الشرق الأوسط: تمدد إيراني وفشل أمريكي

هل يمكن الحديث عن بوادر «طلاق بائن» بين الرؤية الأمريكية ونظيرتها البريطانية، فيما يخص أزمات/ مشاريع الشرق الأوسط.. كل الدلائل تؤكد ذلك، ولعل آخر رفض وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قبل بضعة أيام، دعوة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الذي ذهب مؤخراً الى ضرورة تغيير الاستراتيجية في العراق، في إطار استراتيجية جديدة وشاملة لقضايا الشرق الأوسط.. حديث بلير جاء بما يشبه عقدة الذنب الأوروبية تجاه القضية الفلسطينة على الأقل، فالقارة العجوز تعي درس التاريخ جيداً حينما تتناول قضية مستجدة.. لكن حديث رايس جاء مرتبكاً ليؤكد عمق الفشل الأمريكي الذي يمكن أن نصفه بـ«ورطة الجغرافيا» متمثلة في خيبات المحافظين الجديد حين عمدوا إلى تغيير الواقع بمنطق فوقي يحاول استنبات الديمقراطية في أراضي غير مستصلحة لم تجف بعد من الطائفية والتشرذم والتطرف وغياب الوعي السياسي، فضلاً عن روزنامة عريضة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية..

الإشكالية في الرؤيتين الأمريكية والبريطانية وليست الأوروبية إذا ما أردنا الدقة ليست في النظر إلى الأزمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط بشكل كلي، كما هو الحال عموماً في نظرة يسار «الشمال» إلينا كجنوب محطم ثائر أو مكبوت على وشك الانفجار، أو حتى النظرة التجزيئية التي تتبناها الحكومة الأمريكية، وصرحت بها رايس في غير ما حديث بأن مشكلات بلدان الشرق الأوسط، يجب النظر إليها كل بلد على حدة، ووفقاً إلى أجندته ومعركته الخاصة...

المشكلة فيما يبدو أعمق من قضية «العام والخاص» فهناك حالة استلاب سياسي ضخم تعيشها المنطقة تكاد معها تذوب الحدود الجغرافية بين الدول، بسبب ارتباك الولاءات السياسية والمواقف بدءاً من الفرد الذي بات حائراً أمام فرز هذا الكم الضخم من المعلومات والصور والفجائع وانتهاء بالمجموعات السياسية وعلى رأسها جماعات الإسلام السياسي، التي تجد نفسها في مأزق كبير تجاه ما يجري، فالولايات المتحدة الآن تقف مباشرة ضد إيران وتلك الجماعات ذات الطابع السني لديها إشكالية مع الطرفين، لكنها قد تختار الانحياز إلى أحدهما، كما هو الحال لدى حماس والإخوان المسلمين، والآن تنضم المحاكم الشرعية في الصومال في بادرة جديدة مثيرة للاهتمام والتحليل حيث قال مجموعة من الخبراء التابعين للأمم المتحدة في تقرير لهم إن حوالي 700 مقاتل من ميليشيات المحاكم الاسلامية الصومالية، كانوا مع مقاتلي حزب الله في الحرب الأخيرة ضد إسرائيل، واتهمت إيران ودولاً أخرى في المنطقة بتقديم الأسلحة والتمويل للمحاكم في مقابل حصول إيران على اليورانيوم وإفشال المشروع الأمريكي في القرن الأفريقي.. وبغض النظر عن صحة مثل هذا التقرير أو عدم صحته، فإن المرحلة المقبلة ستشهد حالة استقطاب سياسي كبير في ظل هذا الانقسام الأمريكي الأوروبي حيال مركزية قضية العراق أو فلسطين بالنسبة للمشهد في الشرق الأوسط وفي ظل الفراغ الكبير، الذي يمكن أن يحدثه غياب استراتيجية سياسية وإعلامية لباقي دول المنطقة (الخليج ومصر والأردن) التي لا ترى لخطابها المعتدل سياسياً مكاناً عند الطرفين، في حين أنها مطالبة بتعميق هكذا خطاب على المستوى الدبلوماسي والإعلامي على حد سواء، ولو من خلال إيجاد مراكز أبحاث ودراسات متخصصة في الشأن السياسي.. تقدم رؤيتها على شكل مقترحات وتوصيات لاقتراح طريق ثالث يكون بديلاً عن حالة الاستقطاب التي تعيشها المنطقة والتي لا يمكن الاستخفاف بآثارها على المدى البعيد في ظل التمدد الإيراني والفشل الأمريكي.

yooosif@hotmail.com