انقسامات حزب الدعوة عامل قوة ودليل عافية
إبراهيم الجعفري لـ ( الملف برس): أتشرف بتهمة زج التيار الصدري في العملية السياسية
بغداد – الملف برس
قال د. إبراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة – المقر العام إن الانقسامات التي حدثت في حزب الدعوة عامل قوة وليس ضعف كما يحاول البعض الترويج لذلك، لافتاً إلى إن مسالة الخلافات في تاريخ الحركات و المذاهب حقيقة تاريخية.
وأضاف في حوار مع وكالة ( الملف برس) إن الأزمة الراهنة التي يمر بها العراق حالياً هي في العمق أزمة سياسية وليست شعبية، غذتها الخطابات السياسية المتطرفة منذ زمن الزرقاوي، وتؤلب وتخطط لعملية الإيقاع بين السنة والشيعة بالإضافة إلى التدخل الإقليمي لدول الجوار.
الملف برس التقت الدكتور إبراهيم الجعفري في مكتبه وأجرت معه حواراً يناقش دواعي العملية السياسية وطرح وجهات النظر الخاصة بما يجري على الساحة العراقية، وفيما يأتي نص الحوار:
•كيف تقيمون دور الحكومة الحالية في ظل التداعيات الحالية ؟
_ إن الحكومة العراقية هي حكومة توافقية تضم كل القوى السياسية دون استثناء، و هي في حقيقة الأمر أمام حقيقتين مهمتين، فالأولى إن أهم شيء لديها هو الأداء الأمني، و هي ليست بمعزل عن أداء قوات متعددة الجنسيات ،و بما إن الأمور غير مستقرة فلذلك فان رئيس الوزراء د. نوري المالكي معني بما تمارسه متعددة الجنسيات، و تلك القضية جعلت هناك تلقيا بضرورة كيفية التوفيق بين الإرادة العسكرية لقوات متعددة الجنسيات و بين الإرادة العسكرية الوطنية، و الثانية هي أن تدهور الوضع الأمني حاليا ليس انعكاس شخصي على رئيس الوزراء، و يجب أن لا نرمي باللائمة على طرف واحد، و رئيس الوزراء من طرفه طرح مشروع المصالحة الوطنية، و كان على مكونات الحكومة أن تطلع على ضرورة ربط الأطراف ذات الوجهة المسلحة و جعلها تدخل في العملية السياسية، و أن تستبدل القلم بالبندقية، و للأسف الشديد فان هذه النقطة لم تفعل ،و ما يخص الخدمات فأنها ترتبط ارتباطا وثيقا و مباشرا بحياة المواطن العراقي و يجب النظر في تحسين أدائها بصورة متوازنة، مع علمنا إن ما يعطل هذا الأداء هو العمليات الإرهابية و قطع الطريق أمام المواطن مع وجود بعض المنافقين السياسيين داخل مؤسسات الدولة، يشخصوا و بشكل دقيق الأهداف و بدورهم يعطونها للإرهابيين لتخريبها، و هذا ما يكشف وجود خروقات في تلك المؤسسات لصالح الإرهابيين، و لذلك أرى أن المعالجة يجب أن تصب في تكثيف الجهود، و لكن ليس بمعزل عن الوضع الأمني.
• إذن هل نسمي ألازمة الحالية هي أزمة سياسيين أم أزمة شعبية، و إذا كانت من السياسيين فما هو الحل برأيكم ؟
- أنا تقديري في العمق هي أزمة سياسية، فالشعب العراقي شعب يعيش حالة التعدد المذهبي مثل التعدد الجغرافي، بوجود أطياف كثيرة فهذه سابقا لم تسيس، و لم تنبعث القضية بين مواطن و مواطن، و لكن تم العثور على خطابات منذ زمن الزرقاوي تؤلب و تخطط لعملية الإيقاع بين السنة و الشيعة هذا من الداخل العراقي، و من الخارج نرى التدخل من بعض الدول ليس لحماية وحدة الصف العراقي و إنما لتسعير حالة الخلافات، و إلا فان العملية السياسية شقت طريقها، و الحكومة الحالية لم تغيب طيفا من أطياف الشعب العراقي في تشكيلاتها، و القضية إذن في تقديري هي مسيسة، و اخطر ما في الانتماءات عندما تسيس، فالمذهب هو قضية في شقها الفكري تعود لرواد المذاهب، و هم يعتقدون به بغض النظر عن صحته أو شواذه، و بالنسبة للتابعين للمذهب لهم طريقتهم في أتباع المذهب المعني، إلا إن المشكلة عندما تسيس و يصبح المذهب وجهة للصراع السياسي، و هذا الخطأ يجعل الإنسان العادي يشعر بالتحرك من زاوية مذهبية، و إلا فنحن نقول أين كانت هذه في السابق، فهي لم تكن موجودة و لكن الدوافع السياسية بدأت تتوشح بلباس فكري و مذهبي، و الحل في تقديري هو أن نبقي الأمان على المفكرين والمثقفين و العلماء الملتزمين، فهم اليوم لهم دورهم عن طريق احترام كافة الانتماءات المذهبية و إعطاء الفرصة للجميع للمشاركة، و اعتقد إن الفكرة طالما بنيت على تشويه ثقافي فلذلك المطلوب توعية ثقافية، و لأنها تحركت في حيز مذهبي فلا بد من ثقافة مذهبية أصيلة و رواداً يحملون هذه الثقافة و تجسيدها على الواقع.
• إيران أصبحت محورا كبيرا للاتهام بتدخلها في شؤون العراق، و أخرها تصريح للرئيس الإيراني بأنه على استعداد لإخراج أميركا وبريطانيا من المستنقع العراقي فما هي وجهة نظركم؟..
- لا توجد دولة في العالم لا تخضع لقانون التأثير و التأثر في دول الجوار، صحيح إن أي ارض يتم تحديدها أما التأثير من الناحية الاجتماعية والنفسية للناس هذا لا يمكن الحد منه أو تقليله لكن و بنفس الوقت لا يمكن إلغاؤه، و لذلك جرت العادة في كل منطقة من مناطق العالم عندما يحدث تغيير سياسي سرعان ما تجد له تلقيات في الدول المجاورة، والدليل ما حصل في العراق فالتجربة التي خاضها الشعب العراقي لثلاث مرات و في عام واحد هي أقصى حالات الحرية، و مع ذلك نحن لم نقصد التدخل في شؤون احد، لكن طبيعة التغيير السياسي في أي بلد تُحدث تغييرات في الدول المحيطة به، فمثلا دخول المرأة في البرلمان جعلني أتنبأ و قد قلتها من على المنبر في دولة الكويت ستدخل المرأة الكويتية إلى البرلمان، و المسالة مسالة وقت فقط، و فعلا هذا ما حصل، فهذا لا يعني تدخلي في الشأن الكويتي، و لن اسمح لنفسي بالتدخل و كذلك لا اسمح لأحد بالتدخل في الشأن السياسي العراقي، و لكن هذا لا يمنع من تبادل الثقافات، فإيران دولة مجاورة و هناك تزاور بين أبناء الشعبين، و تحسين العلاقات شيء جيد، و لكن أؤكد لن نقبل على الإطلاق التأثير على القرار السياسي العراقي، و سنناضل من اجل الحفاظ على قدسية استقلال العراق و قراره المسقل، و بما أنني لا اعرف خلفية تصريح الرئيس الإيراني لكني أقول السياسية ليست رياضيات بل هي تفاعل و حسابات كثيرة.
• كيف تقيمون لقاء عمان بين رئيس الوزراء نوري المالكي والرئيس الأميركي جورج بوش، وهل سيساهم ذلك في تحسين الوضع الأمني ؟
- بطبيعتي لست من الذين يؤمنون بالحوار وراء الستار، أنا اعتقد إن اللقاء هو فرصة ايجابية لخدمة العراق، و يبقى ما يدور في الحوار، فأصل اللقاء هو بديل، عن اللا لقاء، يعني الصلح وليس القطيعة، و أنا ايجابي و مع كل لقاء، و يبقى ما الذي دار في اللقاء.. من دون شك عندما تحمل في جعبتك هموم عراقية وتجيد الدفاع عنها وتطالب دول العالم بان تكون عونا للعراق، وتتكلم بكل صراحة وبطريق مباشر، ولا داعي لان نتهامس بحوار الطرشان، و التكلم بصراحة هذا ما هو على الأرض و هذا ما على المسرح الدولي، فالقضية العراقية لم تعد وطنية إنما تأقلمت مع الوضع العالمي ولذلك فان الحوار في الشأن العراقي يجب إن يكون حواراً صريحاً شفافاً لا يتغير بمفردات معينة و لا يخجل ولا يستحي إن يكشف النقاط و يتحدث مع الأخر بما له و ما عليه و العكس بالعكس، و نحن نعلم إن القوات متعددة الجنسيات تعاني من مشاكل كثيرة في العراق والكثير من المراقبين والسياسيين يرون ضرورة حدوث تغييرات، خصوصا بعد الانتخابات الأخيرة في أميركا، إذن أصبح الوجود وتحديد مصير الوجود هما مشتركا، إذن فلماذا لا نتحدث مع الآخر بكل صراحة وأنا أتوسم أنهم ناقشوا جميع الملفات بكل صراحة للوصول إلى حلول ناجحة من شانها أن تقلل المشاكل في العراق.
• هل تعتقدون إننا مقبلون على حرب أهلية أو طائفية ؟
- هناك حرب أهلية في العالم و حرب طائفية و لا بد أن نفرق ما بين الاثنين، فالحرب الطائفية تتحيز في حيز أبناء الطوائف المتحاربة كالذي يحصل في أماكن متفرقة من العالم، و الحرب الطائفية إذن تكون بين أفراد طائفة و طائفة أخرى، أما الحرب الأهلية هي عامة تأخذ مجالا أوسع، و البعض ربما يراهن على ذلك، و لكني قلت حينها انه لا توجد حرب طائفية في العراق من ذات الشعب، فمن داخل المجتمع العراقي لا توجد حالة انبعاث احترابي و أزمة طائفية بين أبناء السنة و الشيعة، و لكن ذلك لا يعني إن البلد المتعافي من هذه الحالة قد يتعرض ( لا سامح الله ) إلى حرب طائفية إذا لم يبذل الجهود للحفاظ على الوحدة، و هو يشمل جميع البلدان دون استثناء، و من هنا نرى كيف تحاك المؤامرات المنظمة من قبل الصداميين و التكفيريين ومن يلتحم معهما من أرادات الشر خارج العراق، و تحاول تدمير البنية التحتية و الاجتماعية، و لا ينبغي النظر لها نظرة المتفرج بل علينا تحمل المسؤولية جميعا و الحفاظ على وحدة العراق و جعله في حالة وقاية كافية للحيلولة دون أن تصل هذه العناصر إلى تحقيق مبتغاها و أهدافها.
• علمنا أن حزب الدعوة قد شهد انقسامات داخلية و تفرق إلى أربعة أجنحة، فهل لنا أن نتعرف على الأسباب الحقيقية وراء هذا الانقسام ؟
- أنا لا اعرف من أحصاها بعدد أربعة أجنحة أو أقسام، صحيح كانت هناك خلافات لكنها كانت فقط في وجهات النظر، و لا أبالغ إذا قلت حتى الشركات عندما تكبر و يمضي عليها الزمن تحصل خلافات، فأذن مسالة الخلافات في تاريخ الحركات و المذاهب حقيقة تاريخية و حقيقة حاضرة، إذن فلنناقش كيف تعامل المختلفون بعد إن كانوا ينتمون إلى حركة واحدة، و كيف تعامل المختلفون في الدعوة بعد إن كانوا صفا واحدا، أنا في تقديري الأسلوب الذي تعامل به المختلفون في الدعوة أسلوب حضاري و ذلك لاعتزازهم أولا بالدعوة و عبروا عن اسمها مما يعني أنهم تشرفوا بالانتماء إلى هذا الحزب و تاريخه و اسمه، و ما يترتب على ذلك من أسس و خط فكري و أهداف ،و كذلك أنهم تعاملوا بطريقة التعايش، اختلفوا من وجهة نظر تنظيمية لكن لم يختلفوا على الأهداف أو الفكر، بل أكثر من ذلك كشفت النقاط عن وجود تعاون بينهم، فكثير من الأحزاب تتعرض إلى الانشقاقات لكن بعد النمو يتم الاحتواء و من ثم تحاول اخذ نمط جديد و هيكلية جديدة، إذن لا يتم الافتراق ما دام المختلفون يحافظون على التعاون، و ذلك يحصل أيضا من طبيعة البشر، فكلما تتفتح أمامه آفاق كلما اختلف في العمل الاجتماعي، إذن علينا إن نجيد التعامل بطريقة مسالمة مع من ينتمي إلى تنظيم أخر، و نحن نريد إن نتعامل مع كافة أبناء الشعب العراقي، فإذا كنا عاجزين من التعاون مع الدعاة الذين يتحلون بالفكر إذن نحن اعجز من مخاطبة القومي أو الديني أو المذهبي، لذلك تقديري هي ليست نقطة ضعف على حزب الدعوة بل نقطة قوة و استطعنا إن نسمو إلى التعايش و التفاهم و التعاطي الايجابي.
• البعض يقول أو يتهم الجعفري بأنه كان وراء تقوية التيار الصدري في العملية السياسية و يحملونكم مسؤولية تصرفات الكتلة في البرلمان ؟
- دعني أقول أولا ماذا و من ثم نقول تلك تهمة أم لا، أنا عندي نظرية كسياسي اعتقد هناك مشتركات بين الكتل السياسية المختلفة مهما تباينت في بعض الجوانب، هناك مشتركات من الجانب الأخر، و منذ مرحلة ما قبل تأسيس مجلس الحكم أنا كنت مؤمن بضرورة استيعاب التيار الصدري، و هذا واقع موجود و قد اختلفت مع بريمر آنذاك و لم يستجب لي، فقد وعد ثم اخلف و هي كانت مفاجأة لي و في حينها أعطيته بعض الأسماء السنية المعروفة بوطنيتها و بعمقها و تأثيرها في المجتمع، و كذلك أعطيته أسماء التيار الصدري، و هيأت لها مقدمات دون إن تكون لي علاقة شخصية مع رموز التيار الصدري، و أنا أناقش القضية كحالة وطنية عراقية ،و أنا اعتقد معنى إن تحل الديمقراطية عليك إن تشيع ثقافة الكلمة بدلا من الطلقة، و إن تعطي للأخر دون إن تعتدي، يعني انك تدخل الأخر في البيت العراقي، حتى إذا أراد البقاء خارج الحكومة و حتى إذا كان يريد الاعتراض سوف يكون معارض سلمي، و من هنا عملت منذ ذلك الحين لاستيعاب هذه الحالة، و للأسف الشديد لم تكن هناك استجابة، و لكن علاقاتي بقيت مستمرة مع الآخرين و لم يكن أمامنا خيار سوى إن يدخلوا في البرلمان و الحكومة شريطة عدم العبث و الإساءة إلى الموقع الموجود فيه، لذلك كان لي الشرف في طرح هذا الشعار، إذن هذه ليست تهمة و بالمناسبة لا توجد هناك مصالح بيني و بين التيار الصدري، و قد ذكرت ذلك مرارا و أقولها الآن بكل صراحة إنني لم أعط وعدا بحقيبة وزارية أو وكالة وزارة أو مديرية عامة أو سفارة، فانا جئت بيد بيضاء و لم ارهن قراري بإعطاء شيء مسبق على الإطلاق، فحرصي على أشراك التيار الصدري ليس معزولا عن منهجي مع بقية التيارات، فهي لها وجود على الواقع العراقي، و كذلك هذا التبني ليس لي به مصلحة و أنا اشكرهم على قبولهم هذا و هو حسن نية من قبلهم، و الآن دعنا نرى الواقع ما بالك لو إن الأحداث التي جرت في سامراء و غيرها و التيار الصدري بما له من ثقل خارج العملية السياسية، لأصبح العراق حماما من الدم، بينما وجدنا إن الأخوة الصدريين في أي محنة يتحرك علماؤهم من مسجد إلى مسجد و يصلون صلوات مشتركة مع الأخوة السنة، و يدرك الجميع غ ماذا تعني هذه ولو إن العملية السياسية لا تتسع لهؤلاء إذن هل نستبدل العراقيين بغيرهم ؟ و أنا في تقديري ليس الغريب إن اعمل على جمع و استيعاب هؤلاء الأخوة، إضافة إلى ذلك نرى المقارنة فيما كانوا عليه بادئ الأمر و الآن فالتجربة بينت أنهم تطوروا بشكل جيد و نعلم إن هناك استفزازات من هنا و هناك، و طبيعة الاستفزاز تحدث تلقيات سلبية و علينا هنا إن لا نحرق الأشياء التي حققناها، بل علينا الحفاظ على المنجزات التي تحققت، وان نفكر كيف يكون العراق ديمقراطيا. أما إذا ما أريد له العودة إلى الدكتاتورية عندئذ سيناصب بعضنا بعضا العداء ويفكر في إقصائه و لذلك فالشعب كله مع الكتل السياسية دون استثناء و إن كانت تلك تهمة فانا أتشرف بها.
الكاتب:
الملف برس
تأريخ أضافة ألخبر
المصدر:
الملف برس
03 - 12 - 06