، ومحلة العرب القديمة، وسيطاقان ومنطقة التعجيل وغيرها، وجميعها تقع داخل اربيل، وتعيش من دون مورد مالي ثابت. وغالبية الاعمال التي يزاولها سكان هذه المناطق هي أعمال حرة (عمال بناء، سائقو تاكسي، وبائعي خضار) ما يعني أن مصدر رزق هذه العائلات يعتمد على ما تجنيه خلال نهار العمل ولا يمكن أن يشكل ضمانة. ويفاقم التدهور تزايد ظاهرة الانجاب، فغالبية سكان هذه المناطق ينظرون الى مسألة «تحديد النسل» والامتناع عن الانجاب على انه مخالف للشرع والدين ولا يجوز أخذ قرار مسبق به على رغم ما يعيشونه من سوء في الأوضاع المعيشية والافتقار الى الوعي الصحي الذي من غير المستبعد أن تمتد آثاره مودية بحياة الكثيرين، لكن هذا يبقى في نظرهم أفضل بكثير من ايقاف الانجاب.</p>
<p>المفارقة هي في ان حياً راقياً مثل حي أزادي في أربيل لا تفصله سوى بضعة أمتار عن حي بهار الشعبي. ويصف بعضهم الفارق في المستوى المعيشي والاجتماعي والاقتصادي بين الحيين ببعد السماء عن الأرض. وبينما تتوجس بعض عائلات احياء الاغنياء في أربيل من استخدام مواد الحصة التموينية لشكوكهم في تواريخ نفاد صلاحياتها، ورداءة انواعها وما أشيع عن أن غالبيتها لا تمثل غير «البضاعة الكاسدة والقديمة» في مخازن الدول المصدرة لها، تضطر عائلات المناطق الفقيرة الى «الاقتصاد» بها لضمان كفايتها وتوزيعها على أيام الشهر على رغم أن الحصة التموينية نفسها لا توزع في شكل نظامي وفي الكثير من المرات تأتي وقد «احتجبت» عنها في معظم موادها.</p>
<p>

<h3>الخدمات والوقود...</h3>

</p>
<p>وما زالت أزمة الوقود التي لم تتوقف يوماً تعصف بالشارع الكردي، وهي أن لاقت اوقاتاً من الانفراج فإن الأزمة هي سمتها الطاغية. وعلى رغم أن «اقليم كردستان» استقل ادارياً منذ قرابة الخمسة عشر عاماً، فإن الكثير من المشاريع وخصوصاً المشاريع المتعلقة بالنفط، لم يجر العمل بها أو الحديث عن تنفيذها إلا بعد سقوط النظام العراقي السابق وخصوصاً في السنتين الأخيرتين.</p>
<p>ويبرر المسؤولون الأكراد عدم قدرة الحـــكومة الكردية على اقامة مشاريع خاصة توفر المحروقات للاقليم من دون الاعتماد على استيراده من دول أخرى مثل تركيا المجاورة والمتخذة من مسألة تصدير المحروقات وايصالها بالـــشاحنات الى كردســـتان، ورقــة ضغــط سياسية على الحكــومة الكردية بشــكل خـــاص، ويــبررون ذلك بالحـــصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على العراق كله والذي لم يكن بموجبه مسموحاً أن تنـــفذ مشـــاريــع استثــمارية في المنطقة.</p>
<p>الخدمات الأساسية بشكل عام (الماء والكهرباء) معضلة أخرى أمام الحكومة الكردية، ومجاري الصرف الصحي في الكثير من احياء اربيل لا تزال مفتوحة تسير وسط الشارع! كما أن خدمات ايصال المياه الصالحة للشرب ما زالت معدومة في بعض تلك المناطق مما يضطر بعض العائلات الى سحب المياه من المجرى الرئيسي لها والذي يقع في الغالب في مكان بعيد عن منازلهم.</p>
<p>وعلى رغم الزيادة الحاصلة في رواتب الموظفين العاملين في مؤسسات الدولة، فإنها زيادة غير متناسبة مع سعر السوق الذي يرتفع يوماً بعد يوم.</p>
<p>التجربة الكردية لا تخلو من ما تعاني منه بلدان متعددة. فالفساد الاداري والمالي يحتاج الى رغبة فعلية من الحكومة الموحدة لمواجهته خصوصاً أن الضالعين فيه هم جزء من آلة السلطة، ونجاح التجربة الفيديرالية الكردية مرتبط الى حد بعيد بنجاح الحكومة الجديدة في الحد من شبكات الفساد المتصلة بشبكات تحالف سياسية وعشائرية كبرى، ولا سيما أن الرأي العام الكردي يتداول يومياً وقائع وحقائق تدمي التجربة الفيديرالية، خصوصاً في مجالا ت احتكار العقود والتلزيمات، والتي أن صح ما يتم تداوله، نكون حيال جمهورية فساد جديدة تنضم الى جمهوريات المنطقة، بينما يحتاج الأكراد الى تجربة مختلفة تبرر الحاجة الى فيديراليتهم.</p>
<p>المهمة الثانية أمام الحكومة الكردية الموحدة على هذا الصعيد تتمثل في نقل الكلام عن احترام التعددية وحرية التعبير من المجال النظري الى الواقع.</p>
<p>فالوضع في كردستان العراق ليس وردياً على هذه الأصعدة، واذا كانت ظروف الحرب مع النظام السابق بررت للحزبين الكرديين ولحكومتيهما بعض الضيق بالأصوات المختلفة فإن سقوط النظام الســـابق وتوحد الحكومتين يضع السلطة أمام تحد جديد يتمثل في ممارسة الشعارات المعلنة واتاحة المجال أمام صحافة حرة ومـــعارضة حقيـــقية تلعب أدواراً رقـــابية لا يمكن لحياة ديـــموقراطـــية أن تســـتقيم من دونها.</p>
</p>