مقاومتان
حازم صاغيّة الحياة 2003/07/22
متاعب الولايات المتحدة وقواتها المسلحة في العراق، واحتمالات سقوط توني بلير في بريطانيا يمكن استخدامها لمقاومة الاحتلال الأميركي ـ البريطاني. لا مقاومته بالعنف، بل مقاومته بتقصـير أمده: بانتزاع صلاحيات أكبر لـ"مجلس الحكم الانتقالي". بتسريع وتحديد موعد انسحاب الحلفاء. بتوسيع الفرص أمام الأمم المتحدة وأوروبا الغربـية في المرحلة الانتقالية كما في عمليات الإعمار والبناء. في وضع ضوابط على السلوك الأميركي في الوقت المتبقّي للاحتلال.

هنا لا يملك المرء إلا مخالفة بعض التوجهات، العراقية والخليجية أساساً، التي تبايع أميركا بالمطلق. التي تُسبغ على الاحتلال كل أسماء الله الحسنى بحيث لا يعود موجب للضغط عليه. بحيث يُكتفى بانتظار كرم أخلاقه وما يمكن أن ينجم عن كرم الأخلاق هذا.

إنه توجه لا صلة له بالسياسة. ولا صلة له بالحداثة. ولا صلة له بالنظرة الواقعية إلى عالم المصالح الواقعية.

في المقابل: المطلوب مقاومة تسلك طريق السياسة. ويحدوها المستقبل وطلب الحداثة. ومن أجل هذا ستكون مهمتها الأم توفير البيئة الصالحة لاستحضار مجتمع مدني عراقي يملأ الفراغات الضخمة التي تركها النظام البعثي. يبثّ الحياة والحركة في الشلل الشامل والعميق الذي أحدثه النظام المذكور. يرث، ويكون قابلاً لأن يرث، الاحتلال. يقدّم لشعبه ما لا يستطيع الإحتلال أن يقدّمه له.

المقاومة الأخرى التي يبشّر بها البعض، ويحرّض عليها البعض الآخر، من طينة مختلفة: طريقها العنف وهاجسها الماضي. لنتأمل فقط عودة ذاك الهتاف الخمسيني: "يا بغداد ثوري ثوري/ خلي برايمر يلحق نوري". لنتأمل في الراغبين بعودة صدام حسين. أو الراغبين بإقامة جمهورية على النمط الأفغاني ـ الطالباني، أو الآخرين المسكونين بالنموذج الخميني الذي ينهار في إيران، بعد أن يُسلك إليه طريق "جيش المهدي". هذه الحالات التكرارية، العديمة الخيال، سهلة: نقاوم. نقاتل. نتصدى بالسكاكين والأظافر...

حسناً. نفعل ما سبق أن فعلناه مرات كثيرة في السابق. في العراق وغير العراق. نوسّع الفجوات التي تدخل منها الدول المجاورة ومطامحها (ولنلاحظ أن إيران - خامنئي قرأت هي أيضاً ضعف الأميركان وأزمة بلير بطريقتها فأعلنت عن شهاب-3 وعن عواطفها حيال... فلسطين!).

لكن الأمور، هذه المرة، أخطر. فأنظمة الجوار تخوض حرب وجودها أو عدمه. ولن يردعها شيء عن استخـدام العراق والعراقيين متاريس في معركتها للدفاع عن بقائها. وأنظمة لا تأبه بشعوبها، لن تأبه بالعراقيين.

ثم: إن الحرب الأهلية هي وحدها ما يمكن أن يقيم في آخر نفق المقاومة العنفية. فلننظر، مثلاً لا حصراً، الى وضع سنّة البصرة أو عرب كركوك أو فلسطينيي بغداد. وما من سبب يدعو الى افتراض أن الخراب الجزئي الناجم عن الفوضى الجزئية الراهنة لن يصير خراباً كلياً حين تصير الفوضى كلية.

احتمال أسود كهذا ليس، بالتأكيد، أجندة العراقيين الذين يحبون بلدهم. انه أجندة عراقيين كصدام حسين، وغير عراقيين يريدون ذاك البلد ممراً الى تنفيذ أجنداتهم.