 |
-
تنزيل العلم العراقي اهانة مزدوجة للسنة والشيعة
الواوي القديم وتنزيل العلم العراقي
كتابات - د.علي ثويني
وجه أحد الأخوة الفضلاء "في حينها" نقدا لموقفي الممتعض من آليات صياغة الدستور وحيثياته.لكني اقرأ له اليوم مراثي الموت الرخيص المشاع في الحياة العراقية، وأسمع له أنتحابا على العلم الذي أذله برزاني.وإذ كنت أود إخباره بأن ما حدث في العراق اليوم وبالامس هو محض تداعي لقبولنا صاغرين دستورا كسيحا، فصله الأمريكان على قدر مآربهم، وزوقوه بغيا و غشا وخبثا، وأعدوه كما (وجبات مكدونالدز الأمريكية السريعة)، وأطلقوا العنان للدجالين في الإطراء عليه.
كنت قد ضربت في حينها مثلي بمنذرين رمزيين، جلبوا عنوة ليشاركوا في صنع هذا الدستور، أحدهم بعثي مرابط حتى النخاع،والآخر بعثي مستكرد. وبالنتيجة ها نحن نحصد مازرع هؤلاء، بعدما هاضت نتانة هذا الدستور،ووصلت حتى نيويورك،وها نحن نطلع على النقد اللاذع الذي وجهته هيئات الأمم المتحدة القانونية لهذا الدستور،وأعتبرته مهزلة صنعت لبلد يحاول أن يقف على قدميه،والأمر برمته سابقة عالمية تدلل على هزال أحوالنا.وأجزم ان دساتير (أور نو) أو (حمورابي) التي سنها أجدادنا قبل أربعة آلاف عام،هي أنضج من دستورنا اليوم.
أن هذا الدستور قد تداعى آليا الى المحاصصات العرقية والطائفية، وكرس معادلة (شيلني وأشيلك) وأشاع القتل على الهوية وكرس الإبتزاز وتقاسم الأدوار وبرر مالايبرر وأضاع المنطق والحس الإنساني لدى العراقيين.ولا أريد أن أمارس هنا (ملامة النفس وجلد الذات) المستشرية فينا أهل العراق و"العياذ بالله"،و حسبي أن النفوس التي زهقت على أيدي البعثيين والطائفيين و القوميين والإرهاب بشتى مصادره، كان يمكن إدخارها ليوم البناء القادم، أو كان الأولى أن نقدمها قربانا نضحي به من أجل تقويض الطغيان البعثي.وبذلك نكتب تاريخا مضيئا بدمائنا"وليس بدماء مرتزقة الأمريكان" ونفخر بتضحياتنا.ومثلما نحن عاجزون عن صنع دستور واقعي يكرس المواطنة فأننا عاجزون عن صناعة مجد تاريخي لأجيالنا. فمازالت مهازلنا مستمرة وتناحرنا يحاكي إستأساد الكلاب على بعضها،والسراق يمرون. وأجزم أننا مازلنا ندفع ثمن سكوتنا أربعة عقود على سلطة البعث،ومازلنا ندفع ثمن أنانيتنا و جهالتنا ونزقنا.
ومن "منظومة" مهازلنا اللغط الدائر بصدد (العلم) ، والتي نعتبرها كلام حق أريد به باطل، فكلنا ممتعضين من السلطة التي جلبت هذا العلم حتما ،والتي أريد بها مسخ الهوية العراقية، التي سعى لها برزاني دائما ، بكل ما أوتي من حيلة وسطوة، وإذ أؤكد أن لو كان بارزاني مخلصا بتوجهه العراقي،وإخلاصه لعراقيته، لوقفا معه ظالما أو مظلوما.وإذ أذكر"لتنفع الذكرى" بأنه كان قد أسترجع ملكه في أربيل تحت هذا العلم وبمعين صدام نفسه ،في معارك (أم الكمارك) عام 1996 ضد خصمه الطلباني الذي أستعان بالإيرانيين في حينها. وإذا كان الامتعاض حقيقي من تركة البعث الكؤود ،فلماذا تفرز عنها وتستثنى المعدات الحربية وتجهيزات الدولة"الصدامية" التي أستحوذ عليها الحزبين القوميين الكرديين"فرهود" من القواعد العسكرية في الموصل وكركوك ومدن الشمال،وهي مازالت مكدسة في عنابر و مرآب ، تحمل حتى اليوم العلم العراقي. لكن كلنا يعرف برزاني و(الميت ميتنه) أو بالعراقي الفصيح (الواوي واوينه) أي الثعلب ثعلبنا.
وبصدد الواوية، فلدينا من نفق وباد ومن ولد و أستجد. فقد بدأ لغط في الشارع العراقي ،بعدما بانت بوادر ضياع نصاب الدولة والأمن، و أشاع البعثيون في حينها "ومازالو يسعون لها " بأن أيام إحتلالهم للعراق كانت أرحم من أيام الاحتلال الأمريكي. حيث هتف البعض في البصرة في حينها (ودونها المرحوم شمس الدين الموسوي)، بما ينم عن روح دعابة( لا علاوي ولا حكيم ..نريد واوينا القديم)، والقصد بالواوي القديم هو صدام.
لكن هذا الواوي قد أصبح أسدا لدى الربع مليون كردي ممن مكث من (قوات صلاح الدين) التي يدعوها (جحوش) ،يعاضدهم لفيف من الممتعضين من سياسات القوميين الأكراد وعمليات السرقات والإستحواذ القائمة ، والأهم الإهمال التام لفقراء أهلنا الأكراد وعدم إرساء بنى خدمية تليق بإنسانيتهم وتعوض عن عذاباتهم وجرائم القتل أيام طغيان البعث.
والأمر المهم أن موقف برزاني المتعلق بنقل البيادق، لم يتفهمه أو يعاضده كل الأكراد، ودليلنا أن ثمة مظاهرات عرمرم خرجت قبل شهر في أربيل كانت أهزوجتها الأساسية(لانريد البرميل أعيدوا لنا الأسد المحبوس) بصيغة رومانسية مفعمة (بحب القائد) و بلغة كردية قويمة فصحى،أملاها علي نصا أحد شهود العيان العائدين توا من أربيل،فكتبتها بتصرف (برميل ما ناوه يشرينه أو قصص ناو ماندويه) ،ويرمز هنا، للبرميل بالريس طلباني والأسد المحبوس ، صدام "هكذا" . وقد سمع صدام بهذا "الوصف" من خلال قنواته المحكمة، فصرح بها في محاكماته.و مغزى الأمر نكاية بالقيادة القومية الكردية المتاجرة بأسمهم والمستبيحة لحلالهم ،مظهرين"شكلا" تناسيهم لجرائم صدام مقابل جرائم هؤلاء. ولم ينقل الإعلام المسير بالمال "القومي" "كما العادة" هذا الخبر، الذي أدى الى أن يقطع طلباني زيارته ويعود الى بغداد.
ويذهب البعض الى أن لعبة العلم بمجملها هي محض سياقات تصارع أزلي بين برزاني وطلباني، التي لم تبرأ وتندمل بينهما، مهما حدث من مظاهر الوفاق والمجاملات المصطنعة. وما حركة برزاني ، إلا لغرض إحراج طلباني الذي أصبح (ريس) ويقبع خلفه هذا العلم المنبوذ.
لكن الأمر برمته، يدخل ضمن نزق مستفحل في شخصية برزاني نفسه، مارسه دائما لجلب الأنظار إليه، وهو مرض نفسي يعاني منه،و يعزوه المحللين النفسيين لإهمال في طفولته،بما يترك لديه رغبة في إستجلاب الإهتمام عنوة حتى لو برعونة. ونتذكر حركات برزاني المتشنجة وتصرفاته غير المنضبطة ،في حفلة إقرار الدستور وتنصيب الحكومة، وحينها خرج مسرعا غاضبا من الحفل ،بما دعى طلباني أن "يعتذر" باسمه متذرعا بإنشغاله. والأمر عينه لمسناه في إصراره على أن يعامل في زياراته الى الخارج مثل رؤساء الدول والحكومات، كما حدث في الكويت والصين، والتي عاد بسببها "زعلان" من الكويت.
والأهم في كل ذلك، أن ثمة تغييرات قد حدثت على واقع الطبقة السياسية المستجدة، فبالوقت الذي كان برزاني يصرف(من كيسه) على مؤتمرات المعارضة في الخارج بغرض إبتزازها ببيان مؤيد له ، وكان يستغلها في تقديم العطايا السخية لأقطابها، مما جعلهم يشيدون ويمجدون به،وبما يروق له. أما اليوم فأن تلك القوى قد عادت الى الوطن،وهي اليوم في السلطة، وطفقت تحت سطوة مليشياتها تهرب النفط المسروق في الجنوب أو تستحصل موارد العتبات المقدسة أو تتاجر بسلع الحرب أو تتصرف بالعقارات التي تركها البعثيون ورائهم أو صادروها من أملاك الدولة . وهكذا تكرست سلطتهم (المالية-السياسية) على الأرض، وامسى مخزونهم وفير،وأمتلئ رصيدهم في الخارج ،بما يجعلهم ينظرون بإزدراء لعطايا برزاني المسكينة، وبالنتيجة أنسحبت تلك القوى من مهرجان الولاءات المدفوعة الأجر، ونأت عن موالاة برزاني التي تسبب لهم إحراجا أمام جمهورهم الممتعض. والأمر برمته أنعكس أرقا على برزاني، وجعله يسعى إلى غايات جلب الإهتمام عنوة، من خلال حركة العلم ليذكرهم بأنه مازل موجودا وفعالا ويثير الزوابع في فناجين السياسة. وأجزم أن الأمر قد خرج من السيطرة،ولم تعد الطبقة السياسية مصغية،فالكل يسرقون ويغتنمون ويغتنون، وينطبق عليهم المثل العراقي (عند البطون تعمي العيون).
لقد ظهر موقف القوميين الأكراد جليا بعيد الإحتلال مباشرة،بعدما سعوا لشتى صور الإبتزاز والعنجهية الفطرية. وسبب الأمر في حينها حرجا للكثيرين ، فسكت وأمتعض البعض ،ونافق ودجل البعض الآخر. ولا ننسى أننا أمة متهمة "بالشقاق والنفاق". لكن يبدو أن ثمة تغيير جوهري قد حدث في النفوس، فنسبة الناقمين على برزاني قد توسعت يوما بعد آخر . وطفق القوم يمارسوا تقليد (على عناد العاندونا) وأقتنوا جلهم علم (صدام) نكاية، فزوقوا بألوانه بيوتهم وسياراتهم. والأمر برمته خدمة "مجانية" أسداها برزاني لصدام والبعث.
والأهم في تلك الحيثيات هو أسلوب الإعتذار والتذلل الذي أظهره برزاني ،حتى بدأ في أكثر لحظات "نفخياته" خواءا. وأجزم أنه راجع نفسه وعرف أن الزمان لم يعد يستسيغ الإملاءات القومية مثلما طالب قبل عام (نريد فدرالية تقترب من الكونفدرالية، وكركوك وضم المناطق المعربة) محاكيا صدام حينما غزا الكويت وطالب بـ (الكويت وفلسطين وحقوق الأمة العربية المغتصبة). فلا كركوك سيعطيها الأمريكان قبل العراقيين، ولا فدرالية مبالغ في صلاحياتها ، والأهم لا إنفصال بعدما هدد أنه سيعلنها، حينما تنشب الحرب الأهلية. فها هي الحرب الأهلية قائمة ، لكننا ننتظر منه إعلان الانفصال بفارغ الصبر.
يمكن أن تكون حركة برزاني بوادر نضوج سياسي ، بعدما تيقن بأن الوعود السخية السرابية لم تعد تجدي نفعا،وأن ثمة نصاب مرسوم بدقه له وللعراق لايحيد عنها أنملة، وأن الواقعية في التعامل هو الأمثل والأصلح . فالإنفصال معروض عليه منذ حين،وقدمه له الدكتور أحمد الجلبي على طبق من ذهب، والأهم أنه أصبح رغبة الكثيرين من العراقيين من أجل نهاية الصراع والقلق الدائم. لكن الرجل يعرف تداعيات الأمر، فتركيا وإيران وسوريا سوف توئد الوليد وتقضمه حالا، وأن الأمريكان سوف يخذلوه حتما،مثلما خذلوا من سبقه،وأن الدولة "الحلم" ستحاكي مملكة (لوسوتو) في جنوب أفريقيا،وتصبح دولة (بلوط).وعندما توصد الأبواب عليه فان العراقيين سينقلبون من رحماء الى شامتين وربما منتقمين منه. وها نحن نتلمس شماتتهم على بيشمركته وهي تتعرض لهجومات إيرانية وتركية متتالية،ولم نلمس من العراقيين حمية،ولم يعد الأمر يهمهم.
أن "لعبة العلم" تبقى محض صراع سياسي خفي وورقة إبتزاز بين الساسة المعينين في عراق اليوم،ويمكن حلها بمسابقة وطنية سريعة وساذجة، يشارك فيها الجميع حتى طلاب المدارس وأطفال الروضات،ولا تنطلي علينا حمية (المثقفين) "إياهم"، الذين دبجوا البيانات الطنانة،كما الباحثين عن عزاء لينوحوا فيه،أوالمستثمرين مناسبة دينية ليستجدوا فيها . والأنكى أن لا تفوتهم مناسبة مرض أحد أعلام العراق" في الخارج" ليتوسلو الطبقة السياسية في علاجه ،مطنبين في صيغ التمجيد والمديح (لآل الأمر الجدد) ،مستعطفين شهامتهم و(إهتزاز شواربهم) من أجل عطايا ،وإكراميات، تذكرنا دائما بالهبوط العراقي وأحجية (مكرمة السيد الرئيس) التي عفى عليها الزمن، والتي سوف لم ولن تمارسها الكرامة العراقية المتصاعدة.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |