مختارات من أوائل المقالات
الأخوة الكرام ،السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فيما يلي بعض المقتطفات اخترتها لكم من كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد رحمه الله ،أوردتها لكي تعم الفائدة للجميع و شكراً.
__________________________
* القول في الوعيد
و اتفقت الإمامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى و الإقرار بفرائضه من أهل الصلاة و وافقهم على هذا القول كافة المرجئة سوى محمد بن شبيب و أصحاب الحديث قاطبة و أجمعت المعتزلة على خلاف ذلك و زعموا أن الوعيد بالخلود في النار عام في الكفار و جميع فساق أهل الصلاة و اتفقت الإمامية على أن من عذب بذنبه من أهل الإقرار و المعرفة و الصلاة لم يخلد في العذاب و أخرج من النار إلى الجنة فينعم فيها على الدوام و وافقهم على ذلك من عددناه و أجمعت المعتزلة على خلاف ذلك و زعموا أنه لا يخرج من النار أحد دخلها للعذاب .
* القول في الشفاعة
و اتفقت الإمامية على أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمته و أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته و أن أئمة آل محمد (عليه السلام) يشفعون كذلك و ينجي الله بشفاعتهم كثيرا من الخاطئين و وافقهم على شفاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المرجئة سوى ابن شبيب و جماعة من أصحاب الحديث و أجمعت المعتزلة على خلاف ذلك و زعمت أن شفاعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للمطيعين دون العاصين و أنه لا يشفع في مستحق العقاب من الخلق أجمعين .
* القول في الإسلام و الإيمان
و اتفقت الإمامية على أن الإسلام غير الإيمان و أن كل مؤمن فهو مسلم و ليس كل مسلم مؤمنا و أن الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان و وافقهم على هذا القول المرجئة و أصحاب الحديث و أجمعت المعتزلة و كثير من الخوارج و الزيدية على خلاف ذلك و زعموا أن كل مسلم مؤمن و أنه لا فرق بين الإسلام و الإيمان في الدين .
* القول في التوبة و قبولها
و اتفقت الإمامية على أن قبول التوبة تفضل من الله عز و جل و ليس بواجب في العقول إسقاطها لما سلف من استحقاق العقاب و لو لا أن السمع ورد بإسقاطها لجاز في العقول فعله في التائبين على شرط الاستحقاق و وافقهم على ذلك أصحاب الحديث و أجمعت المعتزلة على خلافهم و زعموا أن التوبة مسقطة لما سلف من العقاب على الوجوب .
* القول في التوحيد :
أقول إن الله عز و جل واحد في الإلهية و الأزلية لا يشبهه شيء و لا يجوز أن يماثله شيء و إنه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كلها و الأسباب و على هذا إجماع أهل التوحيد إلا من شذ من أهل التشبيه فإنهم أطلقوا ألفاظه و خالفوا في معناه. و أحدث رجل أهل البصرة يعرف بالأشعري قولا خالف فيه ألفاظ جميع الموحدين و معانيهم فيما وصفناه و زعم أن لله عز و جل صفات قديمة و أنه لم يزل بمعان لا هي هو و لا غيره من أجلها كان مستحقا للوصف بأنه عالم حي قادر سميع بصير متكلم مريد و زعم أن لله عز و جل وجها قديما و سمعا قديما و بصرا قديما و يدين قديمتين و أن هذه كلها أزلية قدماء و هذا قول لم يسبقه إليه أحد من منتحلي التوحيد فضلا عن أهل الإسلام .
* القول في الصفات :
و أقول إن الله عز و جل اسمه حي لنفسه لا بحياة و إنه قادر لنفسه و عالم لنفسه لا بمعنى كما ذهب إليه المشبهة من أصحاب الصفات و لا الأحوال المختلفات كما أبدعه أبو هاشم الجبائي و فارق به سائر أهل التوحيد و ارتكب أشنع من مقال أهل الصفات و هذا مذهب الإمامية كافة و المعتزلة إلا من سميناه و أكثر المرجئة و جمهور الزيدية و جماعة من أصحاب الحديث و المحكمة.
و أقول إن كلام الله تعالى محدث و بذلك جاءت الآثار عن آل محمد (عليه السلام) و عليه إجماع الإمامية و المعتزلة بأسرها و المرجئة إلا من شذ عنها
و جماعة من أصحاب الحديث و أكثر الزيدية و الخوارج.
و أقول إن القرآن كلام الله و وحيه و إنه محدث كما وصفه الله تعالى و امنع من إطلاق القول عليه بأنه مخلوق و بهذا جاءت الآثار عن الصادقين (عليه السلام) و عليه كافة الإمامية إلا من شذ منهم و هو قول جمهور البغداديين من المعتزلة و كثير من المرجئة و الزيدية و أصحاب الحديث.
و أقول إن الله تعالى مريد من جهة السمع و الاتباع و التسليم على حسب ما جاء في القرآن و لا أوجب ذلك من جهة العقول.
و أقول إن إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله و إرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال و بهذا جاءت الآثار عن أئمة الهدى من آل محمد (عليه السلام) و هو مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منها عن قرب و فارق ما كان عليه الأسلاف و إليه يذهب جمهور البغداديين من المعتزلة و أبو القاسم البلخي خاصة و جماعة من المرجئة و يخالف فيه من المعتزلة البصريون و يوافقهم على الخلاف فيه المشبهة و أصحاب الصفات.
و أقول إنه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو سماه به حججه من خلفاء نبيه و كذلك أقول في الصفات و بهذا تطابقت الأخبار عن آل محمد (عليه السلام) و هو مذهب جماعة الإمامية و كثير من الزيدية و البغداديين من المعتزلة كافة و جمهور المرجئة و أصحاب الحديث إلا أن هؤلاء الفرق يجعلون بدل الإمام الحجة في ذلك الإجماع .
* القول في وصف الباري تعالى بأنه سميع بصير و راء و مدرك :
و أقول إن استحقاق القديم سبحانه لهذه الصفات كلها من جهة السمع دون القياس و دلائل العقول و إن المعنى في جميعها العلم خاصة دون ما زاد عليه في المعنى إذ ما زاد عليه في معقولنا و معنى لغتنا هو الحس و ذلك مما يستحيل على القديم و قد يقال في معنى مدرك أيضا إذا وصف به الله تعالى إنه لا يفوته شيء و لا يهرب منه شيء و لا يجوز أن يراد به معنى إدراك الأبصار و غيرها من حواسنا لأنه الحس في الحقيقة على ما بيناه و لست أعلم من متكلمي الإمامية في هذا الباب خلافا و هو مذهب البغداديين من المعتزلة و جماعة من المرجئة و نفر منلزيدية و يخالف فيه المشبهة و إخوانهم من أصحاب الصفات و البصريون من أهل الاعتزال .
* القول في علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها :
و أقول إن الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه و إنه لا حادث إلا و قد علمه قبل حدوثه و لا معلوم و ممكن أن يكون معلوما إلا و هو عالم بحقيقته و إنه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء و بهذا قضت دلائل العقول و الكتاب المسطور و الأخبار المتواترة عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و هو مذهب جميع الإمامية و لسا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم في خلافه و عندنا أنه تخرص منهم عليه و غلط ممن قلدهم فيه فحكاه من الشيعة عنه و لم نجد له كتابا مصنفا و لا مجلسا ثابتا و كلامه في أصول الإمامة و مسائل الامتحان يدل على ضد ما حكاه الخصوم عنه و معنا فيما ذهبنا إليه في هذا الباب جميع المنتسبين إلى التوحيد سوى الجهم بن صفوان من المجبرة و هشام بن عمرو الفوطي من المعتزلة فإنهما كانا يزعمان أن العلم لا يتعلق بالمعدوم و لا يقع إلا على موجود و أن الله تعالى لو علم الأشياء قبل كونها لما حسن منه الامتحان .
* القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل و خلافه و ما علم كونه و ما علم أنه لا يكون :
و أقول إن الله جل جلاله قادر على خلاف العدل كما أنه قادر على العدل إلا أنه لا يفعل جورا و لا ظلما و لا قبيحا و على هذا جماعة الإمامية و المعتزلة كافة سوى النظام و جماعة من المرجئة و الزيدية و أصحاب الحديث و المحكمة و يخالفنا فيه المجبرة بأسرها و النظام و من وافقهم في خلاف العدل و التوحيد .
و أقول إنه سبحانه قادر على ما علم أنه لا يكون مما لا يستحيل كاجتماع الأضداد و نحو ذلك من المحال و على هذا إجماع أهل التوحيد إلا النظام و شذاذ من أصحاب المخلوق .
* القول في نفي الرؤية على الله تعالى بالأبصار :
و أقول إنه لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار و بذلك شهد العقل و نطق القرآن و تواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و عليه جمهور أهل الإمامة و عامة متكلميهم إلا من شذ منهم لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار و المعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك و جمهور المرجئة و كثير من الخوارج و الزيدية و طوائف من أصحاب الحديث و يخالف فيه المشبهة و إخوانهم من أصحاب الصفات .
* القول في الرجعة :
و أقول إن الله تعالى يرد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعز منهم فريقا و يذل فريقا و يديل المحقين من المبطلين و المظلومين منهم من الظالمين و ذلك عند قيام مهدي آل محمد ع. و أقول إن الراجعين إلى الدنيا فريقان أحدهما من علت درجته في الإيمان و كثرت أعماله الصالحات و خرج من الدنيا على اجتناب الكبائر الموبقات فيريه الله عز و جل دولة الحق و يعزه بها و يعطيه من الدنيا ما كان يتمناه و الآخر من بلغ الغاية في الفساد و انتهى في خلاف المحقين إلى أقصى الغايات و كثر ظلمه لأولياء الله و اقترافه السيئات فينتصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات و يشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت و من بعده إلى النشور و ما يستحقونه من دوام الثواب و العقاب و قد جاء القرآن بصحة ذلك و تظاهرت به الأخبار و الإمامية بأجمعها عليه إلا شذاذا منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه .
* القول في الشفاعة :
و أقول إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشفع يوم القيامة في مذنبي أمته من الشيعة خاصة فيشفعه الله عز و جل و يشفع أمير المؤمنين (عليه السلام) في عصاة شيعته فيشفعه الله عز و جل و تشفع الأئمة (عليه السلام) في مثل ما ذكرناه من شيعتهم فيشفعهم و يشفع المؤمن البر لصديقه المؤمن المذنب فتنفعه شفاعته و يشفعه الله و على هذا القول إجماع الإمامية إلا من شذ منهم و قد نطق به القرآن و تظاهرت به
الأخبار قال الله تعالى في الكفار عند إخباره عن حسراتهم على الفائت لهم مما حصل لأهل الإيمان فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ .
و قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إني أشفع يوم القيامة فأشفع و يشفع علي (عليه السلام) فيشفع و إن أدنى المؤمنين شفاعة يشفع في أربعين من إخوانه .
* القول في البداء و المشية :
و أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ و أمثاله من الإفقار بعد الإغناء و الإمراض بعد الإعفاء و الإماتة بعد الإحياء و ما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال و الأرزاق و النقصان منها بالأعمال.
فأما إطلاق لفظ البداء فإنما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائط بين العباد و بين الله عز و جل و لو لم يرد به سمع أعلم صحته ما استجزت إطلاقه كما أنه لو لم يرد علي سمع بأن الله تعالى يغضب و يرضى و يحب و يعجب لما أطلقت ذلك عليه سبحانه و لكنه لما جاء السمع به صرت إليه على المعاني التي لا تأباها العقول و ليس بيني و بين كافة المسلمين في هذا الباب خلاف و إنما خالف من خالفهم في اللفظ دون ما سواه و قد أوضحت عن علتي في إطلاقه بما يقصر معه الكلام و هذا مذهب الإمامية بأسرها و كل من فارقها في المذهب ينكره على ما وصفت من الاسم دون المعنى و لا يرضاه .
* القول في الاختيار للشيء و هل هو إرادة له : و أقول إن الإرادة للشيء هو اختياره و اختياره هو إرادته و إيثاره و قد يعبر بهذه اللفظة عن المعنى الذي يكون قصدا لأحد الضدين و يعبر بها أيضا عن وقوع الفعل على علم به و غير حمل عليه و يعبر بلفظ مختار عن القادر خاصة و يراد بذلك أنه متمكن من الفعل و ضده دون أن يراد به القصد و العزم و هذا مذهب جماعة من المعتزلة البغداديين و كثير من الشيعة و يخالف فيه البصريون من المعتزلة و أهل الجبر كافة .
* القول في الطبع و الختم :
و أقول إن الطبع من الله تعالى على القلوب و الختم بمعنى واحد و هو الشهادة عليها بأنها لا تعي الذكر مختارة و لا تعتمد على الهدى مؤثرة لذلك غير مضطرة و ذلك معروف في اللسان أ لا ترى إلى قولهم ختمت على فلان بأنه لا يفلح يريدون بذلك قطعت بذلك شهادة عليه و أخبرت به عنه و أن الطبع على الشيء إنما هو علامة للطابع عليه و إذا كانت الشهادة من الله تعالى على شيء علامة لعباده جاز أن يسمى طبعا و ختما و هذا مستمر على أصول أهل العدل و مذاهب المجبرة بخلافه .
* القول في الولاية و العداوة :
و أقول إن ولاية العبد لله بخلاف ولاية الله سبحانه له و عداوته له بخلاف عداوته إياه فأما ولاية العبد لله عز و جل فهي الانطواء على طاعته و الاعتقاد بوجوب شكره و ترك معصيته و ذلك عندي لا يصح إلا بعد المعرفة به و أما ولاية الله تعالى لعبده فهو إيجابه لثوابه و رضاه لفعله و أما عداوة العبد لله سبحانه فهي كفره به و جحده لنعمه و إحسانه و ارتكاب معاصيه على العباد لأمره و الاستخفاف لنهيه و ليس يكون منه شيء من ذلك إلا مع الجهل به و أما عداوة الله تعالى للعبد فهي إيجاب دوام العقاب له و إسقاط استحقاق الثواب على شيء أفعاله و الحكم بلعنته و البراءة منه و من أفعاله .
و أقول مع هذا إن الولاية من الله تعالى للمؤمن قد تكون في حال إيمانه و العداوة منه للكافر تكون أيضا في حال كفره و ضلاله و هذا مذهب يستقيم على أصول أهل العدل و الإرجاء و قد ذهب إلى بعضه المعتزلة خاصة و للمجبرة في بعضه وفاق و مجموعة لمن جمع بين القولين بالعدل و مذهب أصحاب الموافاة من الراجئة فأما القول بأن الله سبحانه قد يعادي من تصح موالاته له من بعد و لا يوالي من يصح أن يعاديه فقد سلف قولنا فيه في باب الموافاة .
* القول في التقية :
و أقول إن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس و قد تجوز في حال دون حال للخوف على المال و لضروب من الاستصلاح و أقول إنها قد تجب أحيانا و تكون فرضا و تجوز أحيانا من غير وجوب و تكون في وقت أفضل من تركها و يكون تركها أفضل و إن كان فاعلها معذورا و معفوا عنه متفضلا عليه بترك اللوم عليها.
فصل :
و أقول إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة و ربما وجبت فيها لضرب من اللطف و الاستصلاح و ليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين و لا فيما يعلم أو يغلب أنه استفساد في الدين و هذا مذهب يخرج عن أصول أهل العدل و أهل الإمامة خاصة دون المعتزلة و الزيدية و الخوارج و العامة المتسمية بأصحاب الحديث .
* القول في معاونة الظالمين و الأعمال من قبلهم و المتابعة لهم و الاكتساب منهم و الانتفاع بأموالهم :
و أقول إن معاونة الظالمين على الحق و تناول الواجب لهم جائز و من أحوال واجب و أما معونتهم على الظلم و العدوان فمحظور لا يجوز مع الاختيار. و أما التصرف معهم في الأعمال فإنه لا يجوز إلا لمن أذن له إمام الزمان و على ما يشترطه عليه في الفعال و ذلك خاص لأهل الإمامة دون من سواهم لأسباب يطول بشرحها الكتاب و أما المتابعة لهم فلا بأس بها فيما لا يكون ظاهره تضرر أهل الإيمان و استعماله على الأغلب في العصيان و أما الاكتساب منهم فجائز على ما وصفناه و الانتفاع بأموالهم و إن كانت مشوبة حلال لمن سميناه من المؤمنين خاصة دون من عداهم من سائر الأنام فأما ما في أيديهم من أموال أهل المعرفة على الخصوص إذا كانت معينة محصورة فإنه لا يحل لأحد تناول شيء منها على الاختيار فإن اضطر إلى ذل كما يضطر إلى الميتة و الدم جاز تناوله لإزالة الاضطرار دون الاستكثار منه على ما بيناه و هذا مذهب مختص بأهل الإمامة خاصة و لست أعرف لهم فيه موافقا لأهل الخلاف .
* القول في أخبار الآحاد :
و أقول إنه لا يجب العلم و لا العمل بشيء من أخبار الآحاد و لا يجوز لأحد أن يقطع بخبر الواحد في الدين إلا أن يقترن به ما يدل على صدق راويه على البيان و هذا مذهب جمهور الشيعة و كثير من المعتزلة و المحكمة و طائفة من المرجئة و هو خلاف لما عليه متفقهة العامة وأصحاب الرأي .
* القول في ناسخ القرآن و منسوخه :
و أقول إن في القرآن ناسخا و منسوخا كما أن فيه محكما و متشابها بحسب ما علمه الله من مصالح العباد قال الله عز اسمه ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها و النسخ عندي في القرآن إنما هو نسخ متضمنة من الأحكام و ليس هو رفع أعيان المنزل منه كما ذهب إليه كثير من أهل الخلاف و من المنسوخ في القرآن قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ و كانت العدة بالوفاة بحكم هذه الآية حولا ثم نسخها قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً و استقر هذا الحكم باستقرار شريعة الإسلام و كان الحكم الأول منسوخا و الآية به ثابتة غير منسوخة و هي قائمة في التلاوة كناسخها بلا اختلاف و هذا مذهب الشيعة و جماعة من أصحاب الحديث و أكثر المحكمة و الزيدية و يخالف فيه المعتزلة و جماعة من المجبرة و يزعمون أن النسخ قد وقع في أعيان الآي كما وقع في الأحكام و قد خالف الجماعة شذاذ انتموا إلى الاعتزال و أنكروا نسخ ما في القرآن على كل حال و حكي عن قوم منهم أنهم نفوا النسخ في شريعة الإسلام على العموم و أنكروا أن يكون الله نسخ منها شيئا على جميع الوجوه و الأسباب .
* القول في نسخ القرآن بالسنة :
و أقول إن القرآن ينسخ بعضه بعضا و لا ينسخ شيئا منه السنة بل تنسخ السنة به كما تنسخ السنة بمثلها من السنة قال الله عز و جل ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها و ليس يصح أن يماثل كتاب الله تعالى غيره و لا يكون في كلام أحد من خلقه خير منه و لا معنى لقول أهل الخلاف نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها في المصلحة لأن الشيء لا يكون خيرا من صاحبه بكونه أصلح منه لغيره و لا يطلق ذلك في الشرع و لا تحقيق اللغة و لو كان ذلك كذلك لكان العقاب خيرا من الثواب و إبليس خيرا من الملائكة و الأنبياء و هذا فاسد محال. و القول بأن السنة لا تنسخ القآن مذهب أكثر الشيعة و جماعة من المتفقهة و أصحاب الحديث و يخالفه كثير من المتفقهة و المتكلمين .
* القول في تعذيب الميت ببكاء الحي عليه :
و أقول إن هذا جور لا يجوز في عدل الله تعالى و حكمته و إنما الخبر فيه أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مر بيهودي قد مات و أهله يبكون عليه فقال إنهم يبكون عليه و إنه ليعذب و لم يقل إنه معذب من أجل بكائهم عليه و هذا مذهب أهل العدل كافة و يخالف فيه أهل القدر و الإجبار .
* القول في إبليس أ هو من الجن أم من الملائكة :
و أقول إن إبليس من الجن خاصة و إنه ليس من الملائكة و لا كان منها قال الله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ و جاءت الأخبار متواترة عن أئمة الهدى من آل محمد (عليه السلام) بذلك و هو مذهب الإمامية كلها و كثير من المعتزلة و أصحاب الحديث.
* القول في العصمة ما هي :
أقول إن العصمة في أصل اللغة هي ما اعتصم به الإنسان من الشيء كأنه امتنع به عن الوقوع فيما يكره و ليس هو جنسا من أجناس الفعل و منه قولهم اعتصم فلان بالجبل إذا امتنع به و منه سميت العصم و هي وعول الجبال لامتناعها بها.
و العصمة من الله تعالى هي التوفيق الذي يسلم به الإنسان مما يكره إذا أتى بالطاعة و ذلك مثل إعطائنا رجلا غريقا حبلا ليتشبث به فيسلم فهو إذا أمسكه و اعتصم به سمي ذلك الشيء عصمة له لما تشبث و سلم به من الغرق و لو لم يعتصم به لم يسم عصمة و كذلك سبيل اللطف إن الإنسان إذا أطاع سمي توفيقا و عصمة و إن لم يطع لم يسم توفيقا و لا عصة و قد بين الله ذكر هذا المعنى في كتابه بقوله وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً و حبل الله هو دينه أ لا ترى أنهم بامتثال أمره يسلمون من الوقوع في عقابه فصار تمسكهم بأمره اعتصاما و صار لطف الله لهم في الطاعة عصمة فجميع المؤمنين من الملائكة و النبيين و الأئمة معصومون لأنهم متمسكون بطاعة الله تعالى. و هذه جملة من القول في العصمة ما أظن أحدا يخالف في حقيقتها و إنما الخلاف في حكمها و كيف تجب و على أي وجه تقع و قد مضى ذكر ذلك في باب عصمة الأنبياء و عصمة نبينا عليه و عليهم الصلاة و السلام و هي في صدر الكتاب و هذا الباب ينبغي أن يضاف إلى الكلام في الجليل إن شاء الله تعالى .
* القول في أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أن خصه الله بنبوته كان كاملا يحسن الكتابة :
إن الله تعالى لما جعل نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جامعا لخصال الكمال كلها و خلال المناقب بأسرها لم تنقصه منزلة بتمامها يصح له الكمال و يجتمع فيه الفضل و الكتابة فضيلة من منحها فضل و من حرمها نقص و من الدليل على ذلك أن الله تعالى جعل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حاكما بين الخلق في جميع ما اختلفوا فيه فلا بد أن يعلمه الحكم في ذلك و قد ثبت أن أمور الخلق قد يتعلق أكثرها بالكتابة فتثبت بها الحقوق و تبرأ بها الذمم و تقوم بها البينات و تحفظ بها الديون و تحاط به الأنساب و أنها فضل تشرف المتحلي به على العاطل منه و إذا صح أن الله جل اسمه قد جعل نبيه بحيث وصفناه من الحكم و الفضل ثبت أنه كان عالما بالكتابة محسنا لها.
و شيء آخر و هو أن النبي لو كان لا يحسن الكتابة و لا يعرفها لكان محتاجا في فهم ما تضمنته الكتب من العقود و غير ذلك إلى بعض رعيته و لو جاز أن يحوجه الله في بعض ما كلفه الحكم فيه إلى بعض رعيته لجاز أن يحوجه في جميع ما كلفه الحكم فيه إلى سواه و ذلك مناف لصفاه و مضاد لحكمة باعثه فثبت أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يحسن الكتابة. و شيء آخر و هو قول الله سبحانه هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ و محال أن يعلمهم الكتاب و هو لا يحسنه كما يستحيل أن يعلمهم الحكمة و هو لا يعرفها و لا معنى لقول من قال إن الكتاب هو القرآن خاصة إذ اللفظ عام و العموم لا ينصرف عنه إلا بدليل لا سيما على قول المعتزلة و أكثر أصحاب الحديث. و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ
وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ فنفى عنه إحسان الكتابة و خطه قبل النبوة خاصة فأوجب بذلك إحسانه لها بعد النبوة و لو لا أن ذلك كذلك لما كان لتخصيصه النفي معنى يعقل و لو كان حاله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في فقد العلم بالكتابة بعد النبوة كحاله قبلها لوجب إذا أراد نفي ذلك عنه أن ينفيه بلفظ يفيده لا يتضمن خلافه فيقول له و ما كنت تتلوا من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذ ذاك و لا في الحال أو يقول لست تحسن الكتابة و لا تأتي بها على كل حال كما أنه لما أعدمه قول الشعر و منعه منه نفاه عنه بلفظ يعم الأوقات فقال الله وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ و إذا كان الأمر على ما بيناه ثبت أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يحسن الكتابة بعد أن نبأه الله تعالى على ما وصفناه و هذا مذهب جماعة من الإمامية و يخالف فيه باقيهم و سائر أهل المذاهب و الفرق يدفعونه و ينكرونه .
الروح فدوة تروح لابو القاسم
و القلب مرتاح و الثغر باسم
و العين تعاف ضيها لحسن و حسين
الروح..جم دوب و تون يا أسد خيبر