 |
-
المثقف الشيعي/ مثقف الحرية!..... غالب حسن الشابندر
المثقف الشيعي/ مثقف الحرية!
GMT 6:00:00 2006 الخميس 24 أغسطس
غالب حسن الشابندر
--------------------------------------------------------------------------------
الحرية مكسب عظيم في مخطط كسر إرهاب التسميات النافية، لأن الحرية تتعارض مع منطق الاستبداد، والتسميات التي مرت علينا هي لون من ألوان الاستبداد، الاستبداد الفكري والروحي والاقتصادي والإنساني، لا أتحدث عن المفهوم المباشر لهذه التسميات النافية ، بل أتحدث عن المعرفة باعتبارها سلطة خفية، لا أتحدث عن المفهوم بصراحته السمجة ، بل عن المفهوم كغطاء خارجي، كموقف، ونتيجة، ومستحقات، فالحرية شأن جوهري في فكر المثقف الشيعي، ليس لقيمتها الجوهرية في حد ذاتها وحسب، بل لما تخلقه من فرص استعادة الذات، والدفاع عن الحقيقة، الحرية ضد التغييب، والتسميات النافية التي هي مخطط تغييب، وإعدام، وحذف لطائفة من البشر ، ولذلك لابد من الكفاح في سبيل الحرية حتى تتوفر فرص تزييف وتعطيب هذه التسميات التي تتعارض مع الحس الإنساني بكل معانية الطيبة.
ونعتقد أن المثقف الشيعي إذا ولج عالم الحرية على مستوى التأسيس والتبني والممارسة والتبشير سوف يبدع أيَّما إبداع، لأن مساحة كبيرة من مذهبه وتراثه تتواصل مع هذه القيمة الرائعة، فا لعدل الإلهي وضرورة تحكيم الحاكم العادل، وحرمة التعاون مع الظلمة... كل هذه المقتربات وغيرها تفتح مجال تفجر فكري وإبداع نظري من خلال التعاطي مع الحرية، أضف لذلك، كانت هناك أنهار من الدم الشيعي سُفِكت على دروب الحرية، وبالتالي، يملك رصيدا من تجربة التعاطي مع الحرية كهدف، وقبل ذلك كأساس عقدي، ومن ثم لا ننسى، أن عقيدة الاختيار الرائعة تنسجم مع جوهر الحرية، بما في ذلك حرية الواقع، وليس حرية الذات وحسب، يعني حرية التصرف الخارجي ، حرية الخلق الخارجي، وليس حرية الـتأمل النظري.
الدعوة إلى ا لحرية تستلزم الدعوة إلى أمرين في الوقت نفسه، أمرين ملازمين لجوهر الحرية، هما بالضبط، العقلانية و التثوير! هما صنوا الحرية.
العقلانية دعوة إنسانية لاحترام الحياة والأشياء، ومداخلتها بهدوء ورصانة، وعدم التسرع في الأحكام، محاكمة الأمور بموضوعية.
المثقف الشيعي مدعو إلى عدم التمسك الحرفي بالماضي، بل بالإفادة منه، والإفادة منه حتمية، وهذا من معاني العقلانية، ولا ننسى أن الدعوة إلى العقلانية تتعارض مع الاستبداد، تتعارض مع كل تسميات الحذف، حذف الآخر.
العقلانية ضد استهبال الأخر، ضد تسميته من منطلق التحقير، من منطلق الإنفراد بالوجود والحقيقة، والتشيع يمتلك نصا مشرقاً في هذا المجال، فأي أبن أنثى أما أخ لي في الدين أو نظير لي في الخلق، بل كتاب الله شاهد على هذا المنحى الأخلاقي العقلاني الشفاف، فالأنبياء علاقتهم مع أقوامهم علاقة أخوة!
ألم نقرأ (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أن أنتم إلا تفترون).
ألم نقرأ قوله تعالى (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره...).
وهذه هي العقلانية اليوم ترفض كل دعوى لاحتكار الحقيقة، حتى في المذهب الواحد.
التثوير نعني به تجاوز الحاضر لغد مشرق، تجاوز الذات، العطاء الذي من شأنه السمو بصاحبه الذي أعطى، لا حرية بلا قدرة على تجاوز معادلة الحاضر، ولا حرية بلا عقلانية شفافة.
هذا المثلث المقدس (الحرية، العقلانية، الثورية) يسلحنا بقوة هائلة لكسر الاغتراب، الاغتراب الذي خطه على بساط روحنا تاريخ من الظلم، تاريخ من الإهمال، تاريخ من العنف، تاريخ من الحرمان، تاريخ من التشويه، تاريخ من الحذف، الحذف المستمر.
الحقيقة أن العمل من اجل الحرية بذاته يحررنا من كل محاولة حذف، يمرِّننا على مقاومة تلك التسميات التي يريدون إنزالها من قيم النظر إلى قيم الواقع، ونحن مادتها، ونحن وعائها التطبيقي، وقد مارسوها، وما زالوا يمارسونها!
الآن وفي ظل هذه الحرب المستعرة على شيعة العراق، وشيعة أفغانستان، وشيعة البحرين، وشيعة لبنان، الآن ينبغي لمثقفي الشيعة أن يكتلوا جهودهم لوضع خطاطة لموضوعة الحرية، ليس تعريفها وماهيتها وخصائصها، ذاك ما لا ينفع، بل خطاطة تتعلق بكونها حقا،حق يجب أن يجد تطبيقه العملي، يجب أن يكون من معالم المجتمع المسلم، في أي مكان، في أي زمان، بل حق يجب أن يجد تطبيقه في كل مجتمع بلا استثناء.
الآن ينبغي أن يكثف شيعة العراق فكرهم وجهدهم للدفاع عن الحرية، فقد استغل بعضهم غياب الحرية ليخططوا على أرواحهم التسميات الحاذفة، يخططوها عنوة، وقد كان لاستفرادهم بالقوة سبب مهم في ذلك، وكان لغياب الحرية سبب في ذلك، وكان لطمس العقلانية سبب في ذلك، وكان لجمود المجتمع على نمطية ميتة سبب في ذلك.
إنه مثقف الحرية، وليس مثقف الأحكام الشرعية، مثقف الحرية وليس مثقف علم الكلام، الحرية من الخارج والحرية من الداخل، يكافح من أجل أن يحرر قومه من هذا العنت والتشويه والقتل والنفي، ويكافح من أجل أن يحرر الشيعي من داخله، من شعور بعضهم بالضعة، والرغبة في أن يكون بقرة للذبح، من الغيب الغبي، من الإيمان بقدرية الشهادة بلا تخطيط وبلا مناسبة وبلا أمل، تلك الأحبولة التي راح ضحيتها الملايين من الشيعة، من أجل أن يضع قدر الإنسان الشيعي بيده، وليس على أعواد منبر حسيني يملي عليه بما يرغب مرتقيه، بلا مساءلة وبلا حوار، لا سابقا و لا حقا، من الدمعة التي استعبدته، من الحزن الذي أمتلكه، من السود الذي استعذبه، من هذه الاستباحة التي سلطها برغبته على جسده، ففي كل سنة أكثر من خمسين مناسبة للبكاء واللطم والنواح والجرح والجري مئات الأميال مشيا على الأقدام،فيما لا تتحرك فيه غريزة الخوف على أطفاله الجياع، وهو يُدْعَى للقيام بحملة تنظيف شارعه، أو منطقته أو محلته، كم هي مأساة وكم هي فاجعة؟
أنه مثقف الحرية، حرية شيعته... حرية أحمد بن حنبل في اعتقاده بخلق القرآن...حرية النظَّام الكبير بتفضيل أبي بكر على علي... حرية الحلاج بقوله أن الله في جيبي... حرية الاشتراكي الذي يؤمن بأصالة الملكية الجماعية ...حرية القومي الذي لا يرى في القومية مقياس تفضيل حتى لو كان باطلا... حرية المرأة التي جعلت من فاطمة مثلا لها... حرية المرأة التي تطلعت إلى سيمون ديبوفوار قدوة وقيادة ، فإن الأصل هو الحرية بصرف النظر عن منحاها وهويتها عندي أو عندك.
-
وتبقى أسئلة بريئة أو مقصودة!
GMT 7:00:00 2006 السبت 26 أغسطس
غالب حسن الشابندر
--------------------------------------------------------------------------------
ولكن أين نضع قضايا الأمة الكبيرة؟ أين نضع مسألة الصراع مع الاستعمار والصهيونية؟ أين نضع صراع الفقراء من أجل قوت يومهم وكرامتهم الإنسانية؟ أين نضع قضية الديمقراطية التي صارت مطلباً عالمياً؟ أين نضع قضايا التحرير والتحرر العالميين؟
أين موقف هذا المثقف الشيعي من كل هذه القضايا المصيرية التي تخص كل الأمة، تخص العرب والمسلمين وكل من يحمل هماً إنسانيا خيرا؟
هذه الأسئلة وغيرها ليست بعيدة عن هموم المثقف الشيعي، وكيف تكون بعيدة عن هم هذا المثقف في حين هو الذي قاد عملية النضال ضد الاستعمار والتبعية والتخلف في العراق وفي البحرين وفي لبنان؟ وكيف ينسى أو يتناسى هذه الأسئلة المصيرية وهو المثقف الذي عرف بخلْقه لفكر المواجهة، ومراجعة بسيطة لرموز العمل السياسي المقاوم في العالم العربي تكفي للتدليل على هذه الحقيقة.
هذه القضايا بالنسبة للمثقف الشيعي بديهيات، لا تحتاج إلى مساءلة، لا تحتاج إلى فكر، ولكن المثقف الشيعي يرى حالة شاذة، حالة مزعجة، تكشف عن فكر قمعي قاتل، يهدف إلى تمزيق الأمة، ويصب في تمزيق الأوطان. المثقف الشيعي أدرك أن هناك خطراً داخلياً هو أولى بالمعالجة من أي خطر أ خر، ذلك هو العمل على حذف الآخر، وفي مقدمة هذا الآخر هم الشيعة. وهذه حقيقة لا يمكن تغافلها، وللأسف الشديد قد يكون بعض المثقفين متورطين في هذه المأساة، وليس سرا أن الموقف من شيعة العراق كشف عن مثل هذه المفارقة المؤلمة، وهل ننسى نداءات بعض المثقفين أو أدعياء الثقافة تضج بالعفن الطائفي البغيض؟
أن المثقف الشيعي عندما يحمل هموم طائفته إنما كجزء من عملية ثورة إنسانية عالمية على كل ما هو ليس إنساني، جزء من عملية أخلاقية تهدف إلى تعطيب هذه القوى التي تسعى إلى الإنفراد بحق الحياة وبحق الوجود.
هذا المشروع النافي يهدد كل إنجازات الأمة، يهددها من الداخل، وبذلك يكون المثقف الشيعي قد أدرك نقطة حساسة، نقطة بالصميم، وهو يكون بذلك قد سبق الآخرين في تحليل الواقع، وتشريح المرحلة، أي إمكانية لتحرير هذه الأمة من الهيمنة والاستغلال العالمي والاستعمار وهناك عملية حذف لقطاعات كبيرة من هذه الأمة، قتلها، إنهائها، ثقافياً سواء كان ذلك أو وظيفياً أو وجوديا، من هنا أنتبه المثقف الشيعي لهذه المفارقة الخطيرة.
فإذن المثقف الشيعي العراقي يتعامل مع القضية من منطلق التكاملية بين الكلي و الجزئي، بين العام والخاص، لم يعد هلاميا، لم يعد خياليا، لقد كان دقيقاً في موقفه.
قضايا الأمة الكبيرة مثل الاستعمار والتخلف والإرهاب والطائفية وغيرها هي في صميم مهمات هذه المثقف، ولكن ليس بمعزل عن القضايا الداخلية ا لتي تهم وحدة الأمة، ووحدة المجتمع، ومن المعلوم أن قرار حذف الإنسان الشيعي قضية خطيرة تهدد الواقع برمته، أصلا تهدد المستقبل، مستقبلنا جميعا، ومن هنا كان اهتمامه بقضايا طائفته الكريمة في غاية الأهمية، وفي غاية الدقة، ليس هناك تناقض أبدا، خاصة أن المثقف الشيعي كان هدف الحذف بشكل مركزي، كان هدف التذويب والتمييع والتجيير خلاف القناعات وخلاف الانتماء الطوعي.
لقد أثبتت التجربة أن معالجة القضايا الداخلية التي تعرِّض الأمة للتصدع، وتهدد الواقع بالتسيّب والتخلخل... هذه القضايا يجب تقديمها على معالجة القضايا الكبيرة، أو لتكون المعالجة متزامنة، متوازية. من هنا نشخص دقة هذا الطرح من قبل المثقف المسلم الشيعي، كان سبَّاقا لذلك، وهو بهذا لا ينطلق من مقتربات طائفية، بل من تقدير علمي للواقع، من تقدير علمي للقضية المصيرية التي تهم المسلمين في كل مكان.
وهناك سؤال آخر، ترى هل يستطيع المثقف المسلم الشيعي تجاوز انتماءه الطبقي ـ مثلا ـ ليكون في صالح كل الشيعة، ليكون في صالح كل الكيان؟ وبعبارة أكثر صراحة...
هل يمكن للمثقف الشيعي أن يكون مثقفاً موضوعيا؟
يجب أن لا نكون خيالين في الجواب على هذا السؤال الكبير، ذلك إن الإنسان صنيع بيئته، كذلك النصوص التي يقرأها ويتعامل معها، كذلك طبقته التي ينتمي إليها من الناحية الاجتماعية، كذلك تجربته السياسية، و مهنته، و وظيفته، وحزبه السابق، وعائلته...
ولكن رغم ذلك يمكن لهذا المثقف أن يلتحم بعموم الكيان، من خلال الالتحام بقضاياه العامة، بمشاكله الكبيرة، هذا التوجه هو الجدير بتوظيفه للكيان كله، للشيعة بكل أطيافهم وفئاتهم الاجتماعية، هناك قضية تهم الشيعة ككل، ولعل التسميات الخطيرة التي مرّ عملية تشريحها، وتحليلها لا تخص الفقير الشيعي دون الغني الشيعي، الملتزم الشيعي دون غير الملتزم، الموظف الشيعي دون المهني، وبالتالي، فإن مثل هذا الالتحام الكلي سوف يطعم ذوق هذا المثقف بروح الكلية، بروح الكيانية العامة، لا ننسى أن الممارسة من شانها تغيير القناعات، تغيير التوجّهات، تغيير القناعات، تغيير المهمات، تغيير الآليات، المهم البداية، كما أن هناك الفكر ودوره العملاق ... كل هذه المقتربات من شأنها المساعدة على بلورة فكرة المثقف الشيعي الموضوعي. وأجدني هنا مضطرا على نحو الاستطراد أن اعيد تعريفي الرسمي العادي للمثقف الشيعي، لأقول هو هذا الكاتب، الفنان، المفكر، الشاعر، الذي ينتمي إلى كيان بشري يسمّى ( شيعة ) بصرف النظر عن كل التزام ديني، شريطة أن يحس بهذا الانتماء، ويعمل من أجله، ولكن بلحاظ الانتماء لدائرة أكبر، تلك هي الإنسانية، فهو مثقف حقوق وليس أحكام شرعية، ولا علوم كلام، ولا حتى تاريخ، فمن البساطة أو السذاجة أن نحاسبه أو نناقشه فقهيا أو كلاميا، فتلك ليست شغلته ، ولا تمس فكره ونضاله وعمله طرفا من بعيد أو قريب.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |