--------------------------------------------------------------------------------
ما لا يفهمه فهمي هويدي - مالوم ابو رغيف
(صوت العراق) - 26-01-2007
ارسل هذا الموضوع لصديق
نشر السيد فهمي هويدي في جريدة الشرق الاوسط مقالا تحت عنوان
العراق الاقصاء السياسي يفاقهم المشكلة ولا يحلها
ما دعاني ودعى الكثيرون مثلي( ربما) لقراءة المقال هو العنوان، لكن القارئ يتفاجئ بانه ليس من علاقة لا من قريب ولا من بعيد بين فحوى المقال وبين العنوان وبين العراق اللهم سوى بضع كلمات جائت في مقدمته والتي هي صلب موضوعنا هذا.
على ما يبدو ان اسم العراق اصبح سلعة رائجة في اسواق القوميين والاسلاميين العرب وغير العرب، تباع في اسواق المزادات والمزايدات الاسلامية والقومية العربية، لا يهم ان يكون الباعة محترفين اوجهلة او سوقة او دلاليين او ما يسمى بالمفكرين الاسلاميين الذين لم يكتفوا بنصح المسلميين بل بتقديم النصح حتى الى الله. لذلك اختار هذا السيد عنوانا لا ينسجم مع الفحوى والمحتوى، و اقحم العراق في مقال يتحدث كله عن مصر وعن اخوانها المسلميين وعن موقف الحكومة المصرية منهم، لكنه في الاسطر القليلة التي تحدث بها عن تعجبه لما يحدث في مصر من حملة ضد الاخوان وموقف الحكومات السنية من العراق قد نور لنا بعض دهاليز فكره الحالكة وظلمته الدينية.
يقول السيد هويدي في مقاله:
" من مفارقات هذا الزمان، أنه في حين ينزلق العراق باتجاه حرب عبثية بين الشيعة والسنة، وتتواتر التقارير مشيرة الى أن ثمة إصطفافا عربيا مطروحا، يقيم تحالفا سنيا في مواجهة ما سمي بالهلال الشيعي، وترشح مصر لتكون أحد أعمدة التحالف السني المفترض، فإن مصر «السنية» تنزلق باتجاه حرب عبثية أخرى ضد الاسلام السياسي، ممثلا في حركة الإخوان المسلمين، وكأننا إزاء معركتين، إحداهما شيعية سنية ذات طابع مذهبي، والثانية سنية سنية طابعها سياسي بالدرجة الاولى"
وبما ان مصر ستكون احد اركان التحالف العربي، الذي هو سني بالضرورة، وستخوض حربا على الشيعة في العراق، فان السيد هويدي يبدي دهشته الساخرة من موقف الحكومة المصرية التي تحارب الاخوان المسلمين وبنفس الوقت تنوي محاربة الشيعة، ويرى ان ذلك مفارقة لهذا الزمان.
المفارقة حسب ما يراها السيد هويدي هي ان الاخوان المسلمين هم هيكل السنة وقادتها في مصر ومن اولائل المحرضين على الحرب الارهابية بذريعة المقاومة في العراق، كما ان لبهم وجوهرهم طائفي رغم ان لهم علاقات اكثر من جيدة مع ايران وقادتها الذين ضيعوا المشيتين فلم يفلحوا في الدين لانهم هجروه لصالح السياسة، ولم يفهموا السياسة لانهم لا يرونها الا مرتبطة بالدين، فافسدوا الدين والسياسة معا.
لذلك فهو يتسائل من دون ان يطرح السؤال، اذا كانت مصر تنوي ان تكون ركنا اساسيا في الصراع ضد الشيعة في العراق، فلماذا تحارب جنود الجيش الاخواني الذي تنوي المحاربة به، لماذا تقمعهم وتضيق عليهم وتعتقل كوادرهم ولا تعطيهم حرية الحركة وتفتح كل الامكانيات امامهم للتحريض على الشيعة، لماذا كل هذا التجييش ضد الاخوان المسلميين في مصر!! لماذا تفتح جبهة سياسية على الاخوان وهي تنوي الانخراط في جيوش القتال المذهبي السنيةّّ
بالطبع فهمي هويدي لا يفتح عيناه على وسعها ليرى ان موقف العرب وحكوماتهم هو نفسه لم يتغير، فاخوان المسلميين عندما يصدرون المنتحريين الى العراق يصبحون مقاوميين ومجاهديين ومسلمين مؤمنين وعروبيين حد النخاع، لكنهم ان اختاروا العمل في بلدانهم انقلبوا الى ارهابيين ومحرضين ومقوضين للسلطة والنظام. السعودية تسلك نفس هذا السلوك ايضا، فبهائم القاعدة في العراق هم مجاهدون ضد عدو صائل، وضد روافض مشركيين يستحقون القتل والذبح حسب فتاوى رجال الدين السعوديين والخليجين اخرها فتاوى ابن عثيمين والبراك. لكن مطايا القاعدة والمتطرفين السعودين عندما يكونون في السعودية يصبحون خوارجا وجب محاربتهم ومقارعتهم. لذلك تسائل الكثير من العراقيين، لماذا الاجرام في العراق جهاد ومقاومة بينما في البلدان الاخرى يصبح ارهابا وتخريبا.!!
ينطلق فهمي هويدي من مفاهيم بدوية محضة لا زالت مغروسة في عقلية وذهنية العربان مصاغة على شكل امثال وقواعد واحاديث نبوية، مثل انصر اخاك ظالما او مظلوما او انا على ابن عمي وانا وابن عمي على العدو، والعدو هو الشيعة كما يراهم العرب وكما يراهم فهمي هويدي، ولا يهم عدد الضحايا والخراب والذبح والصور البشعة التي عرضتها الفضائيات العربية لهمج القاعدة وانصار السنة وجيش محمد وعمر وهم يذبحون الابرياء، فوجب نصرتهم لانهم اخوانهم في المذهب رغم ظلمهم واجرامهم ومن هنا جائت ماتم العزاء لصدام ومن قبله للزرقاوي.
كما ان السيد فهمي هويدي يحاول ان لا يرى الاختلاف بين الموقف المذهبي والموقف الطائفي، فالحكومة المصرية ليس بحكومة دينية ولا مذهبية، فهي تمتطي الدين وتسيره الى مصلحتها، وتسوق رجال دين الازهر الى مراتع تحددها ولا تسمح لهم بمخالفة قوانين اصطبلات السلطة وزرائبها، فالخارج عن قوانيها وسياستها سوف لن يذوق العلف الحكومي.
وان كانت الحكومة المصرية ليس بدينية ولا بمذهبية، لكنها حكومة طائفية مثل السيد هويدي نفسه، ومثل اغلب المسلميين العروبيين، فحكومة مصر وغيرها من الحكومات العربية لا ترى القومية الا من خلال نظارة التعريف القومي للدين، فالله بالنسبة لهم لم يعد الله العالمين بل الله العرب، وليس العرب كلهم بل مقتصر على السنة العرب، فالمهذب السني القومي الجديد يحدد الاله ويحدد حركته ويجعله اله لا يتجاوز مضارب خيامهم. والقومية العربية الجديدة لا ترى العرب الا من خلال الاعتراف بعمر بن الخطاب، فهو ابو العرب وقائدهم القديم والجديد، والمخالف اما شعوبي او مجوسي او هندي. لذلك مثلا تحسب الصومال، جيبوتي، ساحل العاج، جزر القمر ، تحسب على القومية العربية لانهم يدينون بالولاء الى الخليفة عمر بن الخطاب وان لم يعرفوا ولا كلمة من اللغة العربية، اما الشيعة فهم ليس عرب رغم عشائرهم وتاريخهم وفصاحة لسانهم وصحة مخارج الفاظهم لانهم لا يلون ذلك الاهتمام لعمر بن الخطاب او يشكوكون بعدله. لذلك كتب فهمي هويدي بان النية تتجه كما تفيد التقارير المتواترة الى ان ثمة اصطفافا عربيا مطروحا لمواجهة الهلال الشيعي.
فالعرب لا يهمهم مصلحة الشعب العراقي، بسنته وشيعته وبقية مكوناته، ولا يحزنهم المصير الماسوي للبلد جراء تحريضهم الاهوج على القتال، ان كل ما يهمهم ارضاء نزواتهم وشبقهم ونزقهم الطائفي الارعن الذي اتى على لسان فهمي هويدي بشكل واضح من دون ان يفهم ولا يستوعب ما كتب رغم انه دلال اسلامي.