الديكتاتور الصغير - د. أحمد البغدادي

(صوت العراق) - 30-01-2007
ارسل هذا الموضوع لصديق

لماذا وقف كثير من العوام والمثقفين العرب مع الطاغية صدام حسين, حتى بعد وفاته، ومنهم من أخذته العزة بالإثم بالحديث عن استهجان لعملية الإعدام في أول أيام عيد الأضحى؟ أعتقد أن أهم سبب تأييد العرب، عوامهم ومثقفيهم، لصدام حسين، يعود إلى ذلك الديكتاتور الصغير الكامن في نفوسنا العربية- الإسلامية. هذا الديكتاتور الذي يدفع الكثيرين إلى ضرب زوجاتهم باسم الدين, أو الرجولة العربية! وللأسف فإن القانون العربي يقف إلى جانبهم باعتبار ضرب الزوجة تأديباً, دون أي اعتبار لكرامتها كإنسانة. كما يقف هذا الديكتاتور وراء الجرائم المزعومة بحجة الشرف الرفيع, وحيث يقف القانون أيضاً مؤيداً له حين يتم سجن القاتل في جرائم الشرف مدة بسيطة لا تزيد في الغالب على ستة أشهر, إضافة إلى المعاملة الخاصة التي يحصل عليها في السجن باعتباره مدافعاً عن شرف العائلة. وأما قانون الأحوال الشخصية فحدث ولا حرج, حيث الظلم للمرأة جهاراً نهاراً. كما أنه ذلك الديكتاتور الصغير الكامن في داخل نفوسنا والذي يرفض محاسبة القانون لنا حين نقوم بضرب أولادنا بحجة التأديب, وللأسف فإن القانون يقف مرة أخرى مع هذا الديكتاتور!
هذا الديكتاتور الصغير لا يريد أن يحاسبه أحد, لذلك يغدو من الطبيعي أن لا نسع إلى محاسبة الديكتاتور الكبير. فالديكتاتور الصغير هو الذي يحكم العلاقة بين المدرس والطلاب. هل نتجاهل حقيقة عجز الطالب عن محاسبة الأستاذ حين يحصل على درجة متدنية؟ هل نتجاهل حقيقة الاستبداد الإداري في الوزارات والمؤسسات الرسمية حيث يفعل الموظف ما يحلو له, دون أي اعتبار للقانون؟ هل نتجاهل حقيقة فرض رؤساء الوزراء على كل الشعوب العربية؟ بمعنى أن العالم العربي جميعه لا يوجد فيه رئيس وزراء منتخب! هل نتجاهل الديكتاتور الكامن في نفسية المشرع القانوني وهو يشرع عقوبة السجن لأغلب إن لم يكن لجميع الجنح والجنايات؟ هل نتجاهل حقيقة أن قوانين المطبوعات والنشر في جميع البلاد العربية باستثناء لبنان, حسب علمي, لا تتردد في سجن الكاتب والمثقف إذا ما تعرض بالنقد للقضايا الدينية؟ هل ننكر أن الجامعات العربية اليوم ليست سوى معتقلات فكرية, بمعنى حصر النقاش داخل حصون تسمى زوراً وبهتانا بالجامعة, وما هي بالجامعة في أي شكل؟
أليس الديكتاتور الصغير الكامن في نفوسنا العربية بلذة عجائبية, هو الذي يجعل كبار المسؤولين فوق القانون, وفي نفس الوقت لا يتردد هذا المسؤول في التبجح بالحديث الممل عن دولة القانون بلا حياء؟ وللعلم فهذا الديكتاتور الكامن يعد صناعة عربية بامتياز, ولا يفيد معه دستور, ولا دولة قانون, ولا تعليم... لأننا على المستوى النفسي نريد لهذا الديكتاتور الاستمرار في الحياة داخلنا, حتى نستشعر قوتنا المزيفة تجاه من هو أضعف منا... لذلك فإن شنق صدام حسين لن يؤدي إلى شنق ذلك "الصدّام" الكامن في نفوسنا المريضة... ولهذا نرى كثير من العربان المستعربة تشق الجيوب وتلطم الوجوه على فراق الديكتاتور الأكبر.

الاتحاد الاماراتية