لتجاوز محنة العراق ينبغي النظر إلى البوسنة لا إلى فيتنام

ريتشارد بتس - الفاينانشيال تايمز

العراق ليس فيتنام. لكن عندما يشبه الرئيس جورج بوش، ملك الرفض، الارتفاع الأخير في موجة العنف في بغداد بهجوم عام 1968 الذي شنه الفيتناميون، ندرك أن أوجه الشبه كبيرة بدرجة لا يمكن تجاهلها. والأسوأ من ذلك أنه على الرغم من أن أوجه الاختلاف بين فيتنام والعراق أكثر من أوجه الشبه، إلا أن القليل من نقاط الاختلاف تشير إلى نتيجة أفضل.
أكبر وجه للشبه بين الحربين المأساويتين هو أن أقوى دولة في العالم أثبتت أنها غير قادرة على فرض سيطرتها على بلد أضعف منها بدرجة كبيرة، بالرغم من الجهود العسكرية والسياسية والاقتصادية التي بذلت عبر السنين. وفي كلا الحالتين، فإن الشعب الأمريكي الذي يضحي بدمائه وثرواته من أجل إحراز نجاح، يفقد صبره عندما يجد أن الوعود بإحراز تقدم تكذبها الوقائع التي تشير إلى استمرار القتال دون تحقيق نتيجة حاسمة وأن حالة الفوضى تزداد سوءاً.
وكما حدث في فيتنام، وجدت القوات الأمريكية نفسها تحارب تمرداً، وهو نوع الحرب لا تريدها على الإطلاق. تمرد يجتهد لخلط الحساسية السياسية بفاعلية القتال - وهو أمر ليس من نقاط القوة لدى هذه المؤسسة التي لا يوجد من يضارعها في الحرب ذات التقنية العالية، لكن معرفتها بالثقافات الأجنبية محدودة. وكما كان الحال في فيتنام، الحكومة المضيفة في العراق ضعيفة ومخترقة من الأعداء وفاسدة وغير قادرة على حماية المواطنين أو حشد قدر كاف من المواطنين خلفها لإجبار المقاومة على التقهقر. والتقدم في تقوية قوات الأمن التابعة للحكومة أثبت أنه هش عندما تحين ساعة الجد. ومع مرور كل يوم، فإن الأمل بأن تتيح تقوية الحكومة تدريجياً، للولايات المتحدة أن تستريح من العمل العسكري المباشر، يبدو بعيد المنال.
ماذا عن الاختلافات بين الحربين؟ في فيتنام كانت الحرب تجري بصفة أساسية في المناطق الريفية؛ وفي العراق معظم القتال يدور في المدن, لكن ذلك لا يعني أن النظام المدعوم من الولايات المتحدة يسيطر على المناطق الريفية. إن فقدان السيطرة أقل وضوحاً في المناطق التي لا يخوض فيها الأمريكيون معارك، لأنهم غير موجودين فيها. ومساحة العراق أكبر من فيتنام الجنوبية بواقع مرتين ونصف, وعدد سكانه يساوي تقريباً نصف تلك الدولة في ذروة التورط الأمريكي فيها. ومع ذلك، فإن كثافة وجود القوات الأمريكية وقوات الحلفاء وقوات الحكومة المضيفة في الميل المربع الواحد تساوى عُشر كثافة القوات في جنوب فيتنام عام 1968.

في فيتنام كان الصراع أيديولوجيا: الشيوعيين ضد القوى المناهضة للشيوعية. في العراق يدور حول الهوية، إذ يتنافس الشيعة والسنة والأكراد بعنف لم يسبق له مثيل على المواقع. وخلافاً للصراع في فيتنام الذي كان ذا اتجاهين، فإن الانقسام إلى ثلاثة اتجاهات في العراق يجعل الهدف الأمريكي غير واضح. فإذا استمرت الولايات المتحدة في السعي للمحافظة على وحدة البلاد في كتلة واحدة، فإنها بذلك تجازف بتبديد نفوذها المحدود في دعم فكرة متراجعة. وإذا تدخلت للتأثير بشكل فاعل في ميزان القوى من خلال الوقوف إلى جانب الشيعة ضد السنة، أو العكس، أو مع أحد الفصائل الشيعية ضد الآخر، فإنها بذلك تجازف بالتواطؤ مع أي عمليات قمع بشع يمارسها حلفاؤها المحليون في حرب أهلية لا ترحم. ولا يوجد سبب لتوقع أن تتلقى حكومة عراقية مستقلة (وهو، قبل كل شيء، ما تباهت واشنطن منذ إجراء الانتخابات بأنه الوضع الذي سيكون عليه النظام) التعليمات من أصدقائها الأجانب.
في فيتنام البديل للنجاح الأمريكي كان واضحاً: انتصار الشيوعية. في العراق البديل غير واضح. الانزلاق نحو الفوضى، مثل ما حدث في الصومال؟ أم حرب أهلية طويلة مثلما حدث في لبنان في السبعينيات والثمانينيات؟ أم سيطرة الشيعة المتطرفين على البلاد؟ أم التحالف مع إيران؟ أو تقسيم البلاد إلى مناطق حكم ذاتي؟
بالنسبة للبعض، هذه الاحتمالات المخيفة تعني أن انسحاب الولايات المتحدة غير وارد. لكن ذلك لن يكون له مغزى إلا إذا تم وضع استراتيجية تفضي إلى نتيجة أفضل. فمجرد أن يكون الفشل أمراً غير مقبول لا يعني أن النجاح ممكن.
ما ينبغي علينا أن نظهره بعد نحو أربع سنوات ونحن نحاول دعم قوات الأمن التابعة للحكومة بحيث تقف على أرجلها، يترك شكوكاً كبيرة بأن تتمكن أي جهود أمريكية أخرى من السيطرة على التطورات السياسية والعسكرية في البلاد. ومثلما تضررت الأطراف المحلية من بعضها بعض على نحو متزايد، فإن استمرار الوجود العسكري من المحتمل أن يجعل الولايات المتحدة معزولة أكثر وأكثر ويضعها في مقاعد المتفرجين، ومع ذلك تعاني من الخسائر في هذه الصفقة.

في فيتنام كانت الكارثة المترتبة على الفشل أقل مما كان الناس يتخوفون منه, فقد تمكنت واشنطن ضمنياً من التحالف مع الصين، التي كان احتواؤها السبب الرئيس للتدخل. وفي العراق يمكن أن نأمل أن تسير الأمور على نحو جيد فيما يتعلق بتأمين سلامة الطاقة، أو الحرب ضد القاعدة، أو احتواء إيران, لكن ذلك الأمل سيكون رهاناً سيئاً.
وإذا كانت الولايات المتحدة تريد تفادي أسوأ النتائج، يجب أن تركز نظرها ليس على النتائج الجيدة غير الواقعية، لكن على النتائج الأقل سوءاً التي تكون في متناول يدها. وقد يكون الأنموذج المحتذى هو أنموذج تقسيم البوسنة بحكم الأمر الواقع، في ظل حكومة مركزية ضعيفة. من المحتمل أن يكون ضمان توزيع عادل لإيرادات النفط غير ممكن، والطائفة الأقل يمكن أن تكون هي الطائفة التي سيتم استثناؤها.
ذلك سيكون حلاً مفجعاً يترك الولايات المتحدة في وضع أسوأ بكثير مما لو أنها لم تقدم أصلاً على هذه المغامرة - لكن أي شخص يستطيع التخطيط لنتيجة أفضل يستحق الحصول على جائزة نوبل المقبلة.
ــــــــــ
الكاتب مدير معهد سولتزمان لدراسات الحرب والسلام في جامعة كولومبيا، اشترك في تأليف كتاب "مفارقة فيتنام" The Irony of Vietnam