رغد صدام حسين: الغدر أسقط بغداد

ووالدي حنون وليس شريراً



في اول ظهور لها منذ سقوط بغداد، قالت رغد صدام حسين، كبرى بنات الرئيس العراقي، ان والدها تعرض لعملية "غدر" من الاشخاص الذين وضع فيهم ثقته، مؤكدة انها رأت والدها آخر مرة قبل نشوب الحرب بخمسة ايام، ووصفته بأنه رجل "حنون وليس شريراً".

وفي مقابلة طويلة اجرتها معها قناة "العربية" الفضائية في العاصمة الاردنية، كشفت رغد تفاصيل مثيرة عن تشتت العائلة بعد سقوط العاصمة العراقية، الى تفاصيل عن علاقات العائلة مع الاعمام والاخوال والاقارب وعن "الغيرة" التي كانت سائدة فيها، منها ان علي حسن المجيد هو الذي اصر على قتل زوجها وزوج شقيقتها رنا، حسين وصدام كامل.

وفي مستهل حديثها، شكرت للملك عبدالله الثاني بن الحسين استضافتها مع اختها رنا واولادهما في الاردن، مذكرة بوالده الملك الراحل حسين بن طلال الذي "احتضننا سنة 1995 انا واختي والاولاد وزوجينا" الراحلين حسين وصدام كامل، اذ "بنينا" آنذاك "علاقة قوية جداً" مع الامراء والاميرات الاردنيات "كانوا اهلاً واكثر من اهل". وخصت بالشكر "جلالة الملك" وشقيقه الامير علي الذي "كان اخاً".

وقالت: "منذ اللحظة الاولى التي أيقنت فيها انه انتهى كل شي وسقطت بغداد وشعرت انه بدأت رحلتي الصعبة، كان دائماً عندي شعور ان لي سنداً هم حصراً، بل وعندي قناعة ومن سنين بعدما رجعنا (عام 1995 من عمان الى بغداد) ان عندي بيتاً، عندي اخوة واهلاً... الذي سواه الاخ الامير علي كلش كبير جداً لا ينسى طول العمر". واوضحت ان عم اولادها الشيخ جمال كامل "هو الذي اوصل صوتنا الى جلالة الملك والاخ الامير علي وجاءت تلبية هذا الصوت بأسرع ما نتصور... ووصلنا انا واختي رنا والاولاد التسعة" الى الاردن.

وعندما سئلت هل تعلم اين هي والدتها ساجدة واختها الاخرى حلا، اجابت: "نحن افترقنا يوم سقوط بغداد. نحن طيل فترة الحرب ما كنا سوية بس كنا في العاصمة بغداد. حضرنا الحرب بكل تفاصيلها. اول يوم بالحرب، حوالى الساعة السادسة فجراً، كانت اول صواريخ سقطت على مزرعتي... في منطقة الدورة جنوب بغداد. لما طلع انه هدف فرصة هدف فرصة هدف فرصة واجتماع القيادة العراقية. في الحقيقة لم يكن هناك اجتماع قيادة عراقية. اول صاروخ سقط على مزرعتي... عندي بيتين في المزرعة هدما بشكل كامل. والله لطف انه كنا قبل ساعات قليلة جداً فيه. لكن دائماً يقولون ان قلب الوالدة يعلم. جاءت والدتي علينا قبل الفجر، فرجتني انا واختي ان نترك المكان: بنتي آني اشعر نهايتكم اذا بقيتم هنا. اردت ان ابقى. وصفوني انني عنودة.... خليني الى ان يسقط اول صاروخ على بغداد ثم اتحرك الى الموقع" الذي حدد لها. واضافت: "كانت اختي تركت المزرعة قبل (ذلك بقليل). انا لحظات (فصلت) ان يسقط الصاروخ علي او على اولادي... كان ملجأ بسيط جداً على طريقة العسكر، داخل المزرعة سويناه هو الحقيقة... حمانا من ان تكون هذه نهايتنا".

وقالت: "امضينا حوالى الساعتين ونصف تحت الصواريخ. سقطت عشرة صواريخ على مزرعتي من اليمين ومن اليسار هدمت حتى ابسط بناياتي". واكدت انها لم تكن تعرف اين كان والدها الرئيس في "هذا الظرف الصعب"، لافتة الى انها التقت والدها آخر مرة قبل الحرب بخمسة ايام و"كنا انا ورنا وقصي وزوجة قصي واولادنا كلهم".



انتهى الامر كله

فقاطعها محاورها بسؤال عن يوم سقوط بغداد وعن الاشخاص الذين يتحملون المسؤولية، فأجابت ان "هذه اللحظات شهدتها بكل تفاصيلها. كنت على الراديو كل فترة الليل، وكنا في بغداد في المنصور انا ورنا والاولاد (...) ما كنا ناصبين ساتلايت لاغراض امنية... كنت على الراديو، اصلي وارجع على اختي اقول لها: اعتقد ان الامر كله انتهى لأنني سمعت فلان يصرح كذا وفلان يصرح كذا. قالت لي: لا، ما اتصور انت لماذا تصرين على سماع الوكالات الاخرى. بس صارت عندي قناعة شبه اكيدة انه خلص انتهى الامر كله. بعد حوالى (الساعة) 12.00 ظههرا، ارسل والدي سيارات لنا من الحماية الخاصة. قال اطلعوا. كانت وايانا زوجة قصي والاولاد. لحظات الوداع كانت رهيبة، الاولاد بدأوا يحضنون بعضهم (بعضا) ويبكون الى آخره تركنا بغداد. التقينا والدتي بعد ساعات قليلة، التقيت حلا. جمعونا في بيت على اطراف بغداد. بس كان شبه انقطعت اي صلة بالوالد وباخوتي لأنه خلص فلتت الامور انا شاهدت بالعين الجيش وهو ينسحب والجندي العراقي يرجع مذعورا للاسف... والصواريخ اصبحت تقع على يميننا ويسارنا... على بعد 50 مترا، مئة متر، كان من شدة القصف يهتز البيت الذي نحن فيه. صعدنا بسيارات صغيرة. انا سلاحي واياي... بين رجلي... لأن المصير الذي طلعنا عليه مجهول. كنت اخشى يلي يسوق بالسيارة والطريق وما بعد الطريق"، موضحة انها لم تكن تعرف السائق وهو لم يكن من العائلة، وانها لم ترى والدتها مذذاك.

وافادت انها عندما التقت والدها آخر مرة لم يكن خائفا او متوقعا حصول اي شيء، بل "انني كنت محبطة... واستمددت القوة منه"، مشيرة الى انها كانت محقة في خوفها، لأن ما توقعته حصل بالفعل.



غدروا ببلدهم

وسئلت عن سر السقوط السريع لبغداد فاجابت: "كانت صدمة كبيرة... التفسير واضح، الموضوع فسر نفسه. للاسف الناس الذين كان واضعا ثقته بهم بشكل مطلق ويعتبرهم يده اليمنى. ما فهمته من الجرائد ان الغدر الرئيسي كان عن طريقهم. تخاذل ليكتب التاريخ عليهم قبل ان يكون علينا نحن. الانسان حتى لو، انا لا احبك لا اغدرك نهائي. الغدر مو من شيمة العرب. وهذه كانت حالة غدر حالة قاسية جدا (...) غدروا ببلدهم قبل انت يغدروا بصدام حسين او عائلته".

وروت ان والدها تزوج والدتها "عن حب"، معتبرة ان "اطراف العائلة" اذوا العائلة نفسها، لأنهم "كانوا دائمي الضغط على الوالد" في امور كثيرة، مما ادى الى "فتور في الفترة الاخيرة". واشارت خصوصا الى اخوته الثلاثة سبعاوي ووطبان وبرزان الذين "اثقلوا كاهلنا من الثمانينات... تعب حقيقي"، وتحدثت عن حنان والدها وحبه لاولاده وبناته "بطريقة غير طبيعية"، نافية علمها بزواج صدام من امرأة اخرى تدعى سميرة الشابندر. ونفت علمها بما اذا كان لوالدها ابن اخر اسمه علي من زوجة غير ساجدة، واصفة الامر بانه "اقرب الى الاسطورة".

واظهر لها المذيع وثيقة مؤرخة عام 1983 مكتوبة بخط الرئيس صدام حسين وموجهة الى اخوته من امه سبعاوي ووطبان وبرزان، فقالت رغد انها صحيحة "مئة في المئة"، موضحة ان عمومتها كانوا يعارضون زواجها من حسين كامل، وكان برزان آنذاك رئيسا للمخابرات ومتزوجا من شقيقة ساجدة، وان "عامل الغيرة كان هو الاساس، مصيبة العشيرة عامل الغيرة المميت... كأن الله سبحانه وتعالى قسم الغيرة على البشرية قسمين، اعطى نصفها الى العالم ونصفها الاخر الى البيت هذا". وعن زوجها حسين كامل قالت انه كان "رجلا عصاميا" من قرية العوجة "بنى نفسه بنفسه"، مكررة ان سبب "البلوى" هم الاخوة الثلاثة.



"لعين وتاريخه اسود"

وتحدثت رغد عن فصل من حياتها لدى هروبها وشقيقتها رنا الى الاردن عام 1995 مع زوجيهما الاخوين حسين وصدام كامل ومن ثم عودتهما الى العراق عام 1996 اثر صدور عفو رسمي عن الزوجين. واتهمت عضو قيادة مجلس الثورة علي حسن المجيد الذي يلقبه الغرب "علي الكيماوي" بقتل زوجها حسين كامل وشقيقه صدام لدى عودتهما من الاردن. وقالت ان المجيد، وهو شخص "لعين وتاريخه اسود"، وقف امام والدها قائلا: ;لقد عفيت عنهما كرئىس دولة، لكن العشيرة لم تعف عنهما".

واشارت الى انها وشقيقتها اصيبتا بصدمة قوية لدى علمهما بنبأ اغتيال زوجهما وانهما انعزلتا عن سائر افراد الاسرة ثلاث سنوات لم تكن ترى خلالها الا والدها وامها واحدى خالاتها وتدعى سهام خيرالله.

وعزت القتل الى الحسد الذي كان يضمره علي حسن المجيد لحسين كامل الذي كان وزيرا للتصنيع الحربي.

ورأت ان فرار زوجها الى عمان كان قرارا خاطئا وكذلك عودته الى بغداد. وقالت انها كانت تعرف لدى خروجهما من بغداد مع زوجها انهما متوجهان الى عمان، لكنها لا تعرف الظروف التي احاطت بقرار عودته، مشيرة الى انها ما كانت لتقبل بالعودة لو اخذ رأيها في الموضوع. واضافت انها ذهبت معه الى الاردن للتدليل على التزامها الزوجي. ورفضت ما تردد من اتهامات لزوجها بالخيانة قائلة انه ليس من هذا النوع وانه كان مخلصا للعراق.



"طيب وحنون"

وفي مقابلة مع شبكة "سي ان ان" الاميركية للتلفزيون، أكدت رغد ورنا صدام حسين ان والدهما "طيب وحنون" وانه ليس شريراً كما يعتقد الكثير من الناس. وقالتا ان الرسالة التي تودان توجيهها الى والدهما هي "انهما تفتقدانه كثيراً".

وقالت رنا: "اننا نعتبر والدنا أفضل والد لانه كان حنوناً جداً معنا، وكنا نلجأ اليه لنعرض عليه كثيراً من المشاكل ليجد حلاً لها (...) لقد كان بمثابة صديق لنا، ونحن نحبه مثلما نحب والدتنا ساجدة وهو ينتهج السبيل الصحيح، ونريد ان يعرف الناس انه ليس شريراً".

ورفضت رغد الادلاء بأي تعليق عن مقتل شقيقيها عدي وقصي في الموصل في هجوم شنته القوات الاميركية على المنزل الذي كانا يختبئان فيه في 22 تموز الماضي، قائلة: "اعذرني لن اجيب عن هذا السؤال. انه لامر صعب جداً بالنسبة لي الرد". واشارت الى انها لا ترغب في العودة الى بلدها في الحال "وليس قبل عشر سنين على الاقل (...) ان الوضع هناك صعب جداً".

( و ص ف، رويترز، أ ش أ)