 |
-
فتنة البارزاني:حرب أعْلام أم حربٌ أهلية؟
العراق:
حرب أعْلام أم حربٌ أهلية؟
فواز طرابلسي
الأعلام مشحونة دوماً بشحنات شعورية، بل غريزية، تتجاوز بكثير دلالات الألوان والخطوط لتعبّر عن صراعات على السلطة والجاه والثروة داخلياً وعن التمايز الوطني والقومي خارجياً.
لا يشذ العراق عن هذه القاعدة. اندلعت حرب الأعلام فيه الأسبوع الماضي، إذ أعلن مسعود بارزاني، وقف العمل بالعلم العراقي. وبرّر رئيس حكومة إقليم كردستان قراره بأن العلم العائد إلى عهد البعث هو <علم الأنفال والقصف الكيماوي والمقابر الجماعية وتجفيف الأهوار وتدمير العراق بأكمله>. أعلن بارزاني الاستعاضة عن العلم، الذي كتب عليه صدام حسين بخط يده <الله أكبر>، بعلم ثورة تموز والجمهورية العراقية الأولى (1958 1963) الى أن يوضع علم جديد للبلاد. ومعروف أنه في نيسان 2004 رفض العراقيون مشروع علم جديد إذ ذكّرهم اللون الأزرق الطاغي عليه بالعلم الإسرائيلي، إضافة الى خلوّه من أي ترميز لهوية العراق العربية. هذا في حين أن العلم الجمهوري حافظ على ألوان العلم العربي وأضاف إليها شمساً صفراء ذات شعاعات حمراء ترمز في آن معاً إلى لون العلم الكردي وإلى العراق التاريخي.
على الفور رد رئيس الوزراء نوري المالكي على المبادرة الكردية مذكراً بوجوب رفع العلم العراقي على <كل شبر> من الأرض العراقية. وتصاعد السجال إذ انحاز رئيس الجمهورية جلال طالباني الى بارزاني وهددت أوساط هذا الأخير بإعلان الاستقلال الكردي. من جهتها، أدلت الحكومة التركية بدلوها محذرة من <خطورة> عدم رفع العلم العراقي في كردستان، على اعتبار أن استبدال علم بعلم إن هو إلا إرهاص باستقلال كردي ترفضه تركيا بحزم.
تزامنت حرب الأعلام هذه مع تصاعد ملحوظ في الدعوات الجنوبية إلى الفيدرالية التي كان <المجلس الأعلى للثورة الإسلامية> الداعية الرئيسي لها.
في العراق حرب أهلية.
هي حرب يُنكرها الرئيس بوش، وتؤكد عليها وزارة الدفاع الأميركية. والأهم طبعا أن أوساطاً عراقية وعربية تكابر في الاعتراف بها. لا سبيل إلى إنكار. تصاعدت أعمال العنف المذهبية بنسبة 50 في المئة خلال الشهور الأخيرة وارتفع معها المعدل اليومي لعدد القتلى الى نحو 120 قتيلاً، معظمهم من المدنيين. وكان طبيعياً أن تترافق أعمال العنف المذهبية مع تصاعد موجات التهجير السكاني في المناطق العراقية المختلطة بما فيها العاصمة. وليس أدل على خطورة ما يجري من إعلان المرجع الأعلى للشيعة في النجف آية الله السيستاني اعتزاله السياسة، والاكتفاء بدوره المرجعي الديني، بعد يأسه من إمكانية وضع حد لدورة العنف وفشله في إقناع الميليشيات الشيعية بعدم الرد بالمثل على أعمال العنف المذهبية ضد الشيعة.
حقيقة الأمر أن العراق في ظل الاحتلال الأميركي، لا يعيش في حالة كولونيالية صافية تعبّر عنها معادلة احتلال/ مقاومة وطنية. حاز النظام العراقي الراهن مقداراً لا ينكر من التزكية الانتخابية لقطاع واسع من العراقيين، وإن كان وجهها الآخر إقصاء القسم الأكبر من الجماعة السنية عن المشاركة السياسية. أما <المقاومة> فالتبست فيها الجماعات الإرهابية (جماعة الزرقاوي وتنظيم <القاعدة>) ببقايا النظام البعثي بوافدين جدد يتوسلون العنف المسلح ضد الاحتلال الأجنبي ولكن أيضاً وخصوصاً ضد تهميش الطائفة السنية وضد تحميلها أوزار النظام السابق. ومن أجل المزيد من تعقيد اللوحة، إذ استسهلت أطراف <المقاومة> ضرب قوات الشرطة العراقية بديلاً من العسكر الأميركي، أخذت قوات الشرطة تتماهى أكثر فأكثر مع الميليشيات الشيعية والكردية. وأخيراً، غني عن التذكير ما للميليشيات من قوة جذب في حال انفراط عقد الدولة، أو ضعفها، وفي ممارسته الحماية والثأر والتوزيع الاجتماعي.
تتحمّل الإدارة الأميركية المسؤولية الكبرى في ما آلت إليه العلاقات بين الجماعات العراقية ليس فقط لأنها دمّرت الدولة العراقية، عنصر التوحيد الأول للمجتمع، وإنما أيضاً لفرضها رؤية للعراق قسّمته إلى اثنية واحدة، الكرد، ومذهبين إسلاميين، السنة في الوسط والشيعة في الوسط والجنوب. أضف الى هذا كله أن الاحتلال الأميركي هو المستفيد الأول من الاحتراب الأهلي العراقي لما يقدمه من مبررات جديدة لبقائه. ويتحمّل نظام صدام حسين بدوره المسؤولية عن مفاقمة الطابع المذهبي للسلطة، والاستئثار بالدخل النفطي وسبل توزيعه، وعن المجازر ضد شيعة الجنوب وأكراد الشمال، ناهيك عن اعتماده العشيرة مرجعاً للفرد العراقي وواسطة إلزامية بينه وبين السلطة.
على أن إلقاء التبعات على الاحتلال وحده أو على نظام صدام حسين دون سواه لا يقدّم ولا يؤخر كثيراً في تعيين المهمات الراهنة ومسؤوليات العراقيين أنفسهم في الخروج من دورة العنف والتحرر من الاحتلال معاً. هنا، الجميع مسؤول.
التمادي الكردي في الفدرلة، بما فيه السعي لعقد اتفاقات نفط مباشرة لإقليم كردستان، مسؤول.
ومسؤول أيضاً الامتزاج الخطير بين الميليشيات الشيعية (والكردية) وبين أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية.
ومسؤول أخيراً وليس آخراً، من مارس العنف من الجماعات السنية سبيلاً إلى العودة إلى عهد مباد أو لفرض النفس بالعنف على الحياة السياسية.
بعبارة موجزة: الحل سياسي والحل عراقي.
إن وقف دورة العنف المجنونة العاصفة بالعراق مهمة سياسية وليست مهمة أمنية عسكرية، على العكس تماماً من ادعاءات السفير الأميركي في بغداد. ومهما يكن الرأي في سلوك إدارة الطالباني المالكي، فقد وضعت الأسس لتلك المصالحة وفق برنامج يسمح للبعثيين بالعمل السياسي والأهم أنه يمنح العفو حتى عن مرتكبي الأعمال المسلحة ضد الشرطة العراقية والقوات الأميركية والحليفة.
والربط هنا كامل بين تحقيق المصالحة الوطنية والمطالبة العراقية الموحدة بجدولة الانسحاب الأميركي.
من جهة ثانية، لم تكن الدولة المركزية مرة النظام السياسي الدستوري الأوحد الذي يحقق وحدة الشعب أو بناء الدولة. والفيدرالية في الإطار العراقي الراهن، يمكنها أن تكون تورية للتقسيم مثلما يمكنها أن تشكّل مساراً نحو إعادة بناء وحدة الشعب والدولة في ظل نظام يجمع بين حقوق الجماعات وحقوق الأفراد في المواطنة. والشرط الضروري لذلك هو تجاوز الثالوث المولّد للنزاعات: إثنية واحدة/ طائفتين مسلمتين.
وحدها صيغة فيدرالية عربية كردية تسمح بهذا التجاوز، في إطار هوية عربية جامعة، تعطي ما للكرد للكرد وما للعرب للعرب في عراق ديموقراطي موحّد.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |