أكملت معاملة والدي شهيد المقابر الجماعيه بالتمام والكمال ( قرار الحكم موقع بالمصادقة على تنفيذ الأعدام على والدي الشهيد بتوقيع المقبور صدام ) لأنتمائه لحزب الدعوة الأسلاميه ومع بقية الأوراق التي تثبت عراقيتي ، توجهت صوب السيارات التي تصلني الى تكريت أخذت المقعد الخلفي وجلست في الوسط كي أكون بعيداً عن ارهابيي سيطرة الأسحاقي أخفيت أوراقي تحت المقعد وهيأت وثيقة مزورة لا تحمل اسم مدينتي ( بــلــد) وأنما مدينة أخرى - عبرت السيطره الحكومية بسلام - لأنشغالهم بصيد ثمين آخر السيارة تسير بسرعة فائقه - الكل في صمت تام - وصلت تكريت - توجهت صوب بناية ( مجلس حكم محافظة صلاح الطين ) لتسليمهم معاملة تعويض الشهداء ( قطعة أرض ) أدخل الى غرفة أحد المسؤولين أستلم الأضبارة وهو يتلفت ذات اليمين وذات الشمال مُلقياً نظرات ملؤها الأستغراب لمن حوله . الوقت يشير العاشرة صباحاً حسبما تشير اليه الساعة الجداريه المعلقه على الجدار الموظف المسؤول - تعال عند الواحدة ظهراً . هنا أنتابتني الحيره ياويلتي ويالسوء الحظ أهالي بــلـــد ومصيرهم مرتبط بتكريت أين سأقضي وقتي ومع من سأجلس وماذا سأتحدث - أن طلب أحدهم الحديث معي يارب رأسي يكاد ينفجر وبدأت بقرأة الاية الكريمة (( اللهم أجعل بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون ))
هذا ماأوصتني به أمسي رحمها الله وقت الشدة . خرجت وتوجهت صوب الشارع العام وأخذت ركنا قصيا من أحد المقاهي . الكل ينظر باستغراب وكأني قادم من عالم الفضاء أشغل نضري صوب جهاز التلفاز الشيت الاخباري أسفل الشاشة يعلن المصادقة على حكم الاعدام بحق صدام اليوم أو غدا رواد المقهى يصرخون ويضربون على روؤسهم بايديهم وأحدهم يصرخ ... الان أنكسر ظهري .. وأنقطع رزقي .. وأنا في حيرة من أمري .. هل أصرخ مع الصارخين .. والطم مع اللاطمين ..؟ لا .. لا.. لا.. لا أستطيع .. كيف لي أن أبكي أو أصرخ على من قتل أهلي وعشيرتي .. ساد الهرج والمرج في المقهى .. حملتني قدماي على تركها .. ولا أعلم الى أين أتجه .. أستذكرت في الحال .. أني أعرف شخصا من أهالي تكريت يدعى شاكر .. كانت تربطني به علاقة وأعرفه شخصية وطنية ومن الرافضين لاسلوب صدام بأدارة الدولة .. وعسى أن يكون حيا وبقى على حاله .. فلا يوجد لي منقذ غيره .. تذكرت أن شجرة الكالبيتوس معمرة أمام داره يالرحمة الرحمن أني الان بالقرب من تلك الشجرة .. الدار هو نفسه بناء بسيط باب خشبي بطلاقتين .. حمدا لله سأطرق الباب عسى أن يكون على قيد الحياة (( فأنا لم أتصل به منذ سنوات )) طرقت الباب وطفلة صغيره تسألني .. تفضل عموا .. عموا .. هنا جدوا .. تجيبني .. أي عمو موجود .. يالفرحتي لقد توقفت ساقي عن الرقص من الخوف أدخل الدار يستقبلني الحاج شاكر مستغربا وقت الزيارة الحرج ,.,, أحتسي الشاي وأقص له سبب مجيئي الى تكريت ويطلب مني المبيت وعدم مغادرة الدار خشية على حيتاتي .. قضينا الليل نتبادل الحديث .. وفي الصباح يعلن تلفزيون العراقية حضر منع التجوال والخروج والدخول من والي تكريت .. يالها من مصيبة (( ويا أم حسين جنتي بواحد صرتي بثنين )) كيف حال أهلي في بلد حتما أنهم يئسوا من عودتي اليهم .. الحاج شاكر يطلب مني تغيير أسمي (( الى حمد )) وأن أغير لهجتي حتى لايفتضح أمري .. تطرق باب الحاج شاكر أثنان من الملثمين يطلبون منه حضور مجلس عزاء المقام على روح المقبور صدام اللعين
فورا .. يطلب مني الحاج مرافقته لعدم وجود أحد في الدار غير هذه الطفلة .. أذعن لطلبه مظطرا .. فليس باليد حيلة - الحاج شكر يوجهمي كيف أتصرف وكيف أتحرك والتقاليد المتبعة في مجالس عزاءهم وأنا صاغر السمع - نصل أحد الخيام القريبة مجاميع الملثمين المسلحين تستقبل المعزين عليه أن أصافحهم يدي ترتجف ليس خوفا وأنما لعدم القناعة .. كيف لي أن أمسك يد هؤلاء المجرمين وهم نفسهم -- قاتلوا شعبي -- ياألله يالحسن الحظ الازدحام شديد وأتخلص من المصافحة أتخذ أحد الكراسي فارغة ويجانبي الحاج شاكر جموع المعزين شاردوا الذهن عيون تنظر صوب الخراف المنحورة .. منتظرين وجبة غذاء دسمة .. الهدوء يسود الخيمة ويدخل أحد الرجال بملابس رثة ويقطع حاجز الصمت ويعلن بقوله هل بيننا غريب .. يجيب البعض كلا ... العم شاكر -- يقرصني -- من فخذي الايمن فهمت أنه يطلب مني عدم الكلام .. الرجل يقول علينا أنم نثأر لصدام .. علينا أن نقتل كل أبناء الذين قتلهم قائدنا !!! ينتابني شعور أن هذا الرجل يقصدني أنا الا وأنه عرف هويتي الهم شاطر يرمقني بنظرة أطمئنان ينتهي المتحدث من كلامه ويعم الصمت مرة أخرى .. رجل أخر بلحية كثة وملايس قذرة يعلن عن وقت صلاة الظهر -- البعض يطلب الغذاء قبل الصلاة -- مشادة كلامية حصلت بين أثنين حول هذا الامر تنتهي بمجموعة تذهب الى الصلاة بدون وضوء وأخرى تتجه صوب صواني المفلطح واللحم وأنا أقرر أن أؤدي الصلاة واضعا كفي اليمني فوق اليسرى عملا بمبدء التقية الذي يقره مذهبي وتوجيهات الحاج شاكر لي .. أنهي الصلاة أتجه صوب صينية الطعام ويشاء سوء حظي أن يقابلني في الطعام رجل مسن يعطس أثناء الطعام ويرشق وجهي وملابسي بحبات التمن وطعم اللحم المهضومة في فمه النجس ..,
أترك الغذاء وأنا أنتظر الحاج شاكر لينهي طعامه .. شكرا لله .. الحاج أنتهي من طعامه وأصطحب معه شابا على مسافة مني وأخذ يهمس بأذنه وباشارة من يده أصبحت ى قريبا منه طلب مني الصعود في تلك السيارة (( رقم حكومي )) وأنطلقنا أنا والسائق بسرعة جنونية حتى وصلت محطة بلد ومنها أستقليت سيارة أخرى الى مدينتي ( بلد ) أبناءي وبناتي يقفون في الشارع العام وما أن نزلت من السيارة حتى صاحت أحداهن .. جا أبوية .. جا أبوية .. علت الزغاريد بوصولي سالما وحلت الفرحة فرحتين والعرس بعرسين .. عودتي وأعدام صدام حسين ...
![]()