عبد الكريم قاسم والديمقراطية
كنت اعمل في رئاسة جامعة بغداد في بداية السبعينات من القرن الماضي بوظيفة مدقق، في احد الأيام كلفت من قبل السيد مدير التدقيق في ذلك الوقت الأستاذ المرحوم محي البحيري بالتفتيش عن قرار خاص بتحديد صلاحيات صرف المبالغ الخاصة بالسادة عمداء الكليات .
ذهبت إلى السيد سكرتير مجلس الجامعة يوسف استيفان(ابو نمير) الذي كان في الطابق (17) من برج الجامعة الحالي في الجادرية.استفسرت منه عن رقم وتاريخ محضر الجلسة الخاصة بمجلس الجامعة، فكان جوابه لا أعلم وعليك أن تفتش في غرفة المخزن التي يحفظ فيها جميع المحاضر والأوليات الخاصة، أعطاني المفتاح وقمت بالتفتيش عن ما أريد .
ومن خلال التفتيش وقعت عيني على فايل مائلا وقد كساه التراب وفتحت الفايل وجت فيه محضر اللجنة المشرفة على الانتخابات الخاصة باختيار رئيس الجامعة عام 1959.
احتوى الفايل على مايلي:-
1-قرار محضر اللجنة المشرفة على الانتخابات.
2-محضر تفصيلي عن سير الانتخابات.
3-كتاب موجه إلى مجلس الوزراء للاطلاع مع منح صوت رئيس الوزراء إلى احد المرشحين والمصادقة على المحضر.
4-كتاب مجلس الوزراء موجه إلى اللجنة المشرفة على الانتخابات يطلب فيه تزويد مجلس الوزراء بالسيرة الذاتية للمرشحين.
5-كتاب مجلس الوزراء الذي يبين فيه منح صوت مجلس الوزراء لأحد المرشحين والمصادفة على محضر اللجنة المشرفة على الانتخابات.
يعلم الجميع أصحاب الشأن المجال التربوي إن جامعة بغداد تأسست عام 1957 وقد عين الدكتور المرحوم متي عقراوي رئيسا" للجامعة بالوكالة وبعد قيام ثورة 14 تموز الخالدة وبعد فترة أحاله الدكتور عقراوي على التقاعد.
طلب مجلس الوزراء في وقته اختيار رئيس جديد لجامعة بغداد ويتم ذلك عن طريق الانتخابات علما ان جامعة بغداد هي الجامعة الوحيد بالعراق (الجامعة الام) نزلت إلى خوض الانتخابات قوائم ثلاثة هي:-
1-القائمة التقدمية ومرشحها الدكتور عبد الجبار عبد الله.
2-القائمة القومية ومرشحها الدكتور عبد العزيز الدوري.
3-القائمة المستقلة ومرشحها الدكتور صادق الخياط.
وقبل بدء الانتخابات انضمت القائمة المستقلة التي يترأسها الدكتور صادق الخياط مع القائمة القومية التي يترأسها الدكتور عبد العزيز الدوري وكان الغرض من ذلك ضمان الفوز بالانتخابات .
وعند بدء الانتخابات بشكل ديمقراطي وبالمصطلح الجديد المطروح حالياً في الشارع العراقي(الشفافية) دون تدخل الدولة ولا أجهزتها بالعملية الانتخابية.
وبعد فرز الأصوات تعادلت القائمتان التقدمية والقومية والتي كانت تضم:-
القائمة التقدمية: تضم القوى – الشيوعيون واليساريون والتقدميون الوطنيون وقوى الخير الساعية إلى تحقيق الرفاهية والسعادة للعراق .
القائمة القومية: تضم القوى – القوميون – البعثيون – حزب التحرير (الإخوان المسلمون) والمتضررين من ثورة 14 تموز الخالدة وعلماء الدين من السنة والشيعة حسب المصطلح المتداول اليوم الذين وقفوا مع القائمة بفتاويهم .
وعند تعادل القوائم الانتخابية يصار إلى مجلس الوزراء لإدلاء صوته إلى احد المرشحين استنادا" إلى محضر اللجنة المشرفة على الانتخابات
(إذا تعادلت قائمتين بالأصوات يفاتح مجلس الوزراء للاطلاع على المحضر وإدلاء صوته إلى احد المرشحين ) علما إن الجامعة بغداد في ذلك الوقت كان تابعة لمجلس الوزراء من الناحية الإدارية والمالية حيث لم تكن هناك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي .
وجه كتاب من قبل اللجنة المشرفة على الانتخابات ومرفقة (محضر الانتخابات) إلى مجلس الوزراء يبين فيه تعادل القائمتين بالأصوات ويطلب في الكتاب منح صوت مجلس الوزراء لأحد مرشحي القائمتين .
وعند الاطلاع الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم على المحضر لم يتخذ أي إجراء بشأن منح صوت مجلس الوزراء وإنما طلب من اللجنة المشرفة على الانتخابات السيرة الذاتية لكل من المرشحين .
قامت اللجنة المشرفة على الانتخابات بتزويد مجلس الوزراء بسيرة كل واحد من المرشحين وكما يلي .
السيرة الذاتية للدكتور عبد الجبار عبد الله
1.ماجستير في الفيزياء .
2.عضو مجلس الطاقة الذرية في الولايات المتحدة الأمريكية .
3.له بحوث عملية نشرت في أكثر من (16) مجلة عملية ومتخصصة بالبحوث العملية والفلك .
4.عضو في الجمعية البريطانية والمتخصصة بعلوم الفيزياء
5.الإشراف على كثير من الرسائل العملية بالفيزياء للطلبة الأجانب في أوربا .
6.الدرجة العلمية (أستاذ) بدرجة بروفسور.
السيرة الذاتية للدكتور عبد العزيز الدوري
1-حاصل على شهادة الدكتوراه بالآداب/ العصر العباسي.
2-له بحوث أدبية نشرت في المجلات الأدبية.
3-الدرجة العلمية(أستاذ بالآداب).
لم يتخذ الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم أي قرار يمنح صوت مجلس الوزراء إلى احد المرشحين وإنما عرض الموضوع على مجلس الوزراء لأخذ الرأي ، وبعد اطلاع الوزراء على ماجاء بمحضر اللجنة المشرفة على الانتخابات وافق الوزراء على منح أصواتهم إلى مرشح القائمة التقدمية الدكتور عبد الجبار عبد الله وكان من ضمن الأصوات صوت الزعيم الخالد عبد الكريم قاسمكما امتنع بعض من الوزراء الذين يؤيدون التيار القومي والمستقل والديني على عدم إعطاء أصواتهم إلى المرشح المذكور.
هذه هي الديمقراطية ألحقه التي مارسها الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم في المؤسسات التعليمية والنقابات المهنية
تيمور