شفت بعيني وما جذب عيني00!
كان لي بيتا في الشارع المؤدي إلى الباب الخلفي للمستشفى الجمهوري يوم دخلت القوات الأمريكية لمدينتي التي عاث بها الخراب والدمار والذي خلفه ذلك (اللا النظام) الطاغي المستبد الذي ليس له نظير لا في الحاضر ولا في الماضي تفنن في زرع الخراب، وأكبرها هو تخريب العقول التي لا تتغير بسهوله لما خلفه فينا من طبائع اعتاد غالبية الناس على تطبيقها مذعنين ، كان يحث الموظفين على تقبل الرشوة وقد سماها هدية كي يجدون مبررا لتقبلها كما عود الناس على الكذب لم يصدق يوما أبدا في كلامه الذي يحاول فيه أن يمني العراقيين بمستقبل زاهر،دخلت أنا شخصيا كل معاركه المهزومة ولم أر يوما من أيام حربه أي نصر بل كلها هزائم من شمال العراق إلى جنوبه كان لا يهمه أبدا كم خسرنا من الأرواح أو الأموال المهم أن يحصل عل موطئ قدم كما يسميه العسكريون ،رأيت كيف يفر الجندي العراقي من موضعه عند سماعه لأول أطلاقة تنذر بقدوم الأعداء كما يدعون ليس لأنه لايمتلك الشجاعة ولكنه غير مؤمن بحربه اللعينة، ومن ثم تأتي طائراته المحملة بأنواع الأسلحة الكيماوية لتلقي بسمومها على الجيش الإيراني تساندها المدفعية البعيدة المدى ولم أر يوما أن القوات الايرانيه قد ردت بالمثل أبدا،هنا لا اسمح لأحد أن يتهمني بالانحياز إلى إيران كما يفعل اليوم الملفقون الذين يدفعون العالم على اتهامنا بأننا عملاء لإيران وإننا صفوييون لكوننا نلتقي معهم بالمذهب ولهم الحق بذلك ،فليس بأيديهم غير هذا ،انتقلت في كل الجبهات من الشمال إلى الجنوب حيث كنا نساند قوات المشاة وفي كل قاطع نتجحفل مع لواء جديد وعندما تلتقي بجنوده لم تلق غير ابن الناصرية والبصرة والعمارة ومحافظات الوسط والجنوب ومن خلفهم فرق الإعدامات التي غالبية جنودها من المحافظات الأخرى،سمعته على التلفاز يقول لجنوده الذين يلتقي بهم لا اسمح لكم بالاستسلام في المعركة وفي أقصى الحالات عندما ينتهي عتادكم عليكم بالانتحار فهو انفع وأكرم لكم من الاسر0 حقا عليهم أن يقتدوا به فهو أهلا لها وقد فعلها ،دخلت في مدرسه بناها أهلها من طين بشكل منتظم وفارقتها عشرون سنه مررت بها فوجدتها تطورت لتصبح من القصب وفي الثمانينات كانت هناك حملة لبناء المدارس شملت محافظتنا ليبنوا فيها أسوا البنايات لم تدم أكثر من سنتين حتى تشققت جميع جدرانها وانهالت سقوفها لتسقط على رؤوس الطلاب الذين خرجوا منها بأنفاسهم الأخيرة 0
لم انس ذلك اليوم الذي فوجئت به وأنا اسمعهم ينادون بأسماء أهل الجنوب عندما تأتي نقله إلى الوحدات الاماميه المتقدمة وكانوا كيف يعزلون الآخرين إلى وحدات ثابتة ومن سوء حظي بقيت أخيرهم لاطلع على كل ما يدور عندما كنت في مركز التدريب الذي يؤهل الجنود لحريق المعركة ولهبها المستعر،تبددت كل أحلامي وأصابني إحباط لأنني كنت اقرأ وأؤمن بأننا أبناء بلد واحد لا يجوز لمن هب ودب أن يضع بيننا فواصل التفرقة والانحياز،لم يحاورني يومها احد بل كان الصخب الذي يدور براسي يحاورني بصدى الآلام والحسرة،والكثير من الناس يحسون فعلا بهذه الفوارق على جميع الأصعدة،كان أبناء الجنوب منظر سخريه عندما يتجولون في بغداد أو تمر سيارة لائحتها تدل على محافظه جنوبية يلقبوننا (بالمحافظات) أو الشر وكية،أما الأخوة الأكراد في منطقة كردستان رغم ما لاقوه من اضطهاد وتدمير وملاحقة إلا أنهم استطاعوا بسبب الظروف السياسية والجغرافية أن يتمردوا على نظام صدام ويعزلوا أبناءه قدر الإمكان عن عدم الانصياع لأوامره وخصوصا في السنوات الاخيره من عمر هذا النظام، وبهذا يستطيع أي شخص أن يلاحظ هذا التقسيم الواضح الملامح للشعب العراقي من خلال التعامل في كل قطاعات الدولة ومرافقها الإدارية0 في يوم كنت أراجع فيه احد أطباء بغداد المشهورين لمعالجة مرض ابني وبعد الانتهاء من مراجعة الطبيب عند الساعة السابعة ليلا توجهت إلى منطقة الكاظميه رغبة مني ومن زوجتي لزيارة الإمام الكاظم (ع) ومن ثم المبيت في احد فنادق المنطقة،وبعد إتمام الزيارة توجهت إلى احد الفنادق وعندما طلب مني هويتي رفض مبيتي مع أطفالي وزوجتي في الفندق قائلا لا يسمح لنا بميت احد من مناطق الجنوب،فذهبت إلى فندق آخر ورفض لنفس السبب وبقيت إلى الحادية عشر ليلا ابحث عن مكان يأويني وعائلتي فلم أجد فندقا للسبب المذكور وأخيرا رق لحالي احدهم الذي كررت المحاولة معه بعد أن احتال بعدم ذكر العنوان في سجله0
والسؤال هو الم يكن هذا تقسيما للبلد،ما معنى أن يكون العراق واحدا (ونحن لا نتنازل عن ذلك أبدا) وأنت تعيش في بغداد غريبا تلاحقك العيون ويستخف بك دائما على انك بشر من درجة ثانية أو ثالثة حتى وصلت المعاناة إلى الطلاب الذين يدرسون في كليات جامعة بغداد وقد انعكس ذلك على نفوسهم وتطلعاتهم و وصل الأمر إلى درجه مهينة، عندما تزور قريبا لك في بغداد لابد له أن يخبر الفرقة الحزبية أو الجهات الأمنية وهذه الحالة تجعل المضيف يشعر بالحرج وأحيانا يتعرض إلى استفزازات ،كما انك لا تستطيع أن تنتقل إلى بغداد أو تسكن فيها وإذا كان الوضع الأمني يتطلب ذلك فلماذا تكون حكرا لجهة معينة دون ذلك0طال بي المقام هنا وقادني حرفي إلى حيث أسكته يوما ما ولابد لي أن أعود لما قدمت له في البداية0
الكل منا يعرف كيف أصبح النهب والسلب بعد دخول قوات الاحتلال إلا إنني كنت أراقب الباب الخلفي لهذا المستشفى الذي يظم مدخرا كبيرا للأدوية إضافة إلى وجود صالات كبيره للمرضى مؤثثة بأثاث وأجهزة طبية مستهلكه، لاحظت الكثير من الناس يترقبون ذلك ولم يجرأوا على سلب ما فيه رغم ما يمرون به من الم الجوع ومرارة الفقر الذي خلفه الحصار إضافة إلى ذلك فأنهم يخشون ردة فعل النظام الذي جربوه في أيام التسعين عندما حصل الموقف نفسه، وبعد أيام عديدات دخل المستشفى من هذا الباب مجموعة من الغرباء من بينهم كويتيين وسعوديين على ما أظن فاخذوا ما اخذوا وقاموا بحرق المستشفى ثم أشاروا للناس بالدخول فدخل الذين يتلطخون دائما بدم المقتول وهكذا حدث لبقية مؤسسات الدولة كما نقل لنا شهود العيان الموثقين لتظهر الفضائيات إلى الملأ بان العراقي الجديد بعد غياب صدام حسين هو ( علي بابا ) وعلى مرأى ممن شاهدوا هذا المشهد المفزع والمريب،ثم قام الأمريكان و بعض المنظمات التابعة لهم والتي دخلت بأسرع من البرق بترميم ما هدم إثناء الحرب، دخلوا مجموعه يمثلون إحدى الشركات إلى إعدادية كنت حاضرا فيها أنا ومجموعه من الزملاء وطلبوا مديرها ليوقع لهم عقدا بينهم وبينه يسمح لهم بترميمها ثم عادوا في اليوم الثاني وأعطوه نصف ما اتفقوا عليه ليباشر بالعمل وبالفعل تم انجاز العمل الذي هو في الحقيقة تخريب آخر دون أن تجري أي محاسبه أو متابعه من قبلهم ،وانهالت الشتائم ليتهم الناس من هم ليس لهم دراية بذلك وممن ليس لديهم الصلاحية لمحاسبة ما جرى والحديث عن هذا طويل وأننا لسنا بغافلين عن أسباب ذلك وما ذا يريدون من وراء هذا الإجراء الذي راح ضحيته أناس شرفاء أرادوا أن يقفوا فعلا لخدمة بلدهم إلا إنهم تراجعوا لكثرة ما أثير من عواصف تدمي العيون بوجوههم وبذلك استطاع ممن لا يخافوا الله ولا يخشون عاقبته ولا يستحون ممن حواليهم أن يدسوا أنوفهم تحت مسميات لا تستطيع التحدث معها لأنهم لا يجيدون أي لغة إلا الرصاص0
إن صاحب العقل الراجح والمتابع لما جرى يستطيع أن يضع النقاط على الحروف كما يقولون وان ما مهد له النظام المقبور من إخراج السجناء أرباب السوابق قبل وقوع الحرب كي يأخذوا فرصتهم في هذا المحيط الذي يجيدون السباحة فيه ولا عجب عندما تجد من يبيع بلاده بحفنة دولارات، القائمة تطول بأسماء الذين لو أردنا تسميتهم وعلى مستوى كبير من نجوم الساسة فكيف بمن يجد فرصته ولم يفقه شيئا عن وطنه وقيمه ودينه0
هل نسينا أو لنقل هل نسى العراقيون كيف كانوا هؤلاء المجرمون الذين مثلوا أمام المحكمة يفسدون في البلاد كيف لجموا الأفواه وملئوا السجون كيف أن عدي بن صدام اللعين سيطر على كل مرافق التجارة أيام الحصار المزعوم من تجارة البيض والدواجن والحليب والمعلبات والسكائر وكيف كانت تباع باسمه و بأثمان تفوق بكثير ما يتقاضاه اكبر موظف في الدولة كيف استطاعوا أن يجبروا الفلاحين ليسوقوا الحبوب إلى مؤسساتهم ثم يرجعون ليبيعوها عليهم وعلى الشعب،كان ثمن كيلو الطحين يعادل راتب الموظف الشهري،ذلك الطحين الذي لا ينسى أبدا ،ثلاثة أرباع هذا الكيلو هو من علف الماشية الذي لايصلح علفا حتى للماشية مخلوط أيضا بالرمل والزجاج0
هل نسى أو تناسى العراقيون كم منهم نسي في السجون إلى أن مات وهو لا يعرف على ماذا وأي جرم ارتكبه ليستقبل الموت راضيا به،ليتني لم أتذكر تلك المرأة التي طردت من وظيفتها بسبب إعدام زوجها ولديها ثلاث أطفال (ورود) وبعد أن أغلق الباب بوجهها كل من له صله بها خوفا من أن ينالهم مكروه بسبب قربها منهم لتطرق أبواب من أطلق الرصاص على زوجها تدعوه ليعيدها إلى وظيفتها من اجل أن توفر قوتا لأطفالها ففاجئها بقول لأاعتقد من له صله بالانسانيه أن يتفوه به قائلا لها بالحرف الواحد (بعدك ازغيرة00000وعيشيهم)0
ليتني أنسى يوم كنا داخل قاعة المحاضرات في الكلية ليدخل علينا رجال الأمن ويقتادوا احد زملائنا ليعود بعد مرور أكثر من سنه، لا يتحدث مع احد قط خرج من سجن الأمن العامة لأنهم اشتبهوا باسم جدة ثم عادوا إليه ليخرج معهم ولم يعد أبدا ،هل يستطع احد نسيان ذلك أنا لأاعتقد أبدا ولا اعتقد بان هناك عراقي واحد من أهالي الجنوب لم يحدث له مثل هذا أو على الأقل يسمع بمثل هذا،وإذا كنا قد وصلنا إلى وضع اليم في هذا الوقت فهل من المعقول إن لا نجد بديلا إلا بالرجوع إلى هؤلاء، من هم الذين يتباكون عليه لاشك إن الذي يبكي عليه هو ممن كان أداة لخدمته ومن فعل ذلك كثيرون وإلا كيف تبرر إن احد هؤلاء أيام التفتيش عن الهاربين يدخل احد البيوت ويبحث عن هارب قرر عدم الالتحاق بوحدته وعندما لم يجده انتبه إلى نقطة توصيل كهرباء المجدة فوجدها مغلقة فعاد ليقول إلى أمراه على ما اعتقد هي أم الهارب، افتحيها وأخيرا فتحها هو ليقتاد الرجل إلى السجن ثم يعدم ويعود هو بنفسه ليأخذ ثمن الاطلاقة التي أدت بحياة هذا الرجل0
الذي أثار حرفي هذا ليصرخ، ما يتحدث به أناس ليس لهم معرفة بهذا الواقع المرير أو إنهم معميون بلا ضمير أو أنهم من بلاد أخرى ليبرروا ما فعله هذا الرجل بالعراقيين والذي نقوله دعوا هذا الشأن لنا فنحن أدرى بنفوسنا ونحن اعرف بمواقع آلامنا وأين يكمن هذا المرض الخبيث بجسد العراق ولابد لنا من اجتثاثه وإذا كنا قد دفعنا ثمن سكوتنا فلا يحق لأحد أن يسكت ألان وإلا (تيتي تيتي مثل ما رحتي اجيتي)0
صدقني أيها الإنسان يا من تعيش هنا أو هناك على الضفة الأخرى من هذا العالم بأنني لم انتم إلى فئة سياسية كانت أو غير ذلك دفعتني لأقول هذا سوى إنني انتمي إلى إنسانيتي فإذا كنت كذلك عليك أن تصدقني وتقف إلى جانبي كما إني لااتحيز أبدا إلى طائفتي أو مذهبي وعلي أن أجد مبررا لاختلافنا عن بعضنا في الأفكار ولكن من المستحيل أن نختلف في تكويننا كبشر نعيش على هذه الأرض كما إني أؤكد لك بان ذلك النظام لم ينل مني كما نال من أخوتي العراقيين آنذاك بل على العكس فقدت ألان شخصيا الشيئ الكثير أخي وأصدقائي وكل قطرة دم سالت مهما كانت قريبة أو بعيده فهي مني إلا إنني لم أتعاطف أبدا في يوم ما مع هؤلاء لأنهم أساءوا لكل العراقيين سنة وشيعة وعلى الإنسان أن ينصر الحق لا أن يتفرج حتى تدخل النار بيته ليفر مذعورا0
وقد خضت حربه اللعينة كما أسلفت إلا إنني لم أكلف نفسي في يوم لأضغط الزناد وأطلق ولو رصاصه واحدة على احد حتى عندما يصوبون باتجاهي ويؤسفني أن أصرح بهذا إلا إن الحق لابد له من أنصار ولا بد لنا أن نعينه حتى على أنفسنا لذلك نقول لمن يطبلون له متى ترجعوا عن غيكم وتتوبوا إلى الله وتندموا على ما فعلتم عسى أن يستجيب لكم ويغفر ذنوبكم انه نعم المولى والنصير0
أكرم كريم العراقي/22/11/2006