 |
-
المراهقة السياسية:عن أحوال العرب السنة في العراق!!!!!
عن أحوال العرب السنة في العراق
ياسر الزعاترة الحياة - 26/12/06//
قبل أسابيع كان رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني يتحدث في لقاء تلفزيوني عما أسماه المراهقة السياسية لأحد الأحزاب السياسية العربية السنية قبل أن يستدرك ليشمل الجميع، على اعتبار أنهم ولدوا سياسياً بعد الاحتلال.
كلمات المشهداني كانت لافتة للانتباه بالنسبة لي، لسبب بسيط هو أنني استخدمت ذات المصطلح (المراهقة السياسية) في سياق وصف السلوك السياسي للقوى السياسية العربية السنية، لاسيما تلك المنضوية فيما يعرف بجبهة التوافق العراقية، وقبل ذلك ممارسات الحزب الإسلامي الذي يشكل العمود الفقري للجبهة، الأمر الذي جرّ علي الكثير من الحملات.
من الصعب وضع جميع الأخطاء التي ارتكبها أولئك القوم خلال الأعوام الثلاثة الماضية في سياق المراهقة السياسية، لأن في ذلك مبالغة في إحسان الظن، إذ أن ما يحفز الرجال بحسب أرسطو «الخوف والمصلحة». وهناك من بين رموز العرب السنة من سار في توجهات ودعم قرارات من منطلقات شخصية، وأحياناً حزبية، وليس فقط تبعاً لاجتهاد سياسي يضعه ضمن دائرة المقولة الشرعية التي تمنح المجتهد أجرين إذا أصاب وأجراً واحد إذا أخطأ.
مؤخراً كنت أقرأ مقابلة لواحد من هؤلاء، فكانت الخلاصة التي وصل إليها أن جميع المصائب التي حلت بالعرب السنة جاءت نتاجاً مقاطعتهم للعملية السياسية (لم يقاطعوا سوى الانتخابات الأولى!)، ما يعني بمفهوم المخالفة أنهم لو شاركوا في تلك الانتخابات لكانوا اليوم في أحسن حال وأهدأ بال! واللافت هنا أن صاحبنا أول من دشن دخول العرب السنة في العملية السياسية، بل منحها الشرعية عندما شارك باسم حزبه في مجلس الحكم الذي أنشأه الاحتلال بعد انطلاق المقاومة العراقية واتضاح عبثية الحديث عن انتداب عسكري على البلاد لبضع سنوات يستخدم خلالها منصة لاستهداف الدول العربية الأخرى، فضلاً عن إيران. هكذا يتجاهل صاحبنا أن حزبه لم يقاطع العملية السياسية، بل شارك باسم العرب السنة ومنح الشرعية لمجلس الحكم، ولحشرهم تبعاً لذلك في نطاق العشرين في المئة، أي في نطاق الأقلية، وبالطبع ضمن معادلة سياسية غدت بعد الاحتلال رهينة صفقات متوالية بين فئتين تسعيان إلى تقسيم العراق، الأولى تمثلها القوى الشيعية القادمة مع الاحتلال، والثانية هي القوى الكردية التي لا تريد الانفصال وحسب، بل تريد المزيد من الأرض والثروات، بصرف النظر عن طبيعة ارتباطها الشكلي مع المركز العراقي.
في معظم الحالات المشابهة للاحتلال العراقي طرح سؤال المشاركة في المسار السياسي الذي يصنعه المحتلون منذ اللحظة الأولى، فكان شارك البعض فيما ذهب الآخرون في اتجاه المقاومة، لكن العرب السنة لم يقاطعوا العملية السياسية في واقع الحال، ولو فعلوا لأفقدوها الشرعية، لكن مشاركة الحزب الإسلامي في مجلس الحكم، وفي الحكومة الانتقالية كانت لهم بالمرصاد. بعد وضع مقاطعة الانتخابات الأولى كسبب مباشر لمصائب العرب السنة، يميل أصحاب هذا الطرح إلى تحميل هيئة علماء المسلمين مسؤولية ما جرى (هنا يعترفون بأهمتيها، في حين يؤكدون هامشيتها في سياقات أخرى)، لكنهم يتجاهلون ماهية المسار الآخر لو وقعت المشاركة في ظل رفض شعبي لها واستعداد وافر لدى الطرف الآخر للتزوير؟ هل كانت هذه الفئة ستحصل على ما هو أكثر من عشرين في المئة، (سيكون الرقم أقل من ذلك)، ما يعني تأكيد حشرها في دائرة الأقلية والاستخفاف بها، بدل المقاطعة التي كرست مسار المقاومة ومنحته ومعه حاضنته الشعبية الفيتو الدائم على العملية السياسية اليوم وغداً وبعد غد، مع رفض منطق الأقلية والأكثرية في بلد متنوع الطوائف والأعراق ولم يخضع لإحصاء طائفي على أساس طائفي وعرقي.
ما ينبغي أن يتذكره هؤلاء هو أن ما نزع عن المقاطعة الأولى قدرتها على الفعل والتأثير هو اندلاق أولئك السياسيين على المحتل والمتعاونين معه، ليس فقط بالمشاركة في مجلس الحكم والحكومة الانتقالية، وإنما من خلال مختلف أشكال التعاون السياسي الذي كان يأتي في سياق الزعم بتحقيق المكاسب للعرب السنة في مواجهة إرادة الإقصاء.
لقد تعامل هؤلاء مع سياسات الاحتلال كأنها مشيئة إلهية لا راد لها، مع العلم أن المقاومة كانت أقدر على التأثير لو شفعت بإرادة سياسية قوية وعمل شعبي سلمي واسع النطاق، لكنهم تعاملوا مع المحتل والقوى المتعاونة معه من منطلق الضعف، والسبب هو ابتعادهم عن المقاومة وعجزهم عن التعبير عنها وإقناع قواها بجدوى مشاركتهم السياسية، ولذلك جاءت حصيلة مشاركتهم بائسة إلى حد كبير.
لقد شارك هؤلاء بقوة في الانتخابات التالية، وحصلوا على دعم المحتل الذي أراد الموازنة مع النفوذ الإيراني، فضلاً عن تعويل العرب السنة على المشاركة هذه المرة، لكن النتيجة كانت بائسة أيضاً، أقله قياساً بالأهداف التي طرحت لتبرير المشاركة، وهي بشكل أساسي مواجهة عمليات القتل والتعذيب والاعتقال، وثانياً مواجهة عمليات التهميش في الدولة ومؤسساتها. على الصعيدين لم يقدم هؤلاء شيئاً مذكوراً حتى لو عددوا مكاسب هامشية لا بد منها كي يقتنعوا باستمرار المشاركة، وتشريع اللعبة القائمة، بدليل عمليات القتل والاختطاف التي ازدادت حدة (واقعة وزارة التعليم العالي التي يتزعمها وزير من التوافق خير دليل)، ومعه واقع التهميش الذي تفضحه الوزارات التي شاركوا فيها وصار وزراؤها ودورهم موضع تندر في أوساط العرب السنة.
الحصيلة إذن بائسة، فيما جاء تشريع الدستور، دستور التقسيم، ومن بعده الفيدرالية ليؤكد فشل مشاركة ضعيفة قامت على الخوف من المحتل وعدم التواصل مع المقاومة، أما محاولة تدارك الموقف فيما يتعلق بالفيدرالية من قبل جبهة التوافق فكانت فاشلة أيضاً، لاسيما إثر تمريرها المشروع في قراءته الأولى بناءً على تفاهمات مع عبد العزيز الحكيم والأكراد.
هكذا يتواصل العبث الذي تمارسه القوى العربية السنية، وبخاصة جبهة التوافق، وإذا لم تعد هذه الجبهة النظر في مسار عملها كله فستكون الحصيلة سيئة على المدى القريب والمتوسط، فيما لن تعدلها على المدى الأبعد سوى قوى المقاومة التي تتعامل مع الموقف بمنطق القوى والثقة وليس الضعف والخوف.
صحيح أن الوضع العربي المتراجع لا زال يلقي بظلاله على هزال القوى العربية السنية، لكن ضعف مواقف قادة هذه الفئة لا زال عنصراً أساسياً فيما يجري، ولو تداركوا أمرهم وتركوا حكومة المالكي (دعونا إلى ذلك قبل صدور مذكرة توقيف الشيخ الضاري التي تشكل استخفافاً بجميع العرب السنة)، وعملوا من داخل البرلمان وفي الشارع وأصروا على شطب الفيدرالية والاعتراف بالمقاومة، لكان بوسعهم تحقيق ما هو أفضل للفئة التي يزعمون تمثيلها. من العبث أن يرضى هؤلاء لأنفسهم أن يكونوا شهود زور على تقسيم العراق أو وضعه رهن الحرب الأهلية من أجل إرضاء زلماي خليل زاد، أو من أجل مكاسب هامشية يمنحها المحتل لأي متعاون معه، وقد آن لهم أن يشكلوا مع آخرين جبهة عريضة لرفض الطائفية والاحتلال.
لكي نكون منصفين، فقد سمعنا خلال الأسبوعين الأخيرين ما يشير إلى صحوة في أوساط هذه الفئة، ما يدفعنا إلى التشبث بأمل أن تكون صحوة حقيقية وليست مجرد سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
العرب السنة هم عنصر التوازن في العراق، وينبغي أن يرتقي سياسيوهم إلى مستوى حضورهم ودورهم، وإلا فإن المقاومة ستبقى العنوان الوحيد، فيما يدرك العقلاء أن تكامل الطرفان في سياق تأكيد وحدة البلد وهويته العربية الإسلامية هو المسار الأفضل.
* كاتب من الأردن
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |